قراءة أولية في شعر غازي الجمل

غازي المهر

[email protected]

رحم الله غازي الجمل شاعر الكلمة والموقف  ، توفاه الله وقد ترك للمكتبة الشعرية  ثلاثة دواوين شعرية  وهي : ديوان شعر مطبوع بعنوان (دمع اليراع) وديوانان مجهزان للطباعة وهما : ديوان (نفح الطّيب) وديوان (قناديل العرش)  ، بالإضافة إلى مجموعة قصائد منشورة في الصحف والمجلات العربية ومواقع الانترنت المتخصصة في الشعر ، نأمل من الجهات المختصة بطباعة أعماله الشعرية  تقديرا لجهوده الأدبية .

    في كلماته تقرأ المواقف الجادة التي تحمل ألام وآمال المسلم  حيثما وجد  ، وفي مواقفه تنساب إلى مسامعك كلمات رقراقة  بحس مرهف تارة فتحسبه شاعرا رقيقا ، وتارة أخرى تحسبه شاعرا للحرب تخرج كلماته من جوف اللهيب بركانا يتفجر في وجه الظلم أينما وجد ، كلماته تخرج من باطن الألم لتنفجر شمسا وأملا تنشر الشفاء لكل متعطش وباحث عن الحق من بين الظلمات .

في هذه المقالة سنحاول قراءة  بعض قصائده التي نشرت من خلال وسائل شتى  أبرزها موقع رابطة أدباء الشام .

ففي قصيدة " أوتذكرين؟ " نستمع إلى حوار لطيف وكأنه حوار داخلي واستدعاء لأحداث مرت

أوتذكرين؟

ومهند في مثل عمر الياسمين

لمّا مسحت له الجبين

قم يا حبيبي للصلاة

فالفجر آذن بالدخول

ويهبّ كالشبل الهمام

يسعى ليلحق بالإمام

يتلو بآيات الكريم على الكرام

وهناك قد عرف الحسام

تخلو كلماته من خلال هذا الحوار من المباشرة التي تملها النفوس والقلوب وكأننا نستمع إلى الأرض رمز الأمومة والعطاء ، وهي تخاطب ذلك الابن البار بأمه ووطنه وأرضه

أوتذكرين؟

دعواتك الحرّى له

يا قلب أمك.. يا قمر

يرضى عليك الله تعداد البشر

يرضى عليك الله تعداد المطر

وتعداد أوراق الشجر

وإذا بأبواب السماء تفتّحت.. لتلمّه.. وتضمّه.. وتشمّه

كما لممت.. كما ضممت.. كما شممت

لتشعّ أنوار القمر

واهتزّ بالوجد الشجر

دمع السماء قد انهمر

والأرض تبكي والحجر

كما بكى كل البشر

يشع في كلماته الأمل من فوق جبين الثورة والكفاح ورفض المهانة ؛ فالأمل ما زال مرسوما على جباه أطفالنا الذين ولدوا من رحم الألم  والذين علموا كيف أسقط أجدادهم وآباؤهم فريضة الجهاد فأنكروا فعلهم ، فانه ما زال يخفق في قلوبهم نبض الجهاد وتلهج ألسنتهم بآياته

أوتذكرين؟

ذاك الجبين

قد شعّ من نور اليقين

قد صار مئذنة الكفاح

فالفجر آذن بالدخول

واليوم صار هو الإمام

يتلو بآيات الجهاد على الأنام

وعلى صخور صموده قد حطّمت كل السهام

فمهند كمهند في الساح ما عرف اللثام

وكأنها رسالة أراد إيصالها شاعرنا أننا ما زلنا بخير وما زال هناك من يلبي النداء ومن يحلم بالشهادة .

أوتذكرين؟

تلك الجموع توافدت منذ الصباح

للمسجد الأقصى يناديها ب (حيّ على الفلاح)

فتغذّ في خطو سريع بانتشاء

أملاً بتلبية النداء

ومهند الطفل الصغير سعى إليه من المساء!!

أوتذكرين؟

ومهند في السجن قد شدّوا إساره

ويطل من خلف الحديد عليك يرتقب الزيارة

وتحدثيه عن المنى.. وتحدثيه عن السعادة

ويجيب بالأدب الرفيع

(أمّاه أحلم بالشهادة)

وفي قصيدة " قبلة العشاق " نستمع إلى  نبض الأحاسيس الجياشة لمحبة الرسول الكريم ، ترتاح النفوس لسماع هذه القصيدة  خاصة من منشد كبير مثل " يحيى حوى " ، وتبدو القصيدة للوهلة الأولى أنها قصيدة غزل على طريقة "كعب بن زهير " في الوقوف على الأيام الخوالي وذكر الحبيب

دارت كؤوس الحب للعشاق فالقالب نار والعيون سواقي

كلٌ على ليلاه أضناه الهوى وأنا الهوى بمحمدٍ ترياقي

إن مر طيف محمد في خاطري هاجت بحار الحب في أعماقي

شوق إلى ذكر الحبيب يهزني فلتسقني من كأسه يا ساقِ

نقرأ في القصيدة تأثر " الجمل " في كلمات خاصة بالإسلام ك " زمزم ، براق "

أنا لو بقيت الدهر ابكي احمداً ما جف زمزم دمعي الدفاقي

لما عرفت حبيب رب المصطفى صارت صلاتي عدتي وبراقي

 قد سمعنا لشعراء المهجر وكنا تترنم  لكلماتهم وقد جعلوا من الطبيعة بشرا يحادثونها  وتحدثهم ، وقد أبدع رحمه الله في محادثة الطبيعة بكل صدق وعفوية من خلال الصور الشعرية البليغة

فالرمل بحرٌ والبحار بسيطةٌ والروض أقلام على أوراقي

والموج حبر والشواطئ صفحةٌ والغيث دمع والسحاب مآقي

وحفيف أشجار الوجود نشيده تشدو مع الأطيار في الآفاق

والكون قلب بالمحبة نابض شوقاً لأحمد قبلة العشاق

في هذا المقطع من قصيدته الرائعة تتحرك التفعيلة من تفعيلة لأخرى ضمن نفس البحر لتنتقل القصيدة من الهدوء إلى الصخب وكأنك في حضرة بحر اعترضته رياحا قوية .  

يا صاحب المعراج في جو السما صعدا من الأقصى إلى الآفاقِ

شفتاك بالأذكار طيب عبقٌ ويداك بحر الجود والإغداق

ولان سكت فحكمة وتأمل ولأن نطقت فعقد در راقِِ

ولان وعدت فأنت أول من وفا ولان غضبت فغضبة العملاق

ولان خرجت إلى الأنام كأنما ملكٌ كريم سار بالأسواق

ونخوض غمار بحر "الجمل" الهادر في قصيدة "الرد المزدوج" حيث يبدؤها بهدوء البحر الذي يخفي تحت سطحه بركانا ثائرا وغضبا مزمجرا

نور الوجوه يشع بالإيمان  والفرق في التوقيت بضع ثوان

ما بين ما رفّ الشهيد بروحه      فتلاه  روح أخيه دون  تواني

جاءا  على قدر يشد خطاهما       عزم  الرجال وهمة الشجعان

سارا  (لبئر السبع) عز ظهيرة     والحرّ والإصرار يلتقيان

ثم سرعان ما تتحول كلماته إلى نار مستعرة

و(قواسمي)  القسام يغلي ثأره     ناراً  تحيل القلب كالبركان

رحل  الذين نحبهم نحو العلا       (يحيى)  و(محيي الدين)  والشيخان

واستأسد الباغي.. يعيث معربداً    بالقتل  والتنكيل في الأوطان

لابد من رد يهز كيانهم     يصحو على تفجيره الثقلان

هذه محاولة متواضعة لقراءة قصائده نرجو من نقادنا الالتفات إلى شعر الجمل وتقديمه للقراء بقراءة جادة . رحم الله شاعرنا وأسكنه فسيح جناته.