هنا في القدس، هناك في سمرقند
هنا في القدس، هناك في سمرقند
على هامش نقاش رواية الكاتب (اسعد الأسعد)
إبراهيم جوهر - القدس
عنوان رواية الكاتب ( اسعد الأسعد ) الأخيرة ( هناك في سمرقند) يدفع القارئ إلى السؤال : لماذا في سمرقند البعيدة هناك ؟ وليس هنا ؟!
منذ العنوان الذي يعتبر أول ما يواجه القارئ حاملا معناه ورسالته ، ثم لوحة الغلاف ، يضع الكاتب قارئه في ساحة الأسئلة ؛ تلك الأسئلة التي وفّرت للرواية تشويقا أليفا وهي تكشف له بدايات الحدث وشيئا من الحيرة وكثيرا من الأسئلة .
لقد نجح الكاتب في استثارة اهتمام القارئ وتمكن من إبقائه على اتصال دائم مع أحداثه رغم ما قد يبدو إثقالا عليه بسبب ازدحام الصفحات بالمعلومات التاريخية التي شكلت خلفية نافعة أنارت صفحة من تاريخ العرب والمسلمين في تلك البلاد( هناك في سمرقند) ذات الطابع العمراني الشرقي والثقافة الشرقية .
لم يقصد الكاتب تقديم درس في التاريخ رغم المعلومات التاريخية التي قدّمها في روايته بقدر ما أراد الوصول إلى هدفه الذي ألمح إليه في المدخل إلى الرواية ؛ البحث عن الحلم ...إذ لكل منا حلمه ، ولنا حلم عام . جاء على الصفحة الخامسة قول الكاتب الأسعد الذي ناقض قول ( الهادي آدم) ؛
كتب الأسعد : ( التشبث بالواقع ، هروب من الحلم ) . وكتب (الهادي آدم ) : ( قد يكون الغيب حلوا ، إنما الحاضر أحلى ) .
فكرة الكاتب ( اسعد الأسعد) تشير إلى مواصلة البحث عن الحلم وتحث عليه ، وتفسير الواقع بأحداثه ومعانياته . لذلك جاء على لسان الشخصية الرئيسة ( علي شير) : " ...جئتك من الموت المحدق بالعراق ، حاملا همي ، ولست أملك غير بقية من حلم أعاد إليّ بعضا من روحي منذ رأيتك ، وحملني إلى سمرقند لعلّي أجد فيها ما يعينني على لمّ ما تبقى من أشلائي " ص 69 .
وجاء في الصفحة 158 : " يبدو أن بعض الأحلام كالأرواح لا تموت ، ربما تتراجع لتكمن في زوايانا ، أو تنتقل من مكان لآخر لتعود ثانية ، بشكل مختلف ..."
فالكاتب يبني روايته كلها على فكرة الحلم ، ثم البحث عنه في محاولة الحصول عليه وتحقيقه . وهو لا يتبنى فكرة (موت الحلم) ولا التكيف مع غياب تحققه .
البعد الوطني ، والإنساني ، والفكري المبدئي هنا يتضح بجلاء . والكاتب في سبيل إيصال فكرته – رسالته الأدبية بأسلوب فني ، فيه اقتداء وتعليم وإشارة تنبيه ، ساق لقارئه أحداثا متفرعة من حدث رئيس بدأ من العراق ثم ارتحل إلى إيران ففلسطين ثم سمرقند في رحلة محفوفة بالمجازفة والجنون والخطر والترقب والتشويق والتاريخ والفكر والنقد ، ولغة الشعر الجميل في الوصف لمشاهد الطبيعة والغروب ...
تلتقي الشخصية المركزية في الرواية مع الفتاة التي بدا أن لقاءه بها نوع من الاستحالة والجنون والمغامرة .
فلا مستحيل مع الإرادة والإصرار ...
وهذا أمر جميل يحسب للكاتب الذي رسم أحداثه وبناها في لحظة إعجاب بالتاريخ الذي اتكأ عليه وأحياه في ربط موح بين ما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون .
اعتمد الكاتب غلى أسلوب الحكاية في الروي وتقديم أحداثه وشخصياته ومعلوماته ، لأن الحدث تاريخي على أرض من التاريخ . ومن هنا وجدناه يسوق الحدث ويسهّل العقبات بأسلوب المصادفة التي قد لا تقنع دائما ؛
كانت المصادفة هي التي أنقذت من الحاجز العسكري على الحدود ، وهي التي ساقت الرجل الغني الذي وفّر الملاذ والغنى والتمكّن للشخصية الرئيسة ، وكذا الحال مع إتمام الزواج والحصول على الهدف – الحلم ...
لقد استفاد الكاتب ( السفير ) أسعد الأسعد من عمله الديبلوماسي في أوزباكستان سفيرا لفلسطين ، وجمع مادة تاريخية تستحق الاحترام ، وقدّم لنا رواية مثيرة تستحق الدراسة ، فيها المتعة والفائدة والرسالة الفكرية التي لم تضع في زحمة العمل الديبلوماسي السياسي الذي يميل في العادة إلى التكيف ، وربما الترويج ، لنسيان ( الحلم ) .
(هناك في سمرقند) لسان حلمها يقول : هنا في القدس .
من هنا لم يكن مصادفة أن يخالف الكاتب قول (الهادي آدم) الذي جمّل الحاضر .
ورقة مقدمة إلى ندوة اليوم السابع الثقافية – القدس ، 3 أيار 2012 م .