قيثارة الرّمل لنافذ الرفاعيّ

موسى أبو دويح

قيثارة الرمل لنافذ الرفاعيّ، رواية فلسطينية من أدب السجون، وهو أدب فلسطيني طغا على بقية ضُرُوب الأدب الفلسطينيّ الأخرى؛ وذلك لاعتقال يهود لعشرات الآلاف من الفلسطينيين منذ عام 1967م، حيث لا يزال يَرْزَحُ اليوم في ظلمات السجون الاسرائيليّة أكثر من عشرة آلاف معتقل من مختلف الانتماءات الفلسطينية؛ وهذا ما جعل التنافس بين هذه الفئات المختلفة، فانكبوا على القراءة والكتابة والتّعلّم والتّعليم؛ فلا تكاد تخلو صحيفة يوميّة أو مجلة اسبوعية أو شهرية من موضوع أو قصة أو قصيدة أو مقابلة لمعتقل فلسطيني قابع في سجون الاحتلال البغيض؛ وهذا من شأنه أن يخفّف عن السجين فيشعرَ أنه حقّق شيئا في السّجن، ولم يَضِعْ وقتُه عبثا، ولم تذهب أيام سَجْنه سُدًى. هذا بالإضافة إلى الكتب التي وضعها السجناء في القصة والرواية ودواوين الشعر التي نظموها ودفعوا بها إلى المطابع، فخرجت للملأ يقرؤونها، ومنها ما يُدَرَّس للطلاب والتلاميذ في المدارس والجامعات.

وأصدق وصف للسجون جاء في هذه الرواية، موضوع النّقاش في هذه النّدوة، حيث يقول الكاتب على لسان الضميري في حوار له مع أحد الجواسيس التّائبين:

وانْكبّ الجاسوس يريد أن يقبّل قدميّ قائلا: أريدك أن تسامحني. فقال الضميري: لماذا تريد أن تقبّل قدميّ؟ وعلى ماذا تريد أن أسامحك؟! فقال له الجاسوس التّائب: أنا الذي وَشَيْتُ بكَ، وقضيتَ خمس سنوات في الاعتقال نتيجة ذلك.

قال الضميري: كنت على وشك تقديم شهادة الثانويّة العامّة، ولم أكن سأحقّق أيّ نوع من النّجاح. بل كنت مشروعا فاشلا. بل كنت مشروع لصّ دجاج. إلا أنّك أنقذتني عندما وشيتَ بي، حيث أدخلتني إلى السّجن؛ الّذي كان جامعة ثوريّة يزخر بالثّقافة والوعيّ. وجهابذة السياسة والفلسفة.

أنت في الوحل، وأنا ذهبت إلى حيث المعرفة والوعيّ، وصرتُ أحلم أن أكون واحدًا من هؤلاء السياسيّين والفلاسفة فسألتهم: كيف لي أن أصبح مثلكم؟ قالوا لي: (اقرأ).

كنت عدوًّا لهذه الكلمة لا أحبّها، ولكنّهم سحروني، فأصبحتْ أعزّ صديق لي فانكببتُ على القراءة ليل نهار، وبعد القراءة أصبحت أفهم ما أقرأ، وبعد الفهم أعي ما أقرأ، وبعد الوعي أفكر بما أقرأ.

ويضيف الضميري: قدمت شهادة الثّانويّة العامّة داخل المعتقل، ونجحتُ وتخرّجتُ بعد خمس سنوات من الاعتقال شخصا آخر. مشروع قائد ثوري. وأنت دخلت مشروع فشل.

وهنا قال الضميري للجاسوس التائب: مَنْ يقبّلُ حذاءَ مَنْ؟!!! من صفحة(88 و 89) بتصرف.

جاء في صفحة (114) قول الكاتب: "تشعر أن الحاجّ هشّ وأحوى، بل قابل للانكسار" وفي هذا إشارة إلى قول الله سبحانه في سورة الأعلى: (والذي أخرج المرعى. فجعله غثاءً أحوى) فالعشب إذا جفّ ويبس اصْفَرّ لونُه وصار هشّا سريع الانكسار. فشبه الكاتب الحاجّ الطاعن بالسِّنّ بالعشب الناشف الأصفر، الذي يتكسر لأي حركة.

وصْف الكاتب لحياة السجناء وصف دقيق واضح يدل على أن الكاتب عاش تلك الحياة بكل دقائقها وتفاصيلها.

ولغة الكاتب لغة سهلة واضحة مفهومة لا تعقيد فيها ولا غموض لا سيّما ما جاء بعد الصفحة الخمسين إلى آخر الرواية أي أكثر من ثلثي الرواية.

جاء في أول الرواية عنوان واحد هو "أنا وخميس" واستمرّت الرّواية 160 صفحة، لم يظهر فيها سوى هذا العنوان. وكان بالإمكان أن تقسّم إلى عِدّةِ عناوين.

ومما يؤسف له أن الرواية حوتْ أخطاءً كثيرةً في النّحو والصّرف والإملاء زادت عن مئة خطأ. وكان بالإمكان تجنّبُ كلّ هذه الأخطاء لو دفع بها كاتبها إلى مَنْ له شيء من الإلمام بالعربيّة أو إلى مطبعة تحترم ما تطبع، وهذا قليل إن لم يكن اليوم معدومًا.