لم يزل لي أمل
خالد البيطار |
محمد علي شاهين |
ديوان جديد للشاعر خالد البيطار
لم يزل الشاعر خالد البيطار يعلّل النفس بالآمال، ويحسن الظنّ بالأيام رغم الواقع الأليم الذي تشهده البلاد السوريّة عامّة، وقد جار الزمان على جارة العاصي التي أحبّها، ويغرق في تفاصيل الذكريات وبحر الأشواق، ولسان حاله يقول:
يادهر قد طال البعاد عـن الوطـنْ هل عودة تُرجى وقد فات الظعنْ
خذني الى حمصٍ ولو حشوَ الكفن واهتفْ: أتيت بــــعاثرٍ مـــردودِ
فلقد أرتج على الشاعر، وجفّت مآقيه، والناس من حوله في كرب، وراجمات الغدر تهز أركان المدينة المهدّمة، والحقد الدفين يملأ قلب الشقي قاتل الأطفال.
ويشرق الأمل من جديد في وجدان الشاعر رغم هول المأساة وطول عهد البلاء حيث يقول:
مهما يطل عهد البلاء فإنّه سيزول عن وجه البلاد ويهزم
فالنصر آت والشهادة أخته صنوان مقترنان نعم التوأم
عبادة الصنم الوضيع ستنتهي ويهل فجر بالكرامة مفعم
ويرفع الشاعر كفيه إلى السماء مبتهلاً إلى الله نصير المظلومين، وقامع الظالمين، وفؤاده في عناء.
ثم يشيد بذلك الجيل الرباني الذي حمل مشعل الثورة في مطلع الثمانينات، فكان الرائد والمثال:
جيل من الأبطال ما أروعه ما عاش في اللهو ولا في الدعة
جيل شبيه الزهر في حسنه لكنّه أقوى من الزوبعة
جيل نقي القلب في قوّة ماض بعون الله في المعمعة
وينظم قصيدته "لم يزل لي أمل" فيناجي القمر، ويسأل الركبان، ويحنّ إلى العندليب، وإلى الأهل والجيران، ويسمي ديوانه الرابع باسمها، ويختمها قائلاً:
أنا يا بدر وإن كان طريقي في الضباب
وعلى ما جرّعوني ورياضي من مصاب
لم يزل لي أمل أحيا به بعد اغتراب
مشرق مثلك يا بدر ومن غير اغتراب
وهو واثق بالعودة إلى الديار، حيث يتساءل: لم لا أعود وأين صدق العاشقين؟!
وكيف يذبل حب حمص في قلبه إذا كانت غرسة الحب تسقى بماء العيون، وتغذّى بذوب القلوب.
وهو واثق بالعودة إلى الوطن رغم المآسي والبلاء، وسيبقى مرابطاً على أسوار الوطن حتى يعود، ومعه العهد الوثيق.
وهو واثق بعودة الربيع الذي استراحت به نفسه، وأعاد إليه روحه، فأفرد له ديوانه الأوّل "أجل..سيأتي الربيع" وديوانه الثالث "يا ربيع الحياة".
هو الربيع يعيد الروح يبعثها في كل طاو على يأس ومنفرد
وكم أحسّت به روحي وكم وردت خواطر لم تكن من قبل في خلدي
وتمضي السنون والذكريات تتجدّد، وينتقل الشاعر من العراق إلى اليمن ثم يلقي عصا التسيار في عمّان، وتنقضي ثلاثون عاماً والأيام تقرض من عمره وتنهش من جسده، والظلم يمنعه من العودة إلى الديار، ومع هذا فالشاعرمصرّ على العودة.
لا بدّ من عودة تشفي الجراح وهل دام الزمان لنمرود وذي يزن؟!
ومن يقرأ قصائد الرثاء في ديوان الشاعر خالد البيطار يجد وفاءه لإخوانه سجيّة وطبعاً، ومنها قصيدة رثاء لشقيق روحه الشاعر محمد محمود الحسناوي مطلعها:
ماذا أقول وقلبي كاد ينفطر مما ألمّ به إذ جاءه الخبر
الموت حق ولكنا نضيق به أليس فيه الفراق المرّ والكدر
حاولت إخفاء دمعي مظهراً جلداً فما استطعت وصار الدمع ينهمر
ويرثي المرحوم عبد الكريم العطار ويرثي معه نفسه، فلا يعلم أتفيض عيناه بالدموع عليه أم على نفسه.
ولفلسطين والقدس وأقصاها وأبطالها وأهل غزّة والضفّّة من ديوانه نصيب كبير، ففي إحدى قصائده يخاطب أطفال الحجارة، ويثني على أمهاتهم قائلاً:
علّموا الدنيا بأن الحق أكبر من سلاح البغي مهما يتجبّر
أيّها الأطفال يا ورداً معطّر أنتم اليوم بطولات تسطّر
إنّ أماً تنجب الطفل الذي يحرس الأقصى ويحميه ويفخر
هي أم مثل أخوات لها مسلمات كن في غزوة خيبر
إنّ من تنجب أبطال الوغى هي أخت لضرار أو لجعفر
ونظم الشاعر قصائد لطيفة لأسرته وأطفاله في مناسبات شتى، أغدق فيها من مشاعره الفياضة وأحاسيسه، وكساها بحلّة البهاء، وكان يحرص على أن تبقى أبياتها الجميلة ملك الأسرة، لكن الحب العميق والمشاعر المرهفة التي تخلّلتها، أخرجتها عن نطاقها المحدود إلى رحاب دوحة شعر الأسر والأطفال.
وهو في قصائده التي بين أيدينا يفرد قسماً كبيراً للأبناء والأحفاد، وأسلوب التربية السليم، لا يقل أهميّة وجمالاً عن قصائد الديوان.
يقول الشاعر:
دنيا الطفولة ما أحلى مرابعها في عالم مظلم الآفاق مضطرب
فيها عوالم من أنس ومن فرح فيها البراءة تبدو دون ما حجب
دنيا الطفولة تزهو كلّما منحت من المحبة والتهذيب في دأب
دنيا الطفولة تحلو كلّما أمنت من العقوبة والتقريع والرهب
"لم يزل لي أمل" الديوان الرابع للشاعر خالد البيطار، صدر في عمّان عن دار الاعلام، في 248 صفحة من القطع المتوسط في غلاف جذّاب.
أثاب الله شاعرنا الكبير الأخ خالد البيطار على ما قدّم خير الجزاء، ومتّعه بثوب الصحّة والعافية، وجعل هذا الديوان في صحيفة أعماله.