رواية (أصل وفصل) لسحر خليفة

رواية (أصل وفصل)

لسحر خليفة

موسى أبو دويح

صدر الجزء الأوّل من رواية (أصل وفصل) لسحر خليفة سنة 2009عن دار الآداب في بيروت في 456 صفحة من القطع الوسط.

سمّت سحر خليفة الجزء الأوّل من روايتها (أصل وفصل)؛ والأصل أسفل كلّ شيء، وجمعه أصول، لا يكسّر على غير ذلك. يقال:أصل مؤصّل.( انظر لسان العرب مادة أصل). أمّا كلمة فصل فهي مجرّد كلمة جيء بها على وزن سابقتها كقولنا: (حَسَن بَسَن)، وقولنا: (شَذَرَ مَذَرَ). وصارت كلمتا (أصل وفصل) تستعملان عند الحديث عن المرء من حيثُ نسبُهُ، وخصوصًا المرأة التي يُسأل عنها من أجل الخِطبة أو الزواج فنقول: إنّها من (أصل وفصل) أي أصلها كريم أو هي من بنات الأصول؛ وهي صفة تمدح بها المرأة.

ركّزت الكاتبة على موضوع زواج الأقارب، فابن العمّ أحقّ بابنة عمّه، والخال أحقّ بابنة أخته لولده. ولا تستشار البنت في ذلك، ولا تستأمر ولا تستأذن، ولا يجوز لها أن ترفض. وإن تزوّجت من قريبها وعاشت معه في جحيم، لا يجوز لها أن تطلب الفراق أو الطلاق. فبنات الأصول (لا يطلقن)، بل لا تفسخ خِطبتهن كما جاء على لسان أمّ المخطوبة: (شو يقولوا النّاس. الموت يسبق). صفحة 153.

بيّنت الرّواية كيف كان البعض يسهّل هجرة اليهود إلى فلسطين، بل ويهرّب لهم السّلاح مقابل عرض زائل.

اهتمّت الكاتبة بالثّوّار الفلسطينيّين، وأماطت الّلثام عن حياتهم البسيطة وقلّة ذات اليد عندهم؛ ومع ذلك ثاروا وقاوموا وأوقعوا في الأعداء. لكنّ المتآمرين على فلسطين سلّموا فلسطين ليهود، وهم يدّعون أنّهم يدافعون عن فلسطين. اسمع ما تقوله الكاتبة عن ذلك في صفحة 226 و227: (في القدس زعماء نيام سنصحّيهم، وأصحاب نفوذ ومصالح سنواجههم، فماذا فعلوا في المؤتمرات؟ ولجان التّحقيق المنتدبة، وخداع الإنجليز، ونواياهم في إقامة وطن بديل ليهود الغرب، على أنقاض أمتنا وعروبتنا، ماذا فعلوا مقابل ذلك؟! يفاوضون؟! يفاوضون مَنْ؟! الصّليبيّين؟! ألا يعرفون أنّ قلب الصّليبيّ الحاقد لم يتغيّر. بالنّسبة لهم كما ليهود، نحن الكفرة، نحن الأغيار، دمنا حلال، غزونا حلال، أرضنا حلال وأرزاقنا، وتجريدنا من كل غالٍ ومقدَّسٍ.

هم ويهود جاؤوا إلينا بهذا المفهوم فهل نرضخ أم نشحذ قوانا ونقاوم؟ وكيف نقاوم؟ بالمظاهرات؟! بالمؤتمرات؟! بالعرائض؟! أنا لا أرى إلّا السّلاح طريقًا ينفعنا. جرّبنا كلَّ التّجارب. حاربنا معهم للخلاص من تركيا فماذا نِلْنا؟ كذبوا علينا وخدعونا وأهانونا، وقسّموا بلادنا كذبيحة، فعدنا قبائل.

رحمة الله على تركيا، على الأقلّ كنّا أمّة، وكان الإسلام منارتنا. أضأنا العالم ثمّ خَبَوْنا فانتشر الظّلم. فماذا نفعل الآن وقد ضِعنا؟! نركع؟! نَنِخُّ؟! نسكت على الظُّلم؟! نخرس وننشلُّ ولا نقول كلمة الحقّ في وجه الضّلال والمستعمِر).

يقول إبراهيم طوقان معبّرًا عن هذه الحالة بقوله في صفحة 228:

   أمّا سماسرة البلاد فعصبة                   عار على أهل البلاد بقاؤها

   يتنعّمـون مكرَّمين كأنّما                    لنعيمهم عـمّ البلادَ شقاؤها

   هم أهل نجدتها وإنْ أنكرتهم                 وهم_وأنفك راغمٌ_زعماؤها

 وعن الزّعماء يقول أيضًا في صفحة 239 :

  أنتـم رجـال خـطابـات منمّـقة           كما علمنا وأبطال احتجاجـاتِ!

  وقد شبعتم ظـهورًا في مظـاهـرة          مشروعـة وسكرتم بالهتافـاتِ!

  أضحت فِلسطين من غيظٍ تصيح بكم:         خلّوا الطّريق فلستم من رجالاتي

ولقد بيّنت الكاتبة واقع زعماء فلسطين في قولها في صفحة 241: (جاء محمود وقال لأبيه: إنّ الاجتماع كان مهزلة وإنّ الزعماء يضلّلون النّاس ويوهمونهم أنّهم سيجدون الحلّ، مع أنّ الحلّ بعيد عنهم؛ لأنّ فلان جاء بتوظيف من الحكومة، ولأنّ المعارضة اخترعها الإنجليز).

لغة الرّواية لغة سهلة واضحة لا تعقيد فيها باستثناء قليل من الكلمات التي استعملتها الكاتبة ولا يعرفها إلّا من عاش تلك الفترة مثل: الغطوة، يشمك ( وأظنّها كلمة تركيّة)، الديكولتيه، اليانس وغير هذه.

ركّزت الكاتبة على الحوار _ وإنْ كان غالبه باللغة المحكيّة النّابلسيّة_، والحوار عنصر مهمّ جدًّا في الرّواية وهو من عناصر نجاحها.

 أمّا الأخطاء الّلغويّة الّتي جاءت في الرّواية فهي قليلة بالنّسبة للكتب الّتي تصدر في هذه الأيّام، وكثيرة على مثل كاتبة الرّواية.

 فمن الأخطاء:

جاء في صفحة (247) ( تستبدل موقعها المريحَ بمِهنة حقيرة) والصواب تستبدل مِهنةً حقيرةً بموقعها المريح، أو تستبدل بموقعها المريح مهنةً حقيرةً؛ لأنّ الباء تدخل على المتروك. وكذلك في صفحة (287)(عفش مهترِئٌ استغنت عنه واستبدلته بجديد) والصّواب واستبدلت به جديدًا لأنّ الباء لا تدخل إلّاعلى المتروك.

وفي صفحة (215) ( إنّ لديه موضوعًا هامًّا) والصواب مهمًّا. ولقد تكررت هذه الكلمة عدّة مرات في الرّواية.

وفي صفحة (237) ( حيث صلب المسيح) والصواب حيث صلب المصلوب؛ لأنّ المسيح عليه السلام لم يصلب لقوله تعالى:(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم).

وفي صفحة (235) ( وهو شاب صَمُوتٌ ومثقَّف) والصّحيح صِمِّيت أي سِكِّيت. (انظر لسان العرب مادة صمت).

وفي صفحة (241) (لأنّ فلان جاء بتوظيف من الحكومة) والصّواب: لأنّ فلانًا جاء بتوظيف من الحكومة.

وفي صفحة (253) ( وبرَّ الشّارِب) والصّحيح وطَرَّ الشارب. نقول: طرّ شارب الغلام (انظر لسان العرب مادّة طرر).

وفي صفحة (297) ( وحساب الرّبّ) والأحسن وإلى يوم الحساب.

وفي صفحة (209) (وهي شائبة ومسنّة) والأفصح وهي قد وَخَطَها الشّيْب ومُسِنَّة أو وهي عجوز شمطاء.

وفي صفحة (262) (ألا طلاق في عيلتنا) والأحسن فصل أنْ عن لا في الكتابة فتكتب أنْ لا طلاق في عيلتنا.

وغير هذه كثير.

وختامًا الرّواية حَرِيَّةٌ بالقراءة، وتزداد قيمتها إذا ما تداركت الكاتبة الأخطاء في الطبعات القادمة.