العيد في وجدان الشاعر الإسلامي
محمد ضياء الدين الصابوني
محمد شلال الحناحنة
عضو رابطة الأدب الإسلامي
كيف يحيا العيد في نفوسنا؟ وهل نعيش بهجته وأفراحه في ظلّ حراب الأعداء وإذلالهم للأمة الإسلامية؟ كيف نحياه في عالم يتكالب على هذه الأمة كما تتكالب الأكلة على قصعتها، ونحن غثاء كغثاء السيل كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ترى أين يمضي الشعر الإسلامي هذه الأيام في تصوير المشاعر الجيّاشة في العيد؟
هذه الأسئلة وغيرها عصفت في ذاكرتي وأنا أقف مع قصيدة تندبنا جميعاً بعنوان: "تحية العيد" للشاعر الإسلامي محمد ضياء الدين الصابوني، وهي تعبّر بجلاء عن مواجعَ قاسيةٍ تدمي العواطف الملتهبة، فيشدو حزيناً لذكريات تهيج في نفس كلّ مسلم غيور:
"العيد وافى وقلب الحر يلتهب
لا بهجة العيد تسليه ولا الطربذكرى (فلسطين) قد أدمت عواطفه
فالطفل يُذبح والعذراء تنتحبمَن للشيوخ وللأطفال ينقذهم
مما اعتراهم ونار الحرب تلتهبمَن للثكالى وللأيتام يرحمهم
ويمسح العار عن (قدسي) ويضطرب"في هذا المطلع "العيد وافى...." قدرة شعرية فائقة لملامسة نبض الأسى والجراح معنى وإيقاعاً، كما أنّ بداية الشاعر بلفظ (العيد) لها دلالات زاخرة حميمة في وجداننا، لكنه العيد الذي يشعل الجراح، ويلهب الأحاسيس لدى الأحرار أمثال شاعرنا محمد ضياء الدين الصابوني، فلا تسليه الأيام ولا الطرب.
وقد أجاد الشاعر بإضافة الذكرى إلى (فلسطين) في البيت الثاني لنطلّ معه على نافذة دامية وأشجان مريرة من المذابح التي تُرتكب ضدّ المسلمين في أرض الإسراء، فالأطفال والنساء والشيوخ يُشرّدون ويذبّحون دون أن يتحرّك إخوتهم في العقيدة لإنقاذهم.
ويتساءل الشاعر في ظلّ هذا العيد بكل مرارة: (مَن للشيوخ مَن للثكالى ولليتامى...؟) ولكن لا يبدو أنّ أحداً يجيبه!! ثم يمضي في وصف أعداء الله من البغاة المجرمين من يهود وأعوانهم فيقول:
أبناء (صهيون) كم تلقى لهم هذي قوى البغي قد راحت تؤازرهم ويمكرون ويأبى اللهُ مكرَهُم فلا احتجاج ولا شكوى بنافعة يا مجلس (الأمن) أنت الظلم مصدره الله أكبر أرض (القدس) تندبنا إن الجهادَ على الأيام شرعتنا | شبهاًإلا الكلابَ إذا ما هاجها أتشدّ أزرَهم والحقدُ يلتهبُ؟! والمكرُ سميّهم والغدرُ والكذبُ وليس يجديك إلا العزمُ والقُضُبُ وأنت أصل بلاء الشعب والحربُ الله أكبرُ من للقدس ينتدبُ؟ بابُ الجنان فلا شكٌ ولا ريبُ | الكلبُ
ويظهر بجلاء هنا استضاءة الشاعر بقبس القرآن الكريم شكلاً ومضموناً مثل: "ويمكرون ويأبى الله مكرهم" وغير ذلك، كما نجد اتكاءه على الجملة التراثية فنقرأ: (فلا شكٌّ ولا رِيبُ، العزم والقُضُبُ...) وهو يبصر الحلّ الأمثل مستنيراً بهدي الإسلام وشرعه القويم من خلال ذروة سنام الإسلام وهو رفع راية الجهاد، ثمّ نراه في هذه الأيام المباركة يحيّي المجاهدين من أبناء فلسطين أطفالاً وفرساناً وأسوداً - وقد حرسهم الله - فينشدهم:
طفل الحجارة –والرحمن يحرسه-
قد ذاق من بأسه الأعداءُ فانقلبواهم الكماةُ فما هانوا ولا وهنوا
هم الأسود إذا ما هاجها الغضبُنصرٌ من الله والآياتُ ظاهرةٌ
وليس في نصره للأتقيا عجبولكن قلب شاعرنا الصابوني – في الوقت نفسه - يذوب حزناً وكمداً لمواقف بعض الفلسطينيين والعرب الذين أمِنوا اليهود وعقدوا الصلح معهم، وهم يعيثون فساداً وقتلاً وتدميراً في كلّ يوم في الأرض المحتلّة:
لا تأمنوا (اليهود) في فأين من يلمس الجرحَ العميقَ ومن أين الأخوّة أين الدينُ هل قعدت إني لأذكرهم والحزنُ يضمرني | مفاوضةهم اللئام وقد عاثوا وقد يهتز للخطب أين السادة النجبُ؟ همّاتنا واحتوانا الذلُّ والرهبُ؟ فالدمعُ منسكبٌ والقلبُ ملتهبُ | سلبوا
وأخيراً لا يجد الشاعر الإسلامي محمد ضياء الدين الصابوني في هذا العيد من خيار إلا اللجوء إلى الله والتضرّع إليه بالنصر والتمكين للفئة الصابرة المجاهدة في الأرض المباركة، وقد كرّر (الله أكبر، والقدس) مرّات عديدة لما في ذلك من منزلة ربانية مضيئة سامية في نفوس المسلمين، وذلك لاستنهاض الهمم لهذه الأمة:
اللهُ أكبرُ أرضُ (القدس) رباه فانصرهم واخذلْ عدوَّهُمُ صلى الإلهُ على الهادي وعترته | تندبنااللهُ أكبرُ مَن للقدس يا فاللهُ أكرمُ من يُرجى ويُحتسبُ ما دام قلبُ محبّ خائفًا يجبُ | عربُ؟!