ستون حولا، و لا حول لي..
قراءة في نص الحمصي
جوتيار تمر
شعر ،، عبدالرحيم الحمصي
ستون حولا
و شيبة العمر ناحت ،،،
تتقاطعها مدارات اليأس ،،
قبور الشهداء شاخت
و أزلام الفتات انتفخت ،،،
و أنا الحاضر أرقني المستقبل ،،
دمرني الوعد ،،
ستون حولا ،،
و لا حول لي ،،،
تجرعت كل الخيبات
و الأهل نقيضان ،،،
هُدِرَ الدم ،،
انقسم الجبل ،،
تصدع المبدأ،،
ستون حولا ،،،
رحلوا قواميسكم ،،
اشربوا خياراتكم ،،
نرجيستكم قاتلة ،،
و الأحياء جنس نادر ،،
على مسار الشهداء
رسموا الأفق،،،
عانقوا التراب المقدس ،،
باعوا أرواحهم للوطن ،،،
ستون حولا ،،،
و أنت ،،،،
أيها المنافق ،،،
تصهين الدم في عورقك ،،،
سيد المنبطحة أنت ،،،
على قبرك نبتت الخيانة ،،،
بُرْعُما زرعْتَها ،،،
حتمية القطاف لحظة ،،،
و شيبة العمر تشببتْ ،،
قراءة في قصيدة (ستون حولا ،،، و لا حول لي ،،) للشاعر المبدع عبد الرحيم الحمصي / جوتيار تمر
استقاء من معجم لاينضب ، ستون حولا ، دلالة الاستمرارية ،واستمراء زمكاني ، خالق لماهية سير الزمن في مجريات الوعي الانساني ، وتدخلات الارادة في سبر اغواره ، والحد من مخلفاته ، (و لا حول لي ,,) ، (الواو)، هنا لم تعطف عليه في الستون الماضيات ،وال(لا) هنا تثبت بان الاتي لن يكون بأفضل مما كان ، لان الارادة هنا مجردة حتى ماهيتها المسبقة ، خاضعة تماما لمجريات الحدث الزمكاني الناتج من فعل ارداي مضاد.
ستون حولا
و شيبة العمر ناحت ،،،
تتقاطعها مدارات اليأس ،،
قبور الشهداء شاخت
و أزلام الفتات انتفخت ،،،
و أنا الحاضر أرقني المستقبل ،،
دمرني الوعد ،،
الصورة تتماهى هنا مع الواقع الذي يمثله اللغة بتعبير اضطراري ، حيث تعيش تلازما فطريا واخر قسري ، مع المجريات السابقة التي ناحت ولم تزل تسبب النواح ، فلسبت العمر ، وافضت بالممكن الى استحالة ، لذا نجد الصورة تأخذ منحى التعنيف الذاكراتي في قوة الاستحضار نفسه ، وتجهش ببكاء داخلي ، في محاولة تفكيكية للنمط البكائي الرثائي السائد ، جراء تكرار حدثي يؤثث لتعددية ذهنية مقيتة وموجعة في آن واحد ، على بوابة وعود هي في تكويناتها الاساسية مبنية على اسس من الاستحالة البصرية ، والسمعية ، لكونها لاتلتقط اية ذبابات تؤثث لتغير حاصل قادم.
ستون حولا ،،،
و لا حول لي ،،،
تجرعت كل الخيبات
و الأهل نقيضان ،،،
هُدِرَ الدم ،،
انقسم الجبل ،،
تصدع المبدأ،،
في خيبات الوطن امتزج الدم هنا ، واصبح يتجرع تلك الخيبات عن قدرية وقناعة ظاهراتية ، وكأن التصور المسبق للوجود هذا قد صُقل مذهبيا في ذاكرة الشاعر ، حتى اصبحت تلميحاته التصدعية هذه ، وقائع ، وتنبئات تبيح للرؤية المستقبلية مكونات الاجتماع ، وتحذر في نفس الوقت ، من الاستهانة بهذا الدم المهدور.
ستون حولا ،،،
رحلوا قواميسكم ،،
اشربوا خياراتكم ،،
نرجيستكم قاتلة ،،
و الأحياء جنس نادر ،،
على مسار الشهداء
رسموا الأفق،،،
عانقوا التراب المقدس ،،
باعوا أرواحهم للوطن ،،،
يلامس الشاعر في تصوراته الواقعية هنا الذات بكل توتراتها ، لتكشف في المدى القريب البعيد سلوكياتها الروحية الدفينة ، من خلال واقعها العياني ، ومحيطها السياسي ، الاجتماعي ، وحتى الثقافي ، فتأتي الصورة هنا بلغة فردية لكنها توحي بالتعميم السلبي ، وليست السلبية هنا الزام بقدر ما هي توضيح ، وتعرية ، ومهمة الشاعر دائما تفوق طرح الرؤية ، انما يقوم بمهمته على اكمل وجه من خلال تعرية الوقائع بواقعها ، حتى تصبح صور عارية تبث على قنوات غير مشفرة ، لتلامس عين المتلقي بحقائقها ، دون ان يتملق الشاعر، فيدرك المقابل من هم اصحاب النرجسية ، ومن هم الذين باعوا ارواحهم للوطن.
ستون حولا ،،،
و أنت أيها المنافق ،،،
تصهين الدم في عورقك ،،،
سيد المنبطحة أنت ،،،
على قبرك نبتت الخيانة ،،،
برعما زرعتها ،،،
و حتمية القطاف لحظة ،،،
و شيبة العمر تشببتْ ،،
الصورة تتخذ توجيها مباشرا هنا ، وتعنون الاخر بالفاظ ربما خرجت عن النسق العام ، لكونها اتسمت بالانفعالية النابعة جراء تعنت ، وقسوة ، ظاهرة ، لكنها في الوقت نفسه تشير الى رؤية لاتخلو من الامل الصعب ، فمع ان الجو العام للنص يدعو الى اليأس ، الا ان الايجابية فيه ان لايقع في اليأس المطلق ، لعلي هنا اتحفظ قليلا على رؤية الشاعر لاني لاارى اية بوادر تفضي بالامل ، والحتمية كما هي واجبة بالقطف من جانبنا ، فهي موجبة ايضا من الجانب الاخر ، وعند مقارنة نحن بهم ، نجد الكفة دائما لصالحهم ، لكنها تبقى وجهات نظر تساهم بشكل واخر في تعرية الواقع ، سواء على المستوى الفردي النفسي ، ام العام الاجتماعي.