ذكريات العيد لدى الشاعر الإسلامي د. عدنان النحوي

محمد شلال الحناحنة

ذكريات العيد لدى الشاعر الإسلامي

د. عدنان النحوي

د.عدنان علي رضا النحوي

www.alnahwi.com

[email protected]

محمد شلال الحناحنة

عضو رابطة الأدب الإسلامي

... يطلّ العيد على أمتنا الإسلامية وهي تعيش في ضعف وتمزّق وهوان واحتلال من الأعداء الغاصبين لبلاد المسلمين.

وإنْ كان هذا الأسى يفيض علينا بكثير من الآلام والشجون، فما رؤية الشعر لذكرى العيد؟! ومن أيّ نافذة يطلّ شعراؤنا في حنينهم لأعياد المسلمين؟!

وبم يخفق قلب شاعرنا الدكتور عدنان النحوي في تحنانه للعيد؟!

وهل أضحت أعيادنا توحي بالأحزان بدل الأفراح؟!

ومتى تعود أعيادنا وقد تصالحت الأمّة مع نفسها وشعوبها، وحققت أمانيها بالرفعة والتقدّم والقوّة في عصر لا مكان فيه إلا للقوي؟!

ولعلّ في مشوارنا بين حدائق الشعر في ذاكرة شاعرنا الإسلامي الدكتور عدنان النحوي ما يجيب عن بعض هذه التساؤلات وغيرها.

ففي قصيدته (عيد في فلسطين) يسلمنا لنداء موجع منذ البداية:

أيّها العيدُ أين منك الوعود=طال فيك الرجاء والترديدُ

بَسَمَ الكون إذْ طلعت عليه=وزها في مديحك التغريدُ

كلما أقبلت صروف الليالي=غرّدت بالفؤاد منك العهودُ

هل شجاهُ خفق البنود إذا ما=رجّعتْ خفقها هنالك بيدُ

هل شجاه أعطافُ مُلْكٍ تناءَتْ=حين كان الإسلامَ منها العمودُ

ذاك عهدٌ مضى! وما كان فيه=من يقاسي، ولا تأسّى شريدُ

حين جمّع العروبة دينٌ=وديارٌ، فذاك ثمّةَ عيدُ

هي ذكرى بين الفرات وبين النّـ=يْلِ منها دمعٌ ونوحٌ شديدُ

هي ذكرى ما بين أندلسٍ والـ=شرقِ قد تمّ أمرها المشهودُ

أمّة الحقّ! ما دهاكِ وأوهى=جمعَكِ الصّدْعُ واستتبَّ الجمودُ

يبدأ هنا العيد من فلسطين "الأسى والجرح" الذي يؤرق كل مسلم، وفي العيد الحقيقي زهو وابتسام وفرح، وفيه مواعيد دانية من البهجة وصلة الأرحام، فيه مرح الصغار والكبار، هكذا الأصل في الأعياد كما يخبرنا شاعرنا الإسلامي عدنان النحوي! ولكن هل أعيادنا هي كذلك؟!

إنّ القصيدة التي بين أيدينا تجيب عن هذا السؤال بكل لوعة وحزن، فقد عادت أعيادنا مشاهد من المعاناة والتشرد والقسوة، وقتل المسلمين في ديار شتى، ويمكن أن ننظر حولنا إلى المجازر اليومية بحق إخواننا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان!

ولكن ما العيد الذي يراه شاعرنا عيداً حقيقياً؟ إنه العيد الذي يجمع العرب والمسلمين على دين واحد وديار موحدة ما بين الفرات والنيل وحتى الأندلس التي أضعناها منذ قرون!

ويمعن الشاعر النحوي في إشهار الأسئلة النازفة في أبياته السابقة مستحضراً الزمان والمكان الموغلين في الأوجاع من خلال تكرار عبارات وألفاظ تحمل أشجانه الخاصة والتي لا تنفصل عن أشجان الجماعة فنجد: "صروف الليالي، الوعود، العهود، ذاك عهد مضى، هنالك بيد، ديار، الفرات والنيل، الكون، الأندلس، الشرق…".

وتظل القصيدة مفتوحة النوافذ على زمان آت موجع، ومكان مترع بالأسى.

أما قصيدته "ما العيد إلا لحرٍّ لم يهن أبداً" فهي تنهض من شموخ الهوية الإسلامية حتى في عنوانها، وتوحد بين الصفة والموصوف لتحصر العيد الحقيقي بحر شجاع شامخ أبداً، وتمتد القصيدة في خيوطها الفنية معتمدة على التكرار.

ولعل هذا التكرار من جماليات الفن الشعري عموماً لدى النحوي، فقد كرر العيد "ست مرات"، والذكرى "أربع مرات"، والأيام "خمس مرات"، وهو ما زال يلح على الزمان كثيراً فيؤلمه ويعذّبه، ويزيده حزناً وسهداً، لاسيما في أيام العيد. إن شاعرنا يخاطب وجداننا، ويضيء نفوسنا بهدي الإسلام، وهو يشعل جراحاتنا من ذكريات العيد فيسأل بألم وحرقة:

هل عدتَ بالأمل المحبوب يا عيد=عودٌ سعيدٌ فهل في العود تجديدُ

ما زلتُ أرجع للذكرى فتؤلمني=وفي التذكّر تعذيبٌ وتسهيدُ

ما زلت أذكر أياماً مضت وخلت=والعزّ فيها على الأرجاء ممدودُ

قد كان يجمعنا دينٌ ويسعدنا=عيدٌ ويومٌ من الأيّام مشهودُ

لمْ يبق فيه حزينٌ في مُلمّته=ولا تشتّتَ في البلدان منكودُ

ما العيد إلا إذا قامتْ دعائمنا=وفوقها علمٌ للدين معقودُ

ما العيد إلا لحرٍّ لمْ يهن أبداً=ولا بدا وهو في الأغلال مصفودُ

أيّام هارون تدعوني فأندبها=وأشتكي كيف أنّ الوصلَ محدودُ

حدائقُ الشّام والفسطاطِ أغنيةٌ=وأرضُ أندلسٍ ذكرى وتمجيد

شاعرنا عدنان النحوي ينطلق دائماً من همّ الجماعة، ويحلمُ بحريّتها وعزّتها ونصرها على الأعداء. وانظر إلى استخدامه لـ"نا الفاعلين": "يجمعنا، يسعدنا، دعائمنا"، وفي ظلّ ذلك يعيدنا للمفارقات المترعة بالأسى بين ماضٍ لعيدٍ سعيد كان يأتي والأمّة موحّدة تعيش في أمجادها وعزّها الممتد في أرجاء المعمورة، وقد عقدت لواء الدين خفّاقاً، وبين حاضر لعيد حزين قد أتى وشعوبنا مشرّدة، وأمّتنا ضعيفة ممزّقة، ونحنُ نجترّ الذكريات المؤلمة مهزومين أمام الأعداء!.

وتبقى القصيدة في لغتها ومعانيها تقتبس من معين القرآن الكريم، ولعلّ الكثير من قصائد شاعرنا النحوي تنهل دائماً من المعجم القرآني مضموناً وأسلوباً!