تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 39
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " نَمَطٌ صَعْبٌ وَنَمَطٌ مُخيفٌ " لِلْأُسْتاذِ مَحْمودْ مُحَمَّدْ شاكِرْ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
جاءَ الْأَمْرُ كُلُّهُ اتِّفاقًا ؛ فَلا أَنَا أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ عَنِ الشِّعْرِ الْجاهِليِّ ، أَوْ عَنْ مَنْهَجي في دِراسَتِه ، وَلا أَنَا اخْتَرْتُ هذِهِ الْقَصيدَةَ ( إِنَّ بِالشِّعْبِ الَّذي دونَ سَلْعٍ ) ، وَلا أَنَا أَثَرْتُ هذَا اللَّجاجَ في تَرْتيبِ أَبْياتِها ، أَوْ في شَأْنِ افْتِقارِ الْقَصيدَةِ الْعَرَبيَّةِ إِلى ما يُسَمّونَه الوِحْدَة ؛ بَلْ كانَ أَمْري كُلُّه عَلى خِلافِ ذلِكَ . |
هي " الوَحْدة " بالفتح ، إلا أن يضبطها بالكسر على السخرية من شعارات بعض الناس ! |
(...) لكِنَّ هُناكَ ناحِيَةً أُخْرى أَنْظُرُ مِنْها ، لِكَيْ أُنْصِفَ صَديقي وَخَليلي في هذَا الْمَتاعِ الطَّويلِ مِنْ مَتاعِ الدُّنْيا حَتّى يُنادى عَلَيْنا بِالرَّحيلِ ! |
تقدم يحيى حقي أولا في أوائل تسعينيات القرن الميلادي العشرين ، وتأخر محمود محمد شاكر - رحمهما الله ! - إلى أواخرها ؛ فتُرى متى نلحقهما سالمين غانمين ! |
َقضيَّةُ اخْتِلالِ الْقَصائِدِ الْجاهِليَّةِ لَها عِنْدي مَعَ ذَيْلِهَا الَّذي تُجَرِّرُه ، وَهُوَ وَحْدَةُ الْقَصيدَةِ وَخُلوُّ الشِّعْرِ الْعَرَبيِّ جاهِليِّه وَإِسْلاميِّه مِنْها ؛ فَهِيَ كَما قُلْتُ آنِفًا ، قَضيَّةٌ حَديثَةُ الْميلادِ . وَلَمّا كُنّا نَعْلَمُ كَما عَلِمَ الْقُدَماءُ مِنْ أَسْلافِنا ، أَنَّ الرُّواةَ قَدِ اخْتَلَفوا في رِوايَةِ بَعْضِ الْقَصائِدِ اخْتِلافًا ظاهِرًا في عَدَدِ أَبْياتِها ، وَفي تَرْتيبِ هذِه الْأَبْياتِ ، وَفي بَعْضِ أَلْفاظِها أَيْضًا - كانَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقولِ أَلّا تولَدَ هذِهِ الْقَضيَّةُ عَلى وَجْهٍ ما ، إِمّا في زَمَنِ الرُّواةِ وَالْعُلَماءِ الْقُدَماءِ ، وَإِمّا في زَمانِنا . |
مثل هذا عجبي من ألا يكتب كاتب فيما كتب فيه نجيب محفوظ " أولاد حارتنا " ؛ فهي مما كان ينبغي أن تكتب من قديم على نحو ما ! |
عَقَّبَ عَلى هذا بِعَمَلِ هؤُلاءِ الْعُلَماءِ بِالشِّعْرِ ، فَذَكَرَ أَنَّ لِلشِّعْرِ صِناعَةً وَثَقافَةً يَعْرِفُها أَهْلُ الْعِلْمِ ، كَسائِرِ أَصْنافِ الْعِلْمِ وَالصِّناعاتِ مِنْها ما تَثْقَفُهُ الْعَيْنُ ( أَيْ تُمَيِّزُ صَحيحَه مِنْ زائِفِه ) ، وَمِنْها ما تَثْقَفُهُ الْيَدُ ، وَمِنْها ما يَثْقَفُهُ اللِّسانُ . ثُمَّ ضَرَبَ أَمْثالًا كَثيرَةً عَلى ذلِكَ ، فَقالَ : " مِنْ ذلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْياقوتُ ، لا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ وَلا وَزْنٍ دونَ الْمُعايَنَةِ مِمَّنْ يُبْصِرُه ( أَيْ مَنْ يُدْرِكُ كُنْهَه وَحَقيقَتَه بِالنَّظَرِ ) ... وَمِنْهَا الْبَصَرُ بِأَنْواعِ الْمَتاعِ وَضُروبِه وَاخْتِلافِ بِلادِه ، مَعَ تَشابُهِ لَوْنِه وَمَسِّه وَذَرْعِه ، حَتّى يُضافَ كُلُّ صِنْفٍ إِلى بَلَدِهِ الَّذي خَرَجَ مِنْهُ (...) . فَدَلَّني هذا عَلى أُمورٍ : مِنْها أَنَّ الْعِلْمَ بِالشِّعْرِ كَالْعِلْمِ بِسائِرِ هذِهِ الْأَشْياءِ الَّتي ضَرَبَ بِهَا الْأَمْثالَ ، مَرْدودٌ كُلُّه إِلى أَنْفُسِ الْأَشْياءِ ، لا إِلَى الْخَبَرِ عَنْها ، وَلا إِلى صِفاتِها . |
سبحان الذي له في خلقه شؤون أي شؤون ! عالجت من تجار السيارات في هذه الأشهر ، نقدها ، ومن سائقيها سياقتها ، ومن مصلحيها إصلاحها ؛ فاطلعت على أطراف علوم جمة تفنى دونها الأعمار ، وتجلى لي كيف ييسر كلٌّ منا لما خلق له ! |