مأساة حماة في الشعر الإسلامي المعاصر ٢

مدينة سورية عتيقة تدعى "مدينة النواعير". 

  مركز محافظة حماة في الجزء الغربي من البلاد، واشتهرت بمدارسها العلمية وآثارها التاريخية، وشهدت 1982 واحدة من أسوأ المجازر في تاريخها حين ضربها الجيش السوري بالأسلحة الثقيلة فقتل عشرات الآلاف.

الموقع:

   تقع على نهر العاصي على مسافة 210 كيلومترات تقريبا شمال العاصمة دمشق في منتصف المسافة بينها وبين حلب، وتبعد 90 كيلومترا إلى الشرق من بانياس، وتقارب مساحة المحافظة كلها تسعة آلاف كيلومتر.

السكان:

  تعد رابعة المدن السورية الكبرى من حيث عدد السكان الذين بلغوا نهاية 2010 نحو 750 ألفا تقريبا وفقا لبيانات رسمية.

  أما سكان محافظة حماة كلها فتجاوز في نهاية العام نفسه 2.1 مليون نسمة. 

   ويشكل المسلمون الأغلبية الساحقة من السكان مع وجود أقلية صغيرة من المسيحيين.

التاريخ:

   تعاقبت على حماة الحضارات التي تعاقبت على سوريا, وشهدت ازدهارا في العصر الإسلامي ما زالت بعض آثاره باقية.

   شهدت حماة بدءا من الثاني من فبراير/شباط 1982 أحداثا دامية حين هاجمتها القوات السورية بالأسلحة الثقيلة لمدة شهر تقريبا، مما تسبب في مقتل الآلاف وتشريد نحو 100 ألف, وتدمير جزء من المدينة خاصة القسم القديم منها.

  وقع ذلك الهجوم -الذي اشتركت فيه الشرطة السرية والمخابرات- في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد المتوفى عام 2000.

   شنت السلطات السورية حينذاك تلك الحملة العسكرية ردا على ما قالت إنه تمرد كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية طرفا فيه.

   تراوحت التقديرات بشأن ضحايا الحملة -التي تمت وسط تعتيم إعلامي تام- بين 10 آلاف قتيل وفقا للصحفي البريطاني روبرت فيسك (الذي زار حماة بعيد الحملة)، و40 ألفا وفقا للجنة السورية لحقوق الإنسان. ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن رفعت الأسد -الذي قاد عملية الاجتياح- أن الحملة خلفت 38 ألف قتيل.

المعالم:

   تلقب حماة بـ"مدينة النواعير" لكثرة نواعيرها، وهي آلات مائية تدور بالقوة المائية وتوجد على ضفة نهر العاصي في المدينة.

   تزخر المدينة بمعالم أثرية متنوعة، فهي تضم أشهر لوحات الفسيفساء السورية. كما تعدّ كنيسة "السيدة العذراء" للروم الأرثوذكس من أهم الأماكن التاريخية والأثرية فيها، كما تضم الجامع الأعلى الكبير بالقرب من القلعة من جهة الغرب، إضافة إلى مدينة أفاميا الأثرية وقصر ابن وردان في ريفها الشرقي.

   على امتداد تاريخها العريق، بني في محافظة حماة أكثر من 11 قلعة تاريخية منها قلعة المضيق وقلعة حماة وقلعة شيزر، وعرفت بمدارسها الإسلامية التي كانت مراكز لتخريج العلماء.

الأعلام:

    من الشخصيات التي أنجبتها المدينة الشيخ القاضي محمد بن محمود الحامد (1328 هـ/ 1910م – 1389 هـ / 1969م) عالم حماة ومرشدها، والشيخ محمود الشقفة شيخ الطريقة الرفاعية في العالم الإسلامي، والشيخ أحمد سلطان شيخ المذهب الشافعي في المدينة.

مأساة مدينة حماة في الشعر الإسلامي المعاصر 

     فصل جديد، أو مأساة جديدة تضاف إلى سلسلة المآسي التي مرت بالأمة! ابتدأها التتار، ولم تنته بعد على أرض فلسطين وأفغانستان وفي صفحاتها مذبحة جنين، وهرات، والفلوجة، وحماة! لا يُنسي بَعضُها بَعضاً -كما يقول المكتوون بها- ولكنها تنكأ الجراح، وتبعث الألم في جسد الأمة المكلوم.

   قد يكون العدو الجزار غريباً، ويفعل ما يفعل حسداً، عدواناً، استهانة، تخلفاً، همجية؟!!

   أو قد يكون حاقداً موتوراً بين ظهراني الأمة، يترقب فرصة تغفل فيها عنه وعن واقعها! فينقض بأحقاده التي أصبحت مشروعاً، وبأحلام يقظته المتخلفة لتغدو منهج عمل مستقبلي؟! وهذا ما حدث في سوريا كلها، وفي حماة بالذات بعد أن تحول جيش الوطن الذي كان يحمي الحدود إلى أداة قمع وتدمير بيد الذي ترك الحدود وسلمها للعدو؟! يقول الدكتور الشاعر أحمد سليمان الأحمدي في قصيدة له بعنوان[1] (موثبة).

يـا جيشُ! حاشا أن تـبدَل سنةً

إني أُعـيذك أن تـروحَ معادياً

يا جيشُ، جزءٌ أنت من شعبي، و

الـغادرون بجيشـهم، وسَـجية

فَرُّوا نـَعاماً مـن صفيرِ عدوهم

أيـهددون عدوَّهـم وسـلاحُهم

* * *

فتُسَبَ في تـاريخنـا وتُـعيَّرا

شعبَ البلاد، وأن تهادن قيصرا

ما شعبي سوى جيش أعز وأكبرا

في مَـنْ يروم تسلطاً أن يغدرا

وعلى الشقيق تراهمُ أسـدَ الشرى

في صدرنا؟! ذهِلَ الوغى وتحيَّرا

     ويؤكد هذا المعنى الشاعر الكبير عمر أبو ريشة في قصيدته (عودة المغترب)[2]. وقد عاد -رحمه الله- إلى الوطن في كفن؟! وهاهو ذا يصف ذلك الانحراف الذي جعل البنادق توجه إلى صدر الشعب -وقد دفع ثمنها- بدلا من أن توجه إلى العدو المتربص، فغدا القاتل الذي ينفذ الأوامر قتيلاً؛ لأنه إنما يقتل أهله ومواطنيه.

أرأيتَ كيف اغتيلَ جيشُكَ وانطوت

وانفض مـوكبُ كلِّ نسرٍ لو رأى

* * *

بـالغدر رايةُ كـلِّ أروعَ أصيدا؟

لعُلاك وِرداً فـي النجوم لأوردا

    وتثبت الوقائع والأيام فداحة الجريمة البشعة التي حطمت الجيش الأبي، وقد ذاق يهود منه الأمَّريْن، ليصبح -حاشاه- مجموعات وسرايا تنهب الآمنين وتهدر الكرامة، وقد تولى كِبر هذه الشناعة مَنْ ترك الحصون، وأمر بقتل العزل الأبرياء..

    ويصور أبو ريشة بقافية تنزف دماً، وتسكب أدمعاً، إذ لم يكن هولاكو أقسى قلباً، وألأم عنصراً مما صنع هؤلاء بحماة؟ فإذا كان دجلة قد اصطبغ بالسواد لكثرة ما ألقي فيه من كتب فإن العاصي اصطبغ بالدم لكثرة ما ألقي فيه من جثث ضاقت بها المقابر وقد زادت على الثلاثين ألف ضحية؟!

ترك الحصونَ إلى العِدا متعثراً

سِـكِنُه فـي شـدقـه، ولعـابُه

مـا كان هـولاكو، ولا أشباهُه

هذي حَماةُ عروسة الوادي على

هـذا صلاحُ الدين يُخفي جُرحَه

سَرَواتُ دنـيا الفتح هانتْ عنده

ما عَفَّ عن قذف المعابد باللظى

كـم سُـجَّدٍ لله فاجَـأَهم، ومـا

عَرَفْـتُهم الـجُلىَّ أهِـلةَ غـارةٍ

* * *

بـفراره، وأتى الحمى مستأسـدا

يجري على ذكر الفريسة مُزْبـدا

بـأضلَّ أفئـدةً، وأقسـى أكبُـدا

كِـبرْ الحِداد، تُحيل طَرفاً أرمـدا

عنها، ويسأل: كيف جُرحُ أبي الفدا

وأصاب منها مـا أقـام وأقعـدا

فـتناثرت رِمَـماً، وأجَّتْ موقـدا

كـانوا لـغير الله يومـا سجـدا

وغزاةَ ميـدانٍ، وسـادة منتـدى

   ويؤكد الدكتور سفر الحوالي في قصيدته المطولة (ملحمة الشام)3 ما أكده أحمد سليمان الأحمد وعمر أبو ريشة، من أن المذبحة وكل مذبحة تنزل الأمة تكون مقدمة لخيانة تتبعها، وهذا ما أثبته التاريخ فنكبة بغداد الأولى على يد التتار، سبقها خيانة ابن العلقمي والطوسي، ونكبة بغداد المعاصرة لم تكن عن هذا الأمر بعيدة.

سـودٌ خياناتهم، حمـرٌ جرائمـهم

فروُّا وهم في ذرا الجولان يا عجبا

وأعـلنوا أنـها في يومها سقـطت

فـالظالـمون لهم يوما سيفـجؤهم

تـاريخُـنا هـكذا حـيناً عمـالقةٌ

* * *

وحسـبُهم أنَّ إحـداها (حزيرانُ)

من اليهود، وهم في السهل ما بانوا

والساقـطون هـم الحكام إذ خانوا

إذا تَسـربَلـهم نـارٌ وقـطـران

غـرٌ، وحـيناً طواغِيتٌ وأوثـانُ

   وأما شاعر الأقصى الأستاذ يوسف العظم4 فلا تذهله المأساة -على الرغم من جسامتها- ولا الجريمة- على الرغم من بشاعتها؛ لمِا يعرف عن المدينة من جهاد وتمسك بالحق ونصرة للعرب والمسلمين على مدار التاريخ. بل إنه ليبصر من خلال الركام ورائحة الموت شعاع نهوض، وفجراً مشرقاً! يقول في قصيدته (حماة يا أغرودة المجد):

أنـتِ فجرٌ لغد مستبشرِ

أنـتِ عنوانُ جِهادٍ خَطهُ

أنـتِ ترتيلة ُعِزٍ وهدى

أنتِ سيفُ الحق إذ تحمله

أنتِ خفاقٌ على هام العُلى

* * *

وشعاعٌ من ضِياء الحَرَمِ

شعبُكِ الحُرُّ بأزكى قلمِ

وشمـوخٍ وجهـادٍ مُلْهَمِ

راحةً المؤمن، كفُّ المسلمِ

في يد الحرِ كريمِ الشيمِ

  ولكن يؤلمه أن أولئك الشهداء كانوا يعدون أنفسهم لقتال يهود ولتحرير فلسطين ونصرة أهلها، وقد فعلوا ذلك مرات:

إيهِ يا أبطال يا جندَ الهدى

وعَقَـدْتمُ صـفقة رابحة

سوف تمضون إلى بارئكم

* * 

كم بنيتم من صروح الكرم

ونـجوتم من عـذاب مؤلم

وتـدوسون جباه الأنـجم

  وأما الباغي ولو ظن نفسه قوياً، وخدع الآخرين بقوة ظلمه، وتعاظم بطشه فإنه:

سـيُولي صاغراً مندحراً

كَفه خِزيٌ وعـارٌ مذ غدا

والغَدُ المُشرق يحكي للدنا

* * *

يتلاشى في ظـلام القِدمِ

فـي صَغارٍ ونهارٍ مظلمِ

ثورةَ الحقِ وغدر المجرمِ

   وفي قصيدة (صرخة حماة) للشاعر خالد عبد الله السعيد5 يسترجع الشاعر صفحات التاريخ، فلا يجد مثيلاً للمذبحة فيستدعي فرسان الأمة بعد أن اهتزت أكفانهم في مضاجعهم.

من بطن حمص أرى المسلول منتفضا

ومن دمشق صلاح الدين ممتشق

وإن صرخت بصوت الغوث في حلب

***

 فخالدٌ بجنود الحق يلتحق

سيفاً به زمرة الحشاش تختنق

 أبو فراسٍ أتى كالـنجـم ينطلـق

    وأما قصيدة محمد الحسناوي6 (كيف إن كانت وطن) فتنقل صورتين متضادتين للمدينة، الأولى:

مدينة لا كالمدن

أطيارهـا غادية

تغريدها تسبيحة

* * *

نهر وبستان أغن

رائحة عـلى فنن

لله في أسمى لحن

والأخرى:

أصبح قاعا صفصفا

مئذنة تهوي ومحرا

لما عراهـا عاصفٌ

* * *

ما كان معمور السكن

ـبٌ ينوحُ في الدِّمَنْ

وقاصف مـن المِحن

   فأي يد آثمة تلك التي حولت جمالها قبحاً، وربيعها حزناً وخريفاً، فحماة مدينة الشعراء والعلماء والمجاهدين فهل يستطيع الطغاة أن يضربوا عليها غـُلالات الصمت لتصبح نسياً منسياً، كما فعلوا بمقابرها التي تحولت إلى ساحات، ومساجدها وأحيائها التي تكدست بين أنقاضها آلاف الجثث، لتصبح بعد ذلك فنادق سياحية؟!

   ولكن هل انتهى كل شيء؟، وهل سيكون ليل الطغاة سرمداً؟! لا، فالظلم له نهاية والليل له آخر، ودم الشهداء لن يمضي هباء، ودين الله أقوى من كل طاغوت، وبذلك يختم الحسناوي قصيدته (حماة)

ثلاثـون ألفاً قضوا شهداء

فسورية العرب لا تستضام

* * *

غيارى، ونقضي بهم ما نشاء

وديـن مـحمد لـيس يسـاء

    ولا ينسى وليد الأعظمي7 شاعر الإسلام الكبير ما حل بالمدينة وما تتصف به من غيرة وحمية، وهو يرثي أحد علمائها الأعلام بقصيدته (سكت الهزار) فيصف مصاب المدينة وما كانوا يخبئونه لها من قبل، وقد هاله ما سمع، وهي المدينة التي كان مُنشِدُوها يصدحون بأشعاره في نصرة الإسلام وإظهار محاسنه، فيخاطب الفقيد ومن ورائه المدينة المجاهدة:

وحَماة لا تنسى نِداك مُحذراً

وترُدُّ كيد المعتدين بنحرهم

أبناؤها الصيدُ الكرام تحملوا

فنساؤها اللبوات في ساح الوغى

 عانوا من الأهوال كل فظيعة

في كل ناحيةٍ جريحٌ يلتوي

* * *

مما تخبئه الليالي السودُ

وتذبُّ عن أحسابها وتذودُ

فوق الذي حَمَلَ الكرام الصِّيدُ

ورجالها عند اللقاء أسودُ

منها تكاد الراسيات تميدُ

وشهيدةٌ مبرورةٌ وشهيدُ

   وللدكتور الشاعر أحمد الخاني8، وهو أحد أبناء مدينة حماة ديوان بعنوان (لحن الجراح) يتغنى فيه بجمال مدينته ويؤكد على انتمائه لها، ويبث حزنها، ويشكو إلى الله تسلط الطغاة عليها وعلى سوريا.. ويذكرها ويتأوه من أجلها في أكثر من قصيدة، فهي رمز لكل مدينة حرة أبية!! يقول في قصيدته (حماة في العيد) يصور الحزن الذي عمها ويستذكر ما نزل بها:

جاءنا العيدُ فطرنا فَرحا

رُبَّ محراب به يبكي الفتى

جاءه الجزارُ في محرابه

* * *

وتذكَّرنـا فَعُـدنا تُرحَـا

خشية الرحمن، ماذا جرحا

نبّـآني، فلـمـاذا ذبـحا؟

   ويضيف الشاعر عدنان علي رضا النحوي9إلى الجراحات التي ضمها ديوانه (جراح على الدرب)، جرحا جديداً في حماة بقصيدته المطولة (النواعير) وقد زادت على مئة بيت، يصف في أولها جمال المدينة، وتعرضها لهجمة الذئاب وأنياب الأفاعي في شباط 1982م، شهر المذبحة، فيستصرخ لديار الشام كل ذي مروءة ونخوة، فالنواعير غدت أطلالاً، والعمران أصبح مسكناً للأشباح، وآلات الحرب تسحق أكوام البشر.

تتلوى على أنـين الضحايا

والضحايا على الضحايا وأنقا

هاهنا لوعة الأمومة شدتْ

وبقايا النداء من فمها الداوي

* * *

والتياع وصـرخةٍ واضطراب

ضٌ طوَتها مخضبات الإرهاب

طفـلها بين صرخة واحتراب

صـداهُ يَغيبُ خلـف الهضاب

   إن مصيبة حماة ومأساتها ذكرته بوطنه فلسطين الذي تعرضت مدنه لمثل هذا على يد يهود؟! فما الذي يجمع بين الجزارين على الرغم من عداوتهم المصطنعة وتهديداتهم الخرقاء والجوفاء! ما الذي يجمعهم سوى الحقد على الأمة. تاريخاً مشرقا،ً وإسلاماً منقذاً، وعروبة مضحية؟!!.

   ويطلق الشاعر عبد المحسن حليت مسلـّم 10في قصيدته ( حماة ) صرخة مدوية وهو يرى ويسمع ما حل بالمدينة المجاهدة :

أكاد ألمح هولاكو فتتبعه عينـِي، و من حوله الأحقاد ُ تنتشرُ

أراه يسفك ما الرحمن حرّمه من الدماء ولا يـُبقي ولا يذرُ

وأنتِ ما زلتِ تحت الهول جاثمة كأن عمرك بالأهوال ِيـُختصر

تستصرخين و ما في الساح معتصم ولا عزائم ُ إلا آدها الخَـوَرُ

    ويبقى الشعر مؤرخاً لأحداث جسام في زمن بات الصدق في التاريخ حلماً عسير المنال، فبعد أنا يتلقى التاريخ ضربة التـزييف القاضية، لا غرو أن يفقد الذاكرة، أو يكره على تضليل ضحاياه من الأجيال اللاحقة كما جاء في التقديم لملحمة: نقوش على محاريب حماة ليحيى البشيري11 التي جاءت أنات ألم، وزفرات غضب، وصيحات جهاد فيها من الألم أصداء لشدو النواعير وحديث الشهداء، وفيها من الغضب عالم ينبض بالأحاسيس والمشاعر الفياضة، فضمت اثني عشر لوحة حزن وحملت عناوين تدل على فصول المأساة.

أي ذكرى يا ابنة العاصي

تمر أي ذكرى؟

ودمانا لم تزل تهديكِ عطرا

حملت للفتح بشرى

أطلعت للحق فجرا

وشباط الثأر عاد

حاملا جرحا ونار

ولهيبا ودمار

   وللمأساة ألف صورة وصورة من خلال الهدم والحرق والقصف والقتل والسحل وانتهاك قدسية الأمومة، وبراءة الطفولة:

عندما يرتسم الحزنُ على وجه الطفولة

عندما تُذرف دمعات ٌعلى أم قتيله

عندما يبحث في الأنقاض عن ثديٍ رضيعُ

عندما يصرخ من جوع ، وآهات تضيع؟!

أي خير أيها العالم يبقى؟

أي خير بعدما يذوي الربيع؟

    ويظل لكل مذبحة مسمى تعددها الملحمة، وتبرز آلامها (مذبحة الأحياء – مذبحة المآذن – مذبحة المؤذنين – مذبحة المقابر – مذبحة المعتقلات) فيبكي لها الأحياء، وأما في (الموتى يتكلمون) فيضج الأموات وقد طفحت المقابر بجثث ثلاثين ألفاً أو يزيدون من أبناء المدينة؟!

فبأي مكان يقبرهم

لم يبق مكان في الحفر

أيعود لينبش من دفنوا

من أيام، ليواريهم؟

فالتربة ضاقت بالجثث

وتكدس بالحفر الموتى

   وينطوي الزمان وتمضي الأيام، وتبقى حزازات النفوس كما هي، وقد أثخن الطواغيت واستنبتوا الهتافة المنافقين من كل لون وجنس، وغدت شام العروبة والإسلام وكراً للشعوبية الصفوية ترتع في حماها، وشعبها الأسير، بنخبه، بعلمائه مشرد مهجر، أو مكمم الأفواه، مغلول اليدين.            

صورة مجزرة حماة في شعر د. أحمد عبدالرزاق الخاني:

   هو الأديب الإسلامي المعاصر د. أحمد عبد الرزاق الخاني من مواليد مدينة حماة السورية، عام 1941.

الدراسة، والتكوين:

    وتعلّم فيها، ونال شهادة الليسانس في اللغة العربية والدبلوم في التربية من جامعة دمشق، وعمل مدرساً في السعودية.

    بدأ يكتب في الصحف والمجلات في وقت مبكر من حياته، وبعد بلوغه الثلاثين من العمر، اتجه نحو كتابة الشعر.

مؤلفاته: 

  أصدر عدداً كبيراً من الكتب، ونذكر من أهم إنجازاته في الأدب الإسلامي:

أ- في الشعر:

صاغ الملحمة الإسلامية الكبرى في 25.000 بيت.

ب- في النثر:

أسَّس مدرسة (بدر) الشعرية، وأهم ميزاتها: أن مقدمتها: نظرية (الأدب القائد)، ومدرسة (بدر) تطبيق لهذه النظرية، وتدعو هذه المدرسة إلى الإبداع في الشكل والمضمون، وإلى الأمل.

ج- له عشرات الكتب في مجال أدب الأطفال، ومما كتب لهم:

1- مسرحية شعرية بعنوان: الممثل الصغير.

2- لحن البراءة: مجموعة أناشيد.

3- البحار الصغير، مجموعة قصصية.

4- سلسلة الإيمان، سلسلة قصصية.

5- سلسلة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.

د- من دواوينه للراشدين:

1- ديوان لحن الجراح.

2- ديوان مع الشعراء.

3- ديوان مدينة الشعر.

هـ- من كتبه النثرية:

1- مختصر البداية والنهاية لابن كثير.

2- مدرسة بدر وشعراؤها..

صورة مجزرة حماة في شعر د. أحمد عبد الرزاق الخاني:

   والشاعر أحمد عبد الرزاق الخاني هو ابن مدينة حماة وقد عاصر الكثير من الأحداث التي وقعت فيها وشاهد قبح الجرائم حيث راح ضحية المجزرة حوالي خمسين ألفاً خلال شهر شباط فقط عام ١٩٨٢م، ...لذلك نجده قد نقل صورة دقيقة للحدث، وفضح الطاغية، وويل للطواغيت من قلم التأريخ ..

بين يدي ملحمة حماة:

   وكتب د. أحمد عبد الرزاق الخاني يقول:

    فإنني دونت في هذه الأوراق، أبرز أحداث القضية الإسلامية منذ عهد الانفصال في سورية عام 1961، وما بعد هذا التاريخ، حينما تسلم حزب البعث السلطة في الثامن من آذار عام 1963، ثم كانت ملحمة حماة بعد عام من تسلط هذا الحزب على سورية، وسميت هذا السفر: الطريق أو ملحمة حماة.

    لقد كان أبي يرحمه الله تعالى، يحدثني كيف كان يقاتل الفرنسيين في الثورة السورية... إذا بنا برى أن الجيش السوري المغوار يقتل الشعب السوري، فوقر في نفسي، أن هذا جيش احتلال أيضًا، وصرت أبكي لما أجبر هذا الجيش (الظافر) مدينة حماة على الاستسلام ورفع الرايات البيضاء، كما آلمني أنني حصلت في هذا العام على شهادة الثانوية، ونجحت في الفحص الطبي، فأنا من أبطال سورية بألعاب القوى، وجاء التقرير السياسي (إنني متدين) وهذه تهمة تكفي لإبعادي عن الجيش، وهي تهمة تشرفني.

   كان تطور الأحداث سريعًا بعد استقلال سورية عام 1948 إلى أن جاءت الوحدة بين سورية ومصر لم تكمل ثلاث سنوات، من 1958 إلى 1961، وكانت النموذج الأسوأ لكل وحدة بين دولتين، فلقد شهدت المصريين يعاملوننا وكأنهم مستعمرون، أسمعونا ألفاظًا لم نسمعها في حياتنا منها على سبيل المثال لا الحصر: يا بن العنز... مع أن سورية هي التي طرحت فكرة الوحدة ونفذتها دون قيد أو شرط، ولم يقبل الديكتاتور جمال عبد الناصر، أن يكون الذي آثر الوحدة شكري القوتلي نائبًا عنه في سورية.

ثم جاء حزب البعث إلى السلطة ومهماته ثلاث:

أ- تصفية الإسلام في سورية

ب- شل الاقتصاد

ج- حماية إسرائيل

    لقد كان تدمير مدينتي حماة من الثمرات الإستراتيجية والأيديولوجية غير المرئية لمعاهدة كامب ديفيد، قد كان من مهمات هذه المعاهدة، ضرب الحركات الإسلامية.

الملحمة: فكرتها، وصياغتها.

    كانت بعض ألسنة اللهب تتعالى في صدري تفاعلًا مع تلك الأحداث، فكنت أصدر مقطوعة تحنو عليها ضلوع ديواني (لحن الجراح) الذي لقيت بسببه العنت الشديد، ولكن هذه الآهات لم تكن تذهب كل ما في صدري من التعبير عن أحاسيس أهل مدينتي الجريحة بأسلحة السلطة، بيد جيشنا السوري، لا الجيش الإسرائيلي..

    لذلك وقر في نفسي، أنْ لا بد من ديوان خاص بهذا الموضوع، فكانت فكرة الملحمة.

   وجاء الصيف، وظلت أمواج الملحمة تضطرب في صدري متهادية على مسرح نفسي حتى سافرت إلى مصطافي أبها، هناك على طرف غابة آهلة، كل ما في الكون ينبض بالجمال، وكل ما في قلبي ينبض بالألم، اتحدا مع بعضهما، فكان الألم الجميل... وكانت الملحمة.

إرهاصات: الفكر الجهادي:

    كان مروان حديد يرحمه الله تعالى، من الشباب المتحمس للإخوان، يرى أن مبادئهم لا مناقشة فيها، وإنما صب انتقاده على تطبيق المبدأ، ويمكن إيجاز فكره الانتقادي للإخوان في نقطتين:

الأولى: أن يكون موقف الجماعة أكثر إيجابية تجاه الأحداث.

الثانية: أن تُسارع هذه الجماعة في كسب الزمن مواكَبة للأحداث.

القرار المنفرد:

     رأى مروان حديد أن الجماعة مستغرقة في تربية أبنائها على قيم الإسلام، وأنها تميل إلى الحكمة والموعظة الحسنة ولهذين الاعتبارين؛ قرر مروان أن يسير بمفرده في طريق الإعداد والاستعداد، ليحول الموقف الإسلامي من الدفاع إلى الهجوم، فما كان من القيادة إلا أن فصلت مروان من الجماعة، وأصبح هو وحده المسؤول عن تصرفاته وما ينتج عنها.

لقاء حزبين:

     وكان أكرم الحوراني عضوًا في الحزب القومي السوري، فطرده أنطون سعادة رئيس هذا الحزب، فالتحق بحزب الشباب الذي أسسه عمه عثمان الحوراني، وحين تقدمت به السن، ورث أكرم قيادة حزب الشباب، وفي عهد حسني الزعيم رئيس الجمهورية المعروف بنزعته الماسونية، ثم أصبح أكرم وزيرًا للدفاع، وسمى حزبه: الحزب العربي الاشتراكي.

   وتم لقاؤه مع حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسسه النصراني ميشيل عفلق، بالتعاون مع النصيري زكي الأرسوزي، والسني صلاح البيطار، وأطلق على الحزب الجديد اسم: حزب البعث العربي الاشتراكي.

    وذلك عام 1953 في عهد رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي، وقد أسقط حكمه أكرم الحوراني عام 1954.

اعتمد أكرم الحوراني في دعم حزبه على محورين:

الأول: النفوذ العسكري:

الثاني: النفوذ السياسي:

  في المحور الأول، اعتمد على أهل الريف لا على أهل المدينة، وخص منهم الطائفة النصيرية فهم تابعون لمحافظة حماة، وفتح لهم باب التطوع في الجيش على مصراعيه.

     وفي المحور الثاني، اعتمد أكرم على أصوات الريف في الانتخابات؛ أصوات المدينة للإقطاع والإخوان والوطنيين واليمين بشكل عام، وأصوات الريف للاشتراكيين.

    ويؤكد المراقبون لأحداث تلك الفترة، أن أكثر الانقلابات في سورية الواقعة بين عامي 1948- 1958 (بداية الوحدة بين سورية ومصر) كان وراءها أكرم الحوراني، لقب بـ(أبو حلموس) وقد كان أكرموراء كل مشكلات سورية السياسية والاقتصادية والاجتماعية... منذ عهد أديب الشيشكلي، ولقد شهدت الاشتراكيين كيف قاموا بمظاهرة في حماة وأنزلوا لوحة (حركة التحرير العربي) وهي حركة الشيشكلي، وهوالذي أفقد سورية الاستقرار والإنتاج، ثم وقع وثيقة الانفصال.

    حزب البعث العربي الاشتراكي، انشق فيما بعد فعاد: الحزب الاشتراكي، لأكرم، وحزب البعث للنصيرية والسنة، في النصيرية، محمد عمران وصلاح جديد وشقيقه عزت...ولم يكن اسم حافظ بارزًا، فقد كان مع الضباط الذين نقلهم جمال عبد الناصر إلى مصر، هناك شكلوا قيادتهم الانقلابية ولما عادوا إلى سورية نفذوا مخططهم، ثم غدر بهم حافظ وصفاهم بحركته التي سميت بالتصحيحية عام 1970، وقتل رؤوس النصيرية المناوئين له، كان أبرزهم صلاح جديد، وقد أقسم شقيقه عزت على أن يثأر.

    صلاح البيطار السني، والأرسوزي النصيري، وعفلق النصراني، هؤلاء هم الذين شكلوا هذه القيادة وسموها: 

   القيادة القومية، وكان منها أحمد حسن البكر في العراق، ثم صدام حسين، وأما القيادة القطرية، فهي لأكرم، وقد انتحلها حافظ لما تسلم الحكم ثم سلم الجولان، وظلت غطاءً له هو يعمل على تكريس الطائفية.

    ولما حصلت البلبلة في الانفصال، وأراد حزب البعث وهو في السلطة أن يرشح اسم من يرأس الجمهورية، وجدوا أن الاسم الأبرز المناسب لهذا المنصب سياسيًا هو صلاح البيطار، فاغتالوه في فرنسا.

    وجاء السني الحلبي أمين الحافظ، وهو عسكري لا يفهم بالسياسة، ولا بلعبة الحزب، ولا يدري ما وراء الكواليس، وسمي أبو عبده الجحش.

      وكتب د. أحمد عبد الرزاق الخاني قصيدة يصور فيها أحوال مدينة حماة أثناء (الانفصال والصراع على السلطة)، يقول فيها:

قيثارة الشعر، كف المجد غرَّاء 

وبسمة الجرح في الميدان حمراء 

ناعورة النهر... أنغام مجرَّحة 

أغنيَّة الموت في الميدان رعناء 

حماة أغفت على العاصي تضاحكه 

ونهرها في مغاني الخلد لألاء

أهدى لها الله من عليائه حللاً 

على الجفون، وفاض العطر والماء 

والمجد من هبة الرحمن، شيده 

من بعد يرموك، آباء و أبناء 

أم البطولات، والتاريخ يُكبِرها 

صيغت لها من معاني المجد أسماء 

كانت حماة لها اسماً وأرفده 

(أُمُّ الفداء)، أطال الصرح بنَّاء 

وأهلها في مغاني النور أيكته 

فتوأم المزن في الأكوان معطاء

جاء (انفصال) بليل ما له شفق 

فالليل يطغى ونفس اللؤم حرباء 

عصابة وانفصالٌ، كيد محترف 

يسَنّ سيفاً، وما في الفكر علياء 

والصلُّ يرقبهم، يقظان هاجعُه 

قال: استعدوا فإن الريث إبطاء

هم الحثالة، لا تُدرى نذالتهم 

من لؤم عنصرهم تاه الألبَّاء 

لا دين يردعهم لا أصل يرفعهم 

لا عقل يسعفهم نبلاً، هم الداء 

عفونةٌ مرض في القطر منتنة 

من خبث طينتهم حار الأطباء 

هم الحواصيد والبيداء تعرفهم 

على الحقول فهم للنور أعداء 

أقنان أرض كمثل الزُّط عيشهم 

عنزاتهم في مغانيهم لمن شاؤوا 

  • • •

فقيل: آذار ما أبقيت في وطن 

يعود قفراً فلا مرعى ولا ماء 

  • • •

يا من هُرعت إلى التاريخ تسأله 

عن الدماء... فقد يشفيك إصغاء 

المصدر: كتاب "ملحمة حماه في جهادها عام 1964م"

ذكرى مجزرة حماة عام 1982م:

   ويقول د. أحمد عبد الرزاق الخاني مصوراً مجزرة حماة عام ١٩٨٢م حيث راح ضحية المجزرة أكثر من ٤٠ ألفا جاء في قصيدته...

دمُ الشهادة من جرحِ الميامينِ 

عطرُ البطولةِ أضحى للملايينِ 

على الشآمِ على (العاصي) وما بَرحتْ 

كفُّ المجازر من حينٍ إلى حينِ 

تبكي النواعيرُ ولهى.. دمعها بدمٍ 

آواهُ وحشُ الردى هل جاءَ يَسبيني؟ 

حقدُ المجوسِ، حماةٌ من خرائطهمْ 

تُمحى بجزَّارِ شعبٍ بالسكاكينِ؟ 

أمُّ الفداء شعارُ النُّبلِ قد هُدرَتْ 

بالصاعقاتِ وضجَّت في شراييني 

حماةُ ريعَت بجوفِ الليلِ، صرختُها: 

أحافظُ الكفرِ بالأسحارِ يُرديني؟ 

♦ ♦ ♦ ♦

خمسون ألفاً على أرجائها رَقدوا 

تحتَ الترابِ معَ الأنَّاتِ تَكويني 

ظلَّت حماةُ على الأيام عُقدَتهمْ 

حماةُ جسرٌ إلى (بدرٍ) وحطِّينِ 

ذكراكِ - مجزرةَ التاريخ - في خلَدي 

أفي العوالمِ كفُّ الوحشِ تَطويني؟ 

مجنونُ قتلٍ، فنابُ الوحشِ مُنصلتٌ 

وخلَّف القردُ مجنونَ المجانينِ 

بشارُ لعنةُ هذا الكونِ، وانتفضتْ 

سوريةُ البذلِ؛ أُعطيها وتُعطيني 

ملاحمٌ، يدمغُ الباغين ميسَمُها 

شعارنا السِّلمُ من فلٍّ ونِسرينِ 

يا (أسعدَ) الخلدِ نارُ الثأرِ تحرقني 

إنَّ اجتثاث أفاعي السمِّ يَشفيني. 

حماة في العيد:

   وكتب د. أحمد الخاني قصيدة يقول فيها:

جاءنا العيد فطِرنا فرحا 

وتذكرنا فعدنا ترحا 

وجرت مقلة عينيَّ دماً 

وبكى الخاطر لما لمحا 

وجه روضي فيه قرآن الهدى 

لابس الحزن تراه شبحا 

رُبَّ محراب به يبكي الفتى 

خشية الرحمن.. ماذا جرحا؟ 

جاءه الجزار في محرابه 

نبآني فلماذا ذبحا؟ 

رب طفل جاءه وحش الدجى 

ضحك الطفل له أو صدحا 

ورضيع ظل يحبو ضاحكاً 

حول وحش السوء يبدي فرحا 

فصل الرأس على ركبته 

قهقه الوحش له ثم انتحى 

لفتاة مثل مزن طهرها 

جرها العلج إلى ما فدحا 

فالمحاريب غدت تندبنا: 

اسفحوا الأرواح فيما سفحا 

أين قرآني الذي في مسجدي 

داسه علج الدجى ما برحا 

وبكى المحراب دمعاً ودماً 

حرَّقوا مسجدنا ثم انمحى 

وأبادوا من عليها جهرةً 

من تخطته المنايا نزحا 

  • • •

يا بعيني طفلة الحي التي 

ترسل الدمع الذي قد قرَّحا 

تسأل الغادين ولهى لوعت: 

أين أهلي؟ أين لي من نصحا؟ 

بعضهم يبكي وبعض يلتوي 

بعضهم أخفى وبعض لمَّحا: 

أنت في خيمتنا مكرمة 

ستعيدين الفيافي مرحا 

أجهشت تبكي وتُبكي حولها 

أين أمي؟ هل أبي قد جنحا؟ 

أين بيتي والدمى في صحنه 

جارنا أغضبته هل صفحا؟ 

فأنا اشتقت إلى أمي.. أبي 

كلموا جاريَ كي نصطلحا 

وحشة قاتلة قاتلةٌ 

يا أحبايَ، فماذا رزحا؟ 

لا نرى طيراً عياناً في السما 

وكذا الوحش تراه جمحا 

لا نرى إلا سكوناً مرعباً 

ليت عنزين لدينا انتطحا 

مدفع العيد الذي يبهجنا 

هل غدا قتلاً؟ فروضي صوَّحا 

رهبة الموت على أرجائنا 

لمَّح الموت بها أو صرحا 

كل شبر في الحمى مذبحة 

في شآم المجد قتلاً سرحا 

يا لذكراي بعيد مأتم 

صبّح العيد بنا ما صبحا 

من جراح وشجون وشجاً 

متح الدمع بها ما متحا 

هدنة قيل: لجرح بلسمٌ 

فإذا القتل بها قد وضحا 

طعنوها قبلما مولدها 

فالردى يلهو بقتل طفحا 

فمن الله استمدوا نصرنا 

قاب قوسين إذا ما سمحا _ ديوان "لحن الجراح"

حنين إلى حماة:

 وكتب د. أحمد الخاني يصور مشاعر الشوق والحنين إلى مدينة حماة الحبيبة الغالية فقد استبد به الشوق بعد الهجرة إلى السعودية فقال:

أحن إليك أيا غاليهْ 

حنينَ الغصون إلى الساقيهْ 

حنين الصحارى شواها الهجير 

إلى دمعة المزنة الصافيه 

حنيني إليك حنين الكفيف 

إلى النور في الليلة الداجيه 

حنين السقيم ويأس الشفاء 

براه الجوى فاشتهى العافيه 

حنين الغريب إلى أيكهِ 

تهيِّجه الصور الحانيه 

خيالك يسكن في مهجتي 

وطيفك روضات أحلاميه

   وهكذا تمر الأيام، وتنطوي السنون، وتبقى ذكرى مجزرة حماة ماثلة في الأذهان، ولقد كان تفاعل الكتاب مع الحدث الجلل ممتازا، ولكن هناك تقصير في التوثيق التاريخي والتعريف بالشهداء الكبار، فنرجو من الكتاب والشعراء والمؤرخين والحقوقيين أن يقدموا هذه الوثائق إلى المحاكم الدولية وأن يقدموا المجرمين الذين ارتكبوها إلى محكمة لاهاي، فإن الجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم .

ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

مصادر البحث:

هوامش :

(1) شاعر سوري، نشرت قصيدة في نشرة النذير - العدد 96 / تاريخ 1/1/1987.

(2) شاعر سوري، أشارت إلى قصيدته المذكورة دراسة جامعية عنوانها: عمر أبو ريشة عاشق المجد.

(3) الدكتور سفر الحوالي : عالم و داعية سعودي ، نشرت الملحمة في موقعه .

(4) الشاعر يوسف العظم أردني : القصيدة في ديوانه ( عرائس الضياء) .

(5) خالد عبد الله السعيد : شاعر فلسطيني ، القصيدة في ديوانه ( كيف السبيل).

(6) محمد الحسناوي : شاعر سوري ، القصيدتان في رابطة أدباء الشام 2007

(7) وليد الأعظمي : شاعر عراقي ، الأعمال الشعرية الكاملة .

(8) أحمد الخاني ، شاعر سوري ، القصيدة في ديوانه : ( لحن الجراح).

(9) عدنان علي رضا النحوي : شاعر فلسطيني . ديوان : (جراح على الدرب).

(10) عبد المحسن حليت مسلـّم : شاعر سعودي ، القصيدة في ديوان ( مقاطع من الوجدان).

(11) يحيى البشيري : شاعر سوري ، ملحمة (نقوش على محاريب حماة).

(12) موقع الجزيرة نت .

(13) موقع شبكة الألوكة.

وسوم: العدد 1095