الحكايات الشعبية الموصلية

دورة الزمان واستعادة لإبداع شهرزاد الراوية

أنور عبد العزيز

[email protected]

عن دار ابن الأثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل لسنة 2011، صدر الجزء الأول من كتاب (الحكايات الشعبية الموصلية) للباحث التراثي القدير أزهر العبيدي، وهو آخر جديد للباحث بعد تسعة إصدارات وثلاثة جاهزة للطبع وكتاب (مذكرات) بأربعة أجزاء.

الكتاب في 378 صفحة من القطع المتوسط وبغلاف مصوّر جميل ومعبّر للفنان الدكتور أحمد توحله .. في البداية مقدمة عن (الحكاية الشعبية) عموماً ثم توصيف لأسلوبية الحكاية الشعبية الموصلية ومضامينها الحياتية .. هذا الكتاب سياحة تراثية شعبية مثيرة لذيذة ومفيدة من تجارب الحياة بحلاوتها والأكثر قسوتها ومرارتها وكشف لطبائع نفوس البشر في حالاتهم النفسية والإنسانية المختلفة .. (72) حكاية توزعت على عدد من كتّابها هم: (أزهر العبيدي، حازم البكري، عبد الحليم اللاوند، عمر الطالب، فالح السيّد أحمد، عبد الباري النجم، حسب الله يحيى، فاضل محمد عبد الله).

كل (الحكايات) وردت تعبيرياً وأسلوبياً بصيغتين: مرّة بلغة عربية فصيحة وأخرى بلهجة شعبية موصلية .. ومن قام بالنقل أو الترجمة - إن صحّ التعبير- هو الباحث أزهر العبيدي، ولم تكن المسألة هيّنة كما يتراءى لي لدقّة اللهجة الموصلية وتغيير أصواتها ومرادفاتها ولحالة (الإمالة) في اللهجة الموصلية وحكاية (القاف) واستعمالات (الغين) ومتى يحق لنا أو للمتكلم والكاتب تغييرها أو الإبقاء عليها .. لقد تعهّد الباحث بانجاز المهمة ونهض بها من الفصيحة للعامية وبالعكس مع توفير (شروحات) وافية للقارئ تعينه على فهم الحكاية وبكل تفصيلاتها وبسهولة بعد أن وفّر له الباحث طريقة نطق المفردات وما تعينه كل مفردة وليدفع عن القارئ أي التباس أو سوء فهم.

" كيفية كتابة الحكاية " هي إشكالية قديمة .. هل تكتب- الحكاية - باللغة الفصيحة ونحن نعرف أن راويها المجهول - إذ مجهولية الراوي أو الحكّاء شرط من شروط الفولكلور- كان على الأغلب من كبار السن أو من عجائز النساء ممن يجهلون القراءة والكتابة .. هم حكوا حكاياتهم على الفطرة بالإضافة إلى أن غالبية هؤلاء هم من زمن كانت السيادة فيه للجهل وعدم معرفة القراءة أو الكتابة .. هنا تكمن الإشكالية هل نقدّم الحكاية للقارئ وكما وردت بصيغتها العامية القديمة ؟ إذا فعلنا ذلك فسيكون عدد قراء الحكاية محدوداً وقليلاً من أبناء مدينة واحدة وحتى أحياناً فإن كل أبناء المدينة لا يفهمونها إذ هي ربّما تعبّر في لهجتها عن حيّ من الأحياء أو لمنطقة ضيّقة ليس غير .. نحن عندنا العراق بمدنه متعددة اللهجات، ثم عندنا الوطن العربي الكبير بمدنه الكثيرة ولهجاته المختلفة .. من سيفهم ؟!

إذن لابدّ من اللجوء للغة الفصيحة للاطمئنان  على أن حكاياتنا ستكون مفهومة في المشرق العربي وحتى في مغربه .. وهذا ما فعله الباحث: ترجم الفصيحة للعامية حفاظاً على أصالة التراث الشعبي، وعاد فترجم العامية للفصيحة ليضمن لحكاياته الانتشار في كل ربوع الوطن العربي رغم اختلاف اللهجات .. وللمناسبة فكلنا يتذكّر أنه بعد استقلال الجزائر سنة 1962 صارت تصلنا منهم أفلام سينمائية عن (حرب التحرير) وبطولات الشعب الجزائري ضد مستعمريه .. من تلك الأفلام (جميلة بوحيرد) وإذا كان شعب المغرب وتونس وليبيا فهموه بحكم تقارب هذه الدول من بعضها، فإن هذا الفلم وغيره من أفلام جبهة التحرير بدت لنا في حينها في العراق – وربما أيضاً في سوريا والأردن والسعودية ودول الخليج كأن الممثلين يتبادلون (الحوار) بلغة أجنبية حتى أن بعض نقّاد السينما – في تلك السنين – والكتّاب طالبوا بظهور ترجمة عربية فصيحة على اللهجة الجزائرية ليكون الفلم واضحاً ومقبولاً من الجمهور .. أما إذا قلنا أن (اللهجة المصرية) حلوة ومستساغة ومقبولة لدى الجماهير العربية فلأن الأمر – وكما هو معروف – يعود لانتشار تلك اللهجة بسبب الأفلام المصرية الكثيرة والمتنوعة والتي كان نصيبها من المشاهدين العرب نسبة كبيرة قياساً للأفلام الأجنبية، ثم أصبحت اللهجة المصرية أكثر قبولاً بعد ذلك السيل من المسلسلات الذي غمر التلفزيونات العربية وحتى الآن وكل ذلك لم يتوفّر للهجة الجزائرية. لقد أنتبه الباحث لهذه الحالة لذا فهو يقول مختصراً منهجه في رواية الحكايات وكما مدوّن على الغلاف الأخير من الكتاب:

"هذا الكتاب موسوعة شاملة للحكايات الشعبية الموصلية التي كانت جداتنا تحكيها لنا، حكايات الإنس والجن والسحر والخوارق، وحكايات الحب والتضحية والبطولة، وحكايات المكر والحيل والدهاء، وحكايات المغفلين والنوادر والفكاهة. هذه الحكايات كتبت باللهجتين العامية والفصحى، الفصحى لكي يفهمها القراء في العراق والعرب في الوطن العربي، والعامية للقراء في مدينة الموصل كي لا ينسوا لهجة الأجداد، وكذلك لتوثيق اللهجة الموصلية التي تأثرت اليوم بلهجات الوافدين إلى المدينة، وتأثرت في السابق بدخول لهجات عدة فيها من إنكليزية وآرامية وتركية وفارسية. ويضم الكتاب فضلاً عن الحكايات جداول عدة بمميزات اللهجة الموصلية وأمثلة لغوية تبين تأثر اللهجة بلغات الأقوام الذين عاصروا تاريخها الخالد".