الأزهار تبوح بمكنونات الذات
قراءة في مجموعة الدكتور أمين عبدا لجبار (( أزهار لا تذبل))
عبد الزهرة لازم شباري
أرى الشاعر الدكتور أمين عبدا لجبار وخاصة في هذه المجموعة الصغيرة ذات (18) قصيدة يتمرد على الأسس التي تقوم عليها القصيدة العمودية ، فأراه يكتنز في قصائده البيت والبيتين التي تنطوي على قافية واحدة ثم ينطلق إلى القافية الأخرى في البيتين الآخرين ثم يضيف بيت آخر في قافية أخرى ، وهذا ديدنه في جلّ قصائد مجموعته هذه وأن القياس والتوليد الذي يدخله الشاعر هنا ليس غريباً على الشعر العربي وإنما عرف في قصائد الأقدمين مثل هذا النوع ، وقد سبقه الكثيرون فيه ، وأعتقد إن هذا التصرف ، يزين اللغة العربية والقصيدة خصوصاً ، لما له من حيوية أكثر في مواجهة السيطرة على الإلمام واختيار الصور البلاغية وبنائها في هذه الحبكة التي تتجلى في هذا القالب الشعري الذي نسميه القصيدة دون متاعب !
فالشاعر الدكتور يسافر عبر ذاته التي تنوء بهذه المفردات الجميلة إلى ذوات الآخرين ، ولعله يريد هنا إلمام القارئ والمتتبع لهذه القصائد إلى عالم ينأى به في آفاق بعيدة لتختلج لديه هذه الرؤى الشعرية ، مدركاً بروح الشاعر المتألقة كطير فوق الأزهار التي أرادها هنا أن لا تذبلْ وتستمر بالعنفوان والإطلال ومحاكاة الندى في هذه الطبيعة المعطاء !!
فهو يبث الحياة حتّى في الأشياء الجامدة وينزّل فيها الروح كي تتماشى مع الإنسان الذي هو أصل الوجودْ ، ولو لم يكن الأستاذ الدكتور يحمل الاختصاص الآخر الذي كما اعتقد بعيد كل البعد عن معترك الشعر والأدب وما يعانيه من متاعب في كثرت أبحاثه في النبات والجراثيم عبر دراسته التي قضى معظمها بعيداً عن الأهل والوطن ، لأمكنني القول أنه يعد من كبار المنظْرّين في الشعر والأدب ، لأن الذي يقرأ هذه اللوحات الشعرية التي يرسمها بريشته المبدعة في مجموعته هذه ( أزهار لا تذبل ) يرى الجانب الآخر الذي تبدو به روحه وهي تنوء بثقل الشعر والأدب وتوظيف الذات الإنسانية وما يحاكيها من تعب وبؤس وشقاء ، رغم ما قد يصفه القارئ في الجانب المقابل بأنه شاعراً كلاسيكياً عمودياً أصولياً لما يبديه في تحكيم قوسه وتصويبه نحو الأحداث التي يراها تكفي لأن تكون مع الأسراب المتباينة شكلاً والتي تنتمي إلى الجذور البيانية للإرث الأدبي الجميلْ !!
أجمل ما كتبه الأستاذ الدكتور والشاعر المبدع أمين عبدا لجبار من قصائد في مجموعاته الثلاث وما يثير انتباه المتتبع لها أن معظمها بعيدة كل البعد عن المناسبات السياسية (( مديحاً أو نقداً )) والتي حمّلها صوره المبدعة التي تحاور الذات الإنساني الخالية من الزيف والتعصب .
وعليه يرى القارئ لهذه المجاميع امتداح الشاعر للطبيعة والحالات الإنسانية والحب والأرض والوطن والغربة ، وتفرده إلى ولوج شعره في تجربة أهل البيت عليهم السلام ومناخاتهم الروحانية الشفيفة ، وهذه حالة اعتصمت بها روحه ليرّد بها رداءة الواقع وظلم الطغاة وما لقاه في ابتعاده عن الأهل والوطن من جراء الغربة ، فالشاعر عندما يكتب قصيدته التي يحشد فيها هذه الخلجات الروحية ويحّملها صوره الجميلة التي تحمل بلاغة الشعر وموسيقاه وما تحمل من مدلول ذاتي وتراثي وتوظيف المكان الذي هو الأساس في هذه الصور البلاغية يتأتى من أنه يكتبها بروحه التي تنطوي على أن الشعر عنده هواية وليس عمل ما كما أشار في مقدمته الوجيزة لهذه المجموعة .
عليه أرى أن ما كتبه الشاعر الدكتور في هذه المجاميع الثلاثة بحاجة إلى وقفة نقدية مع الذات الشاعرة أولاً وإلى تفحص نقادنا المبدعون لها ، لوضع الخطوط البيانية وشرح مدلولات هذه الصور التي أراها كما أعتقد ببساطتي يجب أن لا تغيب عن أنظار النقد هنا ، لأنها تحمل آفاقاً مبدعة جديرة بأن تأخذ حضها في عالم النقد والتحليل الأدبي ، ومن الله التوفيق !!