حزامة حبايب وافتقار المجتمع لعلاقات اجتماعية سويّة

حزامة حبايب

وافتقار المجتمع لعلاقات اجتماعية سويّة

القدس: 4-تشرين ثاني 2010ناقشت ندوة اليوم السابع الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، مجموعة"من وراء النوافذ" القصصية للأديبة الفلسطينية حزامة حبايب.

 تحوي المجموعة القصصية الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة الفلسطينية ست عشرة قصة قصيرة، وتقع في 126 صفحة من الحجم المتوسط ، وقدم لها الأديب المعروف محمود شقير،الذي وصف قصص المجموعة بأنها تتمحور" حول موضوعات الفقر والقمع المنصب على المرأة، .....وحول تهميش الرجال والنساء سواء بسواء، جراء الوضع غير الطبيعي للعائلة،وافتقار المجتمع الذكوري لعلاقات اجتماعية سوية".

بدأ النقاش سمير الجندي فقال:

ارتأيت أن أبدأ قراءة المجموعة القصصية هذه بقصة( من وراء النوافذ) والتي تحمل المجموعة كلها عنوان هذه القصة، ظناً مني بأنني من خلال قراءتي لها أن أستطيع تحديد الأسلوب الذي اتبعته الكاتبة في نسج قصصها في هذه المجموعة، فوجدتني أمام شاشة سينمائية أو تلفزيونية، تعرض لنا مشهدا بالألوان الواقعية، تصف فيه كل حركة مهما قلَّ شأنها في بيت تسكنه ثلاث نساء متخمات بالملل، لا همّ لهن إلا الاعتناء بمظهرهن، وهن بذلك يمثلن شريحة اجتماعية كبيرة، ولولا أن كاتبة هذا النص امرأة لقلنا أن الكاتب قد بالغ في تحامله على الجنس "اللطيف"، وبرغم اعتنائهن الشديد بمظهرهن لدرجة إن إحداهن قد التهت عن طفلها بأمور زينتها إلا أن الكاتبة وبحركة ذكية ديناميكية، عندما عززت المشهد السينمائي بشخصية رابعة لامرأة تتحرك أمامهن بدلال ونعومة، ليجدن أن كل ما فعلنه بأجسامهن وبمظاهرهن من عناية لم يرتقي بهن إلى مستوى جمال هذه المرأة، بالطبع هذا كان في داخل نفوسهن من شعور، إلا أن ردت فعلهن كانت مغايرة تماما فالحسد طغى عليهن من هذه التي جاءت لتنهي أي طموح للجمال في نفوسهن...

وهنا فإنني أرى أن الكاتبة قد استخدمت هذا الأسلوب الساخر، بطريقة ذكية لتقول لنا بكل عزم وصراحة إن الجمال الحقيقي هو شئ آخر... وهو بعيد كل البعد عن هذه الشريحة من النساء الفارغات...

أما عن الأسلوب، فأسلوبها يعتبر من السهل الممتنع، فقد امتاز بالوصف الدقيق، وباللغة المكثفة، لغة تخلو من مجاملة الألفاظ، تصف الأشياء بمسمياتها، جريئة في حيثياتها، تنزل على الواقع كالسياط، الصور واقعية، خدمت الأفكار وأظهرتها في ثوب جميل، زادها عنصر التشويق جمالا...

وقال موسى ابو دويح:

أول ما لفت نظري اسم الكاتبة (حزامة)، ولأول وهلة ظننت أن الاسم (خزامى) وهو نبت طيب الريح واحدته خزاماة، وقال أبو حنيفة: الخزامى عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة طيبة الريح لها نور كنور البنفسج، قال: ولم نجد من الزهر زهرة أطيب نفحة من نفحة الخزامى) لسان العرب مادة خزم.

وبعد الرجوع الى لسان العرب وجدت في مادة حزم (الحزم ضبط الانسان أمره والأخذ فيه بالثقة. حزم بالضم يحزم حزما وحزامة وحزومة وليست الحزومة بثبت). فاسم الكاتبة اذا مأخوذ من الحزم وهو مصدر (حزم حزامة)، ومعنى الاسم جميل. وليت في القصص حزامة.

مهد وقدم للكتاب الكاتب محمود شقير، وهو بطبعه كاتب مهذب حساس، يركز في تقديمه على الجوانب الايجابية، ويكاد لا يتطرق الى الجوانب السلبية الا تلميحا؛ حيث وصف الكاتبة بقوله: (وتتعمد كسر وقار اللغة كلما اقتضت الضرورة ذلك) صفحة 9. وقوله: (وتستعين من أجل ذلك..... وبعض مقاطع من أغنيات هابطة...) صفحة 10. وقوله: (وتستعين في بعض الأحيان.... دون تزويق أو مراعاة لنزعة الاحتشام التي تسعى الى تحجيب اللغة) صفحة 13.

وتناول محمود شقير في تقديمه إحدى عشرة قصة من قصصها الست عشرة، كتب عن كل منها بضعة أسطر بلغة سهلة سلسة ممتعة، تعطي القارئ صورة عن القصة أوضح من الصورة التي تصل إلى عقل قارئ القصة كاملة.

وفي تقديري أن الكاتب محمود شقير ظلم الكاتبة عندما وصف أسلوبها بالسهل الممتنع في السطر الأول من تقديمه صفحة 9. فما هو بسهل ولا هو بممتنع.

وعندي أن الأدب، كل الأدب مقالا او قصة او رواية او حكاية او حكمة او مثلا او خطبة او محاضرة او اي نص كان، لا بد ان يكون هادفا، وان يقدم فائدة ما للمجتمع. ولا يحتجنّ احد ببعض ما جاء في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، فهو عند مفكري المسلمين كتاب المجان والفساق.

ان هذه القصص التي نناقشها اليوم وأمثالها وما على شاكلتها من الكتب، لا تقدم نفعا ولا فائدة، بل ليس فيها إلا السوء والضرر، ولا ينال قارئها إلا التعب وهدر الوقت بما لا طائل فيه.

وقال جميل السلحوت:

لم أكتب عن هذه المجموعة القصصية لأن الأديب محمود شقير لم يترك لنا في تقديمه لها شيئا نكتبه، لكن بما أن البعض أساء فهم ما كتبه شقير وما كتبته القاصة حزامة حبايب، كان لا بّد من طرح بعض الأمور ومنها: أن الأديب شقير عندما قال عن الكاتبة" وتتعمد كسر وقار اللغة كلما اقتضت الضرورة ذلك" فهذا لصالح الكاتبة وليس عليها، فاللغة ليست مقدسة حتى نحافظ على وقارها، أمّا علماء المسلمين الذين وصفوا كتاب الأغاني بأنه "كتاب المُجّان والفساق، فلا أعرف من هم وفي أيّ العصور عاشوا، ولا أعتقد أنهم أكثر فهما للدين، وأكثر تقوى ممن عاشوا في زمن الأمويين والعباسيين، حيث سادت دولة الخلافة العالم، فاذا كان استعمال بعض الكلمات الجنسية "حراما" فلماذا كان يستمع خلفاء بني أمية لشعراء النقائض، وفي أشعارهم من كلمات الجنس ما فيه، ولماذا سكت هارون الرشيد على أبي نواس  لغزله بالذكور؟ ولماذا لم يمنعوا كتب مثل"ألف ليلة وليلة" و"العقد الفريد" و"الحيوان"وغيرها؟ فـ"ألف ليلة وليلة" من ألفه الى يائه جنس في جنس، والجاحظ في"الحيوان" وفي باب أدب العامة تحديدا، تكلم عن الجنس وعن ممارسة البعض للجنس مع الحيوانات، وعن نوادر جنسية، لو قالها أحدهم في أيامنا هذه لاتهمه البعض بالكفر ومنها:" سأل أحد الأعراب إماما فقال:"يا مولانا:هل الحِرّ –عضو المرأة التناسلي- مسلم أم كافر؟ فقال الامام: على حسب صاحبته فان كانت مسلمة فهو مسلم، وإن كانت كافرة فهو كافر، فقال الأعرابي:لا...إنه كافر..أرأيت إن استقبلت صاحبته القبلة لتصلي استدبرها؟". وأعتقد أن الأمتين العربية والاسلامية، تقفان في عصرنا هذا على هامش الحضارة الانسانية في كافة المجالات، لأنهما لم تستفيدا من حضارتهما وتراثهما وثقافتهما شيئا، ولم تنتجا ثقافة جديدة، وانتشر مدعو العلوم الدينية الذين يزعمون أنهم المالكون الوحيدون للحقيقة، فأساؤوا للدين وللأمة أكثر مما أساء اليهما الأعداء.

واسمحوا لي بسؤال هو: أيّ انفصام في شخصيتنا كشعوب عندما نحصر الدين والأخلاق والشرف وكل الأمور الحميدة في العلاقة بين الرجل والمرأة؟ فهل خيانة الأوطان والفساد والسرقة والكذب والقتل خرق لتعاليم الدين وإخلال بالأخلاق أم لا؟

وعودة الى قصص حزامة حبايب، بداية أنا لا أعرف الكاتبة، وهذه هي المرة الأولى التي أقرأ قصصا من ابداعها، وقد وجدت نفسي أمام أديبة قاصة محترفة، تجيد فنّ القص بشكل لافت، فقصصها جميلة شكلا ومضمونا، وهي قاصة واقعية التقطت أحداث قصصها من واقع مجتمعاتنا العربية، فالكبت الجنسي والاجتماعي والفقر والمرض سمة ظاهرة في مجتمعاتنا، وقد يستغرب البعض، أو يتظاهر بالإستغراب، أن سفاح القربى موجود أيضا في مجتمعاتنا، ويشكل نسبة مئوية صادمة، لكن ثقافة الهزيمة تتستر على ذلك، دون إدراك أو وعي أن السكوت على هكذا أمور هو تشجيع على استمراريتها.

وحزامة حبايب عندما استعملت بعض الألفاظ الجنسية، لم تكتب عن الجنس، ولا عن الاثارة الجنسية، وإنما غاصت في قعر الحياة الاجتماعية، وكتبت عن ظواهر مسكوت عنها، فهي تفضحها وتنفر منها، ولا تُسوقها، وفي مضامين قصصها شيء من الإجابة على سؤال: ما هي وظيفة الأدب؟ فهي تشخص الظاهرة وتفضحها ولا تضع حلولا لها، فالأديب ليس واعظا دينيا ولا منظرا أخلاقيا.

بعد ذلك جرى نقاش مطول شارك فيه: ابراهيم جوهر، سامي الجندي،د.إسراء أبو عياش، نسب أديب حسين وخليل سموم.