الشاعر عصمت النمر و"صباحات نافرة ومتعالية"

الشاعر عصمت النمر

و"صباحات نافرة ومتعالية"

طلعت شعيبات

شاعر فلسطيني مقيم في بيت لحم

[email protected]

يخطيء من يظن أن النص الشعري هو تلك الكلمات التي تصطف وكـ أنها طابور عسكري منظم الإيقاع فالفوضى قد تكون سمة ملازمة لأرواح الشعراء ،هنا أستهل قراءة عصمت النمر (صباحات نافرة ومتعالية) ، طارحا جملة آراء قد لا تروق لكثيرين من أساتذة النقد الذين يصرون على أن أجمل الشعر أكذبه، فالشاعر هنا يختلق لنا عالمه بكل صدق وبراءة- لا حياد ولا مواربة ولا عوالق،يذهب بالصورة إلى مكابدته الإنسانية الفردية، النمر يطرق باب الفردانية المثالية بكل جراءة مستهلا صباحاته النافرة والمتعالية بقوله:

 "فوق رأسى ...غيمة من حديد

شراذم كائنات مجهضة

خانتها الفخاخ

الى خسارات لا سماء لها

مسوخ طيور

فاكهة سوداء

تخلع كل ملابسها"

لغة مكثفة واضحة وصارمة لا تقبل التأويل أو المواربة ، ففي هذا الصفيح الكوني يمارس الشاعر طقوس تغريبته الخاصة ، حنينه ،براءته ، وسوداويته الخاصة أيضا، فالغيمة حديدية غير نافذة لأشعة الشمس تمارس دورها في حجب سماوات حقيقية وأخرى من اختلاق الشاعر ،  ،ثمة رؤية حادة ومؤلمة لـ " شراذم كائنات مجهضة" تخونها الفخاخ و " مسوخ طيور" و " فاكهة سوداء تخلع كل ملابسها " هنا لا حيادية قصوى امام ممارسات الحجب في كافة نطاقاته وإن حملت في ظاهرها الشكل المناسباتي إن صح التعبير ، الشاعر يغضب وينفعل ويثور ساخطا، تاركا لنفسه البقاء بمعتزل عن هذا العالم كـ ما يظهر جليا في نهاية النص حين سيقول :

"لملمت فى الرواح بعض الدقائق

وأسرارى المستباحة فى كل حدب وصوب

اغلقت نافذتى

وأحتكرت لنفسى

مشاتل تبغ واحتفلت

"

هذا الإنسحاب والإعتزال وإن بدا في ظاهر النص دون مقدمات وربما أضعه في مستهل هذه القراءة السريعة محاولا إيجاد مدخلا ما لقراءة عصمت النمر في تجلياته الجانحة للإنعتاق من واقع حال عالمنا الذي لا يبالي في توالي ضرباته العنيفة فهذه " الفاكهة السوداء التي تخلع كل ملابسها ،،،تزاحم لهفتها وتدور على كومة القواقع الحجرية بين كلاب سائبة" هذا الإستنكار لا يخفت وهجه طيلة النص فنجد الشاعر يقول:

 "المنادى اعمى اصم

 الوقت يرخى

سدول حربائه"

في نصه الشعري  القصير يضعنا عصمت النمر في ممرات لا نهائية من التساؤلات وقد نقع حيرى سوء الفهم إن نظرنا إلى ظاهر النص، فالتراكيب اللغوية التي وافقت مضمون النص بشكل يبدو في ظاهره مقصودا بوعي الشاعر إلا أن ثمة حرقة طغت على المفردة فجاء النص أكثر صدقا وبراءة من مقصد الشاعر نفسه.