قراءة في ديوان عبر السنين

الفريق: يحيى المعلمي

الفريق: يحيى المعلمي

دلفت إلى مكتبي فوجدت على منذدتي ظرفاً أبيض أنيقاً يحمل اسم الشاعر، وفتحته فإذا بي أجد فيه هدية ثمينة هي الديوان الأول: عبر السنين، للشاعر عبد الرحمن بن عبدالله آل عبد الكريم.

أخذت في تصفحه فوجدت في أوله كلمة للشاعر الكبير الأستاذ محمد حسن فقي تحدث فيها عن المشاعر التي يحس بها وهو يقرأ شعراً وقد أشار إلى إعجابه بشعر الشاعر عبد الرحمن الذي لم يأخذ حظه من ذيوع الصيت مع أنه يستحقه ولا ريب.. وهو يستحق أن يقرأ و(يذيع) اسمه بين الناس.. لأن شعره جيد يدل على طبع رقيق وفكر مستنير يستاهل أن يروج وأن يتداوله الناس.

وقد صدر هذا الديوان فيما يزيد على تسع ومائتي صفحة، واشتمل على اثنتين وخمسين قصيدة كلها من الشعر الجزل الرصين، وقد كتبها الشاعر بخط يده تحرزاً من الأخطاء الطباعية.

والأستاذ الشاعر يتمتع بذوق رفيع في الخط يزيد شعره جمالاً ويضفي عليه سمة من البهاء والرواء:

وقد رتب الشاعر ديوانه على ترتيب الحروف الهجائية (لا الأبجدية) فامتزج الشعر العاطفي بالشعر الحماسي بشعر المداعبات الإخوانية، وقد امتزج الشعر الذي نظمه الشاعر في مستهل نظمه للشعر بالشعر الذي نظمه بعد تمكنه من زمام اللغة وعنان البيان.

ومن بدايات شعره قصيدة ألقاها في احتفال أقيم بالمدرسة السعودية الابتدائية بشقراء، يقول فيها:

هذا زمان غريب كله ريب=خطب تفاقم فالآراء تضطربُ

هل أذنب العربُ ذنباً تستحق به=هذا الجزاء أم الأيام تنقلبُ

واحسرتاه على وقتٍ لنا عطرٍ=أجدادنا الحافظوه السادة النجبُ

دنيا السياسة مغزاها وباطنها=ميدانُ كيدٍ وفيها العدل مغتربُ

والهف قلبي على أرضٍ مقدسةٍ=أضحى العدو بها بالزور ينتهبُ

الظلم عادتهم والذل رايتهم=والبوم قادتهم ياليتهم نكبوا

ومن جديد شعره قصيدة بعنوان (فوق الخضم) يقول فيها:

لاح في الأفق بارق فأضاء=نوره ساطعاً يشق الفضاء

شع في كل بقعة حل فيها=جاعلاً عتمة الظلام ضياء

يا بلاداً عدت نفوس بنيها=وأعدت رجالهم والنساء

سرت أبغي في دربها كل خيرٍ=وعلى أرضها عقدت الرجاء

إذا بدت لي بين الدروب ملاك=فتبينتُ غادةً هيفاء

قال  لي الناصح الأريب: تجنب=كل ما يورث الضمير عناءا

قلت دعني فلي مآربُ شتى=وعيوني أزلت عنها الغطاء

وأماني الفتى إذا ما اشرأبت=للعلا عانقت رباها السماء

تتخطى كل الحواجز قفزاً=وهي تزداد همةً وإباء

وتمضي القصيدة على هذا النحو السلس العذب المتدفق شعوراً رقيقاً فياضاً.

وشعر الشاعر عبد الرحمن بن عبدالله آل عبد الكريم يتميز بالجزالة وقوة اللفظ وحسن السبك وإن كان يجنح أحياناً إلى إدخال شيء من الغريب في شعره ولكن ما يدخل في شعره من الغريب لا يعسر فهمه فسياق الشعر يوضح معناه.

وقد رتب الشاعر قصائده على حسب الحروف الهجائية في القوافي، ولست أدري لماذا اختار هذا النسق، وقد كان يمكنه أن يقسم شعره إلى أقسام بحسب الموضوعات حتى تتحقق الوحدة ويظهر الترابط بين كل مجموعة من القصائد، وكان يمكن أن يقسمه إلى أقسام على حسب تاريخ نظم القصائد وبذلك يتسنى للقارئ العجل أن يميز شعر البداية من شعر النضج، ويلمس الفرق بينهما في اللغة والمشاعر، ويتابع تطور شعر الشاعر في مراحل عمره المختلفة.

وعلى أي حال، فقد قدم الشاعر عبد الرحمن بن عبدالله آل عبد الكريم إلى المكتبة العربية هدية نفيسة تضم إلى تراث الشعر العربي الخالد، وقد زين ذلك بكتابة شعره بخط يده الجميل فزاده حسناً وبهاءً.