ثنائية "بنت الأصول" الروائية لديمة السمان

ثنائية "بنت الأصول" الروائية لديمة السمان

جميل السلحوت

[email protected]

صدرت رواية"بنت الأصول "للروائية المقدسية ديمة جمعة السمان عام 2011 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، وتقع في 265 صفحة من الحجم المتوسط، وهي الجزء االثاني من ثنائية، وجزؤها الأول هو "وجه...من زمن آخر" الذي صدر عن نفس الناشر عام 2009 ويقع في 248 صفحة من الحجم المتوسط، وهذا يعني أن الناشر قد وقع في خطأ بحيث نشر الجزء الثاني قبل الجزء الأول بعامين، مما يربك القارئ، ويضيع عليه فرصة متعة الرواية وفهمها بشكل صحيح.

ديمة جمعة السمان : 

- ولدت في القدس الشريف وتلقت تعليمها في مدرسة شميدت، وبعد الثانوية درست "علم اللغات" في جامعة بير زيت .

- حاصلة على دبلوم عال في الاخراج التلفزيوني. 

-عملت في الصحافة حيث عملت في بعض الدوريات التي كانت تصدر في القدس ومنها: 

مجلة الأسبوع الجديد ، مجلة مع الناس ، صحيفة الصدى ، صحيفة مرايا .. 

- شغلت عضواً منتخباً في الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين . 

- متزوجة من المحامي علي أبو هلال، وأنجبا ثلاثة اطفال : يارا ، يزن ، وراني . 

- تعمل الآن مديراً عاماً في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. 

- كتبت القصة القصيرة، الخاطرة، المقالة، اضافة الى أعمالها الروائية وهي: 

- القافلة، صدرت عن منشورات دار الهدى في كفر قرع عام 1992 

- الضلع المفقود، صدرت عن دار العودة للدراسات والنشر في القدس في كانون ثاني 1992.

- الأصابع الخفية: صدرت عن منشورات دار الكاتب في القدس عام 1992.

- جناح ضاقت به السماء ، صدرت عن مؤسسة ابداع للنشر في أمّ الفحم عام 1995.

- برج اللقلق -ثنائية روائية من جزئين- صدرت عام 2005 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة.

رحلة ضياع:صدرت عام 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس.

المضمون: تتحدث الرواية عن فتاة أندلسية"ماري"مريم التي تنحدر من أصول عربية اسلامية، جاءت الى القدس في أواخر العهد العثماني لتدرس تاريخ آبائها العرب المسلمين، وتتعرف عليه من قرب، -مع أنه من خلال الرواية يظهر لنا أنها تعرف العادات العربية والاسلامية اكثر من العرب أنفسهم- ومنذ يومها الأول في القدس يصطحبها الدليل السياحي"مصطفى" الى حانة خمور، تُمارَس فيها الرذيلة، غير أنها هربت من الحانة فطاردها الدليل، ووقعت على احدى درجات باب السرايا، وهرع على صراخها أصحاب البيت المجاور"الحاج رشيد وابنه عزّو" وحموها وأسكنوها في بيتهم، وهناك تتطور أحداث الرواية حيث تشارك مريم في احتفالات موسم النبي موسى، وعيد الفصح الذي يتزامن معه، كما تشارك في حفل زفاف لبيبة بنت الحاج رشيد، بل هي من يسّرت ذلك الزواج بدعمها المالي، كما أنها أنقذت أسرة مضيفيها من افلاس عندما تبرعت لهم بثمن حصان للطاحونة التي يملكونها بدل الحصان النافق.

أمّا في الجزء الثاني فاننا نجد أنفسنا أمام أسطورة متداخلة الأحداث، بطلها الرئيس هو ماري الأندلسية، التي حيكت حولها خرافات كثيرة ومتشعبة، فظنها المقدسيون كتلك المشعوذة "المبروكة" التي كانت تعيش بينهم وتحتال عليهم، مع أن ماري"مريم"كانت تنفي ذلك بشدة، وسبب ظنهم هذا ناتج عن أنها فتاة متعلمة كانت تفسر الأمور بمنطق وعقل، في حين كان الجهل هو السائد في المدينة، فحاكوا حولها خرافات كثيرة، في اعتقاد منهم أنها كانت تستعين بالجن، وقد دخلنا في أساطير وحكايات متعددة ترسخ ذلك الفهم الخاطئ، في حين أن ماري الثرية كانت تعمل في دائرة الآثار، وحيكت هذه الحكايات على مدار حوالي 170 صفحة من الجزء الثاني، تزوجت خلالها ماري من "عزو" ابن مضيفها الحاج رشيد في حكاية درامية طويلة، وتزوجت قبله شقيقته لبيبة من تاجر مقدسي، ومات الحاج رشيد، لندخل بشكل سريع الى نهاية الحكم العثماني وبداية عهد الانتداب البريطاني في فلسطين، لتتسارع الأحداث ونصل في أقل من صفحتين الى ثورة الشعب الفلسطيني عام 1936، وكيف قاوم الشعب مستعمريه، واستشهاد "عزو"تحت التعذيب، لتواصل ماري المقاومة بعده، ولتقوم بتفجير مرقص كان يرتاده الجنود البريطانيون، وتقع جراء ذلك في الأسر ويحكم عليها بايداعها في مستشفى للأمراض العقلية.

الخيال والحوار: من يقرأ روايات أديبتنا ديمة السمان سيكتشف بسهولة ويسر أنها تملك خيالا خصبا، تستطيع من خلاله أن تحلق عاليا لتدير أحداث روايتها كيفما تشاء من خلال طرح حكايات وقصص وأساطير وخرافات وأحداث متتابعة تخدم النص الروائي، وهذه الرواية ليست استثناء، فالخيال فيها جامح أيضا، فقد احتوت على حكايا وأساطير وخرافات. والحوار كان طويلا بدون اثقال على القارئ.

اللغة وعنصر التشويق: لغة الرواية أدبية انسيابية جميلة كما هي لغة السير والحكايات الشعبية، وعنصر التشويق طاغ في الرواية.

الأمثال والعادات الشعبية: ورد في الرواية عشرات الأمثال والأقوال الشعبية، واستعملت في مكانها الصحيح لخدمة النص الروائي، كما احتوت الرواية على الكثير من العادات والتقاليد المقدسية التي كانت سائدة في حينه، وأجادت في وصف احتفالات موسم النبي موسى وعيد الفصح.

غير أن الكاتبة وقعت في خطأ عندما تكلمت عن الحاج أمين الحسيني مفتي القدس والديار الفلسطينية، فالحسيني المولود عام 1897م أستلم دار الفتوى في العام 1922 أي بعد انتهاء العهد العثماني، كما أنها لم توفق في سردها عن أمينة زوجة الحاج رشيد عندما قالت عن نفسها صفحة 226مخاطبة زوجها"يا واخد القرد على ماله بكره بروح المال وبظل القرد على حاله" ها قد ذهب المال...وفضلت انا القردة في وجهك كما تراني" فهل يعقل ان تقول امرأة ذلك عن نفسها؟

ووقعت في خطأ آخر فقد وصلت ماري القدس في أواخر العهد العثماني، وعندما وقعت في الأسر بعد العام 1936 سألها القاضي عن عمرها فأجابت:26 سنة، فكيف يكون ذلك؟ وعندما وقع أحدهم في أحد آبار المدينة واستعانوا بها للعثور على جثمانه، شرحت لهم بأنهم سيجدون الجثمان في عين سلوان لأن آبار المدينة تقوم على أحواض مائية تنساب مياهها الى عين سلوان، وهذا يجانب الحقيقة أيضا، فعين سلوان ترشح مياهها من شقوق في الصخور لا يمكن أن تمر جثة أو أقل منها بكثير من بين هذه الشقوق. 

وفي الصفحة 229 من الجزء الأول تحدثت الحاجة أمينة عن الرقص والغناء وملابس النساء بما لا ينطبق على نساء تلك المرحلة"أواخر العهد العثماني"بل هي أوصاف تنطبق على عصرنا هذا.

ماذا تريد الكاتبة؟ في تقديري أن الكاتبة مستاءة من وضع العرب منذ بداية القرن العشرين، لأنهم تخلوا عن مبادئهم وأخلاقهم الدينية والعربية، وأن غيرهم تمسك بها، حتى أن ماري الاسبانية"حفيدة الأندلسيين" جاءت الى القدس تبحث عن جذورها العربية الاسلامية، وألفيناها تفهم في أمور الدين والأخلاق العربية أكثر من العرب أنفسهم، فالحاج رشيد وجيه القدس، أمضى حياته مقامرا محتالا، أنفق أموال زوجته دون وجه حق، وثبت أنه كان يتظاهر بالعفة والصدق والشرف والأمانة لخداع الناس، وكان يخطط لكيفية الاستيلاء على أموال ماري التي أجارها وحماها في بيته. ويبدو أن أديبتنا طرحت ذلك في محاولة منها لاستكشاف أسباب هزائمنا.ويسجل لصالح الرواية أن أحداثها تدور في حارات وأسواق وأزقة القدس القديمة.