قراءة في نص "عذراً منك" للشاعرة ريم هاني

قراءة في نص "عذراً منك"

للشاعرة ريم هاني

جوتيار تمر

عذراً منك

الوقتُ على عُشبِ

صدرَك يركضُ ,

يمضي تعِباً

مكسوراً

وعلى شَفتيكَ

يكفُر عشقُكَ

المَبتور على حبلٍ مِنْ مَسدْ (!)

وفي رِحابِ صمتكَ

يَرتَجِف البُعد

على لآلئ

عَيناكَ

أتُسْقِيني كَأساً في الغَرامِ

مْسكوباً

على ِحبالِ الحَيْرة (!)

إن كُؤوسكَ ذابتْ

في فراغ الدمعةِ

مملحة بريحقنا

كمْ تَبتهجُ

كل عطوري

ُكلما أدمنتُ كَأسكَ المَلعُون

وصَمْتُكَ ينطقُ بخطاياكَ

على حَوافِ خَمرِ الِعتاب

وأنا على أرائكِ الحُلم

كنتُ أنتظر

عشقكَ المَجْنون

فما بَال رِصيف الشَوْق

أذابنَي على حُدودِ

أنفاسكَ الثَمِلة

لوداعِكَ

سيدي (!)

القراءة / جوتيار تمر

عذراً منك

المغايرة اللفظية والدلالية تظهر ملامحها منذ العنوان الذي اتى في الوهلة الاولى مباشراً   ومظهراً ملامح الشخوص / الذات الشاعرة والذات المخاطبة/ ومن جانب اخر اتى مغايراً في تشكيله حيث يمكن الاستدلال من خلال" الكاف" على فعل ماضٍ ساري مفعوله او فعل متمرد محتمل حصوله وفي كلا الحالتين قيمة المغايرة رغم المباشرة حاضرة وبفعالية وتأثير الكاف ظاهر على مسار ونسق النص الرؤي.

الوقتُ على عُشبِ

صدرَك يركضُ ,

يمضي تعِباً

مكسوراً

وعلى شَفتيكَ

يكفُر عشقُكَ

المَبتور على حبلٍ مِنْ مَسدْ (!)

استهلال بزمنية غير محددة، وترابط زمني بمكان محدد ملامحه جغرافياً، واستعارة مباشرة ايضاً تظهر الفعل الدرامي في العملية الوجدانية المتاخمة لصيرورة المزج الروحي بالمادي، الوجداني بالجسدي مرهوناً بالوقت وحراكه وتأثيره النفسي والانفعالي على الذات الشاعرة وهذا التأثير ملامحه ظاهرة للعيان من خلال تراكيب وظفت لتفضح المكنون النفسي والرغبوي، بتناص جزئي وتصوير مشهدي موفق، ويبقى حراك الوقت هو المسلك الصعب في الموقف لكونه "يركض،، تعباً، مكسوراً، يكفر، المبتور.." فيؤدي بالتالي دوره التحريضي باكمل وجه، لتخرج النفس من صمتها وحتى كبتها الى مرحلة الجهر بمخالجاتها، حتى وان اتت ضمن جغرافية محسوسة " صدرك، شفتيك.." ومكشوفة في آن واحد، وهذا اللجوء الى المحسوس بدلا من المشاعر،دليل الحساسية، وارتداد عن القلب وتهويماته الى الجسد والحواس التي هي اقل قابلية للضياع والاضافة، وهي كل توهماتها تخضع لتأثير الكاف التي تجبرنا على تخيل الذاتين في حراك روحاني جسدي.

وفي رِحابِ صمتكَ

يَرتَجِف البُعد

على لآلئ

عَيناكَ

أتُسْقِيني كَأساً في الغَرامِ

مْسكوباً

على ِحبالِ الحَيْرة (!)

إن كُؤوسكَ ذابتْ

في فراغ الدمعةِ

مملحة بريحقنا

كمْ تَبتهجُ

كل عطوري

ُكلما أدمنتُ كَأسكَ المَلعُون

وصَمْتُكَ ينطقُ بخطاياكَ

على حَوافِ خَمرِ الِعتاب

بنية القصيده تعد شاهدا تأمليا على تملص الرؤيا المتحررة من سطوة اللغة، في مقابل نقلها  الى لغة بصرية تحمل ابعادها التشكيلية والتي قد تسري بنا الى مصاف السورياليه احياناً، وقد تنأى بنا عن مخاطبتها بلغة الحواس جانحة الى حيث تتسيد ملكة العقل  وهي المنطقة الجامعه بين الرغبة والممكن في التأثيث الشعري، فكل موجبات الحالة النفسية تحيلنا الى " صمتك،، كأساً.."، بحيث نلاحظ سطوة الكاف الدالة عليه "هو" الاخر من منظورها "هي"، فالصمت هنا ليس مجرد فعل حدسي او تشبيهي انما هو امتداد للحالة الاساس التي اتى منها " عذراً منك"، لذا نرى بان الصمت هو محرك للفعل من جهة وللرغبة من جهة، وتظهر ملامح الحالتين من خلال تأثير الصمت على نفسية الشاعرة فيؤدي بها الى اللجوء الى الكأس وهذا الاخير لايحتاج الى تأويلات كثيرة فهو في اقل شأنه يجعل الروح والجسد يعيشان حالة من الهذيان والعبث معاً، ولذلك نجد بان الشاعرة تتعمد ادراج الفاظ متحركة في دواخلها وحراكها تصاعدي يبدأ من الجزئي الداخلي الى الكلي الخارجي، كما انها ترسم مسار الرغبة واللهفة بمشهدية درامية حيث تنجذب متراكمات البعد، لتتداخل مع " عيناك" والعين هنا تبصر الامر فتحيله الى وصفة للتلقي، فمعانقة كأس الغرام اشبه بالنشوة الكاملة جراء تذوق الخمرة نفسها، ولكنها هنا توشي بالحالة النفسية التي تعيشها الشاعرة بحيث نجدها تعمق في وصفيات الحالة ضمن منظومة تحرك الاحساس تجاه الاخر بدقة التصوير من جهة وفضح معالم الروح والرغبة في وجوده من جهة اخرى، فالدمعة لاتأتي من فراغ انما هي امتداد لفعل سابق حاصل ومستمر في تأثيره على النفس، وذلك ما تحيل الرؤية الى البحث عن منافذ اخرى للتعبير عن كنتها ووجعها الذاتي، فتصرخ في الخواء بوجه " كأسك، صمتك، خطاياك.."، ب"العتاب" ولعل الصورة التي تبعث الدهشة هنا هي " الملعون" باعتبار ان كل التمازج الروحي الجسدي والنشوة واللذة في الكأس لم تنجب الى هذه الصرخة التي اراها من صميم الحدث والفعل المؤثر جراء اللجوء الى الحواس والارتداد عن توهيمات القلب المتعب من فعل الصمت والغياب وحراك الكأس والرغبة.

وأنا على أرائكِ الحُلم

كنتُ أنتظر

عشقكَ المَجْنون

فما بَال رِصيف الشَوْق

أذابنَي على حُدودِ

أنفاسكَ الثَمِلة

لوداعِكَ

سيدي (!)

 تتحول تلك العاصفة وذلك الهيجان الشعوري والجسدي المنتشي بلعنة الكأس وذهوله، الى هدوء صاخب حالم في مشهده اشبه بدراما حقيقية فيها الشخوص تؤدي دورها باتقان، فالصور الحالمة تأتي هنا على ارائك مما يشهد للجسد الاتكاء على مسند للراحة جراء التعب الحاصل في الفعل السابق، وما يؤكد ذلك هو ماهية الفعل وسببه بعدما عرفنا مسببه ف" الانتظار" كفيل بان يجعل المرء يسند رأسه وجسده الى الاريكة لاسيما انه انتظار العشق الجنوني الذي هاج في النفس وجعلها تعيش حالة هذيان مستمرة، بل تعدت الهذيان الى البحث عن التحام على عشب الصدر، مما يجعلنا نعيش وقع الحالة بتفاصيل اخرى باحثة عن ادراكات وحيثيات تجعل من الصورة الكلية الخارجة من طور الجزئية اكثر دقة ووضوحاً، فكما اسلفنا في العنوان بأنه دال على فعل ماضٍ او فعل متمرد محتمل حصوله، نجد ذلك في الختمة وبوضوح تام ودون اية تداخلات مصطنعة قد تجعل البعض يرى بأن الرؤية انصبت لتبرهن ذلك بالعكس تماما اتت الرؤية بتناغمية مع حراك النص والانفعال النفسي والحسي للذات الشاعرة وفق منظومة التلقي، ولتصل بالنهاية الى المحرك الاساس للعملية الشعرية في هذا النص لدى الشاعرة، فكل التحولات الحاصلة في بنية النص من حيث الدلالة والالفاظ وحتى التشكيل انصبت في مصب واحد " وداعك" حيث نلامس عمق الموقف ومدى تأثيره على الذات مما احالها الى حالة من الهذيان والخروج عن المألوف بالنزوح الى الجسد والحواس كبديل للعشق الصوفي الذي نلامس ملامحه في مضامين والفاظ توهم المتلقي بخلاف ذلك لكنها في قيمة توظيفها دالة على صوفية الذات الشاعرة هنا في سعيها للاتحاد والحلول في الاخر.