إقبال شاعر الإسلام
د.محمد إقبال
عبد السلام صبحي الجراية - مصر
دع الشيطان لا تركن عليك البحر صارع فيه موجاً كرهت سيادة الإفرنج لكن ألفت عبادة السادات حتى | إليهاضعيف عندها جرس حياة الخلد في نصب تواتي سجودك للقباب وللقبور لتنحت سادة لك من صخور | الحياة
محمد إقبال
هكذا انطلقت صيحة إقبال مدوية للناس عامة، وللمسلمين خاصة. دعوة للحياة والصراع وللتعالي بالذات فنادى بفلسفة "الذات" وأراد بها إيقاظ "ذاتية المسلم" التي كانت فلسفة قيام دولة باكستان، فما هي "الذاتية" التي دعا إليها إقبال وما هي مشاركته السياسية للدولة الإسلامية في بلاد الهند؟
عندما يبدأ المنظومة بالكلام عن الذاتية إنها حقيقة كونية، فيقول: هيكل الكون من آثارها، كل ما ترى من أسرارها، إنها حينما أيقظت نفسها أظهرت عالم الفكر. مئة عالم خفية في ذاتها، وغيرها مثبت بإثباتها، بذرت في العالم بذر الخصومة إذا حسبت نفسها غيرها، يعني أنها حقيقة واحدة اتخذت ذوات مختلفة فتباينت وتنافست. إلى أن يقول: ترمي مئة روضة لأجل وردة، وتثير ألف ألف نوحة لأجل نغمة، وتمنح فلكاً واحداً مئة هلال، تكتب من أجل كلمة واحدة مئة مقال، وعلة هذا الإسراف وهذه القسوة، خلق الجمال المعنوي وتكامله وتكميله – يعني أن التكامل يقتضي فناء أشكال وعدم صور، أمحاء أطوار، فمئة روضة تنشأ لتكمل فيها وردة وهلمّ جرا.
ثم يقول إقبال: وتراها من أجل عملها، عاملاً ومعمولاً ووسيلة وغاية، تنبعث وتثور وتطير وتضيء وتختفي وتحترق وتقتل وتموت وتنبت، ثم ينتقل من صعوبة التطور ليبلغ ذروة الكمال في إرادة الحياة والقوة؛ فيقول:
حياة العالم من قوة الذات، فالحياة على قدر ما فيها من هذه القوة فالقطرة حين تقوي ذاتها تصير ذرة والجبل إذا غفل عن ذاته انقلب سهلاً وطغى عليه البحر، ويضرب الشاعر في هذا المعنى أمثالاً عدة.
وحين يتكلم في (جناح جبريل) في منظومته "ساقي نامه": ما هي النفس؟ سيف ما سنّ هذا السيف؟ الذاتية، ما الذاتية؟ سر الحياة الباطن، ما الذاتية؟ يقظة الكائنات، إنها ثملة بالجلوة، ومغرمة بالخلوة، إنها بحر في قطرة إنها ظاهرة فيك وفي، وهي بريئة مني ومنك، تغير وسائل التحري وتبدل منظرها بين حين وحين، والصخرة الثقيلة خفيفة في يدها، والجبال رمال من ضربها، والسفر مبدؤها ومنتهاها، هي ضياء في القمر، وهي شرار في الحجر، وهي في هذا الكفاح منذ الأزل. وقد صورت كذلك في صورة الإنسان. إن مستقر الذاتية قلبك، كما يحوي الفلك إنسان العين، وسم هذه الذاتية العيش الذليل، والعزة ماؤها السلسبيل.
هكذا تعظم "الذاتية" بالاستغناء عن غيرها، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم عاهد بعض صحابته على ألا يسألوا الناس شيئاً، فكان إذا سقط من أحدهم سوطه، وهو على الدابة نزل فأخذه. كما أنها تعظم بالآمال العظيمة بإعلاء كلمة الإسلام، لقد كان إقبال يبحث عن الإنسان الكامل وقد وجده في المسلم العارف لذاته، الذي يستمد قيمته بمعرفته بالله، فهو يبدأ به ديوانه أسرار خودي! وأسرار الذاتية.
لقد استغل المستعمر احتقار الصوفية للنفس أيما استغلال، لذلك ثار إقبال على أقوال الصوفية في ذلك ورفض (وحدة الوجود) وهذه أبيات له في ذلك:
كانت الأسد جهاداً ملّت عن هوى أصغت إلى النصح المنيم جوهر الآساد أضحى خزفاً ذهب العشب بناب عسر هجر الصدر فؤاد مقدم وذوى في القلب شوق العمل ذهب الإقدام والعز الأمر برثن الفولاذ فيها قد وهن ونما الخوف بنقص المنة كل داء في سقوط الهمة نامت الأسد بسحر الغنم | وتمنت منه عيش ودهاها الكبش بالسحر العظيم حين أضحى قوتهن العلفا أطفأ الأعين ذات الشرر فإذا المرأة فيه تظلم وجنون السعي ملء الأمل والسنا والعز والمجد الأغر واستكان القلب في قبر البدن قطّع الخوف جذور النخوة إنه العجز وضعف الفطرة سمّت العجز ارتقاء الفهم | الدعة
إذن بالحب يتسامى الإنسان لكن لا يفنى في الله حسب زعم القائلين بوحدة الوجود. ولكن ليصبح ما في الكون مسخراً له.
ولعل هذا هو الذي قصده إقبال عندما قابل موسوليني فقال له هذا الأخير:
- من ملك الحديد ملك كل شيء.
فأجاب إقبال: من كان هو الحديد فهو كل شيء، وقد ضمن هذا المعنى شعراً:
ما بهم حاجة إلى السيف قوم من حديد يصاغ فيهم شباب
أين منك الأفلاك؟ إنك حرٌ وهي قهر ذهابها والإياب