سلسلة قراءتي لكتاب نور اليقين في سيرة سيّد المرسلين 5
لاحلف ضدّ الأخ، والوطن، والجار
قال الكاتب: أرسل الأوس، إياس بن معاذ، وأبا الحيسر أنس بن رافع، مع جماعة يلتمسون الحلف من قريش، ضدّ إخوانهم من الخزرج. فقال لهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل لكم خير في ماجئتم به؟ أن تؤمنوا بالله وحده ولا تشركوا به شيئا. 73
أقول: لم يطلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأوس، ولا من الخزرج، حلفا ضدّ وطنه وأهله من قريش، وهم الذين طاردوه، وحاصروه، ومنعوا عنه الأكل والشرب، وسعوا لتشويه سمعته في الداخل والخارج، وأجبروه أن يدخل وطنه مكّة تحت جوار كافر، وهو عائد من الطائف. ورغم أنّه كان أحوج النّاس إلى حلف يحميه وينصره، إلاّ أنّه أصرّ على أن لايتحالف مع أيّ كان، ومهما كان ضدّ إخوانه من قريش، ووطنه مكة، وجيرانه الطائف. وهذه من عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
قال الكاتب: كانت غاية الأوس والخزرج، من الالتقاء بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن "يجمعهم الله عليك، فلا رجل أعزّ منك". ونجح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في الجمع بينهما، بعد سنوات من الدماء.
والقائد العظيم، هو الذي يجمع بعد شتات، ويوحّد بعد اقتتال، ويلم الشمل بعد افتراق وخصام. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قائد عظيم، لأنّه جمع المتقاتلين فيما بينهم، وفي ظرف وجيز، ودون خسائر.
السفير الفاقد البصر عبد الله بن أمّ مكتوم
على إثر لقاء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بالأوس والخزرج، أثناء العقبة الأولى، أرسل لهم أسيادنا مصعب بن عمير، وعبد الله بن أمّ مكتوم، سفيرين عنه صلى الله عليه وسلّم، يعلمان أهل المدينة القرآن الكريم. 74
أقول: السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: كيف يمكن للأعمى أن يكون سفيرا؟ والجواب: كلّ سفير مفوّض بمهمة تناسب قدراته الجسدية، والعقلية، وماضيه، وطموحاته، وعلمه. وسيّدنا عبد الله بن أمّ مكتوم، كلّف بمهمة تعليم القرآن الكريم، وفقد البصر ليس من موانع أداء مهمة تعليم القرآن الكريم، والأمثلة التي قرأها النّاس وحدّثوهم عنها الأجداد والآباء، والحالات التي رأوها رأي العين -وما زلت-، تؤكّد ذلك، وتثبته.
وفاء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه للشروط التي قطعها للأوس والخزرج
قال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم للأوس والخزرج: "أشترط لربي أن تعبدوه وحده ولاتشركوا به شيئا، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم". ووعدهم أن يظلّ معهم حتّى ولو انتصر على أعدائه. 77
أقول: لم يشترط سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا لنفسه، ولا لعائلته، ولا لأهله، ولا لذريته وهو المطارد، والمهدّد، والمحاصر. وهذه من صفات القائد العظيم، الذي يتجاوز نظره أبعد بكثير من اللّحظة التي يعيشها بآلامها وآمالها.
ووفى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعهده الذي قطعه للأوس والخزرج، حين بقي في المدينة بعد فتح مكة، ولم يغيّر ولم يبدّل، وبقي على عهده وهو القوي المنيع بعد 10سنوات من الهجرة، كما وعدهم أوّل يوم وهو المطارد المحاصر. وهذا من عظمة القائد، الذي يفي بالعهد، ويثبت على الرأي، ويتمسّك بالموقف. ويكفي أنّه لقي ربّه في المدينة وليس في مكة، وهذا من علامات الوفاء التي ميّزت القائد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
قوّة أسيانا الصحابة من قوّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين اجتمع كفار قريش في دار الندوة، لدراسة طرق محاربة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن بين هذه الطرق، كما جاء في الكتاب، هي: "نوثقه ونحبسه حتّى يدركه ماأدرك الشعراء قبله من الموت. فرفض هذا الرأي كسابقه لأنّهم قالوا إنّ الخبر لايلبث أن يبلغ أنصاره ونحن أدرى النّأس بمن دخل في دينه حيث يفضّلونه على الآباء والأبناء، فإذا سمعوا ذلك جاؤوا لتخليصه وربما جرّ هذا من الحرب علينا مانحن في غنى عنه". 78
أقول: قيل هذا الاعتراف وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضعيف، ومحاصر، ومهدّد بالقتل، وأصحابه رضوان الله عليهم، قلّة لاتذكر، وضعفاء، وفقراء، ومحتاجون، وتركوا المال والولد، وهم دون بيت، ولا قوت، ولا استقرار.
تعترف قريش وهي العدوة اللّدودة، بعظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمتمثّلة -من خلال هذه الواقعة-، في قوّة أصحابه رضوان الله عليهم، من حيث الامتثال، والقدوة، والمتابعة اليومية المستمرة، والدفاع عن قائدهم صلى الله عليه وسلّم بما يملكون، وبأعزّ مايملكون وهي أرواحهم الغالية الطّاهرة، حتّى أنّ قريش وهي القوية المنيعة المستقرة، تخاف من مواجهتم إن أصابت قائدهم صلى الله عليه وسلّم، وهم الضعفاء، والفقراء، والمحتاجون، والمطاردون، والمهدّدون في قوتهم وأرواحهم.
وسوم: العدد 979