الشعر الشعبي الأردني

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

صدر حديثا عن وزارة الثقافة الأردنية ، ط1، 2010م ،كتاب عنوانه

"مختارات من الشعر الشعبي الأردني" للشاعر الأردني المعروف نايف أبو عبيد في (167) صفحة من القطع المتوسط ،قدَّم له الأستاذ نايف نفسه ، وأدرج فيه مختارات شعرية من الشعر الشعبي لأربعة عشر شاعرا أردنيا ذكرهم على الحروف الالفبائية بدءا ب"إبراهيم عبد الرزاق الشلول "الدوقراني" مرورا ب"حسن ناجي "و"رزق الله المنَّاع، وروضة أبو الشعر ،وسليمان عويس ،وسليم خليل نمري ،وعادل الروسان ،وعاهد شاكر،وعبد العزيز كتكت ،وعيسى سويلم عباسي ،وفهد الريماوي،وموسى الأزرعي ،ونايف أبو عبيد نفسه ، وانتهى ب"يعقوب نصر عباسي"ولعلَّ من أبرز سمات كتابه المذكور أنه ترجم لشعراء الشعر الشعبي الأردني من نحو قرن مضى وثلاثة أرباع القرن ،إذ يمكِّن المتلقي من أن ينظر في ترجمة حيواتهم منهم الدوقراني  رحمه الله  وقد عمره الله سبحانه نحو قرن (18301927م)، وعدَّه بحق شيخَ الشعراء الشعبيين الأرادنة ، كما أنَّ الدوقراني يمثِّل مرحلة مهمة من مراحل تطور القصيدة المحكيَّة الأردنية؛ لتنوع أغراضها، والتزامه بالقافيتين المختلفتين في صدر البيت وعجزه أحيانا؛ مقلدا أسلوب القصائد البدوية، ولكنه في قصائد أخرى يخرج عن التزامه المذكور كما في قصيدته "الكنائن " التي فيها يقول : 

أنا أول مبتدا استغفر الله اله العرش يصلح لي أعمالي 

وثاني مبتدا نذكر محمد نبي الله جانا بالرسالي

وثالث مبتدا قلنا قصيدة يحق القول في شيء جرا لي

كنت ارتاح في جملة إخواني اجرّ الثوب وامشي بالرفالي

ويتحدث عن إكرامه لإخوانه إذ يرمي لهم المساند على المراكي، ويسرع في إشعال النار لإقرائه كما يقري فرس ضيفه ، لأنه بغير الكرم يسب بالبخل فيجلب عليه المذلة والهوان ،فيعد الضيف وسيلة دعائية طيبة لما لقيه من مضيفه  وكما كان يلمُّ ربعه ليستمعوا إلى "جرَّات" الربابة ،ويفرح في التعاليل معهم ،ويتحدث عن أهمية الزوجة وان كنائنه على كثرتهن ولو كن عشرا ؛لا يغنبن عن زوجته ، ويصير عندهن رخيصا وان كان عزيزا ، ويبرز أراء الكنائن فيه؛ فمنهن من تقنِّن عليه رغيفه وتحاسبه عليه حسابا عسيرا؛ وأخرى تدعو عليه بان يأكل"يتسمم " علقما وسمًّا ، وثالثة تدعو بقرب وفاته ،ورابعة تركته واقفا في باب دارها، وكنَّة أخرى تصفه بالشايب ، وكنَّة تتهمه بحدة اللسان وكثرة ثرثرته بالقيل والقال ،وأخرى تهدده إن جاء إليها فتهرسه هرسا، وأخرى من كنَّاته تطلب ألا يطوى فراشه ،ولو كان عليه الجمر مشتعلا ، وأخرى لو رمى هدومه ليغسلها عندها لما غسلتها ولا قامت بغليها أو بشطفها ،والقصيدة ذات موضوعات مختلفة أدرجنا منها قضية اجتماعية إنسانية ، وفي قصيدة أخرى له عنونها ب"سنة المحل "يبرز فيها قافيتين هما الهاء الساكنة والباء الساكنة يوزعهما في قافيتين بقول "

ابتديت بذكر الله مولانا الوالهْ 

العزيز المرتقب والي الرقابْ 

ربنا المعبود لا نعبد سواه

غير باب الله ما لينا أبواب 

ويعدد من سمات الله تعالى وصفاته العلية ويذكر معجزات رسول الله إذ نصاه الضب والجمل ، وفي هذه القصيدة متعددة القافية ،دعا الله تعالى أن يفرج الشدة بجاه سيد الرسل صلى الله عليه وسلم ، وبحق من سجد لله وعبد وأقام الصلاة في الجوامع ، وبحق من ظللته الغمامة، وحماه الله تعالى بعش الحمام وبيت العنكبوت في إشارة إعجازية إلى حماية الله تعالى إلى نبيه الكريم وصدِّيق رسوله يوم الهجرة الشريفة ،ووظف جاه سيدنا الإمام علي بن أبي طالب ،وبحق خليل الرحمن والنبي سليمان وعيسى وموسى يوم شق البحر بعصاه، وبحق صبر أيوب مما يدل على وعيه بثقافة إسلامية أعانته على نظم قصيدته،وسبر أغوارها وبحق يونس ذي النون إذ سبَّح في بطن الحوت فأنقذه الله من موت محقق؛ وبحق غيرهم من انبياء الله عليهم جميعا من الله الصلاة والسلام، فالله تعالى يكسر النواميس إذا شاء متى شاء وقصده أن يتشفع بالأنبياء لرفع القحط وشدة المئونة عن العباد والبلاد ، واستسقاها رحمة دون غضب بل لتكون رحمة برضاه عز وجل .وقد حدد زمان القحط الممتد من شهر كانون الثاني إلى شهر آذار فيقول :

في شهر كانو ما شفنا شتاه

في شهر آذار ما شفنا العشاب

الرعايا ما لقت ليها رعاه 

من عدام العشب تاكل بالتراب 

أمَّا مقدمة الاستاذ نايف ابى عبيد فأشارت إلى فنون النظم السبعة من قريض ،وموشح وموال، وزجل، وكان كان ،والقوما ، واحتج بما ذكره ابن خلدون بكثرة فنون الزجل فقال "صاحب ألف وزن ليس بزجال "يستحسن التكثير من فنون الزجل ؛وضرب أمثلة على تنوع فنون النظم العربي ؛ ففي الموشح خرجات أجنبية بلغة التربادور قديمة يمكن أن تتقراها بكثرة في الموشحات للدكتور سيد غازي كما يمكن أن تلتمع في النص العربي كلمات أعجمية حتى اليوم كما يروى أن شاعرا شاميا ساخرا استقبل احد الملوك ممن يتفيّأ في ظلال الانجليز فقال له ":

بسيفك أم بسيف الانجليزي دخلت اليوم هذا القطر( easy)؟

ومن فوائد دراسات الأستاذ نايف أبي عبيد أنه يؤرخ للشعر الشعبي الأردني ويبرز أهمية رأس السلطة الملك عبد الله الأول الذي فتح أذنيه وقلبه لفنون الشعر وهو الأديب البليغ الشاعر، وديوانه محقق شاهد على أصالته ،وابرز ملامح من الحس الوطني عند الشعراء الشعبيين وكانت أغانيهم تتردد في الحفلات والمناسبات الشعبية بصوت جهوري تحذر الصهاينة من حملات الثوار عليهم ويذكون ابرز قادتهم من مثل فوزي القاوقجي رحمه الله نحو أغنيتهم "

صهيوني دبِّر حالك جوك الثوار 

معهم فوزي القاوقجي قائد ثوار 

وتتغيَّر مسمياتهم للثوار فهم عصابة أحيانا في أغنيتهم وذكرهم قائد عصابة مجاهد هو محمود كيوان وقولهم شاهد "

قلتلَّك يا نصابه يا أم اعصابه 

شوقك ريِّس عصابه محمود كيوان 

وفي الحُداء تتباهى النساء بطول شعرهن أما الرجال فيتباهون بالخيول "

يا بنت يللي عالمصيف طلي وشوفي افعالنا 

انتن غواكن شعركن واحنا غوانا خيولنا 

وتنبه الأستاذ نايف إلى أربعة قوالب غنائية هي ؛الدلعونا أولا وزريف الطول ثانيا والجفرا ثالثا والمواليا رابعا وعرف كل فن ثم مثل عليه .أما المواليا فلون من ألوان الغناء يصاحب الدبكة الشعبية وترافقه آلة المجوز والطبل منه": 

عالعين مولتين واثنعش مو ليا 

جسر الحديد انقطع من دوس رجليا 

مشوار اجيته الصبح واجيته عصريهْ 

وقلبي معاكو انخطف يا نور عينيه 

 

ويبدو أن مصدر المواليا من العراق وهو لحن حزين ويقابله لون لبناني يسمى "أبو الزلف "وتسميته في عهد هارون الرشيد آذ منع النياحة على البرامكة بعد ان فتك بهم فناحوا به على موتاهم .

أما الدلعونا منها "

على الدلعونا ليش دلعتيني 

شفتيني شايب ليش اخذتيني 

لاكتب طلاقك ع ورق تيني 

واجعل فراقك حب الليمونا 

آما نموذج من زريف الطول فهو كما في المثال التالي :

ما أطمعك يا ابو جديلة ما اطمعك 

ليش تضربني وعقلك طاوعك 

لو اطلعت عالسما لاطلع معك 

ولو حدرتْ أنا واياك بمحرما 

وهذان اللونان سائدان في الأغاني الشعبية وللمؤدي حرية التصرف في لحنه المطلوب 

اما الجفرا فتذكر في النص كقولهم: 

جفرا ويا هالربع وتصيح صابوني 

جظوا عليه الخلق بالعين صابوني 

ولو قطعوني شقف والواح صابوني 

ما توب عن عشرتك يا نور عينينا 

إننا نلحظ أن بعض هذه الفنون تذكر في النص الغنائي مثل الدلعونا والجفرا والمواليا وبعضها لا تذكر كزريف الطول كما ذكرنا وان كانت الامثلة غير مستقصاة إذ إن كثيرا من أغاني الأردن تتغنى بزريف الطول يمكن أن نستحضر مثال في" زريف الطول في وادي شعيب " 

يا زريف الطول نزلت وادي شعيب 

والشعر لاشقر يلولح للكعيب 

طلبت البوسة قالت يا خي عيب 

لا انت ابن عمي ولا تقرب لنا 

ومخلص الحديث عن هذه الدراسة أن الشاعر نايف أبو عبيد شاعر متمكن من فني الشعر العمودي الأصيل والشعر الحر كما هو متمكن أيضا من شعر الزجل والفنون الشعبية، ولعل خير دليل دواوينه الثمانية، وقد جمعتها وزارة الثقافة الأردنية في أعمال كاملة،كما كتب الشعر الفصيح والمحكية الأردنية، وله مخطوطات نثرية وشعرية آمل أن ترى النور إن شاء الله في حياته ، وله أشعار زجلية وأهازيج ملحَّنة ومغناة وشائعة ، وفي الختام أتمنى أن يلتقي الدكتور شفيق الربابعة ليتدارسا فنون الموال إذ الثاني خطا نحو موال اربد خطوات وموال الفلاح شاهد آخر على ما أقول ، ولعل منتقيات أيي عبيد لأربعة عشر شاعرا شعبيا أن تشكل محورا مؤرخا لحقبة زمنية تكاد تبلغ قرنين إلا ربعا في أردننا العزيز، اما اختياراته فموفقة يمكن أن تسجل فيها رسالة علمية لاصالتها ولدراسة فنونها وأفنانها طالما بقيت هذه الفنون الشعبية ذاكرة وطن ولا يمكن إلغاؤها من خريطة الشعر، أو سلخها من حضيرته.