بايات الأتراك بالجزائر في نظر الفرنسي أوجين فايست
الكتاب: "تاريخ آخر بايات قسنطينة، منذ 1793 حتى سقوط الحاج أحمد"، أوجين فايست، ترجمة: فطيمة ديلمي، الطبعة الأولى، 2013، دار التنوير، الجزائر، من 145 صفحة.
أوّلا: كلمة تقدير في حقّ المترجمة:
الترجمة كانت في غاية الدّقة، واتّسمت باللّغة العربية السّهلة، والبسيطة، والممتعة، رغم أنّ الكتاب يتحدّث عن القتل، والدسائس، وقطع الرؤوس.
اتّسمت الترجمة ببعض البيان الممتع، وإن لم تصل لسحر البيان.
كلّ التّحية، والتّقدير، والاحترام للأستاذة الفاضلة فطيمي ديلي، على روعة الترجمة، وإتقانها، والتميّز، والأمانة. متمنيا لها كلّ السّداد، والتّوفيق.
أفضل مافي الكتاب الترجمة التي قدّمتها الأستاذة الفاضلة فطيمة ديلمي، والتي لاأعرفها، ولم أرها، ولم أقرأ لها من قبل، وفيما أتذكر.
قالت المترجمة في هامش صفحة 26: "قوات من الأهالي موالية للأتراك". وهذا هو العتاب الوحيد الموجّه من طرف القارىء المتتبّع تجاه المترجمة الفاضلة، خاصّة وأنّها استعملت وعلى لسانها مصطلح "الأهالي؟!"، وهو مصطلح استدماري عنصري، سقطت فيه الأستاذة دون أن تدري، وكان عليها أن تقول الجزائريين.
ثانيا: ملاحظات القارىء المتتبّع حول الكتاب وصاحب الكتاب:
يعترف الكاتب بقوّة وعظمة وفروسية الجزائريين.
قال: "الجزائريون يكرهون عبودية الأجنبي" 80. وقال: "صمود قسنطينة يعود لسكانها وليس لقادتها" 23. (أقول: يريد أن يقول: يعود الصمود للجزائريين، وليس للأتراك).
قال: "هؤلاء السكان المقاتلين الذين هزمنا أمامهم في أوّل مرّة" 23 . (أقول: يقصد صموج الجزائريين ضدّ الاستدمار الفرنسي أثناء حصار قسنطينة 1836).
تطرّق الكاتب لـ 16 باي من بايات الأتراك في الجزائر، وابتداء من سنة 1793 إلى بدايات الاستدمار الفرنسي.
مقدمة الكاتب بتاريخ: 1857 بقسنطينة. أي أثناء الاستدمار الفرنسي للجزائر، وقد مرّ على الجزائر 27 سنة من الاحتلال الفرنسي.
الكاتب الفرنسي كان أمينا، وصادقا، وجادا، وبذل جهودا كبيرة معتبرة، وهو يصف جرائم، ووحشية الأتراك، وبايات الأتراك في أواخر الحكم العثماني بالجزائر.
نقل الكاتب الفرنسي جرائم بايات الأتراك ضدّ الجزائريين، كـ: الضرائب المجحفة، وقطع الرؤوس ببرودة، والاعتداء على الأملاك، والعبث بالأرواح، والاستهتار بالأعراض، والتعذيب، والإهانة لأجل الكرسي، وتوريث الحكم لأبنائهم، وإرضاء الداي.
استمد الكاتب الفرنسي معلوماته البالغة الدّقة، من أفواه الجزائريين الذين عايشوا المرحلة، وتضرّروا من جرائم بايات الأتراك، ثمّ قارنها بما يملك من مراجع عديدة، واختبر الجزائريين في صدق شهاداتهم، ليصل للحقيقة التي سعى لأجلها وقال: "ولقد جمعت عدة حقائق من أفواه الأهالي الذين كانوا شهود عيان وفاعلين في الدمار، وكنت أختبر بفضل ذاكرتهم، ماعرفته من المصادر التي أشرت إليها سابقا". 9
يعرف الكاتب الفرنسي، أدقّ تفاصيل المجتمع الجزائري، وأسرار الأتراك، وجرائم بايات الأتراك.
لم يقارن الكاتب بين الوجود العثماني والاستدمار الفرنسي، ولم يتطرّق لفترة الاستدمار.
الاستدمار الفرنسي أقرّ كلّ الجرائم التي كانت في أواخر الحكم العثماني بالجزائر، وأضاف لها جرائمهم كالضرائب، والاعتداء على الأملاك، وبعض الأخلاق الشنيعة التي لاتتناسب وقيم المجتمع الجزائري، وحين يشتكي الجزائري، يقولون له: هذه الضرائب -مثلا-، كانت مفروضة عليك من قبل العثمانيين، والاستدمار الفرنسي تبع للعثمانيين في ذلك.
يطلق الكاتب لفظ "المليشيا" على الأتراك، ويتعامل معهم على أنّهم كذلك. واستعمل وبشكل، ومستمر مصطلح "المليشية التركية".
"قال وهو يصف الأتراك: "ولكنّنا على أنّ الأتراك يجيدون استخدام السيف أفضل من استعمال الريشة". 6
أقول: كلّما امتدّ الزّمن، كلّما طغى البايات وتجبّروا، وأفرطوا في ظلم الجزائريين.
أقول: كلّ الذين ذكرهم الكاتب الفرنسي من بايات قتلوا: رميا بالرصاص، أو شنقا، أو خنقا، أو قطع رأس، أو قتل زوجة، أو نفي. وكذلك حين ا`عتلوا المنصب، فعلوا بأعدائهم.
لم يذكر الكاتب حسنة واحدة للأتراك في الجزائر، و-بلسانه- لم يترك إثما اقترفه الأتراك في الجزائر إلاّ ذكره..
ثالثا: محتوى الكتاب:
مصطفى الوزناجي 1209-1795:
"كانت أسلحته تزرع الهلع وتجعل الهيمنة التركية تشمل البلاد كلّها، وتستخدم سلطتها لإظهار استبدادها الشنيع للرعية المهزومة". 12
"صدر الحكم بقتله، هلك الوزناجي خنقا بعد عامين من الحكم، وخلفه إنجليز باي". 14
حاج منصور إنجليز باي، 1212-1797، شهر جانفي:
كان لإنجليز باي ابن يدعى علي، لم يترك إثما إلاّ واقترفه". 16
"فساد الإبن من دلال الأب". 19
أقول: حين يكون الأب فاسد يكون الإبن فاسدا بسبب دلال الأب، وهذا من الفساد.
أحمد عصمان باي 1803-1218، شهر ماي:
"نشأ حازما ومستقيما، وكان يكره الأتراك لأنّه كان يعادي الظّلم". 21
"صمود قسنطينة يعود لسكانها وليس لقادتها". 23
"والباي نفسه تم أسره، وقطع رأسه بأمر من الشريف". 26
عبد الله باي 1219-1804:
"أرسل الداي أمرا بضربه بالعصا ألف ضربة، ثمّ قطع رأسه، وماتت زوجته دايخة بنت حسن باي من التعذيب". 31
حسين باي ابن صالح 1221-1885:
"لقد تم إرسال أربعين بغلا إلى العاصمة محملين بآذان القتلى كتذكار. ولقد وضعت أجزاء الجثث هذه على أسوار باب عزون". 35
"أصدر أمرا بقتل الباي فورا. مات المسكين خنقا". 38
علي باي 1222-1807، شهر أوت:
"كانت الميليشية التركية تنتشر يوميا، فتسلب المحلات، وتهجم على الأسواق، وتستحوذ على كلّ شيء، فعم الاضطراب والفوضى". 43
"بمجرد أن وضع علي باي رجليه على عتبة السقيفة، حتى أفرغوا فيه بنادقهم". 46
أحمد شاويش المعروف بالقبائلي 1223-1808، شهر سبتمبر:
"وصل يوم الرحيل، ولكن قبل الشروع فيه كان لابد من إراقة الدم، وكانت الضحيتان اللتان وقع عليهما الاختيار، قطع رأسهما، وبدأ السير". 55
"كان المسكين يعتقد أنّه في أمان، أخرجوه من ملجئه وقطعوا رأسه فورا، أخذ رأسه إلى قسنطينة، وسير بها في المدينة، وسط فرحة السكان". 60
"هكذا انتهت حياة هذا المغامر، الذي دام حكمه خمسة عشر يوما". 60
نعمان باي 1811-1226:
"اتّجه الآغا إلى العاصمة، وفي طريقه، قام بقطع رؤوس البعض منهم إلى جانب 260 عربيا أو قبائليا".69
"وقبل أن يتمكّن من المطالبة بتوضيح الأمر هجم عليه الشواشية (جمع شاويش) وقتلوه خنقا بعمامته). 72
محمد تشاكر من 1814 إلى 1818:
"كان جميع الجزائريون على علم بكراهية محمد تشاكر للعرب". 74
قال: "إذا صرت بايا سأجد وسيلة للانتقام من العرب، سأهلك يوميا ماشاء الله". 74
"وانتقاما من الاستقبال الفاتر الذي تلقاه من السكان، فقأ في اليوم نفسه عيني المدعو بن هني رئيس ساسة (جمع سائس) إسطبلات الباي، وأمر بإلقائه إلى الساحة من شرفة القصر. وبعد عشرة أيّام تم اختطاف بن عزوز -نائب الآغا الأسبق على الزواوة- وتم شنقه". 75
استخدم حكمه لنهب مرؤوسيه. 76
لايمرّ يوما إلاّ وقطع خمسة عشر، أو عشرين رأسا. 76
في كلّ سفرياته يترك رجلا مشقوق البطن كذكرى. 78
يتغذى سيف جلاديه يوميا بلحم عربي. 79
متعة قطع الرؤوس لفرض السيادة، المتعة التي كانت القاعدة العامة في تلك الأيام. 79
لابد أن نعترف جميعنا أنه بدءا بالباشا و وصولا إلى الباي كلهم اعتمدوا على القمع والاستبداد كقاعدة صلبة و وحيدة لسلطتهم. 80
كان في سيره يشق البطون ويمزق الضحية الثانية ويتركها مهملة. وفي اليوم الثالث شق بطن الأول، وقطع رأس الثاني. 80
وسوم: العدد 1010