كتاب الشعر والشعراء
لابن قتيبة
المقدمة
أن رجلاً مسناً من حفاظ الشعر يدعى أبا ضمضم جاء إليه فتيان بعد العشاء يزورونه فقال لهم: ما جاء بكم يا خبثاء؟
قالوا: جئناك نتحدث.
قال: كذبتم ولكن قلتم: كبر الشيخ فعسى أن نأخذ عليه سقطة، ثم أنشدهم لمئة شاعر وقيل: بل أنشدهم لثمانين شاعراً كلهم اسمه عمرو .
قال الأصمعي راوي الخبر: فعددت أنا وخلف الأحمر فلم نقدر على ثلاثين.
ويعقب ابن قتيبة على ذلك قائلاً: "فهذا ما حفظه أبو ضمضم ولم يكن أكثر الناس رواية وما أقرب أن يكون من لا يعرفه من المسمين بهذا الاسم أكثر ممن عرفه".
واجتمع ثلاثة من بني سعد يراجزون بني جعدة (أي يبارونهم في إنشاد الأراجيز يعني القصائد المنظومة على بحر الرجز) فقيل لأحد الثلاثة: ما عندك؟
قال: أرجز بهم يوماً كاملاً إلى الليل لا أعجز ولا أعياء.
وقيل للثاني: ما عندك؟
فقال: أرجز بهم يوماً إلى الليل ولا أنقطع.
وقيل للثالث :ما عندك؟
قال: أرجز بهم يوماً إلى الليل ولا ينفد ما عندي.
فلما سمع بنو جعدة كلام الثلاثة انصرفوا وعدلوا عن مراجزتهم.
وأخيراً ليسمع شعراؤنا الشباب قول الطائي الأكبر:
ولكنني لم أحو وفراً مجمعاً ففزت به إلا بشمل مبدد
ولم تعطني الأيام نوماً سكناً ألذّ به إلا بنوم مشرد
وقال مالئ الدنيا وشاغل الناس:
دعيني أنل ما لا ينال من العلا فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل