عَرْفُ الزَّيْزَفُون بِشَرْحِ قَصِيدَةِ قَائِدِ مَيْسَلُون
البَطَلِ الشَّهِيدِ النَّابِغَةِ
يُوسُفَ العَظْمَةِ
طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ
فِي الذِّكْرَى الثَّالِثَةِ بَعدَ المِئَةِ لِرَحِيلِهِ، ولِمَعْرَكَةِ مَيسَلُونَ
مَلحَمَةُ:
قائِدِ مَيسَلُونَ وبَطَلِهَا الشَّهِيدِ النَّابِغَةِ الوَزِيرِ النَّقِيبِ
يُوسُفَ بنِ إبراهيمَ العَظْمَةِ
صُورَةٌ مُشرِقَةٌ مِن ماضِينَا القَرِيبِ المَجِيدِ
(1301- 1338هـ = 1884- 1920م)
سيد أحمد بن محمد السيد
1- لِجِلَّقَ فَانْطَلِقْ بِي يَا هَوَاهَا! إلَى بَطَلٍ مُسَجًّى فِي ثَرَاهَا
2- لِيُوسُفَ نَجْلِ عَظمَةَ نُقْرِئَنْهُ سَلامًا - مُفعَمًا بِالعِزِّ- تاهَا
3- ليوسف نجلِ إبراهيمَ؛ مَن قد تَيَتَّمَ بَعدَ سِتٍّ ، قد عَلَاهَا
4- و قائدِ مَيسَلُونَ الحُرِّ من قد بِهِ الأقوامَ افَاقَتْ مِن كَرَاهَا
********
5- هُوَ المِغْوارُ في ساحاتِ حَرْبٍ ومِسْعَرُ نارِهَا حَامِي لِوَاهَا
1
6- وَزِيرٌ قائدٌ ، شَهمٌ ، شُجَاعٌ ذَكِيٌّ ألْمَعِيٌّ ، لَا يُضَاهَى
7- تقيٌّ مُسلِمٌ ، بَرٌّ لِرَبٍّ تحلَّى بِالفَضَائل في عُلَاها
8- شَهيدٌ بَاعَ - لِلرَّحْمَنِ- نَفْسًا بِجَنَّاتٍ ، و رِضْوَانٍ حَبَاهَا
9- فَتَى سُورِيَّةَ المِقْدَامُ مَنْ قَدْ فَدَى سُورْيَا الحَبِيبَةَ مَعْ ثَرَاهَا
********
10- ألَا حَيُّوا مَعِي البَطَلَ المُجَلِّي - أبَا لَيْلَى - بِثَوْرَةٍ ابْتَدَاهَا
11- على"غُورُو"اللَّئيمِ؛ على فِرَنْسَا
عَدُوَّةِ حَقِّنَا ، تَبَّتْ يَدَاهَا
********
12- وفي"الشاغور"مَولِدُه، وفيه رَعَتْهُ أسْرَةٌ ، كَرُمَتْ ذُرَاهَا
13- و بَعدَ وَفاة والِدِه ؛ لِسِتٍّ رَعاهُ أخُوهُ بِالحُسْنَى مَدَاهَا
14- تعَلَّمَ الابْتِدَائيْ ، فِي دِمَشْقٍ و"إعدادي العَساكِرِ" قد قَرَاهَا
15- وبعدَ العَشرِ معْ سِتٍّ فأمَّتْ رَكَائبُهُ لـ "أسْتَانَةْ" ؛ أتَاها
16- لِيَدرُسَ عن عُلوم الحَربِ فيها بِتَحضيري، وعالٍ؛ فاقتراها
17- تخرَّج - في دِرَاسته - نقِيبًا نَقِيبَ ارْكَانِ حَربٍ قد دَرَاهَا
18- و بَعْدَئذ - لِألمانيا - ارسَلُوهُ
لِدَرسِ اركانِ حَربٍ في حِمَاهَا
19- قَضَى في ربعها عامَينِ حَتَّى تَخَرَّجَ مُحْرِزًا عِلْمًا ، و جَاهَا
20- و عادَ - لِآسِتَانَةْ - غِبَّ هذا لِيَخْدِمَ - جيشَ أمَّتِهِ - فَتَاهَا
21- لِيَعمَلَ كاتِبًا في أرضِ مِصْرٍ لِمَندُوبِ الخِلافة في ذَرَاها
2
22- وفي الحَربِ العَمِيمة سارَ حالًا
إلى اسْتَنْبُولَ - طَوعًا- قَدْ أتَاهَا
23- وكان رئيسَ أركانٍ لِحَرْبٍ ببلغارْيَا ، و غالِسْيا ؛ فَجَاهَا
24- و رُومانيا أخِيرًا كان فيها يَقُودُ لِفِرْقَةٍ ؛ فِيمَنْ رَعَاها
25- و رافَقَ أنوَرَ الباشَا بِرَحْلٍ بِتَطْوَافٍ لِمُدْنٍ ، مَعْ قُرَاها
26- إلَى الأنَضُولِ سُورِيَّا ومَعْهَا عِرَاقُ المَجْدِ مَرُّوا في رُبَاهَا
27- وكان رئيسَ أركانٍ لِجَيْشٍ بِقَفْقَاسْيَا ؛ يُرَابِطُ في ثَرَاها
28- و كان رئيس أركان لحربٍ لِجَيشِ الآسِتانَةِ ؛ في حِماها
29- وبعد دخول فيصلِ أرضَ سُورْيَا
تَرَأَّسَ جَيشَها ، وحَمَى إبَاهَا
30- و صار رئيسَ أركانٍ لِجَيشٍ و نظَّمَهُ ، و صارَ بِهِ يُبَاهَى
31- بَنَى جَيشًا ؛ بِسُورِيِّينَ بُسْلٍ بِعَشْرِ ألُوفِ -عِدَّتُه - حِذَاهَا
32- وأضحى فيصَلٌ مَلِكًا لِسُورْيَا لِخَمسةِ أشهُرٍ دامَتْ عُرَاها
33- ومِن ضِمْنِ الحُكُومَة كان يُوسُفْ
وَزِيرَ الحَربِ يُعْلِي مِن بِنَاهَا
34- وغِبَّ دُخُولِ غُورُو أرضَ سُورْيَا
و تَدْنِيسٍ لِجَيشٍ ، قد غَزَاهَا
35- تَلَقَّى فَيصَلٌ إنْذَارَ غُورُو بِفَضِّ الجَيشِ مَن يَحمِي حِماها
36- و تَسْليمٍ لِخَطٍّ مِن حَديدٍ لِمُحْتَلٍّ لِسُورْيَا ، قَدْ دَهَاهَا
37- وأن يرضَوا بِعُمْلَةِ غاصِبِيهِمْ تَدَاوُلَهَا ، و أشياءً سِوَاهَا!
3
38- و حَدَّدَ مُدَّةً يَوْمًا ، و إلَّا سَيَفْتِكُ بِالأهَالِي مَعْ بِنَاهَا!
39- فوافق فيصلٌ ، و مُنَاصِرُوهُ عقيبَ فَوَاتِ مُدَّتِهِمْ ، مَدَاهَا
40- وفضَّ الجَيشَ والغازُونَ كَرُّوا على جَيْرُونَ ؛ بُغْيَتُهُمْ ثَرَاها
41- وأمسى فيصلٌ مُستَنْجِدًا بِالـْ أهَالِي؛ كَيْ يَصُدُّوا مَن غَزَاها
42- فَهَبَّ شَبابُها والشِّيبُ كَيْمَا يُجَازُوا - بِالعَداوَةِ - مَن بَداها
43- يَقُودُهُمُو - أبُو لَيلَى - بِجُنْدٍ و ضُبَّاطٍ ، يَسِيرٍ مُحتَوَاها
44- وكانت ميسلونُ المَجْدِ ساحًا لِمَعْرَكَةٍ ؛ سَمَتْ عِزًّا و جاها
45- بأسلحةٍ - بَسِيطاتٍ - وجُندٍ قِلَالٍ ، مَعْ عَدُوٍّ قد تَبَاهَى
46- بآلاف - مُؤَلَّفَةٍ - أتَوهُمْ بِدَبَّاباتِهِمْ ؛ يَدْوِي صَدَاهَا
47- وجاؤُوا - بِالمَدَافِعِ- مُلْقَمَاتٍ و طَيَّاراتُهُمْ - مَلَأتْ - سَمَاهَا
48- و بعدَ زُهَاءِ ساعاتٍ ثَلاثٍ لِمَعْرَكَةٍ - تَسَعَّرَ - جانِبَاها
49- تَمَخَّضَتِ النتيجةُ عَنْ كثيرٍ من الشُّهَدَا تَرَقَّوا في عُلاها
50- وعِدَّتُهُمْ زُهَاءُ الألْفِ مَعْهُمْ أبُو ليلى ؛ تَطَهَّرَ في ثراها
51- و أربَعةٌ بِعَشْرٍ مِنْ عِدَاهُمْ إلى سَقَرٍ، و تَعْسٍ مُنْتَهَاهَا
********
52- و مِن شُهَدائها عُلَمَاءُ دِينٍ نُجُومُ هُدًى تَهَاوَوا في حِماها
53- كَعَبدِ القادر الكِيوانِ شيخٌ خَطِيبُ الجامِعِ الأُمَوِي فِدَاها
54- كَمالٌ نجلُ أحمدٍ الخَطِيبِ و عبدُ اللهِ كلَّاسٌ ، حَمَاها
55- و نجلُ مُحمَّدٍ تَوفِيقِ دَرَّا مُحمَّدُ نُورٌ الحُصَرِي افْتَدَاها
56- ونَجلُ نَجيبِ ياسِينَ الكِوَانِي و صادِقٌ الهِلَالِ رَوَى ثَرَاها
4
57- وأحمَدُ مَوصِلِي و سَلِيمُ دَرَّا
صَلاحُ الدينَ ابُو الشاماتْ وَقَاها
********
58- و بعدئذ غزا غورو دمشقًا و دنَّسَ أرضَها جَيْشٌ غَزاها
59- وأشعَلَ ثَوْرَةً في كل سُورْيَا فما طَفِئَت ولا خَمَدَتْ لَظَاها
60- ودامَتْ رُبْعَ قَرْنٍ مَعْهُ عامٌ فزَلزَلَتِ العُلُوجَ كَذَا قُواها
61- إلى أنْ غادَرَ المُحْتَلُّ فَلًّا علا وَجْهَ الجُنُودِ لَهُ شَقَاها
********
62- و أشرَقَتِ البلادُ بِنُورِ رَبِّي وبالحُرِّيَّة - انتَعَشَتْ - رُبَاهَا
63- و تاهَت في كَرامَتها و عِزٍّ و نِيرَ عُبُودَةٍ ، خَلَّتْ وَرَاها
64- ولَقَّنَتِ الأعَادِي دَرسَ خِزْيٍ و أمُّهُمُ الحَنُونُ رَأتْ خَذَاهَا
65- بِأبْطالٍ - أشَاوِسَ- أثْخَنُوها بِضَرْبَاتٍ ؛ دَرَاهَا مَن قَرَاها
********
66- فيا رَبَّاهُ! "يُوسُفَ" فارْحَمَنْهُ مَرَاحِمَ جَمَّةً ؛ تُعْلِي فَتَاهَا
67- كذا أصحَابُهُ ؛ في مَيْسَلُونٍ وأعلِ مَقَامَهُمْ عِزًّا و جاها
68- وأسكِنْهُمْ فَسِيحَ جِنَانِ عَدْنٍ و نَعِّمْهُمْ بِمُلْكٍ لا يُضَاهَى
69- كذا أحْبَابُهُمْ ؛ أرْبَابُ صِدْقٍ فأكْرِمْهُمْ بِجَنَّاتٍ ، و ماها
********
من ديواني "في رِحَابِ العُظمَاء"
5
عَرْفُ الزَّيْزَفُون بِشَرْحِ قَصِيدَةِ قَائِدِ مَيْسَلُون
*غرائب العُنوان:
*الملحمة: القصيدة الطويلة التي تتكلم عن الحرب وتفاصيلها، وأبطالها. وهي: الحرب الشديدة، وموضعها، و: هي عمل قصصي له قواعد وأصول، يُشاد فيه بذكر الأبطال والملوك ...، وقد يكون شعرا مثل: "الإلياذة" عند الإغريق"، و"الشاهنامة" عند الفُرس"، وقد يكون نثرا كـ "سيرة عنترة"، و"الزير سالم"، وغيرهما. *"المعجم الوسيط" 819، بتصرف.
*قائد ميسلون: رئيسها. وميسلون: مكان شهير غربي دمشق قامت به المعركة الشهيرة بين السوريين بقيادة البطل الشهيد يوسف العظمة، والفرنسيين بقيادة الفريق غورو في 24/8/1920م؛ وهي موضوع القصيدة.
معركة ميسلون
*سبب المعركة: أن غورو أرسل إنذارا شفهيا إلى الأمير فيصل "ملك سورية" يطلب منه قبول الانتداب الفرنسي على سورية، وحل الجيش السوري، ومطالب أخرى؛ فرفض الشعب السوري تلك المطالب، فأرسل غورو إنذارا خطيا إلى فيصل لقبولها؛ فاضطرت حكومة فيصل أن تقبلها، وأمر فيصل بحل الجيش السوري المُدرَّب؟! فرفض القائد يوسف العظمة أن يحله، ثم أُكرِه على حَلِّه. ومع قبول حكومة فيصل بمطالب فرنسا، وحل الجيش، إلا أن غورو أصرَّ على ضرب دمشق، ولما قيل له في ذلك، تذرَّع بأن رَدَّ فيصل لم يصله إلا مُتأخِّرا؟! أو: أنه لم تصله برقية فيصل بسبب قطع أسلاك الاتصال.
6
*ليلة المعركة: وفي مساء 23/تموز/ قام يوسف العظمة بجولة على الوحدات المُتَرَكِّزة في منطقة "عقبة الطين"، ثم عاد إلى مركز قيادة الفرقة؛ حيث تناول العشاء مع قائد الفرقة، ثم التحف كل منهما بِبَطَّانية رغبة في النوم، ولكنهما لم يتمكَّنا من ذلك إلا حوالي مُتصف الليل، وقد ظلا مُستغرقين بالنوم حتى الساعة الرابعة صباحا، إذ استيقظا فيها فأدَّيَا صلاة الصُّبح، ثم بدأا بالاستعداد لخوض معركة ميسلون.
أما الشعب السوري فقد رفض هذا الإنذار، فأمر مُمثل فرنسة في لبنان الجيش الفرنسي بالزحف إلى دمشق صباح 21/7/1920م؛ فأعلن فيصل الجهاد، والتقى الجيش الفرنسي بكامل أسلحته بالمقاتلين السوريين بقيادة وزير الدفاع حينها يوسف العظمة في معركة بطولية غير متكافئة في 24/7/1920م. ودامت المعركة 3 ساعات أسفرت عن استشهاد يوسف العظمة و400 ممن معه من المقاومين السوريين، ونحو 1000 جريح، ومن الفرنسيين - حسب إحصائياتهم- 42 قتيلا، 154 جريحا.
*من أبرز العلماء المُقاتلين الشهداء في ميسلون:
ومن أبرز من قاتلوا واستشهدوا في معركة ميسلون علماء المسلمين الذين اعتقدوا أن الاشتراك في ميسلون فريضة جهاد مُقدَّسة يجب ان يؤديها المسلم ولو استُشهد هناك؛ ومن أولئك العلماء:
1- الشيخ عبد القادر كيوان: خطيب الجامع الأموي، العالم الصوفي، والسياسي الوطني، من كبار رجال الأمة المُشار إليهم بِالبَنَان.
2- الشيخ كمال بن أحمد الخطيب: هو الحافظ للقرآن الكريم والمتون العلمية، والمُجاز بالتدريس في الجامع الأموي الكبير بدمشق، وإمام وخطيب في بعض جوامع دمشق.
3- الشيخ محمد توفيق بن محمد سليم الدَّرَّا: الفقيه الصوفي، والعالم بالتفسير والحديث، ومُفتي الجيش الخامس، ذو الهمة، المجاهد.
4- الشيخ ياسين نجل العلامة الشيخ نجيب عميد آل كِيوان: هو تاجر ورِع، من خُطباء "مدرسة القلبقجية" بدمشق، الغيور المُتَّقِد غيرةً وحَماسًا.
5- الشيخ سليم الدرا. 6- الشيخ عمر الصباغ. 7- صادق هلال.
8- أحمد الموصلي. 9- محمد نوري الحصري. 10- عبده الصباغ.
11- أحمد القحف. 12- عبد الله الكلاس. 13- محمد نيروز: من "دُوما".
14- أبو الخير الجابي: قائد تشكيل الشيخ حمدي الجُويجاتي.
*ومِمَّن حضر ميسلون من العلماء ولم يستشهد:
15- العلامة الشيخ حمدي الجُويجاتي.
*ومن المجاهدين المسلمين في ميسلون:
16- أبو صلاح العرجا. 17- هاشم الأغواني. 18- صالح الصابوني.
19- أبو سليم العرجا. 20- مُستُو الأغواني. 21- عبدو المُرادي.
22- محمود قاروط ... . *رايَةُ ميسلون وعَلَمُها:
الوجه الأول لِلعَلَم
الوجه الثاني له
8
خرج المجاهدون العلماء وغيرهم، بقيادة يوسف العظمة، خرجو للجهاد في سبيل الله تحت راية موجودة في "المُتحف الوطني" بدمشق، وهي العَلَمُ العربي بشكله وألوانه ... . *ولكن حملت الراية على وجهها الأول:
- على اللون الأسود: بسم الله الرحمن الرحيم، (وجاهدوا في سبيل الله).
- وعلى اللون الأبيض: (إن الله معنا).
- وعلى اللون الأخضر: (إنا فتحنا لك فتحا مُبينا).
*وعلى وجهها الثاني: - على اللون الأسود: (لا إله إلا الله).
- وعلى اللون الأبيض: (محمد رسول الله).
- وعلى اللون الأخضر: (اللواء الأول سنة 1338 "المُشاة").
قال أستاذنا د. شوقي أبو خليل: "تحت هذا العلَم العربي، وما حمل من شعارات ومعان، جاهد المُسلمون في ميسلون، وقابلوا الموت بل خرجوا له؛ لأن الظروف الدوليَّة لم تكُن إلى جانبهم حينما قرَّروا الوُقوف في وجه فِرنا، إنهم يعلمون أن المعركة انتحارية وغير مُتكافئة، ولكنهم مع ذلك خاضوها تحت شِعار: المُحافظة على الشرَف والكرامة مهما كانت النتيجة، ولِيعلم العالَمُ أجمعُ أن دمشق عاصمة الأمويين ما كان ليدخُل مُحتلٌّ إلى على جُثَث أبنائها المُؤمنين". *الإسلام وحركات التحرُّر العربية" 153.
*موقف الملك فيصل بن الحسين من استشهاد يوسف العظمة ورفاقه:
ولما سمع فيصل بن الحسين باستشهادهم قال: "إني أحني رأسي احتِرامًا لجميع هؤلاء الذين ضَحَّوا بِحياتهم في سبيل الاحتجاج على اعتداء لم يَعرف له التاريخ مَثيلًا".
*دخول غورو الصليبي دمشق، وتوجهه بحقده إلى ضريح البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي: ثم دخل غورو دمشق في أوائل /آب- أغسطس/1920م، وكان أول ما فعله بعد وصوله أنه توجَّه إلى ضريح السلطان البطل صلاح الدين الأيوبي؛ فدخل إلى مقامه الكريم بصورة عُنفٍ
9
وتَهكُّم وسيفه إلى جانبه، وعَمْرَتُه فوق رأسه، وقال بِشَمَاتة: "يا صلاحَ الدين! أنتَ قُلتَ لنا في إبَّان حُروبك الصليبية: إنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه، وها قَد عُدْنا؛ فانْهَضْ لِترانا ههُنا، لقد ظَفِرنا باحتِلَال سُورية"؟!
وهي الحُجَّة نفسُها التي أثارت الحُروب الصليبية، مُدَلِّلًا بذلك على الروح الاستِعمارية الحديثة!! كما يقول أستاذنا شوقي أبو خليل 154.
*ما بعد ميسلون: كما تم احتلال مدينة دمشق، وإنزال العلم العربي ورفع العلم الفرنسي بَدَلَهُ، وفرض الحُكم العسكري، وإعدام جماعة من الوطنيين السوريين، وفرض جِزية كبيرة على المواطنين.
وبمعركة ميسلون انتهت الحكومة العربية الفيصلية المُستقلة في سورية، بعد حُكم دام 4 أشهر وبضعة أيام، وأجبر فيصل على مغادرة سورية مع بعض وزرائه في 27/7/1920م.
*ينظر: 1- "الإسلام وحركات التحرر العربية" د. شوقي أبو خليل 149- 154. 2- "الموسوعة العربية العالمية" 24/541. 3- "سورية في قرن" لمنير الغضبان 46- 48. 4- "الموسوعة الحرة ويكيبيديا".
*النقيب: رُتبة عسكرية. قائد معركة ميسلون الشهيد البطل يوسف العظمة:
يوسف العظمة
*اسمه ونسبه: هو يوسف (بك) ابن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة، أبو ليلى، شهيد ميسلون، من الوزراء، ومن كبار الشهداء في سبيل استقلال سورية. وآل العظمة من الأسر المعروفة في سورية، استوطنت دمشق في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة، ونبغ منها ضباط وإداريون وفضلاء.
*والدته: هي ليلى الشَّرْبَجِي، وقد سمَّى ابنته الوحيدة باسمها.
*مولده: ولد في حي "الشاغور بدمشق. ولما بلغ ست سنوات من عمره تيتم بفقد والده؛ فكفله شقيقه الأكبر.
*دراسته وتعليمه: تعلم الابتدائية في دمشق، وفي عام 1893م انتقل إلى "المدرسة الرشيدية العسكرية" في حي "البحصة" بدمشق فدرس فيها.
*في عام 1897م انتقل إلى "المدرسة الإعدادية العسكرية" في "جامع تنكز" من دمشق ليدرس فيها.
*في عام 1900م سافر إلى "الآستانة إستانبول" فأكمل دراسته في "المدرسة الحربية التحضيرية"، ثم "المدرسة الحربية العالية" ثَمَّة؛ فتخرَّج برتبة "مُلازم ثانٍ" سنة 1903م.
*في سنة 1907م، أصبح نقيبا (يوزباشي) أركان حرب بعد دورة أركان حرب محلية في إستانبول.
*ثم التحق بألمانية عام 1909م؛ لدراسة أركان حرب عُليا.
*كان يجيد اللغات من اللغات العربية، والتركية، والفرنسية، والألمانية، قراءة وكتابا وتكلما، كما كان يعرف بعض الإنكليزية.
*حياته العملية ووظائفه:
تنقل يوسف في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان والآستانة. وأرسل إلى ألمانية للتمرن عمليا على الفنون العسكرية، فمكث سنتين، وعاد إلى الآستانة فعين كاتبا للمفوضية العثمانية في مصر. ونشبت الحرب العامة فهرع إلى الآستانة متطوعا، وعين رئيسا لأركان حرب الفرقة العشرين، ثم الخامسة والعشرين. وكان مقر هذه، في بلغارية، ثم في غاليسية النمسوية، ثم في رومانية. وعاد إلى ألآستانة فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسورية والعراق. ثم عين رئيسا لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في قفقاسية، فرئيسا لأركان حرب الجيش الأول بالآستانة.
*مع الحكومة العربية بدمشق:
*لما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها التحق بالحكومة العربية في دمشق؛ لينخرط في القوات السورية، مع العِلم أنه كان بوسعه أن يبقى في تركية برُتبته نفسها؛ لأنه متزوج من فتاة تُركيَّة.
*اختاره الأمير (فيصل) مُرافقا له، ثم عيَّنه معتمدا عربيا في بيروت، فرئيسا لأركان الحرب العامة برتبة "قائم مقام" في سورية.
11
*وزير الحربية "الدفاع" ومُؤسس الجيش السوري، وقائد ميسلون:
*ثم ولي وزارة الحربية (سنة 1920) بعد إعلان تمليك الأمير فيصل بدمشق، فنظم جيشا وطنيا يُناهز عدده عشرة آلاف جندي. واستمر إلى أن تلقى الملك فيصل إنذار الجنرال غورو الإفرنسي (وكان محتلا سواحل سورية) بوجوب فض الجيش العربي، وتسليم السلطة الإفرنسية السكك الحديدية، وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري، وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردد الملك ووزارته بين الرضى والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش.
وفي حين كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع مُنفضا (بأمر الملك فيصل) كان الجيش الإفرنسي يتقدم (بأمر الجنرال غورو) ولمَّا سُئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة (24 ساعة) قد انتهت؟!
وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفض، في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدم المُترجَم يقود جماهير المتطوعين على غير نظام، والى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود.
*كان يوسف قد جعل على رأس (وادي القرن) في طريق المهاجمين (ألغاما خفية، فلما بلغ "ميسلون" ورأى العدو مُقبلا أمر بإطلاقها، فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قُطعت، فعلم أن القضاء نفذ، فلم يسعه إلا أن ارتقى ذروة ينظر منها إلى دبابات الفرنسيين زاحفة نحوه، وجماهير الوطنيين من أبناء البلاد بين قتيل وشريد، فعمد إلى بندقيته -وهي آخر ما بقي لديه من قوة- فلم يزل يُطلق نيرانها على العدو، حتى أصابته قنبلة، تلقاها بصدر رحب، وكأنه كان ينتظرها؛ ففاضت روحه في أشرف موقف، ودفن بعد ذلك في المكان الذي استشهد فيه، وقبره إلى اليوم رمز التضحية الوطنية الخالدة، تحمل إليه الأكاليل كل عام من مختلف الديار السورية.
12
*الأعلام" للزركلي 8/213- 214، "الإسلام وحركات التحرر العربية" د. شوقي أبو خليل 149، بتصرف يسير.
*مُشرقة: مُضيئة. *المَجيد: المُشَرِّف. *البطل: الشجاع من لا يهاب الموت.
الشهيد البطل يوسف العظمة
(1) لِجِلَّق: إليها، وجلق: اسمٌ لمدينة دمشق عاصمة سورية. قال شوقي رحمه الله في قصيدته الشهيرة عنها:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمان
*انطلق بي: سِر بي مُسرعًا. *يا هواها: يا حُبَّها. *مُسَجًّى: مُغَطًّى، مدفون. *في ثراها: في تُرابها.
(2) نجل: ابن. عظمة: واحد العظم، وهو اسم أسرته؛ آل العظمة: من الأسر المعروفة في سورية، استوطنت دمشق في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة، ونبغ منها ضباط وإداريون وفضلاء. *"الأعلام" 8/214.
*نُقرِئَنْهُ سلاما: نُسلِّم عليه. *مُفعمًا: مُمْتَلِئًا. *العز: الشرف. *تاه: افتخَرَ.
(3) إبراهيم: والد يوسف العظمة. *تيتم: أمسى يتيما. *بعد ست: أي وعمره ست سنوات. *علاها: تجاوزها.
(4) قائد ميسلون: أي: قائد معركة ميسلون الشهيرة ضد الفرنسيين الغزاة. *الحر: الأبي الشريف. *به الأقوام: السوريون. *أفاقت: صحت واستيقظت. *كراها: نومها.
(5) المغوار: المقاتل كثيرات الغارات على أعدائه. *"الوسيط" 666. *ساحات: ج ساحة، ميادين. *حرب: معركة. *مسعر نارها: مُوقِدُها ومُشعِلُها. *حامي لواها: المُدافع عن عَلَمِها رمز شرفها وكرامتها.
(6) وزير: كان وزير الحربية "الدفاع" في حكومة الملك فيصل بن الحسين، ملك سورية. *قائد: زعيم ورئيس. *شهم: أبي، كريم، شريف. *شجاع: جَسُور. *ألمعي: ذكي جدا. *لا يُضاهى: ليس له شبيه.
(7) تقي: يخاف الله تعالى. *بر لرب: مُطيع لله سُبحانه. *تحلى: اتصف. *بالفضائل: بالخصال والخِلال الكريمة. *عُلاها: رفعتها وشرفها.
قال أستاذنا د. شوقي أبو خليل - رحمه الله- عن يوسف العظمة: "كان متدينا، متمسكا بإسلامه، مؤديا صلاته، وصائما أيام الصوم، ومُزكيا متصدقا، ومحافظا على الشعائر الإسلامية كل المحافظة، مُتحليا بفضائل الدين الإسلامي، مسلما حقا بما في كلمة المسلم من معنى". "الإسلام وحركات التحرر العربية" 150.
(9) الفتى: السيد الكريم، الشاب. *المقدام: الجريء، والكثير الإقدام على العدو. *فدى سورية: ضَحَّى بنفسه من أجلها. *الحبيبة: المحبوبة.
(10) ألا: أداة استفتاح. *حَيُّوا: سلموا عليه. المُجَلِّي: السابق. *أبو ليلى: كنية الشهيد يوسف العظمة؛ وهي ابنته الوحيدة، وهي من مواليد 1912م، ووالدتها تركية اسمها: "مُنيرة"، ولدى استشهاده كان عمرها ثماني سنوات، وقد وصَّى بها قُبيل استشهاده بعض أصدقائه منهم الأستاذ ساطع الحُصَري. بعد استشهاد والدها سنة 1920م انتقلت مع والدتها إلى إستانبول بتركية، ثم تزوجت رجلا تاجرًا تُركيا اسمه: جواد أشار، وأنجبت منه سنة 1943م ابنا اسمه جلال أشار، وقد توفيت سنة 1947م. *رَ: مقالة: "متى وأين تُوفِّيت ليلى يُوسُف العظمة" لشمس الدين العجلاني، صحيفة "الوطن" 14/8/2018م، وستأتي كاملة في آخر هذا البحث. *بثورة: بثورة السوريين على المحتلين الفرنسين لبلدهم. *ابتداها: بَدَأهَا، قام بها أوَّلًا.
(11) على غورو: بالثورة عليه، وهو الذي كان قائد الفرنسيين الغزاة لسورية، في معركة ميسلون، وهو:
هنري غورو
(1867- 1946م)
هو هنري جوزيف أوجين غورو، ضابط فريق "جنرال" فرنسي. قاد الحملة الفرنسية على مضيق الدردنيل عام 1915م حيث فقد ذِراعه اليُمنى. ثم عُين مندوبا ساميا في سوريا ولبنان ما بين (1919- 1923م)؛ فكان قائد الاحتلال الفرنسي فيهما. وهو الذي قاد عدوانه على الشعب السوري يوم معركة ميسلون الشهيرة في دمشق. *ومما ذكرته كتب التاريخ: أن الشيخ بدر الدين الحسني رفض مقابلة الفريق والمندوب السامي الفرنسي هنري غورو، - أول ما دخل دمشق- ومنع الناس من التعامل مع الفرنسيين، أو دفع الضرائب لهم. *"معجم أعلام المورد" منير البعلبكي 305، "الإسلام وحركات التحرر العربية" لشوقي أبي خليل 148.
ثم قابل المندوبَ الفرنسي لما جاءه؛ فقام المندوب للشيخ احتراما له، فطلب منه المندوب تهدئة الأوضاع في دمشق؛ فأجابه الشيخ بدر رحمه الله بعنف قائلا: "لا تهدأ الثورة إلا بخروجكم، فقد تَمَدَّنَّا، جئتم حسب رأيكم لتمديننا، لقد تمدنَّا!! وما سمح للمندوب السامي أن يُكثر معه الحديث؟! *"الإسلام وحركات التحرر العربية" 148.
*اللئيم: الخسيس. *عدوة حقنا: المعتدية على حقنا باغتصابها بلدنا سورية. *تبت يداها: هلكت وخسرت.
(12) الشاغور: حي مشهور من أحياء دمشق. *مولده: مكان ولادته. *رعته: رَبَّتْه ونَشَّأتْه. *كَرُمَت: كانت كريمة الأصل.
*ذَرَاها: كَنَفها، وفي "المعجم الوسيط" ص 312: الذَّرَا: ما استُتِر به، ويُقال: أنا في ذَرَا فُلان، في كنفه.
(13) رعاه: كَفَلَه ورَبَّاه. *بالحُسنى: باللُّطُف والمعاملة الحسنة. مداها: إلى آخرها، في غاية الإحسان.
(14) الابتدائي: المرحلة الابتدائية. *إعدادي العساكر: في المدرسة الإعدادية العسكرية. *قراها: قرأها، درَسَها.
(15) بعد العشر مع ست: في السادسة عشرة من عمره. *أمَّتْ: قَصَدَت. *ركائبه: جِمالُه؛ سافَرَ. *الآستانة: إستانبول عاصمة الخلافة العثمانية، وأشهر عواصم الدنيا في ذلك الزمان. *أتاها: جاءها.
(16) علوم الحرب: العلوم العسكرية، وفن الحرب والقتال. *التحضيري: الصف الأول. *عال: الدراسات العُليا. *اقْتَرَاها: قرأها، وفي "الوسيط" ص 722: اقترأ القرآن والكتاب قرأهما.
(17) تخرج نقيبا: تخرج في المدرسة الحربية في إستانبول برتبة "نقيب أركان حرب". *دراها: فهم العلوم العسكرية التي درسها ثَمَّة.
(18) بعدئذ: من بعد ذلك. *لألمانيا أرسلوه ... : أرسلته الدولة العثمانية على حسابها ليدرس في ألمانيا العلوم العسكرية وفنون الحرب. *حِماها: أرضها.
(19) قضى في ربعها عامين: ظل في ألمانيا سنتين. *مُحْرِزًا علما وجاها: حاصِلًا على علم ومرتبة عالية.
(20) عاد: رجع. *غِبَّ هذا: بعده مُباشرةً. *ليخدم جيش أمته: ليخدم جيش الدولة العثمانية، وأمته الإسلامية.
(21) ليعمل كاتبا: موظفا بوظيفة كاتب. *مندوب الخلافة: وكيل الدولة العثمانية في أرض الكنانة مصر.
(22) الحرب العميمة: الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م). *سار حالًا: ذهب فَوْرًا. *طَوْعًا: مُخْتَارًا.
(23) رئيس أركان حرب: قائد. *غالسيا: غاليسيا Galicia منطقة ذات حكم ذاتي، تكون جزءًا من الإقليم الشمالي الغربي في إسبانيا. تبلغ مساحتها 29153كم2، أي ما نسبته 5.8% من مساحة إسبانيا، وهي تتمتع بواجهة بحرية، تُطِلُّ على المحيط الأطلسي. *"الموسوعة العربية" 13/734.
*جاها: جاءها، حُذفت الهمزة لضرورة الشعر.
(24) يقود: يكون قائدًا. فرقة: قطعة عسكرية. *رعاها: أشرف عليها.
(25) رافق: كان رفيقا وصاحبا.
*أنور باشا: هو: أنور باشا
(1881- 1922م)
*هو إسماعيل أنور باي أفندي بن أحمد، وهو المعروف لدى الغرب بـ "أنور باشا" قائد عسكري عثماني، وأحد أبرز زعماء حزب "تركيا الفتاة".
*ولد في إستانبول. تخرج في "الكلية الحربية" ضابطا، وعين في الفيلق الثالث في "سلانيك"، ثم عين رئيس أركان الفيلق الثالث في مانيستر.
*في مانيستر انضم إلى "جمعية الاتحاد والترقي"، وجذب إليها الفريق محمود شوكة.
*شارك في ثورة 1908م ضد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
*شارك في حرب طرابلس ضد الإيطاليين.
*أصبح وزيرا للحربية "ناظرًا" في الدولة العثمانية.
قام بدور بارز في دخول تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا عام 1914م؛ فقاد الجيش الثالث العثماني ضد الروس في القوقاز، ومُني بهزيمة مُنكَرة، ثم تصدَّى للحملة البريطانية في العراق؛ فقاد القوات العثمانية في العراق، ونجح في صد هجوم الجيش البريطاني ومنعه من دخول بغداد عام 1916م، ولكنه سرعان ما تراجع وفرَّ، واستطاع الإنجليز احتلال بغداد عام 1917م. وبعد هزيمة الأتراك في هذه الحرب شخص إلى آسيا الوسطى حيث استَعْدى بعض الأوزبكيين على الدولة
السوفييتية، وشارك في الثورة عليها عام 1921م، ثم قتل في بُخارى خلال القتال ضد السوفييت وحكومتهم البلشفية. *"معجم أعلام المورد" لمُنير البعلبكي 70، "موسوعة المعرفة"، و"موسوعة عريق"، و"ويكيبيديا"، على الشابكة، منها جميعا بتصرف.
*برحل: في سفر. *تطواف لمدن: تَجَوُّل فيها. والمُدُن: ج مَدينة. *قُراها: ريفها، وضِياعها.
(26) الأناضول: أراضي تركية. *مروا: عبروا منها. *رُباها: مُرتفعاتها، والمقصود أراضيها.
(27) قفقاسيا: بعض المدن والبلاد الإسلامية في روسيا الاتحادية؛ كشركسيا، والشيشان، وأنغوشيا، وقبردينيا وداغستان، وأوسيتيا الشمالية، وبعضها استقل عن روسيا وهي: أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية، وقرَه باغ. *"ويكيبيديا". *يُرابط: يخدم عسكريا في تلك الثُّغُور.
18
(29) فيصل: هو ملك سورية فيصل بن الحسين، وهو:
فيصل الأول
(1303-1353هـ =1885-1933م)
*هو فيصل بن "الشريف" الحسين بن علي الحسني الهاشمي، أبوغازي، ملك سورية ثم العراق، ومن أشهر سياسي العرب في العصر الحديث، ومن أقطاب "الثورة العربية" على الحكم العثماني بمُساعدة الإنجليز؛ إذ قام بدور بارز وخطير فيها حتى سقوط الدولة العثمانية، وخذلان الإنجليز له ولأبيه في جعل أبيه "خليفة" على العرب ومركز خلافته الحجاز.
*ولد في "الطائف"، ونشأ وتربى في خيام "بني عُتيبة" ببادية الحجاز وحفظ القرآن، وتوفي بالسكتة القلبية، في "فندق بل فو" في "برن بسويسرا" التي قصدها مُستَجِمًّا، ونُقل جُثمانه إلى بغداد فدفن فيها.
*في عام 1891م أُبعِد والده إلى "الآستانة" فرحل معه إليها وهو طفل، ودرس فيها الابتدائية، وبقي معه ثمة حتى عادا سنة 1909.
*في 1913 اختير نائبا عن "جدة" في "المبعوثان؛ مجلس النواب العثماني".
*أقسم يَمين الإخلاص" في دمشق لما زارها عام 1916م لـ "جمعية العربية الفتاة" السرية القومية العربية، وثار والده على العثمانيين تلك السنة؛ فتولى
19
ابنه فيصل قيادة الجيش الشمالي، ثم أصبح قائدا عاما للجيش العربي" في فلسطين المقاتل للعثمانيين فيها مع القوات البريطانية ثمة.
*في سنة 1918 دخل سورية عقب ذهاب الترك العثمانيين منها، فاستقبله أهلها كأنه مُنقذ لهم.
*حضر "مؤتمر الصلح" في باريس يناير عام 1919 نائبا عن والده، واستغرق المؤتمر سنة، لأنه توقف بضعة أشهر. *أصبح "ملكا دستوريا" على سوريا لبضعة أشهر في 8/3/1920م.
*عقب طرد العثمانيين منها بدعم الإنجليز، ثم هرب في السنة نفسها من سورية، بعد غزو الفرنسيين إياها واحتلالهم لها، وتهديدهم له، ففرَّ إلى أوربا ليقيم في إيطاليا مدة، ثم في إنجلترة.
*في سنة 1921 وبينما كانت الثورة على الإنجليز في العراق مضطرمة نَصّبه الإنجليز ملكا على العراق- بعد مؤتمر عقدوه في القاهرة برئاسة تشرشل - وظل ملكها حتى وفاته. *في عهده تحرَّر العراق من الانتداب البريطاني عام 1932. *زار العواصم الفرنسية والبريطانية والتركية.
*في حكمه للعراق عمل على الإصلاح الداخلي للبلاد؛ فوضع دستورا لها، وأسس "مجلس الأمة"، وأقام علاقات بين العراق وبريطانيا من خلال معاهدات "1922، 1926، 1927، 1930"، وأصلح ما بين دول الجوار العراقي إيران والسعودية وتركية.
*من أقواله العُنصرية المَقِيتة المشهورة: "إننا عرب قبل كل شيء، والعرب هم عرب قبل عيسى وموسى ومحمد؟!".
*رَ: "الأعلام" 5/ 165- 166، "معجم أعلام المورد" 339- 340، "الأعلام الشرقية" لزكي مجاهد 1/ 34- 35 برقم 31، "نهر الذهب" للشيخ كامل الغزي 3/660، "موسوعة المعرفة" على الشابكة، "فتح الكريم المجيب بشرح ديوان أبي الطيب الخطيب" لي 358، من جميعها بتصرف.
20
*ترأَّسَ جيشها: أصبح رئيس الجيش السوري، بعدما قام بتأسيسه. *حمى: حفِظ. *إباها: عِزَّتها وكرامتها. (30) نظمه: رَتَّبَه. *يُباهى: يُفتخرُ بِه.
(31) بنى جيشا: أسَّسَهُ. *بُسْل: ج باسل، شُجاع. *عِدَّته: عَدَدُه. *حِذَاها: حَوَالَيها، قريبًا مِنها.
(32) أضحى: أصبح، صار. *دامت عُرَاها: استَمّرَّتْ. والعُرَى: ج عُرْوَة، ما يدخل فيه الزِّرُّ، ما يُتَمَسَّكُ بِه.
(33) من ضمن الحكومة: من بين أعضائها. *يوسف وزير الحرب: من بين حكومة الملك فيصل كان الشهيد يوسف العظمة؛ فقد كان وزير الدفاع. *يُعْلِي: يَرْفَع. *بِناها: بناءَها؛ بناء الدولة السورية يومئذ.
(34) غب دخول غورو ... : بعدما دخل القائد الفرنسي هنري غوري سورية مُحْتَلًّا لها. *تدْنيس: تَنْجِيس. *لجيش: هو الجيش الفرنسي الغازي لسورية والمحتل لها. *غزاها: جاءها مُعتديًا عليها.
(35) تَلَقَّى فيصل: استقبل وأخذ ملك سورية حينها فيصل الأول. *إنذار غورو: تَهْدِيدَهُ له. *فَضُّ الجيش: حَلُّه وتسريحُه. *يحمي: يحفظ.
(36) تسليم: إعطاء. *خط الحديد: خط سكة الحديد؛ طريق القِطار. *دهاها: أصابها مُصيبةً كُبرَى.
(37) يرضوا: يقبلوا. *بعملة غاصبيهم: بِعُمْلة مُحتَلِّيهم، وهي الليرة الفرنسية، والفِرَنْك الفِرَنسي. *تَدَاوُلها: استِعمالها، التعامل بها.
21
*وأشياء سواها: وأمور أخرى. وما سبق ذِكْرُه: هي شروط فرنسا المُذِلَّة للملِك فيصل والشعب السُّورِيّ.
(38) حَدَّد مُدَّة: عَيَّن غُورُو اللَّعِين زمانا مُحَدَّدًا، وهو 24 ساعة لتنفيذ مطالبه سالفة الذكر. *وإلا: وإن لم يفعل السوريون وملكهم فيصل تلك الشروط. *سيفتك بالأهالي ... : سيقتل أهالي دمشق، ويُدَمِّر عليهم بيوتهم؟؟ّ!!
(39) فوافق فيصل: قبل شروط غورو المُذلة والمُهينة هو وبعض مُؤيِّدِيه خوفا من تهديد غورو، لكن الشهيد يوسف العظمة رفض فض الجيش، لكنه أجبر على ذلك. *عقيب فوات مدتهم: بعد ذهاب الزمن الذي عَيَّنه غورو. *مداها: زمانها.
(40) الغازون كَرُّوا: المحتلُّون الفِرِنسيُّون الغُشْم هَجَمُوا على دمشق قادمين من بيروت. *جيرون: من أسماء دمشق. *بُغيتهم: هَدَفُهم.
(41) مُستنجدا: طالبا النجدة، وهي المُساعدة السريعة. *بالأهالي: سكان دمشق المدنيين. *يصدوا: يمنعوا ويحموا غُزاة دمشق الصليبيين الجُدُد.
(42) هب شبابها: ثار وانتفض شُبَّانُها. *الشِّيب: ج شائب، كبار السن. *كيما: لِأجل أن. *يُجازُوا: يُقابِلُوا. *بالعَداوة: الخُصومة. *مَن بداها: الذي بدأ تلك العداوة، وهم الفِرَنسيُّون.
(43) يقودهم: يتزعمهم. *أبو ليلى: يوسف العظمة. *بِجُند: بجنود. والجند ح جُندي. *صباط: ج ضابط: كبار العساكر ذوو الرُّتَب المتوسطة والعالية. *يسير مُحتواها: قليل عددها، قِيَاسًا إلى عدد أعدائهم الفرنسيين.
(44) ساحًا: ج ساحة، ميادين. *المعركة: الحَرب والقِتال. *سَمَتْ: ارتَقَت. *عِزًّا: شرَفًا. *جاها: رِفْعَةً ومَنْزِلَةً.
(45) بأسلحة بسيطات: بنادق كثير منها قديم، مُنذ الحرب العالمية الأولى، ورُبَّما قبلها؟! *قِلال: ج قليل. *مع عَدُوٍّ قد تباهى: مع أعدائهم وخُصومهم الذين تفاخروا بِكثرة عَدَدهم وعُدَدهم.
(46) بآلاف مُؤلَّفة: بنحو 13 ألف جندي وضابط. *دباباتهم: ج دبَّابة، وهي آلة كبيرة معروفة يُقذف بها القذائف الثقيلة إلى مسافات بعيدة. *يَدْوِي: يُحْدِث صَوتًا. *صداها: صوت قذائفها عند إطلاقها.
(47) المدافع: ج مِدْفَع، هو آلة معروفة أصغر من الدبَّابة تقذف القذائف إلى مسافات بعيدة. *مُلْقَمَات: مُمْتَلِئة بالقذائف جاهزة لضرب الناس بها.
*طياراتهم: ج طَيَّارة المَركَبة المُقاتِلة التي تقذف بِحُمَمها وقذائفها من الأعلى في جو السماء. *ملأت سماها: غطت بعض سماء دمشق لكثرتها.
(48) زهاء: نحو، تقريبًا. *تَسَعَّر: اشتَعَل. *جانباها: طرفا الحَرب.
(49) تمخضت: نتج عن معركة ميسلون. *الشهداء: ج شهيد. *ترَقَّوا: ارتفعوا إلى الدار الآخرة. *في عُلاها: في أعالي الجِنان.
(50) تَطهر في ثراها: تمرَّغ في تراب دمشق الطاهر المُبارَك؛ إذ بلاد الشام كلها مباركة، والشام قسم منها.
(51) أربعة بعشرين: أي عدد قتلى أعدائنا الفرنسيين في ميسلون كان 24. *عِداهم: ج عَدو، أعداء المُسلمين السوريين في ميسلون. *إلى سقر: إلى جهنم مصيرهم ونهايتهم؛ فهي أمهم، وهي أولى بهم. *تعْس: نَحْس وبُؤس وشَقاء. *مُنتهاها: نهايتها، مَصيرها.
(52) من شهدائها: كان بعض شُهداء معركة ميسلون المَجيدة. *علماء دين: بعض علماء الدين الإسلامي، وطُلَّاب العِلم الشرعي. *نُجوم هدى: سُرُج هِداية للناس. والنجوم: ج نجم. *تهاووا: سَقَطُوا في أرض معركة ميسلون.
(53) عبد القادر كيوان: هو الشيخ عبد القادر كيوان: خطيب الجامع الأموي، العالم الصوفي، والسياسي الوطني، من كبار رجال الأمة المُشار إليهم بِالبَنَان. كان ذا هِمَّة مُتوقِّدة، ونفس شاعرة، عالما مُفكِّرًا، مَيَّالًا إلى الأعمال لا الأقوال. *فداها: فِدى دمشق وسُورِيَة.
(54) كمال بن أحمد الخطيب: هو الشيخ كمال بن أحمد الخطيب: كان من حفَظَة القرآن الكريم والمتون العلمية، كما كان مُجازًا بالتدريس في الجامع الأموي الكبير بدمشق، وإمامًا وخطيبًا في بعض جوامع دمشق.
*عبد الله كَلَّاس: من شهداء أهل العلم في ميسلون.
(55) توفيق بن محمد الدَّرَّا: هو الشيخ محمد توفيق بن محمد سليم الدَّرَّا: الفقيه الصوفي، والعالم بالتفسير والحديث، ومُفتي الجيش الخامس، ذو الهمة،
23
المجاهد. كان يلهج في مجالسه بالاستقلال، وجمع كلمة العرب، على غاية من الهِمَّة والجِهاد. *محمد نوري الحُصَري: من شهداء العلماء في ميسلون.
*افتداها: فَداها بروحه.
(56) ياسين بن نجيب الكيواني: هو الشيخ ياسين نجل العلامة الشيخ نجيب عميد آل كِيوان: كان من أسرة مشهورة بالتديُّن والعلم، وهو تاجر ورِع، من خُطباء "مدرسة القلبقجية" بدمشق، الغيور المُتَّقِد غيرةً وحَماسًا. كان طَمُوحًا إلى العَلاء. *صادق الهلال: من شُهداء العلماء في ميسلون.
*روى ثراها: سقى أرض دمشق بدمائه الزَّكِيَّة الطاهرة.
(57) أحمد الموصلي: من شهداء أهل العلم في ميسلون.
*سليم الدَّرَّا: من شهداء علماء ميسلون.
*الشيخ صلاح الدين أبو الشامات: كان تاجِرًا عَطَّارًا، ترك التجارة، وعكف على طريقة الشاذلية الصوفية المُختصَّة بأسرته. كان ذا روح شبابية مُتوثِّبة، ممتلئًا حماسة وحميَّة. *وقاها: حمى دمشق.
(59) أشعل ثورة: أوقد نار الثورة السورية الكبرى على الغزاة الفرنسيين. *طفئت وخمدت النار: خبا لهبها. *لظاها: نارها المُتَأجِّجة المُشتَعِلة.
(60) دامت ربع قرن ... : أي استمرت الثورة السورية 26 سنة حتى خرج المحتل الفرنسي من سورية مَذْؤومًا مَدْحُورًا باللعنات والسخط. *زلزلت الثورة السورية الفرنسيين: جعلتهم يهتزُّون ويضطربون ويُجَنُّ جُنُونُهم. *العلوج: ج عِلْج، الكافر الغليظ الجافي. *قُواها: ج قُوَّة، عزائمها، قُواتها.
(61) غادر المُحتلُّ: خرج الفرنسيون من بلدنا سورية وتركوه. *فَلًّا: مُنْهَزِمًا. *علا وجه الجنود: ظهر على وُجوهِ الجنود الفرنسيين الشقاءُ والغبَرة والقتَرة والذُّل والهَوَان.
(62) أشرقت البلاد: أضاءت الأرض السورية بنور الإيمان والإسلام والحرية بجلاء أعداء الله والرسول والمسلمين الوحوش الفرنسيين عنها. *بالحُرِّيَّة: بعَبَق الحرية ونسماتها العَطِرة. *انتعشت: حَيَّت ونَشِطت.
24
*رُباها: مُرتفعات سورية الحبيبة الأبية العَصِيَّة على كل غازٍ ومُحْتَلًّ ومُعْتَدٍ أثِيم. والرُّبَى: ج رَبْوَة: المكان المُرتفع.
(63) تاهت: افتخرت ورفعت رأسها. *كرامتها: عزتها ومجدها وشرفها. *نير: طوق الحديد في عنق العَبْد. *عُبُودة: عبودية وإذلال. *خَلَّتْ: ترَكَتْ. *وراها: وراءها، خَلْفَها.
(64) لَقَّنَت: أعطت وعَلَّمَتْ. *الأعادي: جمعُ جَمْعٍ لِأعداء. *درس خِزي: ذُل وصَغار. *أمّهم الحنون: أمهم العاطفة عليهم الرحيمة بهم، وهو مصطلح ساخِر يُقصد به فرنسا المُحتلة؛ فقد كان يُسميها الخَوَنة أعوان المحتل الفرنسي "الأم الحنون"؛ قال الشاعر الكبير محمد سليمان الأحمد "بدوي الجبل" شامِتًا بفرنسا وهزيمتها على يد هتلر في أوائل الأربعينات، لِلَّه دَرُّه:
إن الامَّ الحَنُون ذاقَت جَزَاها إذ أتَاها مِن هِتْلَرٍ ما أتَاها
*خَذَاها: ذُلَّها وهَوَانها باحتلال هتلر لها في الحرب العالمية الثانية.
(65) أبطال: ج بطل: الشجاع جدا. *أشاوس: لا يخافون، ج أشْوَس.
*أثخنوها: أنهكها الثُّوَّار السوريون بضرباتهم الموجِعة خلال ثورتهم المُباركة في ربع قرن. *دراها: علمها حقَّ العِلم والمعرفة. *قراها: قرأها؛ أي: عرفها مَن ذاقها منهم.
(66) يا ربَّاه: أسأل يا الله! *مراحم: ج مرحمة، رحمة ومغفرة. *جَمَّة: كثيرة. *تعلي فتاها: ترفعه في جنات النعيم.
(67) كذا أصحابه في ميسلون: وكل شهداء ميسلون الذين استُشهدوا مع يوسف العظمة. *أعل مقامهم: ارفع درجاتِهم.
(68) أسكِنهم: اجعلهم يُقيمون. *فسيح جنان عدن: واسع جنات الإقامة الدائمة. *نَعِّمْهم: اجعلهم يَتَنَعَّمُون. *بِمُلْك: بأراض شاسعة واسعة في الجنة؛ قال تعالى: (وإذا رأيت ثَمَّ رأيتَ نَعِيمًا ومُلكًا كَبيرا*). سورة الدهر.
(69) كذا أحبابهم: ومثلهم: أحبابهم وأهلهم المُسلمون ألحقهم بهم في جنات النعيم المُقيم. *أرباب صِدق: أصحاب صِدق؛ المُؤمنون الصادقون.
*فأكرمهم: اجعلهم مُكْرَمِين. *وماها: وماءها؛ (تجري من تحتها الأنهار).
25
مقالة مهمة جدا عن ميسلون وقائدها، وبعض مُلابساتها وتفاصيلها، وحقيقة ساطع الحُصَري؛ بعنوان:
صفحات مشرقات وحقائق تاريخية
عن معركة ميسلون
لشيخنا المؤرخ والمحدث الدمشقي الشيخ د. محمد مطيع الحافظ
من الواجب علينا أن نتعرف حقائقَ تاريخنا المجيد في القديم والحديث لنستفيد منه في مستقبلنا.
وإن معركة ميسلون كانت عنوان الفداء والتضحية والعزيمة، فيها الدلالة الواضحة بأن شعبنا قدَّم الكثير في سبيل الدفاع عن استقلالنا وعزتنا، فبذل أعز شيء عنده؛ الأرواح والأموال لتحقيق هذه الغاية.
وبعد:
فهذه وقائع معركة ميسلون التي استُشهد فيها يوسف العظمة أردت إظهار حقائقها برواية الثقات وشهود العِيان، وذكرت أهم الأحداث التي يجب معرفتها وذلك من خلال:
1- ترجمة الشهيد يوسف العظمة بقلم أخيه الأكبر عبد العزيز.
2- وصف للمعركة واستشهاد العظمة بقلم أخيه أيضاً من كتاب: (التحديث بالنعمة في تاريخ بني العظمة). 3- ترجمة عبد العزيز العظمة.
4- وصف للمعركة بقلم شاهد العِيان، وهو الفريق حسن تحسين الفقير قائد الفرقة الأولى النظامية في معركة ميسلون: نقلاً من مذكراته.
5- ترجمة الفريق حسن تحسين الفقير.
6- ساطع الحُصْري وآراء معاصريه فيه.
7- ترجمة ساطع الحُصْري من كتاب الأعلام.
26
يوسف العظمة
يوسف بك ابن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة، شهيد ميسلون، من الوزراء ومن كبار الشهداء.
ولد في منتصف رجب عام 1301هـ - 9 نيسان 1884م، في دار أبيه بحي الصمادية (الشاغور) بمدينة دمشق، ولما ترعرع دخل المدرسة الابتدائية في الياغوشية بالقرب من دار أبيه، ثم دخل المدرسة الرشدية العسكرية في جامع يلبغا بحي البحصة، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية العسكرية في جامع تنكز، وبقي فيها عاما واحدًا واضطر للسفر إلى الآستانة لإجراء عملية جراحية في فكه الأسفل، وتابع تعليمه العسكري
في مدرسة (قله لي) على شاطئ البوسفور، ثم بعد اجتيازه المدرسة
الإعدادية دخل المدرسة الحربية، وتخرج منها برتبة ملازم ثان، انتقل بعدها لمدرسة الأركان حرب مدة ثلاث سنوات، وكان الأول بين رفاقه المتخرجين، وأعطي المدالية الذهبية التي أحدثها السلطان عبد الحميد رحمه الله، لمن يكون الأول في المدارس العالية وخرج برتبة (يوزباشي) أركان حرب سنة 1324هـ.
وهو يُجيد اللغات العربية والتركية والفرنسية والألمانية قراءة وكتابة وتكلما.
وتنقل في الأعمال العسكرية بين الآستانة وبيروت ودمشق، وأُرسل إلى ألمانيا للتمرن عملياً على الفنون العسكرية زهاء سنة ثم عاد إلى استانبول، ثم عين كاتباً للمفوض السامي العثماني المشير الثاني أحمد مختار باشا في مصر، وعندما أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م ترك مصر وتطوع في خدمة الجيش في الآستانة فعين معاوناً لرئيس أركان حرب الفيلق الأول، ثم رئيساً أصيلا له.
ثم التحق بجبهة القافقاس، واشترك بالحرب في جبهات مكدونيا وغاليسيا، ورومانيا، ونال بذلك رتبة قائد بكباشي، ثم عاد إلى الآستانة فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسورية والعراق.
وعندما عقدت الهدنة بين المتحاربين سنة 1918 قدم إلى دمشق بعد دخول الأمير فيصل بن الحسين إليها، فعين مرافقاً له، ثم معتمداً عربياً لدى المفوض السامي الفرنسي في بيروت.
ولما عاد الأمير فيصل من أوروبا واجتمع مع الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في بيروت شكا له غورو من يوسف الذي أصبح ذا نفوذ عظيم في الساحل وأصبح مرجعاً محترماً للأهلين، وقال له غورو: إن يوسف رجل ممتاز جداً، وأقدر ضباط الأركان حرب في سورية لماذا
27
لا تستفيد منه في الداخل، وكان قصده أن يبعده عن بيروت، ونتيجة لذلك نقل يوسف إلى دمشق وعين رئيساً لمرافقي الملك فيصل بعد إعلان الملكية.
*قبل المعركة:
وعندما اتضح لحكومة الملك فيصل نيات الفرنسيين في سورية اضطرت لإيجاد جيش قوي فعُين يوسف العظمة رئيساً لأركان حرب الجيش العربي برتبة قائم مقام، ثم وزيرًا للحربية برتبة زعيم (أميرالاي). بعد البيعة لفيصل بالملك على سورية.
كان يوسف العظمة يلتهب غيرة على الوطن واستقلاله، وكان يعتقد أن بإمكان سورية إذا نظمت دولتها وجيشها بملكية فيصل أن تكون نواة لدولة عربية كبرى تجمع حولها جميع الأقطار العربية، ولهذا بدأ يعمل في سبيل الدفاع عن سورية وإعلاء شأنها. على أن فرنسة كانت تبث الدعايات ضده بواسطة بعض الخونة المتآمرين مع فرنسة الذي دفعت لهم ثلاثة ملايين من الفرنكات الفرنسية اشترت بها ضمائرهم (ذِمَمَهم).
إثر ذلك بعث غورو إنذارا إلى الحكومة السورية تضمن تسريح الجيش وعدة مطالب أخرى، وبعد اجتماع الحكومة قررت الموافقة على ما تضمنه الإنذار وبدأت التنفيذ، بعدها هاج المتحمسون من الجيش والأهلون، وحاولوا دخول القلعة وأخذ السلاح.
ثم إن الجنرال غورو ادَّعى بأن برقية الموافقة على الإنذار الذي بعثه إلى الحكومة بدمشق لم تصله، وأمر حملته التي يقودها الجنرال (غوابيه) بالتقدم نحو دمشق ولما وصلوا إلى مجدل عنجر كان الجنود على أهبة الانسحاب إلى دمشق، حسب أوامر الملك، فتسلط عليهم الفرنسيون وجردوهم من سلاحهم وذخائرهم وأسروهم.
بعد ذلك قرر الملك والوزراء العدول عن قرارهم ورفضوا مطالب الجنرال غورو جميعها، وقرروا الدفاع ثانية مؤملين المقاومة بما تعهد به وجهاء البلاد من ألوف المتطوعة، مما جعل الملك والوزراء يحمسون يوسف العظمة بأن الوقت الآن وقت حمية وفداء لإنقاذ الوطن فوافقهم على تقديم روحه ونفسه في سبيل ذلك.
وأما الملك فذهب بنفسه إلى الجامع الأموي وخطب بالناس حاثاً على الجهاد، وقال لهم: ها أنذا ذاهب أمامكم، فازداد الحماس، وبدأ الناس يتطوعون، وأخذ المتطوعون يفدون بالمئات إلى الثكنة، ويطوفون في الأسواق مدججين بالسلاح والذخائر، ولكن الدعاية الفرنسية التي نشرها المتآمرون كانت لهم بالمرصاد، فرجع كثير من المتطوعين جراء ذلك.
28
ذهب يوسف العظمة حسب أمر الملك إلى ميسلون، وأخذ يعد العدة للدفاع بهمة عظيمة، ووصلت إليه النجدات التي وُعد بها، وبلغ عددها ثلاث مئة فارس من محلة الميدان، ومن أحياء دمشق الأخرى مع الشهيدين الشيخ عبد القادر كيوان والشيخ كمال الخطيب؛ بحيث أصبح عدد القوات مع العظمة ألفَ جندي تقريبا.
يوم ميسلون
في اليوم الثاني وهو يوم 24 تموز وصل الفرنسيون ميسلون وتبادل الفريقان نيران المدافع فعطلت المدفعية العربية دبابة فرنسية، وأصابت إحدى الطائرات وردَّتها، ثم أخذ جنود السنغال الفرنسيين يحملون على ميسرة الجيش المؤلف معظمه من المتطوعة، وسقطت خلال ذلك قذيفة من إحدى الطائرات على المتطوعة مما أدى إلى تفريقهم.
ثم إن أحد الخونة هاجم ميسرة الجيش من خلفها، وقضى على كثيرين، وسلب منهم أسلحتهم.
لم يعبأ يوسف بهذه المصائب، وبقي بهمته وثباته وعزيمته، وكان قد بث الألغام على رؤوس وادي القرن وهو ممر الجيش الفرنسي آملاً بأنه عند صعود الدبابات تنفجر الألغام، إلا أن الخونة قد سبقوا وقطعوا أسلاك الألغام، وقد قُبض على بعضهم وهم ينفذون خيانتهم، ولكن سبق السيف العذل، فلما اقتربت الدبابات أمر العظمة بإشعال الألغام، فلم تشتعل وتقدم ففحصها بنفسه فرأى أكثرها معطلة تماماً وأسلاكها مبتورة، ثم سمع ضجة من خلفه فالتفت فرأى أن الكثيرين من الجيش والمتطوعة قد ولوا الأدبار على أثر قنبلة سقطت من إحدى الطائرات فلم يسعه إلا أن عمد إلى بندقيته وهي آخر ما لديه من قوة فلم يزل يطلق نيرانها على العدو حتى سقط شهيداً يوم الأربعاء 7 ذي القعدة 1338هـ -24 تموز 1920م، تغمده الله برحمته.
وقد دفن في المكان الذي استشهد فيه، ومنع الفرنسيون بوساطة جندهم الدنو من قبره، فكتب أخوه عبد العزيز إلى الجنرال غورو يخبره بعزمه على إقامة ضريح له فوافق بشرط أن لا يكتب على الضريح شيئا مهيجا،
وكان الأمر كذلك فأقيم الضريح من قبل أسرته وبمالها الخاص كقبور المسلمين، وكتب على شاهدة قبره بالعربية فقط: يوسف العظمة وزير الحربية في 7 ذي القعدة 1338هـ.
هذا ما كتبه السيد عبد العزيز العظمة باختصار، وهو أخو يوسف العظمة الأكبر، ونورد فيما يلي ترجمته للاطلاع على شخصيته ومكانته.
29
ترجمة عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة
إداري فاضل مؤرخ. ولد بدمشق في 20/رجب/ سنة 1275هـ/ 1856م، وتعلم بمدارسها حتى المدرسة الرشدية ثم تقلد عدة وظائف، وبقي يترقى حتى رئاسة كتاب دائرة أركان الحرب سنة 1892هـ، وعهد إليه بالاشتراك في تحرير "جريدة سورية" الرسمية لمدة خمسة عشر عاما، ثم عُيِّن مديرا للشعبة الأولى في إدارة الجيش العثماني السابع في اليمن، وبقي فيها أربع سنوات، ثم عُيِّن مُتصرفا للواء العمارة في ولاية البصرة، فمتصرفا للواء نابلس، وأخيرا متصرفا للواء طرابلس الشام، حيث طَلب إحالته إلى التقاعد، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى كلف برئاسة جمعية المدافعة الملية التي كلفت بتجهيز المستشفيات، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد إلى داره في المزة؛ حيث اعتكف وانكب على المطالعة والكتابة، ثم انتقل في أواخر عمره إلى منزل آخر في محلة الحبوبي، حيث وافته المنية في 7 ذي القعدة سنة 1362هـ ودفن بمقبرة الباب الصغير.
له كتاب (التحديث بالنعمة في تاريخ بني العظمة) مخطوط، و(مرآة الشام: تاريخ دمشق وأهلها) مطبوع.
*أولاده الذكور خمسة وهم: إبراهيم وحيد، وأحمد خالد، وحسن هاني، ومحمد نبيه، وعمر عادل.
- •••
*معركة ميسلون كما وصفها الفريق حسن تحسين الفقير:
-(وكان إلى جانب وزير الحربية يوسف العظمة عند استشهاده)- :
عند صباح 24 تموز 1920م حوالي الساعة السادسة قبل الزوال، أي قبل انتهاء الهدنة بنصف ساعة نظرنا إلى جبهة الفرنسيين، فرأيناهم يعبئون مدافعهم من قمة الجبال ورشاشاتهم من سفوحها، فتأثر يوسف العظمة من تصرفات العدو وعدم محافظتهم على العهود، وأمرني أي أمر (حسن تحسين الفقير) أن أخرج مدافعي من أماكنها المستورة، مقابل مدافعهم، وأن أرميهم بها وأصرَّ على ذلك، فأخرجت مدفعين فقط امتثالًا لأمره، وذلك بالتشاور مع قائد لواء المدفعية العقيد صدقي بك الكيلاني.
وفي تمام الساعة السادسة والنصف من يوم 24 تموز 1920م بدأت الحرب، وانطلقت بآن واحد طلقة من العدو وطلقة منا، وكان مقر القيادة ومعي وزير الحربية رحمه الله، وقائد اللواء الأول للمشاة، وقائد (لواء المدفعية) فوق
فوق قمة تل الشراطيط، وأمامنا صخرة بارتفاع متر تسترنا بها، ومركز
30
الهاتف بقربنا، وكنا على بعد 50 مترا من الخط الأول تشجيعاً للجند، وأمرت فوراً أن توجه المدفعية نيرانها على مدافع العدو الأربعة، ولم تمض نصف ساعة على بدء المعركة حتى استطعنا القضاء على مدافعه، ولقد سر وزير الحربية أيما سرور لهذه النتيجة، وكان يفقش بيده اليمنى من شدة سروره، ويقول: برابو برابو ...
ثم حمي وطيس القتال وفي الجناح الأيسر انسحب المتطوعة الخيالة، وأما الجناح الأيمن فلم يظهر منه أدنى قتال، وأما جبهة القلب فثابرت على القتال بشدة لإسكات مدافعه ورشاشاته، وحوالي الساعة التاسعة والنصف ظهرت علينا من وادي القرن أربع دبابات فرميناها بالمدافع وكسرنا الأخيرة، وتقدمت الثلاث الباقية، وعندها التفت إلي يوسف بك وقال: لقد اقتربت الدبابات الثلاث ولم تُصَب، فأجبته: إن لدينا ألغاماً ثلاثة متتابعة سنكون لها بالمرصاد، غير أنه خاب ظننا عندما اقتربت من الجسر، ومرت عليه لم تنسف وهكذا بقية الألغام.
وتألم يوسف بك من تهاون ضابط الاستحكام الذي قصر بواجبه، ونزل باتجاه مكان الألغام نحو المدفع الجبلي السريع وأمر النائب الذي كان بينه وبين الدبابات العدوَّة مسافة لا تزيد على الخمسين متراً أن يوجه المدفع نحو الدبابات، واتجهت الدبابات نحونا، ووقف رحمه الله مشيراً بيده إلى الدبابات وهو يقول: ارمِ هذه ولكن المنية عاجلته حيث وجهت الدبابات نيران رشاشاتها عليه فأصيب بصدره ورأسه، وخَرَّ شهيداً كما أصيب نائب المدفع وخر شهيداً إلى جانبه، وكان رحمه الله عند سقوطه سند ظهره للمحرس وأدار وجهه نحوي، وفيه بقية من الحياة، والدم يتدفق من فمه، فحالًا أمرت الصدّاح (المُبَوِّق) النائب محمد الترك أن يذهب بسيارتي ليأخذ وزير الحربية قبل أن يصل إليه العدو، ولما أرادت السيارة أن تدور أصابتها قنبلة مدفع أذهبت بابيها الخلفيين، وعاد سائقها ولم يتمكن من أخذ الوزير الذي أمال رأسه وسقط مسلِّما رُوحه الطاهرة.
- •••
هذا ما ذكره الفريق حسن تحسين الفقير عن معركة ميسلون واستشهاد يوسف العظمة باختصار.
*ونورد فيما يلي ترجمته للاطلاع على شخصيته العسكرية وإخلاصه.
الفريق حسن تحسين باشا ابن صالح الفقير:
قائد عسكري، من أبطال معركة ميسلون، أصله من عشيرة الفقير في جوار مدائن صالح، ولد بدمشق عام 1297هـ/ 1880م، وتعلَّم بها بالمدرسة
31
الثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية في استانبول وتخرَّج بها برتبه ملازم ثان، ثم أصبح ضابط ركن، واختير مدرساً في الكلية الحربية العثمانية.
وبعد إعلان الحرب العالمية الأولى نقل للعمل في وحدات الجيش العثماني المقاتلة، ورقي إلى رتبة قائم مقام (عقيد)، وقاتل مع الفرقة العربية العاملة في الجبهة الأوربية في البلقان ورومانيا، واخترق بقواته نهر الدانوب ثم أصبح قائداً للفرقة العربية، وأعطي وسام القيادة الألمانية، وعدة ميداليات، ثم عاد إلى دمشق سنة 1918م، وكان من رؤساء الضباط العرب السوريين الذي أسسوا الجيش العربي السوري الأول في عهد الملك فيصل ابن الشريف حسين، وعُيّن قائداً للفرقة النظامية الأولى في الجيش المكلفة بالدفاع عن لواء دمشق.
شارك في معركة ميسلون وكان من قوادها، وبعد استشهاد وزير الحربية يوسف العظمة تابع قيادة المعركة مع عدد قليل من المقاتلين.
بعد معركة ميسلون حكم عليه الفرنسيون بالسجن غيابياً لمدة 7 سنوات حيث اضطر لمغادرة سورية والتجأ إلى شرق الأردن محتفظاً بعلم معركة ميسلون.
وفي الأردن كلّفه الشريف حسين بتشكيل قوات من السرايا للدفاع عن أراضي الحجاز.
ثم عمل في الأردن أيضاً مع عدد من الضباط العرب على إنشاء الجيش العربي الأول في شرق الأردن، وأصبح قائداً للجيش في معان وعمّان، ورُفع إلى رتبة أمير لواء (جنرال) ومنحه الملك عبد الله لقب "باشا"، ثم كُلف بالسفر إلى جُدة لمساعدة علي بن الحسين بالدفاع عن الحجاز، وبعدها عُين وزيراً للحربية سنة 1342هـ في حكومة الحجاز، وفي سنة 1930م طلبه إمام اليمن للاستعانة بخبرته في تطوير الجيش اليمني، واستمر في هذا العمل حتى سنة 1944م، صنف خلالها كتاب "التربية العسكرية" وطبعه في صنعاء، ثم عاد إلى دمشق وحضر احتفالات عيد الجلاء.
قام بتسليم علم معركة ميسلون (العقاب (في عام 1946م إلى وزير الدفاع نيابة عن رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي، وذلك في احتفال أمام مدخل المتحف الوطني بتاريخ 28/ 9/ 1946م.
خلال 1946-1948م راعه ما تقوم به الصهيونية من اغتصاب للأراضي الفلسطينية فقام بالتداول مع الرئيس شكري القوتلي بإنشاء جيش وفرقة نظامية تحت إمرته وتزويد المجاهدين على رأسهم الزعيم فوزي القاوقجي بخبرته العسكرية.
32
*توفي يوم الأربعاء 14 رمضان 1367هـ 21/ 7/ 1948م بعد إعلان الهدنة الأولى بين الدول العربية ودولة العصابات الصهيونية.
ويقول أبناؤه: أمر وفاته يُثير التساؤل، وذلك أن هذه الوفاة حصلت نتيجة زيارة اثنين من الأوربيين بدعوى أنهما طبيبان قدِما من ألمانيا لزيارته وعيادته، وبعد قيامهما بفحصه ادعيا أنه أصيب بنوبة دماغية نتيجة لارتفاع ضغط دمه، وبناء على هذه الدعوى قاما بحقنه بإبرة خاصة، إلا أنه فارق الحياة بعد حقنه بقليل، وذلك بعد أن اختل توازنه عند دخول الحمام، ووقع على الأرض وتفجر الدم من فمه وأنفه وغادر الرجلان المنزل بعد أن فحصوه ثانية وهو مستلق على أرض الحمام وتأكدا أنه فارق الحياة.
دفن رحمه الله في مقبرة الباب الصغير بعد أن صلي عليه في الجامع الأموي بجنازة رسمية بمشاركة وحدات من الجيش والشرطة والدرَك.
قال الأستاذ خير الدين الزركلي في وصفه:
."كان طيب القلب، فيه نزعة صوفية"
- •••
أما ساطع الحُصْري فقد ذكر في كتابه " يوم ميسلون" ما حدث فقال:
إن بدء اليوم الرابع والعشرين من تموز كان موعد انتهاء الهدنة التي عقدناها مع الجنرال غورو، فكان من الطبيعي أن يبدأ هجوم الفرنسيين على ربى ميسلون في فجر ذلك اليوم.
وأخذت تتوارد علينا بعض الأخبار – عن المعركة التي بدأت فعلاً – في الوقت المذكور، منذ الصباح الباكر.
وما كنت أستطيع أن أمنّي نفسي بأي أمل في الانتصار، بعد أن علمت ما علمت من أحوال جيشنا، وشاهدت ما شاهدت من عُدد الجيوش الفرنسية، وما كنت أجد مجالاً للشك في النتيجة الأليمة التي ستنتهي إليها المعركة، ولكني مع هذا كنت أتمنى أن تطول المعركة على قدر الإمكان، أمنّي نفسي بمعركة عنيفة تُساعد على حفظ شرفنا العسكري على أقل تقدير.
ولكن النتيجة لم تبطئ كثيراً: فقد وردت الأخبار قبل الساعة العاشرة بانكسار الجيش واختراق الجبهة.
وقالوا: يوسف العظمة قُتل في ميسلون.
فقلت: بل إنه انتحر هناك!... واستشهد؛ على كل حال.
هذا ما قاله ساطع الحصري.
- •••
33
*يقول محمد مطيع: الذي يظهر لي أن الحُصري أساء التعبير، ويمكن أن نُفسِّر كلامه بأنه عندما بدأت المعركة أدرك أن المعركة لم تكن مُتكافئة بين الطرفين، ولذلك كانت هذه النتيجة؟!
ولكن يوسف العظمة أثبت أن أمتنا لا يمكن أن تستسلم دُون مقاومة مهما كانت الظروف والتضحيات وبلغت النتيجة، ودخل المعركة وهو مؤمن بأنه ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾
- •••
لا بد لي هنا من الإشارة إلى بعض الأمور عن ساطع الحُصْري ومواقفه:
1- ذكر الأستاذ علي الطنطاوي في ذكرياته: وهذا الرجل سابق من السابقين من الموجهين والمربين من العرب، وإن عاش حياته الطويلة جدا، ومات وهو لا يُحسن العربية لا نطقا ولا كتابة، مفكر ممتاز كان شيخ المُشتغلين بالتربية من عام 1908 في تركيا، ثم في الشام على العهد الذي أتحدث الآن حديث ذكرياته، ثم في العراق، وقد تسلّم المعارف) من بابها إلى محرابها)، وأصدر يومئذٍ مجلة كانت أولى مجلاتها، ثم أشرف على المعارف في سورية بعد الاستقلال، وهو نسيب الزعيم سعد الله الجابري، ثم عمل في مصر في جامعة الدول العربية.
هذه مزاياه، أما: هل أحسن أم أساء؟ وماذا كان موقفه من الإسلام؟ الجواب لا يرضيه لو كان حيًّا، ولا يُرضي تلاميذه ومُحبِّيه، ولكنه الحق، ولا يضر الحقَّ إن كثر أعداؤه وكارهوه.
كان العقل المُفكر لفتنة القومية، التي لم يأت منها إلا أننا كُنَّا أمة واحدة هي (أمة محمد صلى الله عليه وسلم)؛ فصرنا جمعية أمم، وكنا إخوة يجمعنا الحب في ظلال الإيمان، فصرنا أعداء، تُفرِّقنا هذه الدعوة الجاهليَّة، ولقد أفسد مناهج التعليم في سورية لمَّا دعا بعد الاستقلال لإصلاحها.
2- ذكر لي الدكتور شكري فيصل رحمه الله أن الأستاذ سعيد الأفغاني
رحمه الله لما زار الجامعة العربية بالقاهرة شاهد أحد أساتذة قسم اللغة العربية خارجا من غرفة ساطع الحصري فنظر إليه نظرة قاسية تدل على غضبه واستيائه.
3- في أحد لقاءاتي مع الأمين العام لمجمع اللغة العربية بدمشق الدكتور عدنان الخطيب أعلمني أنه يعمل على إخراج دراسة عن ساطع الحصري وأعماله وخفاياها التي أساءت للأمة، وأنه بعد البحث قال: يجب إعادة النظر في أصوله والتحقيق في أعماله وما أراد بها.
34
4- وقال المُشرف على طباعة كتاب "الأعلام" بعد وفاة مؤلفه الزركلي رحمه الله: "للاطلاع على خطر الدور الذي قام به ساطع الحصري، والمُهمَّات التي اضطلع بها أثناء العهد الفيصلي في سورية انظر كامل
كتابه "يوم ميسلون"، وخاصة المقدمة.
- •••
ترجمة ساطع بن محمد هلال الحُصْري (أبو خلدون)
قال الزركلي في ترجمته: كاتب باحث، من علماء التربية تترَّك ثم تعرَّب، ولد بصنعاء سنة 1300هـ - 1388هـ، وتعلم في استانبول، وتنقل في التعليم والإدارة ووضع 12 كتابا بالتركية.
ولما انفصلت سورية عن الحكم العثماني 1918م دعته إليها حكومة الشريف (الملك فيصل بن الحسين) فجاءها وجدّد عهده بالعربية، وعُين وزيراً للمعارف. ولما احتل الفرنسيون سورية سافر إلى بغداد، فكان مديراً لدار الآثار ورئيساً لكلية الحقوق، وأجبر على مغادرتها سنة 1941م، فعاد إلى حلب، ودعي مستشاراً فنياً في وزارة المعارف بدمشق فزاولها 1944-1946م، وانتقل إلى مصر فعهدت إليه جامعة الدول العربية بإنشاء معهد الدراسات وإدارته، وصنف أكثر من 50 كتابًا عربيًّا، كان أصدقاؤه يُساعدونه في إصلاح لُغتها قبل الطبع، بعضها عن ابن خلدون، وبعضها عن القوميَّة العربية، وبعضها في التربية والتعليم، تُوفي ببغداد سنة 1388هـ-1968م.
- •••
*خاتمة:
وأختم البحث معرفا عظمة المعركة ونتائجها، وبطولة يوسف العظمة، وذلك كما قال د. إحسان هندي وعلى كل حال فإن هذه المعركة لم ينظر إليها المسؤولون السياسيون والعسكريون السوريون في ذلك الوقت كمعركة لصد وإيقاف الوحدات الفرنسية، وإنما نظروا إليها كرمز فقط، رمز يجسد معنى الفداء في سبيل الوطن، المعنى الذي يمثله بيت الشعر العربي المحفور على قاعدة تمثال يوسف العظمة، القائم في موقع حديقة نادي ضُبَّاط دِمشق:
تقضي الرجولة أن نَمُدَّ سيوفنا جِسْرًا ، فقُل لرفاقنا: أن يَعْبُرُوا
ويقول:
ومع ذلك فقد كانت الإصابات الفرنسية أكثر مِمَّا كان متوقعا، ولكنَّ الإصابات العربية كانت أكثر، ومن بينهم العظمة الذي سقط شهيدا.
35
ميسلون ويوسف العظمة في الشعر العربي
للأستاذ محمود محمد أسد
خاضت سوريا معركة الرفض وتأهّبَتْ لحماية شرف استقلالها الوليد الذي راح يهدِّده إنذار غورو… وشعَّ في الأفق موقف الشهيد يوسف العظمة. هذا الموقف الرافض بإباء وعزّة لشروط غورو والاستسلام له. فكان أمام يوسف العظمة طريق المواجهة وهذا ما كان في روابي ميسلون قرب دمشق. وكان له شرف الاستشهاد مع رفاقه الأباة. وما استشهاده إلاّ ثمرةٌ غُرِسَتْ في نفسِ كلِّ أبيٍّ فكانت بذرةَ الجلاءِ فراحَتْ تنمو في النفوس وتُثْمِرُ في المواجهات وتجنى في الجلاء.
من هنا بدأت رحلة الجلاء المسطّرة بالدم والفداء والرفض فلم يعرف المحتل البغيض طعم النوم ومذاق الهناء في بقعة من الوطن العربي حتى نالت استقلالها في القرن العشرين. هذا الجلاء وراءه رجالٌ ومجاهدون أحرار وحَّدوا النضال الوطني في كلِّ الوطن والأقاليم بعيداً عن كلِّ حساسيّة، ولذلك انخرطَتْ الجماهير بعفويتها وإيمانها للذود عن حياض الوطن.
وكانت معركة ميسلون واستشهاد المجاهد يوسف العظمة المحرِّك المدوِّى لنفوس الشعراء فألهَبَ قرائحهم والَّبهم على أعدائهم. فانخرطوا في صفوف النضال واعين رسالتهم.
وحفل الشعر في ذكر ميسلون ويوسف العظمة. واستلهم الشعراء الكثيرَ من المعاني النبيلة.
فهناك قصائد وأبيات خلّدت ميسلون وشهيدها وفيها الكثير من الصدق والعفوية فالشاعر سليم الزركلي نظّم نشيدًا خاصا لطلاب مكتب عنبر وقد لحَّنَهُ الموسيقي المرحوم فائز الأسطواني وجاء فيه:
يا روابي ميسلون يا روابي ميسلون
بالضحايا ذكِّرينا غالها الدهرُ الخؤون
يا رياحين البلاد يا أزاهير الجنان
جرِّدوا سيف الجهاد و تنادوا للطعان
جدَّدوا العهد الأمينا لزعيم الشهداء
وانصروا الحقَّ المبينا بالتآخي ، و الولاء
هذه المقاطع من النشيد تقترب من نُفوس الفتيان، فتشحذ هِممهم.
وفي معركة ميسلون قيل الكثير وبقيت مرسومة بصفاء في نفوس الشعراء الذين عايشوها عن قرب. فالشاعر خير الدين الزركلي يذكر ذاك اليوم البغيض الذي حلَّ على الشعب الغاضب الثائر:
الله للحدثان ! كيف تَكِيدُ؟! بردى يغيض و قاسيون يميدُ
تفد الخطوبُ على الشعوب مغيرةٌ لا الزجرُ يدفعها ، ولا التنديدُ
بَلَدٌ تبوَّأه الشقاء ؛ فكلَّما قدم استقام له ، به تجديدُ
لهفي على وطنٍ يجوسُ خلاله شُذَّاذُ آفاقٍ - شراذمُ - سودُ !
وأشاد الشاعر خليل مردم بك ببطولات معركة ميسلون الباسلة وأبدى حزنه لما آل إليه أمرها:
إنّي أرى (بردى) تفيض عيونه بدموعها حزنا على ماضيكِ
وأرى هضابك كالقبور، عذابها من كلِّ غصن نادبٍ يرثيك
في ميسلون أسى يطول وحسرةٌ عانيهما ؛ ما كان بالمفكوك
وللشاعر خليل مردم بك أكثر من قصيدة يحيي فيها ذكرى ميسلون فيقول في إحداها مخاطباً الشهيد يوسف العظمة:
أيوسف و الضحايا اليوم كثرٌ ليهنكَ كنت أوَّل من بداها
مصيبة ميسلونٍ وإن أَمَضَّتْ أخفُّ وقيعةً ممَّا تلاها
فما من بقعة – بدمشق - إلاّ تمثِّلُ ميسلونَ ، وما دهاها
37
ومن الطبيعي أن تكون ميسلون مبعث اعتزاز وموقع ثقة لدى الشعراء فالشاعر بدر الدين الحامد يتغنَّى بصمود يوسف واستشهاده ويندِّد بوعود الغرب الكاذبة:
نحنُ قومٌ من الممات اتَّخَذْنا عن يقينٍ ، إلى الحياة سبيلا
يوسفٌ خرَّ في الشآم صريعا و كفانا - به - شهيدا نبيلا
أخذونا بالانتداب ، و قالوا: نحن أقوى يدا، وأسمى عقولا
سنريكم دنيا الحضارة تزهو وَعْدَ صدقٍ كالصبحِ معنى وكيلا
وتوقَّف الشاعر عمر أبو ريشة عند ميسلون وهو في نشوة الفرح بالجلاء واعتبرها حَجَرَ أساسٍ في نهوض أمَّتنا وثباتها، رغم عاتيات الزمان. واعتبرها معارك أمّة خاضتها عبر تاريخها، وناضَلَتْ بشرف لنيل مُبتغاها:
كم لنا من ميسلون نفضت عن جناحيها ، غبار التعبِ
كم نبتْ أسيافُنا في ملعبٍ و كبَتْ أجيادُنا في ملعبِ
من نضال عاثرٍ مصطخبٍ لنضالٍ عاثرٍ مصطخبِ
شرفُ الوثبة أن ترضي العُلى غلبَ الواثبُ ، أم لم يغْلَبِ
فمعركة ميسلون وما جرى فيها كانَتْ مجالاً رحباً وأفقاً واسعاً للشعراء منها ينهلون، ويسكبون فيها بنات أفكارهم وآرائهم فالشاعر عبد الله يوركي حلاّق تغنّى من خلالها بالوحدة والتراث وجسّد معاني الانتماء:
في ميسلونَ ينامُ كوكبُ يعربٍ يا للغرابة كيف يغفو الكوكبُ
ما مات يوسفُ فهوَ في تاريخنا و قلوبنا ، حيُّ البسالةِ طيِّبُ
الخلدُ يعرفُهُ ، و يعرف أنَّهُ نَغَمٌ على شفةِ الإباءِ و مُطْرِبُ
والباحث في طيِّ الدوريات والدواوين يجدُ عقداً ثميناً من القصائد والأبيات التي توقفت عند هذا الحدث الجليل فالشاعر فارس قويدر يهدي قصيدته (قبس من ميسلون) إلى الشهيد يوسف العظمة وذلك في مجلة "الجندي العربي":
38
غورو هناك، وشعبي في انتفاضتِهِ نهرٌ من النارِ ، لم تسمعْ به النارُ
فأرجفَ البغيُ مذعورا لصرختهم: "يفديكَ يا وطن الأحرارِ" أحرارُ
أيعبرونَ ، و قتلانا جدارُ دمٍ ؟! و نحنُ في زحمةِ الأقدارِ .. أقدارُ
ولكنَّ اللافتَ والرائع أن ميسلون وشهيدها لا مَسَتْ وجدان الشعراء العرب في الأقطار العربية والمهجر. وهذا معهودٌ لدى شعراء العربية فالإحساسُ القومي نابضٌ وحارٌّ. فالآلام توحِّدُ مشاعرهم والآمالُ تشدُّ من أزرهم. فمن مصرَ ارتفع صوت أمير الشعراء أحمد شوقي:
سأذكر ما حييتُ جدارَ قبرٍ بظاهرِ جلَّقٍ ركبَ الرِّمالا
مقيمٌ ما أقامَتْ ميسلونٌ يذكِّرُ مصرعَ الأسدِ الشِّبالا
ترى نورَ العقيدةِ في ثراهُ و تنشقُ مِنْ جوانبهِ الخلالا
مشى ومَشَتْ فيالق من فرنسا تجرُّ مطارفَ الظفر اختيالا
سلوهُ: هل ترجَّلَ في هبوبٍ من النيرانِ أَرْجَلَتِ الجبالا
في القصيدة يعلو وجدان الشعر وتبرز الصور الفنيَّة الموحية، وتغنّى الشاعر المصري على محمود طه بميسلون ففي ديوانه قصيدة "شهيد ميسلون"، والشاعر معروف بروحِهِ الثورية الوثَّابة، وهو صاحب القصيدة الرائعة ومطلعها:
أخي جاوز الظالمون المدى فحقَّ الجهادِ ، و حقَّ الفِدا
يقول الشاعر في شهيد ميسلون:
لو قِستَهم بعدوِّهم و سلاحِهِ أيقنْتَ أنَّهمو فريسةُ جارحِ
يا ميسلونُ شهدْتِ أيَّ روايةٍ دمويَّةٍ ، و رأيتِ أيَّ مذابحِ
و وقفْتِ مُثْخنةَ الجراحِ بحومةٍ ماجَتْ بباغٍ في دمائكِ سابحِ
يا يُوسُفَ العظماتُ غَرسُكَ لم يَضِعْ
و جَناهُ أخلَدُ مِن نِتاج قرائحِ
هذه القصائد تبرز عمق الارتباط القومي ومتانته. هذا الارتباط الوثيق الذي عبَّر عنه الشعراء بمشاعرهم الفيَّاضة الصادقة. وهذا ليس بغريب عن أدباء العربية المنتمين الى أرومتهم انتماء صافياً كصفاء نفوسهم.
فالرصافي يهزأ من غورو، ويُخاطبه غاضبا من إنذاره وتصرفاته الرعناء:
رويدك غورو أيّها الجنرال! فقد آلَمَتْنا - من خطابك - أقوال
أسأتْ إلينا بالذي قد ذكرته من الأمرِ فاستاءت عصورٌ وأجيال
إليك صلاح الدين نشكو مصيبة أصيبَ بها قلبُ العلا فّهْو مقتال
والشاعر هنا يُشير الى مقولة غورو عندما دخل دمشق غازيًا؛ فتوجَّه الى ضريح صلاح الدين وقال له: "ها نحن عُدْنا يا صلاح الدين".
ومن المَهاجر الأمريكية تواصل الأدباء العرب مع هذا الحدث الجلل وهذه المواقف البطولية الرائعة فأبو الفضل الوليد يشيد بصمود يوسف العظمة في ميسلون:
تربَّصَ إحدى الحسنيين تبسُّلا فما عابه ألَّا يكون المظفَّرا
وأيقن أن النصرَ في جنبِ خصمِهِ ولكن رأى حظَّ الشهيدين أفخرا
على أشرف الميتات وطَّن نَفْسَهُ فشدَّ لكي يلقى الردّى لا لينصرا
و ما ذاك إلاَّ من إباءٍ ، و عزَّةٍ يزيدان - نفس المستميت- تكبُّرا
أيُوسُفُ يا بنَ العظمة استعظم الورى
شهادتك المُثلى ، و مثلكَ لم يُرا
فنم في ثراها مطمئنا مكرّما فذاك الثرى قد صار مسكا و عنبرا
سلامٌ على الأبطالِ إنَّ دماءَهم ستُحيي شعورا لن يموت و يُقبرا
فالأبيات تنبض بالتقدير والإعجاب وتتعامل مع الشهادة من خلال صراع يعيشه الإنسان وبقي مع شعراء المهجر الذين ابتعدوا جسداً عن الوطن الأم، وارتبطوا روحاً تتألم لأوجاعِ الأمة، وتفرح لفرحها.
فهذا إلياس فرحات يحسِّد معنى الشهادة والثبات والتنديد لسياسة الاستعمار:
قولوا لغورو كلّما لَمَعَتْ أزرارُهُ ؛ فاختالَ و ابتسما
مَيْتُ العُلى حيٌّ بمبدئهِ و عدوُّه مَيْتٌ و لو سلما
مجد الشآم بميسلونَ بدا غرسا سقوهُ دماءَهمْ فنما
يا ميسلون سُقيتِ كلَّ ضحىً دمعَ الغمامِ كما سُقيتِ دما
ويعود الشاعر الى ذكرى ميسلون مع ابتهاجه في إعلان نار الثورة السورية الكبرى فلا يجد مانعاً في اختيار عنوان " يا ميسلون " فيتوجه إليها:
يا ميسلون ! تجدَّدَ العملُ لعُلاك ؛ فليتجدَّدِ الأملْ
يا ليْتَ غورو حاضرٌ ليرى ضربا تميدُ لهولِهِ القُلَلْ
أبني الشآم اليومَ يومكمو للمجدِ هذا الحادثُ الجلل
مرحى بني معروف إنَّ لكم جيشا تضيق بخيلهِ السبل
يا سائلي عنهم! أتجهلهمْ؟! وهمُ الذين على العلى جُبلوا
وللشاعر إلياس فرحات أكثر من قصيدة يشيد فيها بميسلون ويوسف العظمة وقد قال يوم احتفل المغتربون في البرازيل بوضع تمثال بطل ميسلون:
شاعر الأحرار في هذي المهمّه محفِلُ الأحرارِ يبغي أن نؤمّه
إن يقلْ : ما ميسلونٌ ؟ جاهل قلْ: مثارُ الفخر في تاريخ أمّه
وللشاعر القروي حصَّة عظيمة في ذكر ميسلون وقد أشاد بها وذكرها في قصيدته "عيد الأضحى" وقد جاء العيد بعد ميسلون:
إنَّ بالعظمةِ أعلى مثلٍ للفدى ، تنشده النفسُ الأبيَّة
ودَّعَ الغوطة يبغي جنَّةً غيرها تحتَ ظلالِ المشرفيّة
يا مُعيدًا مجدنا الضائعَ، نَمْ مُسْتريحا في ظلال الأبديّة
هذا الاحساس القومي الرائع ينبض في ثنايا كلِّ حرف وبيت، وهنا تكمن عظمة الكلمة النابعة من الأعماق وهذا ما بدا في قصيدة " جورج صيدح " في ذكر الجلاء:
زغردي يا حرائرَ الشامِ ، هذا مهرجانٌ ؛ لأختك الحرّيّة
خطبوها - في ميسلون- فأدّى "يوسفُ" المهرَ بالدماءِ الزكيّة
41
وانطلق صوت الشاعر إيليا أبو ماضي مُشيدا بيوسف العظمة وراسِمًا عظمة رسالته ودوره في قصيدته "تحية الشام":
ما كان يوسفُ واحدًا بل موكبا للنور غلغل في الشموسِ فغابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى
كي لا يرى في جلَّق الأغرابا
و إذا نبا العيشُ الكريمُ بماجدٍ حرٍّ رأى الموتَ الكريم صوابا
إنّي لأزهى بالفتى ، و أحبُّهُ يهوى الحياةَ مشقّةً ، و صعابا
ورد ذكر ميسلون ويوسف العظمة كثيرا وخاصة في قصائد قيلت بمناسبة الجلاء وذكرى ميسلون وهي مطوَّلة تستحقُّ دراسة متأنيّة فيها الكثير من الدقة والتحليل. فكانت ذكرى الجلاء باعثة للذكريات واسترجاحِ قيم النضال ولذلك كان الجلاء من ميسلون. وميسلون أوَّل لبنة من لبنات الجلاء العظيم الذي جاء ثمرة التضحيات فيقول الشاعر زكي قنصل:
كلُّ شبرٍ من أرضِها ميسلونٌ يجثم العزُّ حولها و الوقارُ
و إذا كلُّ ربوةٍ ميسلونٌ و إذا كلُّ ساحةٍ مِضمارُ
ونبقى مع الشاعر زكي قنصل الذي أنشد قصيدة رائعة في الذكرى الخمسينية لموقعة ميسلون وعنوانها (مواكب الشهيد):
هتكوا حماكَ وأنتَ لم تثبِ أولَسْتَ من عدنانَ يا عَرَبي
أين الحميَّةُ، هل هي انطفأت أم أنَّها ذهبت مع السلبِ؟
مثواكَ مِحرابي أطوفُ به وأحومُ بالنجوى على النُّصُبِ
وهناك الكثير ممَّا قيل في ميسلون وبطلها يوسف العظمة الذي ضَرَبَ مثلا في الرفضِ والإباء والعزّة. وهذا ما ألهب نار الثورة من بعده.
فما الثورات والنضال الوطني الذي أدّى إلى الجلاء إلَّاَ من سعير ميسلون وهداها. وتبقى ميسلون مجالًا رحبًا للدراسة مع معارك تاريخيه أخرى خاضتها أمَّتنا العربية؛ كحطين وعين جالوت والمنصورة... وهي دعوة فيها الكثيرُ من العمل والفائدة.
42
متى وأين توفيت ليلى يوسف العظمة؟
شمس الدين العجلاني
صحيفة "الوطن" 7/2018م
منذ فترة زمنية ابتدأت خطة مُبرمجة تطول شخصياتنا الوطنية، ومن هذه الشخصيات، الشهيد البطل يوسف العظمة، فقد تطرق أحدهم كذبا إلى زوجته وجذور عائلتها، وآخر تحدث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة الوحيدة، بأنها عاشت مشردة وعمياء في إستنبول، وأنها عاشت طيلة حياتها عزباء من دون زواج، وليس لها ذرية.
وآخر قال إن ليلى وأمها لم تحصلا على أي مساعدة مادية أو معنوية من الحكومات السورية المتعاقبة!
وكنا قد تطرقنا في صحيفة «الوطن» للحديث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة يوم الثلاثاء 5-8-2014 تحت عنوان: «في رحاب يوسف العظمة أعيدوا ليلى لحضن الوطن» وذكرنا في تلك المقالة: «المعلومات حول ليلى قليلة أو نادرة، بل ربما تكون متضاربة»، لكن ذلك لم يمنعنا من البحث وتقصي الحقائق حول ليلى وأمها زوجة يوسف العظمة إلى أن اجتمعت بشاهد عيان زار حفيد يوسف العظمة «ابن ليلى» في استنبول في عام 2013، وبمساعدة بعض الأصدقاء استطعت الحصول على وثائق ومعلومات مهمة عن ليلى. سنورد كل ما لدينا من معلومات معتمدين على الوثائق والصور التي تنشر للمرة الأولى، للرد على كل من يتطاول على قامة عملاقة وطنية، وشهيد من شهداء وطننا الغالي؛ الذي أبى أن يدخل المحتل الفرنسي إلى دمشق من دون مقاومة، ومن دون أن يكون دمه الطاهر فداءً لسورية.
*قالوا عن ليلى العظمة: ليلى العظمة ابنة الشهيد يوسف العظمة، والدتها تركية الأصل اسمها منيرة، وليست كما يشيع المغرضون أنها ابنة جمال باشا السفاح.
رويت قصص وحكايا عن ليلى من أقربائها وعدد من المهتمين، منهم من أصاب كبد الحقيقة ومنهم غير ذلك، يقول د. موفق أبو طوق في زاوية آفاق
43
في صحيفة تشرين يوم الأربعاء 13 تموز 2005 والحديث عن ليلى: «وتذكرت الفنان ياسر العظمة، وتذكرت أنه قد سبق أن ألقى مرة كلمة «آل الفقيد» في احتفال أقيم بمناسبة ذكرى ميسلون.. وعلى الرغم من وجود بعض المعرفة بيني وبينه، إلا أنني آثرت اللجوء إلى زميلي الأديب نور الدين الهاشمي، على اعتبار أنه شريك له في كثير من فقرات مسلسله التلفزيوني «مرايا»، وبالفعل، لم يرفض الأستاذ الهاشمي طلبي، إذ اتصل بي من حمص بعد أيام من توجيه سؤالي ليخبرني بأن ياسر العظمة قد أعلمه بأن ليلى يوسف العظمة قد توفيت قبل عشر سنوات تقريبا، وأنها عاشت طيلة حياتها عزباء من دون زواج، وليس لها ذرية!» والعماد أول مصطفى طلاس يقول في صحيفة تشرين يوم الإثنين19 تموز 2005 إنه رفع قيمة التعويض الذي كانت تتقاضاه ليلى: «رفعت التعويض الشهري إلى 2000 ليرة صوناً للأمانة التي وضعها الشهيد في أعناقنا، وإيماناً بالشهادة الرائعة التي قدمها والدها البطل الشهيد يوسف العظمة الذي نراه مؤسس السياسة الكفاحية في وطننا…»، ولكن لم يشرح العماد طلاس كيف تم رفع التعويض وهل هو راتب أم تعويض، وفي أي عام، وكم كان مبلغ التعويض قبل الزيادة، وهل هو تعويض تتقاضاه من الدولة أم من وزارة الدفاع بشكل شخصي؟ «أي لا يخضع للقوانين والمراسيم، لأنه لو كان كذلك فهو يزيد وفق مراسيم زيادة الرواتب. وحين ذكر ذلك العماد طلاس، كانت ليلى متوفاة منذ سنوات طويلة.
يقول توفيق قربة في تهجم على البرلمان والحكومة، من دون مبرر، ومن دون أي وثيقة يذكرها: «بعد أن أوقفت الحكومة راتبه» المقصود "راتب يوسف العظمة" وبعد أن توقفت معونات «أهل الخير» أصيبت ابنته بشلل الأطفال والعمى، تشردت زوجته التي استجدت الناس حتى استطاعت أن تؤمن كلفة السفر إلى إسطنبول حيث يعيش أخوها… الفقير أيضا… أغلقت بيتها المتواضع… وسافرت تاركة وطنا يئن تحت رزح الاحتلال، وقسوة قلوب أبنائه…. توفيت تاركة ابنتها تصارع الموت، على حين كان مجلس الشعب السوري عام ١٩٥٢ يتشاجر لإعادة راتب زوجها الشهيد، بعد أن قدم السيد شكري العسلي مذكرة بوضع عائلة الشهيد البطل؛ الذي ملأت تماثيله البلاد بعد أن بلغه أمرها!!!».
ويتابع توفيق قربة هرتقاته البالية بالقول: «وماتت الفتاة عمياء مشلولة من دون أن يرف جفن الكرامة لدى من يتغنَّى ببطولات يوسف العظمة من السوريين أو حكوماتهم المتتالية».
*من هي ليلى العظمة؟
ليلى جميلة المحيا، أنيقة، طويلة القامة، ذات شعر فاتح، وعينين جميلتين من مواليد دمشق عام 1912م، ليلى يوسف العظمة سميت بهذا الاسم تيمنا بوالدة يوسف العظمة ليلى الشربجي. على أغلب الظن غادرت دمشق إلى إستنبول مع والدتها عام 1920م، وكان عمرها ثماني سنوات، درست في المدرسة الفرنسية في إستنبول وتعلمت عدة لغات إضافة للعربية والتركية، عاشت في إستنبول في كنف أهل والدتها، وتعرفت على أحد التجار الأتراك في إستنبول وتزوجت منه وهو جواد أشار «كما وردت الكنية في المرسوم رقم 43 لعام 1948م» رزقت ليلى بولد وحيد هو جلال من مواليد عام 1943م حسبما روى لي شاهد عيان التقى جلال، وجلال لم يزل إلى الآن مقيما في استنبول، وهو متزوج وله ابنتان «سنتحدث عنه لاحقا»، كانت ليلى دائمة التواصل مع دمشق وفي عام 1946م وبمناسبة عيد الجلاء، أرسلت برقية تهنئة إلى المجلس النيابي السوري، كما كان آل العظمة على تواصل معها وكان عدد من آل العظمة على تواصل مع ليلى، ويقومون بزيارتها في إستنبول منهم نبيل وعادل العظمة، مع زوجاتهم.
كانت ليلى تعاني المرض، قيل شلل أطفال، ولكن أعتقد غير ذلك؛ لأن الحكومة السورية «بعكس ما يشيعون تماما» تكفلت بإعطاء مبالغ كبيرة وكبيرة جدا لعلاجها.
*فيصل بن الحسين يخصص راتبا لليلى
يقال إن الملك فيصل بن الحسين ملك سورية عام 1920 قد خصص لابنة الشهيد يوسف العظمة «ليلى» مرتباً شهريًّا قدره 200 ل. س آنذاك أو 20 دينارا، كان يصلها بانتظام حتى آخر أيامه، ويؤكد ساطع الحصري ذلك في كتابه "يوم ميسلون"؛ فيقول: «شاءت الظروف أن أؤدي الأمانة التي وضعها يوسف العظمة في عنقي بعد مرور ثلاث ليال على تلك الليلة الأليمة. وقد ذهبت إلى بيته برفقة كبير الأمناء إحسان الجابري فواجهنا هناك زوجته الثكلى وابنته ليلى، وأبلغنا الأم عزاء الملك فيصل من جهة، ووعد جلالته بتخصيص راتب شهري وقدره 20 دينارا لليلى من جهة أخرى، وقلنا لها: إن الملك فيصل سيرسل هذا الراتب مهما تغيرت الأمكنة التي سيذهب إليها…… وقد قدر لي أن أتولى مواصلة الإشراف على تنفيذ هذا الوعد في بغداد أيضا حتى آخر أيام الملك الراحل».
*الحكومة السورية تُساعد ليلى
لم تألُ الحكومات السورية المتعاقبة جُهدًا في تقديم يد العون لابنة الشهيد ليلى فقد صدر المرسوم رقم 288 تاريخ 9 آذار عام 1947 م ينص على: «منحت كريمة شهيد ميسلون الكبير المغفور له يوسف العظمة المريضة إعانة مقدارها2000 ل. س…».
وبعد عدة أشهر صدر المرسوم رقم 982 تاريخ 20 أيلول عام 1947م ينص على: «بموجب المرسوم رقم 982 تاريخ 20-9-1947 م منحت السيدة ليلى كريمة شهيد ميسلون المغفور له السيد يوسف العظمة المريضة إعانة مقدارها2000 ل. س وذلك علاوة على المبلغ الممنوح إليها بموجب المرسوم المؤرخ في 9-3-1947…».
وبناء على اقتراح وزير الداخلية محسن البرازي صدر عن رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس مجلس الوزراء جميل مردم بك المرسوم رقم 1073 تاريخ 19-10-1947 يرسم ما يلي: «يخصص للسيدة ليلى بنت شهيد البلاد الكبير المرحوم يوسف العظمة مبلغ مقطوع قدرة ثمانية آلاف ليرة سورية…».
وبعد صدور هذا المرسوم بفترة زمنية قليلة، هنالك احتمالان إما أن تكون ليلى يوسف العظمة قد توفيت، أو أنها كانت تعاني المرض الشديد ما منعها من أن تتقاضى هذا المبلغ الذي نص عليه المرسوم، والاحتمال الأول هو الأرجح لأن ليلى توفيت على أغلب الظن يوم 15 تشرين الثاني 1947، فقامت الحكومة السورية آنذاك بتحويل المبلغ وقدره 8 آلاف ليرة سورية إلى ولدها جلال؛ حيث صدر المرسوم رقم 43 تاريخ 15-1-1948م الذي نص على: «يلغى المرسوم رقم 1073 م تاريخ 19-10-1947 م» وفي مادته الثانية نص على: «يخصص للسيد جلال أشار ابن السيدة ليلى العظمة ثمانية آلاف ليرة سورية».
وهنالك ملاحظتان حول ذلك الأولى: إن كان كما ورد سابقا أن جلال من مواليد عام 1943م، فإن عمره حين خصص بمبلغ 8 آلاف ليرة سورية بحدود 4 سنوات!؟
46
والمُلاحظة الثانية: أن هذه المبالغ التي خصصت لليلى يوسف العظمة مبالغ كبيرة جدا بعرف تلك الأيام..
… كانت آخر كلمات الشهيد يوسف العظمة: «إني أعرف ما يجب عليّ، وسأقوم بواجبي، ولست آسفا على نفسي، بل أسفي على الأمة التي ستظلّ سنوات كثيرة أو قليلة هدفا لكل أنواع المحن والمصائب، وإني مطمئنّ إلى مستقبل الأمة، لما رأيته وخبرته بنفسي من قوة الحياة الكامنة فيها، وواثق من عطف أصدقائي على طفلتي (ليلى)، فسأذهب مستريحَ البال، مطمئنّ القلب في طريق الواجب المفروض عليّ».
- شُكرًا لكل من مد يد المساعدة لتوثيق حياة ليلى يوسف العظمة.
صحيفة الوطن عدد 14/آب/2017، المقالة بعنوان:
(«الوطن» تنفرد بالحديث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة)
47
مما قيل في ميسلون من قصائد وأشعار
*رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي ت 1932م، في سورية وأهلها، ومعركة ميسلون، وقائدها الشهيد البطل يوسف العظمة:
حَياةٌ ما نُريدُ - لَها - زِيالا وَ دُنيا لا نَوَدُّ - لَها - اِنتِقالا
وَعَيشٌ في أُصولِ المَوتِ سَمٌّ عُصارَتُهُ وَإِن بَسَطَ الظِلالا
وَ أَيّامٌ تَطيرُ - بِنا - سَحابا وَإِن خيلَت تَدِبُّ - بِنا نِمالا
نُريها في الضَميرِ هَوىً وَحُبّا وَ نُسمِعُها التَبرُّمَ ، وَ المَلالا
قِصارٌ حينَ نَجري اللَهوَ فيها طِوالٌ حينَ نَقطَعُها فِعالا
وَ لَم تَضُقِ الحَياةُ بِنا وَلَكِن زِحامُ السوءِ ضَيَّقَها مَجالا
وَ لَم تَقتُل - بِراحَتِها - بَنيها وَ لَكِن سابَقوا المَوتَ اِقتِتالا
وَ لَو زادَ الحَياةَ الناسُ سَعيًا وَ إِخلاصًا ؛ لَزادَتهُم جَمالا
كَأنَّ اللَهَ إِذ قَسَمَ المَعالي لِأَهلِ الواجِبِ اِدَّخَرَ الكَمالا
تَرى جِدّا وَلَستَ تَرى عَلَيهِم وُلوعًا بِالصَغائِرِ وَ اِشتِغالا
وَ لَيسوا أَرغَدَ الأَحياءِ عَيشا وَ لَكِن أَنعَمَ الأَحياءِ بالا
إِذا فَعَلوا فَخَيرُ الناسِ فِعلا وَ إِن قالوا فَأَكرَمُهُم مَقالا
وَإِن سَأَلَتهُمو الأَوطانُ أَعطَوا دَما حُرّا ، وَ أَبناءً ، وَ مالا
بَني البَلَدِ الشَقيقِ! عَزاءَ جارٍ أَهابَ بِدَمعِهِ شَجَنٌ ؛ فَسالا
قَضى بِالأَمسِ لِلأَبطالِ حَقّا وَأَضحى اليَومَ بِالشُهَداءِ غالى
يُعَظِّمُ كُلَّ جُهدٍ عَبقَرِيٍّ أَكانَ السِلمَ ، أَم كانَ القِتالا
وَ ما زِلنا إِذا دَهَتِ الرَزايا كَأَرحَمِ ما يَكونُ البَيتُ آلا
وَقَد أَنسى الإِساءَةَ مِن حَسودٍ وَلا أَنسى الصَنيعَةَ وَ الفِعالا
ذَكَرتُ المِهرَجانَ وَقَد تَجَلّى وَ وَفدَ المَشرِقَينِ وَ قَد تَوالى
وَ داري بَينَ أَعراسِ القَوافي وَ قَد جُلِيَت سَماءً لا تُعالى
تَسَلَّلَ في الزِحامِ إِلَيَّ نِضوٌ مِنَ الأَحرارِ تَحسَبُهُ خَيالا
رَسولُ الصابِرينَ أَلَمَّ وَهْنًا وَ بَلَّغَني التَحِيَّةَ ، وَ السُؤالا
دَنا - مِنّي - فَناوَلَني كِتابا أَحَسَّت راحَتايَ لَهُ جَلالا
وَجَدتُ دَمَ الأُسودِ عَلَيهِ مِسكا وَكانَ الأَصلُ في المِسكِ الغَزالا
كَأَنَّ أَسامِيَ الأَبطالِ فيهِ حَوامِيمٌ - عَلى رِقٍّ - تَتالى
رُواةُ قَصائِدي قَد رَتَّلوها وَ غَنَّوها الأَسِنَّةَ ، وَ النِصالا
بَني سورِيَّةَ ! التَئِموا كَيَومٍ خَرَجتُم تَطلُبونَ بِهِ النِزالا
سَلوا الحُرِيَّةَ الزَهراءَ عَنّا وَ عَنكُم ، هَل أَذاقَتنا الوِصالا
وَ هَل نِلنا كِلانا اليَومَ إِلّا عَراقيبَ المَواعِدِ ، وَ المِطالا
عَرَفتُم مَهرَها ؛ فَمَهَرتُموها دَما صَبَغَ السَباسِبَ وَ الدِغالا
وَ قُمتُم دونَها حَتّى خَضَبتُم هَوادِجَها الشَريفَةَ ، وَ الحِجالا
دَعوا في الناسِ مَفتونا جَبانًا يَقولُ: الحَربُ قَد كانَت وَبالا
أَيُطلَبُ حَقَّهُم - بِالرُّوحِ- قَومٌ فَتَسمَعُ قائِلا رَكِبوا الضَلالا؟!
وَكونوا حائِطا لا صَدعَ فيهِ وَصَفّا ، لا يُرَقَّعُ بِالكُسَالى
وَعيشوا في ظِلالِ السِلمِ كَدّا فَلَيسَ السِلمُ عَجزًا وَ اِتِّكالا
وَ لَكِن أَبَعدَ اليَومَينِ مَرمًى وَ خَيرَهُما لَكُم نُصحا وَ آلا
وَلَيسَ الحَربُ مَركَبَ كُلِّ يَومٍ وَ لا الدَمُ - كُلَّ آوِنَةٍ- حَلالا
سَأَذكُرُ ما حَيِّتُ جِدارَ قَبرٍ بِظاهِرِ جِلَّقَ رَكِبَ الرِمالا
مُقيمٌ ما أَقامَت مَيسَلونٌ يَذكُرُ مَصرَعَ الأُسْدِ الشِبالا
لَقَد أَوحى إِلَيَّ بِما شَجاني كَما تُوحي القُبورُ إِلى الثَكالى
تَغَيَّبَ عَظمَةُ العَظَماتِ فيهِ وَ أَوَّلُ سَيِّدٍ لَقِيَ النِبالا
كَأَنَّ بُناتَهُ رَفَعوا مَنارا مِنَ الإِخلاصِ أَو نَصَبوا مِثالا
سِراجُ الحَقِّ في ثَبَجِ الصَحارى تَهابُ العاصِفاتُ لَهُ ذُبالا
تَرى - نورَ العَقيدَةِ- في ثَراهُ وَ تَنشَقُ في جَوانِبِهِ الخِلالا
مَشى وَمَشَت فَيالِقُ مِن فَرَنسا تَجُرُّ مَطارِفَ الظَفَرِ اِختِيالا
مَلَأنَ الجَوَّ أَسلِحَةً خِفاقا وَ وَجهَ الأَرضِ أَسلِحَةً ثِقالا
وَ أَرسَلنَ الرِياحَ عَلَيهِ نارا فَما حَفَلَ الجَنوبَ وَلا الشَمالا
سَلوهُ ؛ هَل تَرَجَّلَ في هُبوبٍ مِنَ النيرانِ أَرجَلَتِ الجِبالا
أَقامَ نَهارَهُ يُلقي ، وَ يَلقى فَلَمّا زالَ قُرصُ الشَمسِ زالا
وَ صاحَ نَرى بِهِ قَيدَ المَنايا وَلَستَ تَرى الشَكيمَ وَلا الشِكالا
فَكُفِّنَ بِالصَوارِمِ ، وَ العَوالي وَغُيِّبَ حَيثُ جالَ وَحَيثُ صالا
إِذا مَرَّت بِهِ الأَجيالُ تَترى سَمِعتَ لَها أَزيزا ، وَ اِبتِهالا
*قصيدة الشاعر الدمشقي الكبير خليل مردم بك ت 1959م:
أدالَ اللهُ (جلَّقَ) من عداها وَأحسنَ - عن أضاحيها- عزاها
فكم حملتْ عن العربِ الرزايا كذاك الأُمُّ ؛ تدفعُ عن حماها
مضتْ عشرٌ عليها حالكاتٍ كقطعِ الليلِ لم يكشفْ دجاها
أعادتْ عصرَ (تيمورٍ) إليها فظنتْ مرةً أُخرى غزاها
وَما شابتْ لها الأطفالُ لكنْ بشرعِ طغاتِها وَردتْ رداها
عرفنَا يومَ (يوسف) مبتداها فهلْ مِنْ مخبرٍ عن منتهاها؟
(أَيوسفُ) والضحايا اليومَ كُثرٌ ليهنكَ ، كنتَ أولَ مَن بداها
زكا نبتُ البلادِ وَ ليس بدْعا زكيّاتُ الدما كانت حياها
فديتُك قائدا حيّا ، وَ ميْتا رفعتَ - لكل مكرمة - صُواها
غضبتْ لأُمةٍ ، منها معدٌ فأرضيتَ العروبةَ ، و الإِلها
فيالك راقدا ! نبّهتَ شَعبا و أيقظتَ النواظرَ مِن كراها
وَ يا لك ميِّتا ! أحييتَ منا نُفوسا ، لا تقرُّ عَلَى أذاها
سمتْ بك للمعالي نفسُ حرٍ لقدْ كانت - منيّتها - مناها
هَوَيتَ عَلَى المنيةِ لا تُبالي كما تهوي الثواقبُ من سماها
فِدًا لك ، بل لنعلك كلُّ تاجٍ تُصرّفه الطغاةُ عَلَى هواها
مصيبةُ (ميسلون) وَإن أَمضّتْ أخفُّ وَقيعة ، مما تلاها
فما مِن بُقعةٍ بدمشق إلَّا تمثل ميسلونَ ، وَ ما دهاها
فروعُ النارِ قد طالتْ ذراها وَ بالدمِ لم يزلْ رطْبا ثراها
فسلْ عمّا تصبّبَ من دماءٍ تُخبّركَ - الحقيقةَ - (غوطتاها)
وَ لم أرَ جنّةً أمسى بنُوها وقودَ النارِ - فائرةً - سواها
وَما زالتْ بقايا السيفِ منهم تُعاني غربةً ؛ شطّتْ نواها
هُمُ كتبوا صحائفَ خالداتٍ أرى صدرَ الزمانِ لقدْ وَعاها
وَ مِحنتُهمْ عَلَى مرِّ الليالي يَرِنُّ - بمسمعِ الدنيا - صداها
عشقتُ دمشق إِذْ هِيَ دارُ خلدٍ مُقيمٌ سعدُها ، دانٍ جناها
و كان - تمامَ محنتِها- أمورٌ لقد ضحكَ الزمانُ بها سفاها
بهزلِ الدهرِ تاه بها وضيعٌ كما إبليسُ في الفردوس تاها
وَشرذمةٌ تسابق في المخازي عجبتُ - لربنا - أنّى براها؟!
أظنُّ مقاطعَ المأساةِ تمّتْ بمهزلة تَظرَّفَ من رواها
إذا ما ليلةٌ حلكتْ وَ طالتْ فأجدِرْ أن يكونَ دنا ضحاها
وَ عاقبةُ الشدائدِ ، و الرزايا إلى فرجٍ ، إذا بلغتْ مَداها
سَأُقْصِرُ فالقوافي اليومَ جمرٌ أخافُ على المسامعِ من لظاها
********
52
*قصيدة "يوم الجلاء" للشاعر الكبير بدر الدين الحامد؛ شاعر العاصي ت 1961م "بلغت ثأرك يا شام":
بلَغتِ ثأرَكِ ، لا بغيٌ و لا ذامُ يا دارُ ثغرُكِ منذ اليومِ بسَّامُ
ولّت مصيبَتُكِ الكبرى مُمَزّقةً وأقلعتْ عن حِمى مروانَ آلامُ
لقد طويتِ سجوفَ الدّهرِ صابرةً السّيفُ منصلتٌ ، و الظّلمُ قوّامُ
على روابيكِ أنفاسٌ مطهَّرةٌ و في محانيكِ أشلاءٌ و أجسامُ
هذا الترابُ دمٌ بالدّمعِ ممتزجٌ تهبُّ منه -على الأجيالِ- أنسامُ
لو تنطق الأرضُ قالت: إنني جدَثٌ فيَّ الميامينُ آسادُ الحمى ناموا
ستٌّ وعشرونَ مرّت كلما فرغتْ جامٌ من اليأسِ صِرفًا أترعَتْ جامُ
لولا اليقينُ ولولا اللهُ ما صبرتْ على النّوائبِ في أحداثها الشّامُ
يومُ الجلاءِ هو الدنيا و زينتُها لنا ابتهاجٌ ، و للباغين إرغامُ
وجهُ الغرابِ توارى وانطوى علَمٌ للشّؤمِ مذْ خفقَتْ للعينِ أعلامُ
يا راقدًا في روابي ميسلونَ أفِقْ جلتْ فرنسا فما في الدّارِ هضَّامُ
لقدْ ثأرنا و ألقينا السّوادَ و إنْ مرَّتْ على الليثِ أيّامٌ وأعوامُ
غورو يجيءُ صلاحَ الدين منتقمًا مهلًا ؛ فدنياكَ أقدارٌ و أيَّامُ
هذي الديارُ قبورُ الفاتحينَ فلا يغرُرْكَ ما فتكوا فيها وما ضاموا
مهدُ الكرامةِ عينُ اللهِ تكلؤها كم في ثراها انطوى ناسٌ وأقوامُ
تجرُّ ذيلَ التّعالي في مرابعِها المجدُ طوعٌ لنا و الدهرُ خدّامُ
فيا فرنسا ارجعي بالخزيِ صاغرةً ذكراكِ في صفحةِ التّاريخِ آثام
دارُ النّيابةِ في التّمجيدِ كعبتُنا يأتي حطيمَ علاها منكِ هدّامُ
يا ويحَ مَن يدّعي التّمدينَ عن كذبٍ وحشٌ له من ثيابِ النّاسِ هندامُ
ألقى السِّلاح أمامَ الأقوياءِ و لم يخجلْ ، ولكنّهُ في الشّامِ مقدامُ
تمرُّ بي صورٌ لو رحْتُ أرسِمُها لما شفتنيَ أوراقٌ ، و أقلامُ
شتّى مآثرُ من نبلٍ و من شرفٍ الحقُّ يجمعُها ، و الدّهرُ رسّامُ
لو يذكرونَ على العاصي هزيمتَهم و للمذاويدِ - في الميدانِ- إقدامُ
الطّائراتُ رميناها ، و جيشُهُمُ من رعشةِ الخوفِ أشتاتٌ وأقسامُ
يومٌ بيومٍ قضينا وِترَنا و كفى اليأسُ في الخلفِ و الآمالُ قُدّامُ
ذكراهُمُ كَرَسِيسِ الداءِ إنْ خَطَرتْ في القلبِ ثارتْ جراحاتٌ وأسقامُ
الحمدُ لله ولَّوا و انقضى زمَنٌ شؤمٌ مَطالِعُه في الدّهرِ إظلامُ
هُنا التقينا - بلادَ العربِ قاطبةً في دارةِ المجد- أخوالٌ وأعمامُ
يا طالعينَ على الدّنيا بنصرِهِمُ في كلّ قطرٍ لهم نقضٌ وإبرامُ
وفاؤنا البِكرُ، لا تأتيهِ منقصَةٌ في عرفنا العهدُ تقديسٌ وإعظامُ
العُرْبُ في كلّ دارٍ أمّةٌ ثبتتْ لها بساحِ العُلى و الفضلِ أقدامُ
مُوحَّدونَ كبيتٍ واحدٍ جَمعت -شتّى لُباناتِهِ في العيشِ- أرحامُ
ناموا طويلًا فلمّا صاحَ صائحُهم أصغوا إليه ومن مهدِ الكرى قاموا
مشارفُ الشّامِ تهتزّ العراقُ لها وتنتشي طربًا في مصرَ أهرامُ
وفي الرّياضِ وبطحاءِ الحجازِ وما
تضُمّ صنعاءُ ؛ آمالٌ و أحلامُ
أمّا فلسطينُ فالأقدارُ ترمقها فهل يكونُ لها للعيدِ إتمامُ
وفي حمى المغربِ الأقصى لنا وطنٌ
أهلوه يرجونَ والمُرجَوْنَ ظلاّمُ
عاثَ الفِرَنسيسُ في أمجادهم وبغَوا فهم على الرَّغم ساداتٌ وحكّامُ
ويح الزّمان! أمغلوبٌ الوغى ملكٌ مسلَّطُ الذّئبِ و الأبطالُ أغنامُ
لا بدَّ للعمرِ من يومٍ نُخلّدهُ أغرُّ يبلغُ فيه العُربُ ما راموا
هي العروبةُ ، و الأيّام شاهدةٌ يحمي حِماها من الأفذاذ أفهامُ
يا منكرَ الشّمسِ هذي الشّمسُ قد طلعت
دُنيا الهناءةِ عامٌ ، بَعدَهُ عامُ
***********
*قصيدة الشاعر الكبير عمر أبي ريشة ت 1990م "يا عروسا":
يا عَــرُوسًا تـنامُ مِلءَ المَحاجِـرِ شَيّعي الحُلمَ و الطّيُوفَ السّواحِر ْ
آن أن تـفتحي العـيـون َ إلى النـو رِ وتـلقـي على الظّلامِ السّتائـرْ
يا بلادي! و أنـت ِ نهـلةُ ظـمآ نَ و شبّابـة ٌ عـلى فـمِ شاعــرْ
كيفَ مالـت بـكِ اللّيالي و ألْوَتْ بالبـقايـا من العُـهـود الغوابـرْ
ما حملنا ذل الحياة و في القو سِ نِبالٌ ، و في الأكُفِّ بواتر
يصفع الذئب جبهة الليث صفعًا إن تلاشت أنيابه ، و الأظافر
كم مشينا على الخُـطـوب كِرامًا والــرّدى حاسِـرُ الـنّواجذِ فاغرْ
والـزّغـاريـد في شفـاه ِالـغــواني تـدفـعُ الحـرَّ لاقتحام ِ المخاطرْ
و بـقـايا آثـارِنـا ، شـاهِـدات ٌ لو سألـتـم في مـيسـلـونَ الـمقابرْ
********
*كتاب "الباقة" ص 16- 17، موقع "أسواق المربد".
55
المراجع
*أولا- الكتب:
1- "الإسلام وحركات التحرر العربية". د. شوقي أبو خليل ت 2010م، ط1، دار الفكر- دمشق، 1395هـ - 1975م. وط1، دار الرشيد- دمشق، 1396هـ - 1976م.
2- "الأعلام". لخير الدين الزركلي ت 1396هـ، ط 15، دار العلم للملايين - بيروت، 2002م.
3- "الأعلام الشرقية في المئة الرابعة عشرة الهجرية". للأستاذ زكي محمد مجاهد، ط2، دار الغرب الإسلامي - بيروت، 1994م.
4- "الباقة". كتاب أدب وقراءة مدرسي، من مناهج وزارة التربية السورية، مُديرية المطبوعات والكتب المدرسية، 1975- 1976م.
5- "سورية في قرن: من بداية القرن إلى العهد الطائفي". د. منير محمد الغضبان، ط 1، 2006م، دون دار نشر؟!
6- "فتح الكريم المجيب بشرح ديوان أبي الطيب الخطيب". لي، مطبوع على الحاسوب.
7- "معجم أعلام المورد". لمنير البعلبكي ت 1992م، ط1، دار العلم للملايين - بيروت، 1992م.
8- "المعجم الوسيط". لنخبة مؤلفين مصريين، "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة. ط2، 1392هـ - 1972م.
9- "الموسوعة العربية". لنخبة باحثين، سورية، ط10، دمشق - 2008م.
10- "الموسوعة العربية العالمية". لنخبة باحثين، ط2، مؤسسة أعمال الموسوعة، بتمويل وتوجيه الأمير سلطان بن عبد العزيز، الرياض -السعودية، 1419هـ - 1999م.
11- "نهر الذهب" للشيخ كامل بن حسين الغزي البالي الحلبي ت 1933م، ط1، المطبعة المارونية حلب، 1345هـ - 1926م.
56
12- "الواضح في الإملاء العربي". لمحمد زرقان الفرخ، ط1، دار هبة مهدي، دمشق؟ - 1413هـ- 1993م.
13- "معلوماتي الخاصة".
*ثانيا- مواقع الشابكة:
14- "أسواق المربد" قصيدة "يا عروسا" للشاعر عمر أبو ريشة.
15- "الألوكة" مقالة عن ميسلون وقائدها يوسف العظمة للمؤرخ الشيخ د. محمد مطيع الحافظ؛ بعنوان: "صفحات مُشرقات وحقائق تاريخية عن معركة ميسلون"، بتاريخ 12/12/1435هـ = 6/10/2014م.
16- "الديوان" قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي ت 1932م، عن سورية وبنيها وميسلون وقائدها، ومطلعها: "حياة ما نريد لها زيالا"، وقصيدة الشاعر الدمشقي خليل مردم بِك ت 1959م، عن ميسلون ويوسف العظمة التي مطلعها: "أدالَ اللهُ جِلَّقَ مِن عِدَاها".
17- "ديوان العرب" مقالة "ميسلون ويوسف العظمة في الشعر العربي" للأستاذ محمود محمد أسد، نشرت يوم الأحد 17/6/2012م.
18- "الموسوعة الحرة ويكيبيديا": أنور باشا.
19- "موسوعة عريق": أنور باشا.
20- "موسوعة المعرفة": أنور باشا.
21- صحيفة الوطن 14/آب/ 2017، المقالة بعنوان:
(«الوطن» تنفرد بالحديث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة).
--------------------------------------------------------------------
يوم الخميس في 23/محرم الحرام/1445هـ - 10/آب- أغسطس/ 2023م.
وسوم: العدد 1044