تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 28
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 28
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "ديوانُ أَبي تَمّامٍ بِشَرْحِ الْخَطيبِ التِّبْريزيِّ"]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
أَبُو النُّجومِ الَّتي ما ضَنَّ ثاقِبُها أَنْ لَمْ يَكُنْ بُرْجُه ثَوْرٌ وَلا حَمَل يَقولُ : بَنُو الْعَبّاسِ نُجومٌ فِي الشَّرَفِ وَالِاشْتِهارِ ، ما ضَرَّ ثاقِبَها أَيْ مُضيئَها ، أَنَّه نَجْمٌ أَرْضيٌّ لا يَحُلُّ بِبُروجِ السَّماءِ ، وَهِيَ الِاثْنا عَشَرَ بُرْجًا ، أَوَّلُها الْحَمَلُ ، وَآخِرُهَا الْحوتُ . وَخَصَّ الْحَمَلَ وَالثَّوْرَ لِأَجْلِ الْقافِيَةِ وَالْوَزْنِ ، وَحَسُنَ أَنْ يُنَكَّرَ لِأَنَّ الثَّوْرَ يَقَعُ عَلى أَشْياءَ مِنْها ثَوْرُ الْبُروجِ ، وَكَذلِكَ الْحَمَلُ . |
هكذا وكأن الصواب " ما ضَرَّ ثاقِبَها أَنْ لَمْ يَكُنْ بُرْجَه " ، كما أوضح التبريزي ! ثم سبحان الله ؛ أذكر أنني وُلِدْتُ في 19/3 ، وسُجِّلْتُ في 20/3 ؛ فبقيت متنازَعًا بين البرجين ، هناك على مفصل الأول من الآخر ، أُكَذِّبُ الْمُنَجِّمينَ ! |
الرِّزْقَ لا تَكْمَدْ عَلَيْهِ فَإِنَّه يَأْتي وَلَمْ تَبْعَثْ إِلَيْهِ رَسولا " الرِّزْقَ " بِالنَّصْبِ أَجْوَدُ ؛ أَلا تَرى أَنَّ قَوْلَكَ : " زَيْدًا لا تَضْرِبْه " ، أَحْسَنُ مِنْ " زَيْدٌ " بِالرَّفْعِ ، لِعِلَّةٍ لَيْسَ هذا مَوْضِعَ ذِكْرِها . |
هي إذن عِلَلُ نَحْويّي الظاهر ، لا عِلَلُ أَبي مِذْوَدٍ ! |
عَشيَّةَ صَدَّ الْبابَكيُّ عَنِ الْقَنا صُدودَ الْمُقالي لا صُدودَ الْمُجامِل إِنْ كانَ أَرادَ بِالْبابَكيِّ صاحِبًا مِنْ أَصْحابِ بابَكَ ، فَلا كَلامَ فيهِ . وَإِنْ كانَ أَرادَ بابَكَ نَفْسَه ، فَمِثْلُ ذلِكَ قَليلٌ ، إِلّا أَنَّه جائِزٌ ، كَأَنَّه نَسَبَه إِلَى اسْمِه ، وَهذا فِي النُّعوتِ مَوْجودٌ ، فَأَمّا فِي الْأَسْماءِ الْأَعْلامِ فَقَليلٌ . وَلا يَمْتَنِعُ فِي الْقِياسِ أَنْ يُقالَ : هذَا الْفَرَزْدَقيُّ وَالْجَريريُّ ، يُرادُ : هذَا الَّذي يُسَمَّى الْفَرَزْدَقَ أَوْ جَريرًا ؛ فَيُنْسَبَ إِلَى اسْمِه . وَقَدْ حَكَوْا في شِعْرِ الصَّلَتانِ : " أَنَا الصَّلَتانيُّ " ، وَهُوَ مِنْ طَريقَةِ الْقِياسِ جائِزٌ لا خُلْفَ فيهِ ، فَأَمّا قَوْلُهُمُ : " الْقُطاميُّ " ، لِلصَّقْرِ ، فَهُوَ مِنْ بابِ " أَحْمَريٌّ " ، لِأَحْمَرَ ، وَ" بَحْزَجيٌّ " لِلْبَحْزَجِ ، وَقَدْ حُكِيَ " قَطامٌ " ، غَيْرَ مَنْسوبٍ . |
من هذا قول المصريين لمن اسمه صلاح : " يا أبو صلاح " ! |
قَبيلٌ وَأَهْلٌ لَمْ أُلاقِ مَشوقَهُمْ لِوَشْكِ النَّوى إِلّا فُواقًا كَلا وَلا يُقالُ : كانَ ذلِكَ كَـ" لا وَلا " ، أَيْ وَشيكًا عَجِلًا . وَالْمَعْنى أَنَّ الْإِنْسانَ إِذا نَهى غَيْرَه يُكَرِّرُ " لا " ، مِثْلُ أَنْ يَقولَ لهُ : اذْهَبْ إِلى مَوْضِعِ كَذا ، فَيَقولَ لِإِرادَةِ الْمُبالَغَةِ : لا لا ؛ فَيَجيءَ الْحَرْفانِ مُتَّصِلَيْنِ لا تَفاوُتَ بَيْنَهُما ، فَجَعَلوه مَثَلًا فِي السُّرْعَةِ |
ينبغي أن يكون الأول : أَذْهَبُ إلى موضع كذا ؟ ليصح مجيء النهي " لا لا " . |
سِنونَ قَطَعْناهُنَّ حَتّى كَأَنَّما قَطَعْنا لِقُرْبِ الْعَهْدِ مِنْها مَراحِل |
لقد كان ينبغي الفصل بين " كان " ، وبين اسمها " ما " الموصولة . |
قالَ في أَبي نَصْرٍ سُلَيْمانَ بْنِ نَصْرٍ ، مِنْ إِخْوانِه : (...) أَنا ثاوٍ بِحِمْصَ في كُلِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُروبِ الْإِكْثارِ وَالْإِفْحام كُلُّ فَدْمٍ أَخافُ حينَ أَراه مُقْبِلًا أَنْ يَشُجَّني بِالسَّلام رافِعًا كَفَّه لِبِرّي فَلا أَحْسِبُه جاءَني لِغَيْرِ اللِّطام فَبِحَقّي إِلّا خَصَصْتَ أَبَا الطَّيِّبِ عَنّي بِطَيِّبٍ مِنْ سَلامي وَثَنائي مِنْ قَبْلِ هذا وَمِنْ بَعْدُ وَشُكْري غَضٌّ لِعَبْدِ السَّلام يُريدُ بِه ديكَ الْجِنِّ الشّاعِرَ . |
زعموا أن ديك الجن عبد السلام بن رغبان ، هو أستاذ أبي تمام ، وأن أبا تمام كان كثير الإغارة على شعره ! |
مَذِلَتْ وَلَمْ تَكْتَمْ جَفاءَكَ تَُكْتَُم إِنَّ الَّذي يَمِقُ الْمَذولَ لَمُغْرَم يُقالُ : مَذِلَ بِسِرِّه ، إِذا أَفْشاهُ ، وَلَمْ يَحْفَظْهُ . يَقولُ : إِنَّ الَّذي يُحِبَّ الْمَذولَ لَمُعَذَّبٌ مُبْتَلًى ، لِأَنَّه يُحِبُّ مَنْ لا يُحِبُّه ! وَأَصْلُ الْمَذَلِ السَّخاءُ ، أَيْ أَنَّه يَسْخو بِسِرِّه . وَ" تَكْتُمُ " عَلى مِثالِ " تَفْعُلُ " ، وَبَعْضُ النّاسِ يَقولُ : " تُكْتَمُ " عَلى لَفْظِ الْفِعْلِ الَّذي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ في هذَا الْمَوْضِعِ ، لِيَكونَ لَفْظُ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ مُتَساوِيًا . |
ينبغي أن يكون القول الآخر أحسن ، لأنه أَعْلَقُ بتَمام التَّقْفِية ، ثم هو الشائع في شعر البحتري تلميذ أبي تمام . |
أَخو ثِقَةٍ نَأى فَبَقيتُ لَمّا نَأى غَرَضًا لِإِخْوانِ السَّلام ذَوِي الْهِمَمِ الْهَوامِدِ وَالْأَكُفِّ الْجَوامِدِ وَالْمُروّاتِ النِّيام يَظَلُّ عَلَيْكَ أَصْفَحُهُمْ حَقودًا لِرُؤْيا إِنْ رَآها فِي الْمَنام وَمِنْ شَرِّ الْمِياهِ إِذَا اسْتُميحَتْ أَواجِنُها عَلى طولِ الْمُقام |
لا ريب في أنه يريد من يكتفون من الحفاوة بالسلام ؛ فلا يسألون عن الحال ، ولا يعبؤون بشيء ، فليسوا إخوانا على الحقيقة ، كما روي لي الدكتور حماد عن بعض أهله في مثل هذا المعنى ! |
لَوْلَا الْأَميرُ وَأَنَّ حاكِمَ رَأْيِه فِي الشِّعْرِ أَصْبَحَ أَعْدَلَ الْحُكّام لَثَكِلْتُ آمالي لَدَيْهِ بِأَسْرِها أَوْ كانَ إِنْشادي خَفيرَ كَلامي (...) وَلَخِفْتُ في تَفْريقِه ما بَيْنَنا ما قيلَ في عَمْرٍو وَفِي الصَّمْصام لَمّا تَوَلَّى الضَّرْبَ بِه غَيْرُه ، ضَرَبَه مَثَلًا لِنَفْسِه وَلِشِعْرِه لَمّا أَنْفَذَه إِلى عَبْدِ اللّهِ ( ابن طاهر ) ، وَلَمْ يُنْشِدْهُ مِنْ فيهِ . هذَا الْمَعْنى مَبْنيٌّ عَلى خَبَرٍ يُرْوى عَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْدي كَرِبٍ ؛ وَذلِكَ أَنَّه لَمّا شُهِرَ مَضاءُ سَيْفِه بَيْنَ الْعَرَبِ ، طَلَبَه مِنْهُ بَعْضُ الْمُلوكِ ، فَأَخَذَه ، فَيُقالُ : إِنَّه ضَرَبَ بِه عُنُقَ بَعيرٍ ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا ، فَأَحْضَرَ الْمَلِكُ عَمْرًا ، وَأَخْبَرَه خَبَرَ السَّيْفِ ، فَقالَ عَمْرٌو : أَبَيْتَ اللَّعْنَ ! أَعْطَيْتُكَ السَّيْفَ ، وَلَمْ أُعْطِكَ السّاعِدَ ! وَأَخَذَ عَمْرٌو عَمودًا مِنْ حَديدٍ ، فَلَفَّ عَلَيْهِ رِداءَه ، وَجاؤوهُ بِبَعيرٍ ، فَوَضَعَ الْعَمودَ عَلى عُنُقِه ، ثُمَّ ضَرَبَه بِالسَّيْفِ ، فَقَطَعَ الْعَمودَ وَالْعُنُقَ ، فَرَدَّ الْمَلِكُ السَّيْفَ ! وَكانَ " الصَّمْصامَةُ " ( سيف عمرو هذا ) ، صارَ إِلى آلِ سَعيدِ بْنِ الْعاصِ فِي الْإِسْلامِ ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُمْ ؛ حَتّى أَخَذَه مِنْ بَعْضِ وَلَدِه ، موسَى الْمُلَقَّبُ بِالْهادي . |
فهذا الشاعر الشفاهي وَجِلٌ من عجز الكتابة عن التأثير ، عجز سيف عمرو ؛ فكما كان فقد ساعده سبب عجز سيفه ، يجوز أن يكون فقد إنشاده سبب عجز شعره ، فعمل الشعر وعمل السيف مفتقران للفارس والشاعر ؛ فكيف إذا كانا جميعا شخصا واحدا ! وسيدنا عمرو بن معدي كرب الزَّبيدي - رضي الله عنه ! - الشاعر ، فارس اليمن ، المقدم على زيد الخيل شدة وبأسا - شهد القادسية وهو ابن مئة وست وستين - قالوا - طلب غفلتَه أُسْوارٌ من أساورة الفرس الصناديد ، فحذروه ، فهم به عمرو فذبحه ، ثم أقبل يغني : " أَلْمِمْ بِسَلْمى قَبْلَ أَنْ تَظْعَنا إِنَّ لَنا مِنْ حُبِّها دَيْدَنا قَدْ عَلِمَتْ سَلْمى وَجاراتُها ما قَطَّرَ الْفارِسَ إِلّا أَنا شَكَكْتُ بِالرُّمْحِ حيازيمَه وَالْخَيْلُ تَعْدو زِيَمًا بَيْنَنا " ! فأَجَبْتُه بقصيدتي " حَسْبي " ، التي خرجت عفوا من وزن ما قال ، ولولا ذكره سلمى لذكرت لبنى ! |
أَحْذاكَها صَنَعُ اللِّسانِ يَمُدُّه جَفْرٌ إِذا نَضَبَ الْكَلامُ مَعين (...) الْجَفْرُ بِئْرٌ واسِعَةُ الْفَمِ ، يَقولُ بَعْضُهُمْ : إِنَّها تَكونُ غَيْرَ مَطْويَّةٍ ، وَهِيَ مَعَ ذلِكَ قَليلَةُ الْماءِ ، وَقَدْ ذَكَرَها ها هُنا في مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى الْغَزارَةِ . وَالْمَعينُ الَّذي يَجْري عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَقَدْ كَثُرَ ذلِكَ ؛ حَتّى صارَ النّاسُ يُسَمّونَ الْماءَ الَّذي يُسْتَقى مِنَ الْآبارِ مَعينًا ، لِأَنَّه يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ ، فَيُفَرِّقونَ بَيْنَه وَبَيْنَ الْمُخْتَزَنِ مِنْ ماءِ الْمَطَرِ وَغَيْرِه . |
أدركت أهلنا يسمون آلة رفع مياه الأرض للسقي " مَكَنَهْ مُعْيِنْ " ! ونحن كنا شركاء في واحدة بحوض العرب ! |
حَلَبْتُ صَرْفَ النَّوى صَرْفَ الْأَسى وَحَدًا بِالْبَثِّ في دَوْلَةِ الْإِغْرامِ وَالدَّدَن اسْتَعارَ الْحَلَبَ لِصَرْفِ النَّوى ، وَجَعَلَ صَرْفَ الْأَسى كَالْمُحْتَلَبِ . وَالدَّدَنُ اللَّهْوُ وَالْباطِلُ ، جاءَ بِه عَلى أَصْلِه ، وَأَكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ بِحَذْفِ النّونِ (...) . " حَلَيْتُ " ( في رواية أخرى ) ، مَأْخوذٌ مِنَ الْحُلْوانِ ، وَهُوَ أُجْرَةُ الْكاهِنِ ، وَيُقالُ : حَلَوْتُ ، بِمَعْنى رَشَوْتُ ، فَيَجوزُ أَنْ يَكونَ فَعَلْتُ مِنْهُ ، وَاسْتَعارَه هُنا كَما يُسْتَعارُ الْقِرى ، فَيُقالُ : قَرَيْتُ الْهَمَّ كَذا . وَالْحُلْوانُ الصَّداقُ أَيْضًا . |
والحلوان في الشام - وتنطق بكسر الحاء - مُكافَأَةُ المُبَشِّرِ ( مبلغ الخير ) ! |