الحب في المنفى
يسري الغول
تابعت كغيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي زفاف الفتاة الفلسطينية مفاز أحمد يوسف من الشاب الهندي المسلم بدر خان الذي جاء إلى قطاع غزة ضمن أحد وفود التضامن من قبل. لتعيدني إلى رواية الحب في المنفى لبهاء طاهر.
ورغم أن أحداث تلك الرواية مختلف عن وقائع الحالة الفلسطينية بين بدر ومفاز، إلا أنها تمثل روابط الحب الذي قد يصنع حالة من التوائم بين الآخرين دون النظر للحواجز أو العادات أو التقاليد، فالحب -كما يقال- لا يحتاج إلى منطق يبرره فهو نفسه منطق. كما أنه لا يعرف جنسية ولا لغة ولا ديانة، لذلك تم عقد قران كثيرات من بلادنا على إخوة لنا من تركيا وماليزيا وغيرها من بلدان العالم.
وخلال متابعتي لحالة مفاز، فوجئت بأسئلة غريبة يطرحها البعض على أسرتها، بينها مثلاً: من الذي سيدفع المهر للآخر، مفاز أم بدر، ففي الهند المرأة هي التي تدفع المهر للرجل، بخلاف فلسطين التي تتبع للشريعة الإسلامية.
ورغم كل تلك الأسئلة والتعقيدات، نجحت مفاز مؤخراً بالوصول إلى الهند رغم الحصار وعقد القران في دلهي على بدر خان. لأعود معها إلى بهاء طاهر وروايته الحب في المنفى. تلك الرواية التي حصلت على جائزة آلزياتور الإيطالية عام 2008، والتي تمنح لكتّاب من إيطاليا أو يكتبون بالإيطالية. كما حصلت تلك الرواية على جائزة أفضل رواية مصرية عام 1995.
وفي تلك الرائعة، يبدأ الراوي في سرد البداية وكيف التقى أبطاله وصنعوا عوالمهم. فالبطل تردد كثيراً في الذهاب إلى ذلك المؤتمر الذي دُعي إليه –بعد انفصاله عن زوجته منار- لأنه يعرف سلفاً أن ما سيكتبه، لن تنشره الجريدة في القاهرة، ولو نشرته فسوف تختصره وتعبث بمحتوياته حتى لا يفهم القارئ شيئاً مما ذكر. وفي ذلك المؤتمر يتم الحديث عن انتهاكات الحقوق في تشيلي حيث يستضيف أحد الذين تم تعذيبهم ليروي المجازر هناك، وكانت فتاة نمساوية تدعى "بريجيت" هي التي تقوم بالترجمة والتي تصبح حبيبة البطل فيما بعد.
كانت تلك الرواية خيالية، إلا أن بهاء طاهر ذكر من خلالها عدداً من الوقائع الحقيقية، كقصة تعذيب بيدرو ومصرع شقيقه فريدي في تشيلي، وما حدث في عين الحلوة بجنوب لبنان حسب شهادة الممرضة النرويجية. وبسبب ذلك تم منحه جائزة ألزياتور بعد ترجمتها للإيطالية خصوصاً بعد ترجمتها للإيطالية.
إن بهاء طاهر الذي أبدع في أعماله الروائية لم يجعل أي حد لإيقاف تدفق الحب بين ذلك المصري وبين الفتاة النمساوية. حيث لا مكان للموت في عوالم تضج بالحياة. وطاهر الذي أتحفنا يوماً برواية "خالتي صفية والدير"، ورواية "قالت ضحى"، و"شرق النخيل"، لم يتوقف عنده الحب أبداً، فمجموعة "بالأمس حلمت بك" و"الخطوبة" و"ذهبت إلى شلال" و"أنا الملك جئت"، تعطي القارئ دفقة من الرومانسية الغائبة عن حياتنا الاجتماعية حيث أننا بحاجة لوطيد الوشائج بدلاً من هتكها بالطلاق كما يجري اليوم –للأسف- بين كثير من الناس في مجتمعاتنا المكتظة بالمشاكل والهموم.
الحياة بدون الحب جحيم..