تراث الأديب الناقد محمد حسن بريغش
من قضايا الأدب الإسلامي
أحمد الطيب رحماني
باحث في النقد الإسلامي بكلية الآداب - جامعة محمد الأول وجدة، حاصل على الماجستير تخصص النقد الأدبي العربي المناهج والمصطلحات، ويهيئ أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في موضوع: "المصطلح النقدي لدى محمد حسن بريغش قضايا وإشكالات ومفاهيم"
يعد الأديب الراحل محمد حسن بريغش من أبرز السباقين إلي الدعوة إلى فكرة الأدب الإسلامي، تشهد له بذلك جهوده المتنوعة وكتاباته المهمة في النقد بشقيه النظري والتطبيقي، وسنحاول في هذه السطور الوقوف مع بعض القضايا التي اهتم بها الرجل وأبدى وجهة نظره فيها.
1_ وظيفة الأدب:
يعتبر بريغش الأدب مسؤولية يتحمل الإنسان تبعاتها، وإذا كان الكلام العادي في ميزان الإسلام مقدر بقدره فالكلام الفني من باب أولى وهذه الحقيقة ينبغي أن يعيها الأديب بحكم التأثير الذي يمكن أن يمارسه على غيره، يقول بريغش: " وإذا كانت المسؤولية عند الله على قدر الطاقة والمعرفة، فان مسؤولية الأديب جد كبيرة...لأنه في موضع الريادة والتوجيه..."(1)
إن هذه المسؤولية هي التي تدفع الأدب إلي النهوض بوظيفته دون كلل أو ملل،والأدب الإسلامي حري بذلك من غيره، لعظم الأمانة التي يحملها، وهذا ما جعل بريغش يركز جهوده في معالجة هذه القضية.
ومن المهام المتفرعة عن وظيفة الأدب الإسلامي لدى بريغش :
1- إبلاغ رسالة الإسلام: فالأدب الإسلامي مطالب بالإسهام بتجديد الدين بين أبناء الأمة ونشره وتبليغه إلي الناس عامة والأديب مسلم مسؤول عن بناء مجتمع نظيف يقوم في أساسه وجميع مراحله على الإسلام.(2)
2- جهاد الكلمة: الأدب من صنوف الكلمة التي انتبه لها الأعداء في العصر الحديث، فعملوا على استخدامها لمحاربة الإسلام، ولابد لأدباء المسلمين أن يفطنوا لهذا السلاح ويجابهوا عدوهم بالوسيلة المناسبة، ويقدموا للناس بديلا يحمل إليهم الفكرة الإسلامية ويدفع عنهم ضلالات الأعداء.(3)
3- التربية والتكوين والتوعية والتثقيف: من أهداف الأدب الإسلامي أن يسعى إلى تثبيت القيم الفاضلة وتوضيح التصورات الصحيحة، وهذه الوظيفة تكون آكد وأوضح تجاه الناشئة نظرا للاستعداد والقابلية للتأثر الذي يتميز به الأطفال، لذا ينبغي لأدباء الإسلام أن يكونوا يقظين وأن يعطوا لأدب الأطفال ما يستحق من العناية إبداعا وتنظيرا وأن يصححوا كثيرا من الأخطاء التي لحقته جراء التأثر بالثقافة الغربية والتي أدت إلى نتائج خطيرة أهما نشر كثير من المفاهيم المخالفة للتصور الإسلامي.(4)
2_ الأدب الإسلامي والالتزام:
ثمة تداخل بين هذه القضية والقضية السابقة، ذلك أن إدراك الأديب لمسؤوليته ووظيفتها وسعيه للقيام بها جزء أساسي من الالتزام غير أن الأهم من ذلك كله هو أن يكون هذا الجزء منبثقا عن التزام اشمل وأكمل بالإسلام منهجا وعقيدة وسلوكا.
وقد ركز بريغش على إسلامية الأديب معتبرا ذلك شرطا أساسيا حيث يقول:" عندما نتناول صفة الأديب نرى أن هويته لا تتحدد إلا من خلال هذه الصفة (المسلم) وأنه لا يدخل في إطار الأدب الإسلامي إلا من خلال هذا المدخل فقط، لأن صفة الأدب يشترك فيها مع غيره من الأدباء مهما كانت وجهتهم وصفاتهم..." (5)
وينبغي أن يكون إسلام الأديب حقيقيا والتزامه صادقا مقتديا في ذلك بأسلافه الذين بايعوا رسول الله من الشعراء والخطباء...(6) وهذا يجعل دائرة الأدب الإسلامي واضحة ومحددة ويقطع الطريق على بعض الشبهات والمشاكل التي يمكن أن تدخل إليه من باب التساهل في إسلامية القائل.
ولعل من العوامل التي دفعت بريغش إلى هذا الموقف ما يلي:
1- أن ضعف الالتزام قد يقود الأديب إلى الإخلال بوظيفته من حيث يدري أو لا يدري وإذا كنا نقبل من الأديب أن لا يلتزم بالإسلام وبما افترضه الله عليه في سلوكه فحينها لا نعجب إذا رأيناه يدعوا للآثام باسم الفن ويروج المنكر والفساد باسم الأدب...(7) وهذا ما تعيشه فئة عريضة من الأدباء المنتسبين للإسلام قديما وحديثا وقد عاشوا حينا من الدهر ينشرون الرذيلة ويدعون إلى مخالفة الشريعة ومرد ذلك كله إلى غياب التزام حقيقي بالإسلام.
2- أن مفهوم الالتزام ما زال غامضا لدى فئة من الأدباء والدارسين الإسلاميين، فهم يحصرونه في التعبير عن قضايا الإسلام والمسلمين، وسبب هذا الغموض هو إسقاط مفهوم الالتزام لدى المدارس الغربية على الأدب الإسلامي مع أن الفروق بين الأديب المسلم وغيره متعددة وجوهرية.
3_ تاريخ الأدب العربي:
ناقش بريغش قضية تاريخ الأدب في سياق استحضار التراث الأدبي العربي القديم باعتباره إحدى الركائز المهمة التي يقوم عليها الأدب الإسلامي الحديث يقول في هذا الشأن:" إن إنشاء أدب جديد منبثق من التصور الإسلامي ومعبر عن الروح الإسلامية لا ينفصل عن دراسة التراث العربي القديم منذ الجاهلية حتى اليوم..."(8)
وينطلق بريغش-في مناقشته لهذه القضية- من نقد الدراسات السائدة لهذا التراث والقائمة على أساس التحقيب، الذي يجعل الأدب مرتبطا بالعصور التي مر بها وما تميزت به من تقلبات سياسية وفكرية
ويرى الكاتب أن هذه النظرة تقود إلى سلبيات كثيرة منها:
_ ربط الأدب بالدولة الحاكمة وجعله رهين الأمور السياسية والصراعات المذهبية...
_ تجاهل تأثير الإسلام في الأدب والتركيز على مقولة ضعف الشعر في صدر الإسلام.
_ توجيه القارئ مسبقا إلى الحكم عليه بناء على الظروف المرتبطة بالعصور التاريخية، وتعميم أحكام كبيرة اعتمادا على إشارات طفيفة لا تسمح بهذا التعميم
_ والتحقيب نفسه من وضع المستشرقين والمبشرين الذين كانت لهم أهداف عدائية للإسلام والعربية
وهذا ما جعل بريغش يتبنى الدعوة إلى إعادة دراسة تاريخ الأدب العربي من منظور إسلامي صحيح بدءا من دراسة التاريخ العربي القديم، وتاريخ الإسلام من مصادره الأساسية بعد التمحيص والتمييز والتوثيق الصحيح ونبذ الدخيل أو المشوه أو المغشوش...
ومن الخطوات التي اقترحها بريغش لخوض هذه الدراسة:
_ المراجعة الذاتية لممتلكات الذات مع ما تتطلبه من صبر ووعي ومعرفة وعزيمة.
_ الانطلاق من التصور الإسلامي الصحيح والمفهوم الإسلامي للأدب باعتباره "نتاجا إنسانيا وصورة من التفاعل بين الإنسان والكون أو من علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وأحيانا من علاقة الإنسان بربه الخالق المدبر" (9)
_ تسطير منهج يستند عليه البحث ينطلق من التصور الإسلامي ويراعي الآثار التي ستشملها الدراسة.
ويتوسع بريغش في دعوته لتشمل الآداب الإسلامية باللغات الأخرى، يقول في ذلك: "ولابد من دراسة الآداب الإسلامية في اللغات الأخرى كالأوردية والتركية والفارسية والكردية وغيرها من اللغات إن وجدت، والاطلاع على تراثها وكتابة تاريخ هذه الآداب في ظل المنهج الإسلامي لكي تكون رافدا وصلة للدراسات الأخرى في الأدب العربي..." (10)
غير أن هذه الدعوة لم تتجاوز حيز التنظير ولم يصدر بريغش دراسات عملية تطبيقية تثمنها، وان أهميتها لا تخفي في الكشف عن بعض الملابسات والاختلالات التي شابت تاريخنا بشكل عام وتاريخ أدبنا بشكل خاص.
3_ الأدب الإسلامي والتجديد:
يبدو بريغش شديد الحذر من دعوات تجديد الأدب التي ما فتئت تتكرر منذ ما يعرف بعصر النهضة نظرا لما يلفها من غموض من حيث الدوافع والأسباب والكيفية والجهات الداعية والراعية لها ومن ثم فهي مرفوضة إذا ثبت أنها:
_ قائمة على تقليد الغرب،
_مؤدية إلى الانفتاح اللامشروط على الغرب،
_ متجاوزة لمعطيات الذات ومقاطعة لها.
وهذه المعايير الثلاثة قمينة بتحديد هوية الدعوات التجديدية، وصون الأدب الإسلامي من المؤثرات الأجنبية المصممة على اقتحام معاقله وتخريبها من الداخل.
ولذلك فالتجديد لدى بريغش يقوم على ثلاثة ركائز أساسية هي:
1_ نقد الثقافة الغربية عامة ومناهجها ومدارسها الأدبية خاصة: يربط كثير من المهتمين بالأدب كل جديد على الساحة الأدبية بالغرب، متجاهلين معطيات الشعوب الأخرى، وهذا ما يرفضه بريغش معتبرا إياه تمويها للحقيقة ومبرزا في الوقت ذاته عوار ما قدمه الغرب في هذا الباب ذلك أن الظروف التاريخية السيئة التي صاحبت هذا النتاج أثرت فيه أيما تأثير، وجعلته يركض وراء المجهول ويغيب في دهاليز الأوهام ويقفز على كل الحواجز ويتجاوز كل الحدود المشروعة.
2_ رفض الانفتاح اللامشروط على المعطيات الأجنبية: لا ينكر بريغش كون المناهج والمدارس العربية جاءت بايجابيات، ولكنه يحذر من المؤثرات الثقافية التي يمكن تنقلها إلي أدبنا، ذلك أن "الأشكال ليست بريئة وهي تحمل في طياتها بعض مظاهر الجمال ولها تأثير في تشكيل الأذواق والصور...والإبصار والتبصر وتشكيل الألفة"(11)
ولذلك فالانفتاح على هذه المعطيات ينبغي أن يخضع لشروط صارمة لا تسمح بمرور إلا ما حاز بطاقة البراءة والسلامة من المؤثرات واتصف بالحيادية والفنية الخالصة.
3_ الدعوة إلى التجديد اعتمادا على الذات: سعى بريغش جاهدا لإبطال التصور الذي يربط التجديد بثقافة الغرب ويتهم ما سواها دوما بالعقم والجمود والتخلف. إن هذا الرأي يقفز على أول خطوة صحيحة في طريق التجديد الحقيقي وهي الاستفادة من مؤهلات الذات، ويأتي في مقدمة هذه المؤهلات التراث العظيم الذي خلفه الأجداد تأريخا وتخريجا ودراسة وتوظيفا.
ويضاف إلى ذلك ما وهبه الله تعالى للإنسان من قدرات عقلية قادرة على الإبداع، والأديب من أقدر الناس على استغلال هذه النعمة مهما كانت الظروف.
1) في الأدب الإسلامي المعاصر،محمد حسن بريغش مكتبه المنار، الزرقاء، الأردن، ط2،1405ه- 1985م،ص 38.
2) المصدر السابق ص 32.
3) المصدر السابق ص 21 وما بعدها.
4) "أدب الأطفال أهدافه وسماته" محمد حسن بريغش،مؤسسة الرسالة،بيروت،ط 3 ،1418ه-1997م، وقد خصص بريغش فصلا كاملا لمعالجة أهداف أدب الأطفال ضمن هذا الكتاب.
5) في الأدب الإسلامي المعاصر ص 37.
6) المصدر السابق ص 36.
7) السابق ص 38.
8) السابق ص 41.
9) السابق ص 74.
10) الأدب الإسلامي أصوله وسماته، محمد حسن بريغش، دار البشير، عمان، الأردن، ط1، 1416ه-1992، ص 96
11) المصدر السابق ص 11.