مع الشاعر الإندونيسي توفيق إسماعيل
محمد شلّال الحناحنة
كثير من الرؤى الإيمانية في قصيدة "سجّادة طويلة" للشاعر الإسلامي الإندونيسي توفيق إسماعيل والتي ترجمها الأديب أحمد مصطفى بشرى.
عنوان القصيدة "سجّادة طويلة" يشير إلى حالة من التماثل والانسجام في نفس الشاعر، كما يدلنا على موقف صادق متماسك في القصيدة، فالسجادة رمزٌ للصلاة التي هي عمود الإسلام. الإسلام الذي يحياه الشاعر وهجاً خاصاً خالداً في نفسه من المهد إلى اللحد، حيث تتعدى "السجّادة" دلالاتها الحسية إلى دلالاتها المعنوية الزاخرة بكثير من الرؤى:
"ثمة سجادة طويلة مفروشة
من قاعدة المهد
إلى حافّة قبري القادم".
بدأ الشاعر قصيدته بظروف المكان "ثمّة" وخرج بين ظلال المكان بكل قدسيته وإيحاء الزمان المتوّج بأزهار الطاعة، وذلك حين أتبع الصفة "طويلة" بصفة أخرى بقوله: "مفروشة"، ثم انظر إلى ملازمته الطاعة بداية ونهاية عبر استخدامه لحرفي الجرّ "من" و"إلى" فالسجادة دائماً مفروشة للعبادة:
"من قاعدة المهد
إلى حافّة قبري القادم"
لقد جاءت القصيدة عبر ثلاثة مقاطع عمد فيها إلى محور ارتكازيّ مكرر مع بدء كل مقطع:
"ثمة سجادة طويلة مفروشة".
وقد استثمر الشاعر هذا التكرار عبر تداعيات من المشاعر الخلاقة التي تبوح بثباته على الإسلام ومبادئه السامية:
"ثمة سجادة طويلة مفروشة
أركع وأسجد عليها
يتخلل ذلك فترات
أطلب فيها رزقاً وعلماً
وأقدّر مسافة الشوارع يوميّاً
وفور ما أسمع الأذان
أعود لأخرّ ساجداً"
ترى أين هذا الشعر الإيماني الصافي ممن تصف ألسنتهم الكذب من شعراء الحداثة؟!
لقد أضحت "السجادة" في هذه القصيدة رمزاً للفطرة الإنسانية الساجدة، ولأن لهذا الرمز ديمومة الحضور في ذاكرة شاعرنا فقد ربطه بأفعال مضارعة: "أركع، أسجد، يتخلل، أطلب، أقدّر، أسمع، أعود، أخرّ، أخضع، يبقى".
بل نرى جميع أفعال قصيدته لم تخرج عن "الأنا الفاعلة الحاضرة" مما يدل على أن شاعرنا لا ينفك عن حاضره ومستقبله الإسلامي الخصب، رغم فجائع الدنيا وأزماتها!.
وتتجلّى القصيدة عبر نفحات من الدعاء المرهف في أدق جزئيات حياتنا.
"أطلب فيها رزقاً وعلماً
وأقدّر مسافة الشوارع يوميّاً"
كما تنهض في مقطعها الأخير متضرعة إلى الله جل وعلا من خلال قبس نبوي مشرق، حيث يتمثل الشاعر قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله"، فنقرأ له هذه الإشراقات الشعرية الدافئة:
"ثمّة سجادة طويلة مفروشة
أخضع وأركع وأسجد
ولا تنفكّ جبهتي لاصقة بها
ويبقى لساني رطباً
بذكرك يا رب".