تأملات في قصيدة "آتون"
تأملات في قصيدة "آتون"
للشاعر سليم عبد القادر
سليم عبد القادر |
د. محمد علي الهاشمي |
في المجموعة الشعرية الجديدة التي أصدرها الشاعر الإسلامي الأستاذ سليم عبد القادر قصيدة بعنوان "آتون"، استشرف فيها بين الخيال قدوم الفتية الصيد البهاليل من أبناء الدعوة الإسلامية، المنتشرين في ربوع الأرض، من كل لون وجنس، إلى الدنيا من جديد، لينثروا في روابيها الطهر والعفاف والنور:
آتون بالطهر والأشواق والنور=يذرونها في الروابي كالعصافير
آتون من كل لون كان، أو بلد=إلى الحياة بإيمان وتعمير
ويتخيل الشاعر موكب هؤلاء الدعاة الهواة العبقري في فكره، السامي في هدفه، حلماً كالأساطير، مقبلاً على الحياة إقبال الربيع، ينضّرها بالجمال والبهجة، ويهزها من غفوتها، وينفخ فيها الحيوية والانبعاث كما تفعل نفحة الصور في أجداث البرايا بعد نوم طويل:
في موكب عبقري الفكر، ذي هدف=فوق السمو وحلم كالأساطير
مثل الربيع، تهزّ الأرض بهجته=كما تهزّ البرايا نفخة الصور
إنهم يتقدمون بدعوتهم للناس، ويلقون في مسيرتهم المصاعب والعقبات، لا تلين لهم قناة، ولا تضعف لهم عزيمة، يبتسمون للأعاصير التي واجهتهم، محتسبين ما يلقون من مكابدة ومعاناة في سبيل الله:
يمشون فوق حقول الشوك في جلد=ويبسمون لأمواج الأعاصير
يكابدون فما يشكون من ألم=إلا إلى الله، في صمت كتعبير
فلا بدع أن تحفل بهم الحياة، وتسأل عنهم الدنيا، وتتناقل أخبارهم الرياح، وهي ولهى من حسن سيرتهم، ويشكو إليهم الزمان ما يلقى من باطل وضلال:
الريح تسأل عنهم وهي والهة والدهر يشكو لهم من عالم بور
لقد سموا بإيمانهم إلى المطامح العليا، وتطلعت نفوسهم إلى الآمال الكبار، وعفّت خلائقهم، فما عرفوا السقوط في وحل الشهوات، ولا قاربوا في حياتهم الزيف والزور والبهتان، ونذروا أنفسهم لله، فقدموا دماءهم رخيصة في سبيل الله، مهراً لجنان الخلد والخرد الغيد من الحور العين:
شم المطامح والآمال ما سقطوا=في وحل فسق، ولا زيف ولا زور
دماؤهم في سبيل الله مهدرة=مهر الجنان، ومهر الخرّد الحور
ويختم الشاعر قصيدته بالتأكيد على أنهم آتون لا ريب في ذلك، ويهيب بالدنيا ألا تسمع من سفلة القوم من الأغرار والمخمورين ما يطلقونه من تحذير منهم، قائلاً: أكرميهم أيتها الدنيا، وأحسني استقبالهم، وضميهم إليك كما يضم الأحباب على شغف، وبددي بمجيئهم وهم يحملون النور، ظلمات هذه الحياة وما اكتنفها من رعب وظلم وشقاء، فقد آن للأرض أن تسعد بسيادة القيم التي يحملونها، وأن ينعم الناس والمجتمعات بحياة دافئة الأحلام، حافلة بالسعادة:
آتون، لا ريب، يا دنيا فلا تثقي=بنصح غر ولا تحذير مخمور
فأكرميهم، وضميهم على شغف=وبددي بالسنا رعب الدياجير
قد آن للأرض أن تنشق صفحتها=عن عالم دافئ الأحلام مسحور
وبعد، فقد عرض الشاعر سليم عبد القادر في قصيدته "آتون" موكب الدعاة إلى الله، وهم يزحفون بدعوتهم من كل حدب وصوب، لينشروا مبادئها السامية، ويؤصلوا قيمها النبيلة في واقع الحياة، ويشيعوا في حياة الناس النور والطهر والعفاف والكرامة الإنسانية.
وقد أترعت نفسه بالإيمان العميق بحتمية مجيئهم، بما قدموا ويقدمون من تضحيات جسيمة، احتسبوها عند الله، وهذا ما أكسب شعره حرارة الانفعال بالمعاني التي يعرضها، فجاء نابضاً بالعاطفة الصادقة، مواراً باللفظ الكريم الحر، مزداناً بالتعبير الناصع الجميل، والصورة المجنحة الطليقة، والإيقاع العذب الرشيق، وهذه السمات الفنية توافرت في معظم قصائد ديوانه الجديد "نعيم الروح".