تعليم البنات العام

محمد غرمان العمري

sadfbdfbdfg11171.jpg

 

sadfbdfbdfg11172.jpg
وصلني مؤخرًا كتابٌ صدر حديثًا، بعنوان: تعليم البنات العام في

جنوب المملكة العربية السعودية (1388ـــ 1400هـ/1968ـــ

1980م) (سجل إحصائي)، للأستاذ الدكتور غيثان ابن علي بن جريس ويقع في (352) صفحة من القطع المتوسط. وعندما تصفحت هذه الدراسة وجدتها تحتوي على مئات الجداول الإحصائية التي تعكس مسيرة تعليم البنات في مناطق عسير، وجازان، ونجران خلال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة من القرن الهجري الماضي، وقبل تدوين ملخص لمحتويات الكتاب، وذِكْر بعض الملاحظات والمقترحات رأيت أنْ أكتب لمحةً سريعةً عن تاريخ التعليم الحديث في جنوب البلاد السعودية خلال القرن (14هـ/20م). إنَّ مادة هذا الكتاب الجديد جعلتني أقرأ وأطلع على عدد من الكتب والدراسات العلمية التي أرخت للتعليم الحديث في المملكة العربية السعودية. ووجدت أنَّ التعليم في الكتاتيب كان السائد في أرجاء البلاد، ولا تخلو بعض المدن الكبيرة مثل مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، والطائف، وجازان، والإحساء وغيرها من علماء ومراكز تعليم جيدة ونشيطة، وقد تعلم فيها المئات من طلاب العلم، لكن بعد توحيد البلاد في عهد الملك عبدالعزيز(يرحمه الله)، ودخول الحجاز تحت نفوذه أمر بإنشاء مديرية المعارف في مكة المكرمة، وقامت هذه المؤسسة الحديثة بافتتاح المدارس النظامية في الحجاز، ثم سعت إلى نشر التعليم الحديث للبنين في أرجاء المملكة العربية السعودية، ولم يأت العقد الثامن من القرن الهجري الماضي، إلا صارت المدارس

وقفات مع كتاب ابن جريس الجديد:

(تعليم البنات العام في جنوب المملكة العربيةالسعودية)

(1388ــ1400هـ/1968ــ 1980م) السعودية، التي عرفت في بداية الأمر بالمدارس الأميرية موجودة في معظم الحواضر والمدن والقرى الكبيرة في المملكة، ثم تطور تعليم البنين من نهاية القرن (14هـ/20 هـ) إلى الآن (1446هـ/2025م)، ونتج عن هذا النمو الحضاري انعكاسات إيجابية كثيرة، على الفرد والمجتمع السعودي. وإذا توقفنا مع تعليم البنات وجدنا أنَّه كان غير موجود أو قليل الانتشار في أرجاء شبه الجزيرة العربية خلال القرن (13هـ/19م)، والسبعين سنة الأولى من القرن (14هــ/20م). وربما يعارض هذا القول بعض القراء الكرام، ويذكرون أمثلة أو نماذج قليلة من تعليم النساء في اليمن، والحجاز، ونجد وغيرها. وهذا كلام لا نعترض عليه، وإذا وجد فهو قليل جدًا وشبه نادر، والأمية كانت منتشرة في كل مكان للذكور والإناث. بل كان هناك معارضات كثيرة وقوية على تعليم المرأة. كان الملك عبد العزيز آل سعود يعرف ويدرك نظرة المجتمع وموقفه السلبي من تعليم النساء، لهذا بدأ بتعليم البنين من منتصف القرن الهجري الماضي، ولم يكن هناك تعليم حديث للبنات، وربما بعض الأسر العلمية سعت إلى تعليم نسائها بشكل محدود وجهود فردية. والقارئ عن انتشار التعليم الحديث في عهد الإمام عبد العزيز يجد أنَّه كان مركزًا على شريحة الرجال دون النساء، ونجحت مديرية المعارف في توسيع قاعدة التعليم الحديث في كل مكان من المملكة العربية السعودية. جاء الملك سعود بن عبد العزيز بعد والده، واجتهد في فتح مدارس البنات الحديثة، وواجه صعوبات وعقبات كثيرة، وحدث الكثير من المعارضات ضد تعليم المرأة في السعودية، لكن الملك وبعض الأمراء السعوديين بدأوا تعليم بناتهم، وافتتحوا مدارس حديثة، وتركوا الفرصة سانحة لمن رغب تعليم نسائهم وبناتهم، وكان الناس مترددين وغير راغبين في تعليم المرأة، لكن الدولة ممثلة في الملك وولي عهده أمروا بافتتاح مدارس بنات حديثة، وتكون مرجعيتها إلى المؤسسة الدينية ممثلة في مفتي المملكة العربية السعودية ومن يعمل معه من رجال الشريعة. وفي الوقت نفسه أُنشئت الرئاسة العامة لتعليم البنات مع بداية افتتاح المدارس الحديثة الأولى للبنات عام (1380هـ/1960م)، وبدأ تعليم البنات الحديث يسير وينتشر على خطى تعليم البنين الذي بدأ من ثلاثة عقود من افتتاح مدارس البنات والرئاسة العامة لتعليم البنات ، وبقيت وزارة المعارف المسؤولة عن تعليم البنين والرئاسة المرجع الرئيسي لتعليم البنات.

اطلعت على دراسات عديدة، وكتب إحصائية كثيرة اشتملت على مواد

مختلفة ترصد تاريخ تعليم البنين والبنات الحديث في المملكة العربية السعودية

(الباحة، وعسير، وجازان ونجران) وقد حظيت بالرعاية الكبيرة من الدولة

السعودية الحديثة، فأنشئت مدارس البنين الابتدائية في أبها، وجازان،

والقنفذة، وبيشة، والظفير، والنماص، ومحايل عسير، ورجال ألمع من منتصف

القرن الهجري الماضي، ثم انتشرت المدارس في كل مكان وافتتحت المدارس

المتوسطة، والثانوية والمعاهد، ومكافحة الأمية.

وفي عام (1380هـ/1960م) أُنشئت مدارس البنات الابتدائية في بعض

المدن الرئيسية في جنوب السعودية وغيرها من مدن المملكة، ثم تطور تعليم

البنات حتى شمل كل المراحل في التعليم العام. ولم ينته القرن (14هـ/20م)،

إلَّا والتعليم العام للبنين والبنات وصل كل مكان وناحية من مناطق جنوب

المملكة العربية السعودية، وقد بذلت بعض الجهود لعلي أجد دراسات تفصيلية

عن التعليم الحديث للذكور والإناث في مناطق غامد وزهران (الباحة)، وعسير،

ونجران، وجازان لكني لم أعثر على أي كتاب أو دراسة دقيقة ترصد تاريخ هذا

القطاع خلال العصر الحديث.

لقد تصفحت هذا الكتاب المذكور في عنوان هذه المقالة من تأليف

الدكتور غيثان بن جريس، وقلت ربما أجد بعض التاريخ الحقيقي عن مسيرة

تعليم البنات في جنوب المملكة العربية السعودية وفي الوقت نفسه فالأستاذ ابن

جريس متخصص في التاريخ والحضارة العربية والإسلامية وله دراسات كثيرة

عن جنوب البلاد السعودية عبر العصور التاريخية، وأعرف أن له مؤلفات

مطبوعة ومنشورة في تاريخ التعليم العام والعالي عن أمكنة ومناطق جنوب

المملكة العربية السعودية. ووجدت الفهرس العام لكتابه يتكون من مقدمة،

وتوطئة، ثم (13) قسم إحصائي لعدد المدارس، والطالبات، والمعلمات،

والموظفات في الوظائف التعليمية في مناطق جنوب المملكة (عسير، وجازان،

ونجران) خلال عقد ونيف (1388ــــ 1400هـ/ 1968ــــ1980م) في القرن الهجري الماضي، وفي نهاية الكتاب خاتمة ذكر فيها بعض النتائج والتوصيات. وبعد المرور على جميع مادة الكتاب خرجت ببعض التصورات التي أذكر أهمها في النقاط الآتية:

1 صاحب الكتاب (ابن جريس) أورد في المقدمة والتوطئة شروحات كثيرة

عن التعليم وبخاصة تعليم البنات في جنوب المملكة العربية السعودية، وذكر ندرة المادة

المتوفرة عن هذا المجال الحضاري، ثم أشار إلى أنَّ كتابه قام على سجل إحصائي حصل عليه من إدارة تعليم البنات في جنوب المملكة ومقرها مدينة أبها في بدايات هذا القرن(15هـ/20م)، ووجد فيه مادة إحصائية جيدة تعكس تطور تعليم البنات في مناطق عسير، وجازان ونجران خلال العقد الأخير من القرن الهجري الماضي. واجتهد في طباعته ونشره لأن فيه مادة علمية أصلية قد تساعد الباحثين في إصدار دراسات علمية نوعية وتحليلية، وذكر أنَّ هذه الإحصائيات قد لا تتوفر في المستقبل، وربما ضاعت مع تعاقب السنين، لهذا سارع في مراجعتها من السجل الرئيسي الذي حصل عليه ثم طبعها ونشرها للقراء وطلاب العلم والمعرفة. وجدت الباحث نشر الجداول التي وجدها في السجل الأساسي، ويوجد منه صورة في مكتبته الخاصة، ثم دون بعد معظم الجداول شروحات قصيرة ومحدودة، وأضاف بعض الرسوم البيانية للكثير من الجداول. وقال: إنه يرجو أن يأتي بعده من يعكف على دراسة هذا السجل ويدرسه دراسة علمية تفصيلية تحليلية، واكتفى فقط بإخراج هذا العمل للنور. ليس هدفي في هذه المقالة غمط حق الباحث ابن جريس، فهو أستاذ جامعي، وله جهود علمية وبحثية كثيرة وجيدة، ولا ينكرها إلَّا جاحد. وأعلم أنَّ الدكتور غيثان بن جريس يرحب بالنقد الإيجابي الذي يصب في خدمة العلم والمعرفة، ولهذا رأيت أن أذكر بعض وجهات النظر التي قد تفيد في خدمة هذا السجل الإحصائي الجاف، وأوردها على النحو الآتي:

أــــ عندما ينظر الباحثُ أو القارئُ إلى هذا السجل الإحصائي فإنَّه يجد فيه كمًا هائلًا من

الأرقام والإحصائيات التي تعكس مسيرة تعليم البنات في جنوب المملكة من عام

(1388ــــ1400هـ/1968ـــ1980م)، وهذه معلومات كما ذكر صاحب الكتاب جيدة للاستفادة منها، لكنها في الوقت نفسه مادة علمية خالية من التدقيق والتحليل، وكنت آمل من الباحث أنْ يكون أجرى عليها مزيدًا من الشرح والتوضيح والاستنتاج.

أورد الأستاذ ابن جريس رسومًا بيانية قليلة وناقصة ومحدودة، والناظر في الأرقام المنتشرة على صفحات الكتاب يستطيع أن يخرج منها بالكثير من النتائج والتحليلات والبيانات والمقارنات، ولا أجد شيئًا من ذلك في الكتاب الذي بين أيدينا، وكما تمنى الباحث أن يأتي في قادم الأيام من يجري على هذه الإحصائيات دراسات علمية دقيقة وجادة. فأقول: إنَّ من يقوم بذلك فسوف يجد مادة علمية كثيرة تستحق أن يُجري عليها بحوثًا علمية جادة ورصينة.

إنَّ هذا السجل الإحصائي قد يفتح أبوابًا أوسع وأفضل، وتظهر سجلات، ومدونات ووثائق جديدة تدرس تاريخ وتطور تعليم البنات في جنوب البلاد السعودية. وفي الحقيقة إنني أشكر الأستاذ غيثان بن جريس على هذا الجهد، حتى وإن كان هناك بعض الأخطاء أو العيوب، أو النقص.الذي أعرفه وقرأته للباحث ابن جريس أنَّه يطرح الكثير من الرؤى، والأفكار، والمقترحات والنظريات، ووجهات النظر، والتعليقات التي لها صلة بالعديد من الموضوعات أو العناوين العلمية التي تستحق مزيدًا من البحث والتحليل والدراسة. وربما أنَّه نشر هذا العمل من هذا المنطلق على أمل أن يأتي طالب علم أو باحث فيبدأ من حيث انتهى غيثان وينجز عملًا أكثر عمقًا وتوثيقًا وتفصيلًا وتحليلًا.الحمد لله إنَّه صار عندنا في جنوب المملكة العربية السعودية الكثير من الجامعات، والكليات، والأقسام العلمية، والباحثات والباحثين الذين يستطيعون خدمة بلادهم وأهلهم. وتاريخ التعليم القديم، والحديث للبنين والبنات في جازان، ونجران، وعسير، والباحة من الميادين المهمة التي تستحق أن يدرس تاريخها وآثارها الإيجابية على جميع طبقات المجتمع في جنوب المملكة أو غيرها من المناطق السعودية الأخرى.

في النهاية هذه آراء ووجهات نظر حركت عندي الرغبة في سرد ما تم تدوينه، وليس الهدف من ذلك النيل من صاحب الكتاب فهو أستاذ قدير له تقديره واحترامه وأعلم أنَّ الدكتور غيثان يرحب بالنقد الصالح والمفيد، وهذه ميزة أو صفة عرفتها أنا وغيري عنه، ومن يقرأ مؤلفاته يجد على صفحاتها الكثير من نقد الآخرين لبحوثه وكتبه، ووجدته لا يتورع من نشر ذلك في مؤلفاته الشخصية، مع أنَّ بعضها شديدة اللهجة وقاسية، وفيها الكثير من الكلام غير اللائق والجارح للدكتور ابن جريس، وقد تحدثت معه كيف يقبل وينشر مثل هذه المادة، فيقول: هذه وجهات نظر للآخرين، ولا يرى أي بأس أو غضاضة في طباعتها ونشرها للقاصي والداني ، وصلى الله وسلم على رسول الله.

وسوم: العدد 1117