نظرية امتصاص الخبرة
* * خطوات إلى الأمام :(التأسيس للاستقلال, وفك الارتباط بالنقد الغربي):
توصلنا ـ فيما سبق ـ إلى ضرورة رفض الانفتاح الحضاري القسري ، ورفض الانتحار الحضاري ، وكان اختيارنا أن نعود إلى مرحلة الإحياء والتجديد الحضاري لدور العقل المسلم ، لأننا نرفض الاندثار .
وخير ما نراه لإعادة البناء والنهوض ، هو قناعتنا أن تجديد العقل المسلم ، لا يتم إلا من خلال تعرفه على مرجعيته (القران الكريم والسنة النبوية) أولا ، ثم الاستفادة من تجارب الأمم عن طريق أسلوب الامتصاص الحضاري لخبرات الآخرين ,فيما يخص مشروعنا النقدي . ويمكن أن يتم ذلك من خلال البحث عن ضالتنا في وسط فضائل العقل الفلسفي ، من خلال شروط تضمن لنا هذا التعامل منها :
1ـ أن نتخلص من مرحلة الانبهار وعقد المغلوب ، لأنه أعمى واصم وغير أمين على تعريف الأمة بفضائل عدوها .
2ـ أن نرفض نقل تجارب الآخرين وفضائلهم المخلوطة بكفرهم كما حدث في مرحلة الانفتاح الإجباري .
3ـ أن نعرف كيف نستفيد من تجارب الأمم الأخرى وندرس تجاربها في الأخذ عن الآخر .
** فمن تجارب نظرية الامتصاص ( التجربة الاوروبية) :
فمن تجارب الأوروبيين في الأخذ عن الآخر ، ما نفذوه في مرحلة نقل حضارتنا الإسلامية, ليستفيدوا من ذلك في بناء حضارة أوروبا .
فقد مارس الأوروبي أسلوبا محددا في نقل حضارة الإسلام وعلومها وآدابها وفنونها و ثقافتها ، وهو ما يسمى ( بنظرية امتصاص الخبرة ) والتي كانت تقوم على الخطوات التالية :
أ ـ استيعاب المنتج الحضاري ( الإسلامي ) .
ب ـ تفكيك هذا المنتج وتحليله للتعرف على فكره وأهدافه وخبراته .
جـ ـ طرح أو رمي الفكر والأهداف والخصوصيات الاسلامية، خوفا من انتقال تأثيرها إلى العقل الأوروبي .
د ـ امتصاص الخبرات والأساليب من هذا المنتج الحضاري مجردة عن فكرها الاسلامي.
هـ ـ صبغ هذه الخبرات والأساليب بمنهجيات التفكير الأوروبي وأهدافه وغاياته ، ومن الأمثلة التطبيقية التي سارت على هذا النهج ، ما فعله العقل الأوروبي في الجانب الأدبي ,عندما حول حي بن يقظان إلى نموذج روبنسون كروزو ,أو رسالة الغفران إلى نموذج الكوميديا الإلهية ، أو قصص ابن الجيلي إلى نموذج دونكيشوت(27) وعندما تم توجيه سؤال للمفكر الاسلامي الكبير مالك بن نبي- رحمه الله - ما الفارق بين الحضارة الاسلامية و الحضارة الاوروبية ؟ قال : تماما كالفارق بين حي بن يقظان و روبنسن كروزو .
وعلينا أن نتذكر أن الأوروبي مارس هذا الدور كعلاقة اختيارية , مع الثقافة الإسلامية دون قسر أو إكراه ، وليس كما مورس علينا قسرا وقهرا وغلبة ، في عهد الانفتاح الإجباري الذي أرغمنا عليه الاستعمار الأوروبي بأساليبه المتعددة وبتلاميذه ,الذين رباهم على ثقافته من ابناء جلدتنا.
وبذلك ضمن هذا الأوروبي ، نقل خبرات العقل المسلم ، ليستفيد منها ، ولكنه حمى أوروبا من أن تقع تحت تأثير الإسلام وانتشاره ,لأنه لا يريد الاسلام, ولكنه يريد علم المسلمين وخبرتهم فقط. ؛لأنه يبحث عن اشباع حاجاته الدنيوية ولا يهمه البحث عن الحق والحقيقة
** الارتباط بالنقد الغربي خطواتنا لفك الارتباط به: وحتى نبدأ بالتأسيس لنظرياتنا النقدية , لابد من أن نفك ارتباطنا بهم وبمدارسهم النقدية ، و أن نستخرج نظرياتنا النقدية أيضا من مصدرين هما مرجعية الأمة في هذا الأمر:
1 ـ المرجعية الفكرية : التي تشكل الرؤية الفكرية للنقد الإسلامي وهي (القرآن الكريم والسنه الشريفة وعلوم الأمة ) ومن تراكم خبرات العقل المسلم عبر تجاربه ، في قضايا الفكر و الأدب و النقد، وهي مرجعية علم الوحي التي تخضع المتغير للثابت ، وعلى إثرها يخضع لتعميق العلاقة مع الحق ، و أما في المنظور الجمالي والفني من الجانب النظري ، فيخضع فيه الجمال لخدمة الحقيقة وتجلياتها في الإبداع ، وبذلك تجمع هذه المرجعية ( مرجعية الوحي ) بين مرجعية (الثوابت ومرجعية الإحالة إلى الوجود) داخل نصوصها .
2ـ المرجعية الأدبية : والتي يمكن أن تشكل الرؤية الجمالية والأدبية للتفاعل مع الحياة من خلال الرؤية الفكرية للعقل المسلم ، ومن خلال ما حققه من النصوص الإبداعية عبر تاريخه العريق الممتد من العصر الجاهلي إلى عصرنا الحديث ، وما يمكن أن يستخرج من قوانين الإبداع ومقاييسه من خلال هذه النصوص وتطورها الفني والجمالي ، وما يتكرر من قوانين هذا الإبداع ، لنتعرف على الخاص والمشترك والإضافي في هذه النصوص ،التي هي المادة الأولى لاستخراج نظريات النقد الإسلامي ، من خلال إنجازات النص الأدبي الخاضع للرؤية الفكرية التي تمثل خصوصيات العقل المسلم ومعايرة في النقد .
هذه منهجية التميز ، التي توضح مساره ، إنها طريق شاقة ومتعبة ، ولكنها صحيحة وسليمة بإذن الله ، كما يقول شاعرنا الإسلامي :
هذا السبيل وان بدا من صاحب النظر الكليـل
دربا طويلا شائكا أو شبه درب مستحيـــل
لا درب يوصل غيره مع انه درب طويـل(30)
- عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية
- الموضوع له مراجع
وسوم: العدد 906