تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 21
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " شَرْحُ أَحاديثَ مِنْ صَحيحِ الْبُخاريِّ :
دِراسَةٌ في سَمْتِ الْكَلامِ الْأَوَّلِ " لِلدُّكْتورِ مُحَمَّدْ مُحَمَّدْ أَبو موسى ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
" مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللّهُ بِه مِنَ الْهُدى وَالْعِلْمِ ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثيرِ أَصابَ أَرْضًا ؛ فَكانَ مِنْها نَقيَّةٌ قَبِلَتِ الْماءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثيرَ (...) " ، (...) " مَثَلي وَمَثَلُ ما بَعَثنِي اللّهُ بِه ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتى قَوْمًا ، فَقالَ : رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْني ، وَإِنّي أَنَا النَّذيرُ الْعُرْيانُ ، فَالنَّجاءَ النَّجاءَ ؛ فَأَطاعَتْه طائِفَةٌ ، فَأَدْلَجوا عَلى مَهَلِهِمْ (...) " ، (...) ، لا يُفْهَمُ مِنْ هذا أَنَّ رَسولَ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - قالَ هذا أَوَّلًا وَذاكَ ثانِيًا ؛ وَإِنَّما أَرَدْتُ أَنْ أُرَتِّبَ مَعْنَى الْحَديثَيْنِ |
جميل ، ولكن لا تنس أنه يكون دائما من يناسبه هذا ومن يناسبه ذاك . |
جُمْلَةُ الْمَثَلِ " كَراعٍ يَرْعى حَوْلَ الْحِمى يوشِكُ أَنْ يُواقِعَه " ، فيها مَعْنًى جَليلُ ، وَهُوَ مَثَلٌ حَيٌّ ، لِأَنَّ الرّاعِيَ الَّذي يَرْعى حَوْلَ الْحِمى ، لَنْ يَقَعَ هُوَ نَفْسُه فِي الْحِمى ؛ وَإِنَّما يَقَعُ ما يَرْعاهُ مِنْ شاةٍ ، أَوْ إِبِلٍ ، أَوْ غَيْرِها ، وَكُلٌّ مِنْها لَه نَزَواتٌ تَنْزو بِه ؛ حَتّى يَسْقُطَ فِي الْحِمى ، وَهُوَ لا يَدْري أَنَّه حِمًى ! الَّذي يَقْتَحِمُ الْحِمى في هذَا الْمَثَلِ ، هُوَ السّائِمَةُ الَّتي لا تَعْرِفُ حُدودًا وَلا ضَوابِطَ ؛ وَإِنَّما تَنْقادُ بِالشَّهْوَةِ وَالرَّغْبَةِ . وَالشَّبَهُ بَيْنَها وَبَيْنَ الْأَهْواءِ وَالْغَرائِزِ وَالشَّهَواتِ الَّتي تَدْفَعُ الْإِنْسانَ إِلى أَنْ يَتَعَدّى حُدودَ اللّهِ أَوْ يُقارِبَها ، شَبَهٌ واضِحٌ وَجَيِّدٌ ، وَلِهذا قُلْتُ : إِنَّه تَمْثيلٌ كَريمٌ |
لهذا كان أستاذنا الدكتور محمد بلتاجي حسن - رحمه الله ! - يوصينا ألا يختبر أي منا نفسه بمخالطة الشبهات ثقة بقوته ؛ فربما وقع في الحرام ! ويا لِلْمُتَأَلّي على الله ، المقَصِّر عما تَعَهَّد ، المارّ بالمساجد ، على طلاب مجالس العلم ، يَتَكَفَّفُهُم الدعاء له : ادْعو لِعَمِّكُمُ الْكَذّابِ ! |
راجِعْ هذَا الْبَيانَ الشَّريفَ ، وَاصْبِرْ عَلى تَفَقُّدِه ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلامَنَا الَّذي نَكْتُبُه في تَحْليلِ هذَا الْبَيانِ ، مِمّا يُكَدِّرُ لَكَ صَفْوَه ! وَالَّذي أَنْصَحُ بِه مَنْ يُريدُ عِلْمَ هذَا اللِّسانِ الشَّريفِ ، أَنْ يَدَعَ كِتابي هذا ، وَأَنْ يَلْزَمَ الْجامِعَ الصَّحيحَ ، لِأَنَّه كَنْزٌ مِنْ كُنوزِ الْبَلاغَةِ |
سبحان الله ! كنت في إبان خدمتي العسكرية ، على أوراد من الترغيب والترهيب للمنذري ، ثم صرت بعقب إباني من عُمان على أوراد من تهذيب الآثار للطبري ، وأخيرا صرت على أوراد من الجامع الصحيح للبخاري ، أوشك أن أفرغ منه - إيمانا بضرورة إضافة البيان النبوي إلى البيان الرباني ، تحصيلا لتمام الأمر . وأذكر عناية بعض المحفِّظين في بعض بلادنا العربية - ريما كان شنقيط ( موريتانيا ) - بحفظ الجامع مع القرآن ، وهو ما يفعله بعض أطفالنا حُرًّا . |
إِنَّما تُذْكَرُ الصَّلاةُ دائِمًا مَعَ لَفْظِ الْإِقامَةِ ، وَمَعْناهُ التَّقْويمُ وَالتَّسْديدُ لِلْإِشارَةِ إِلى أَنَّها لا تُعْتَبَرُ شَرْعًا إِلّا بِهذَا التَّقْويمِ . وَكُلُّ عِبادَةٍ لَيْسَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذي شَرَعَ اللّهُ وَبَيَّنَ نَبيَّه - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - فَهِيَ رَدٌّ (...) ، وَلكِنَّ الْقُرْآنَ وَالْحَديثَ ذَكَرَا الصَّلاةَ بِلَفْظِ الْإِقامَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرا ذلِكَ فِي الزَّكاةِ وَالصِّيامِ وَالْحَجِّ ، لِأَنَّ الِاعْتِباراتِ الشَّرْعيَّةَ فِي الصَّلاةِ كَثيرَةٌ |
لما كانت الصلاة عماد الدين ، والعماد العمود الذي به ترتفع الخيمة من الأرض - كان عملها إقامة كإقامة الخيمة ، بل قد وقع هذا الفهم صريحا في بعض حديثه - صلى الله عليه ، وسلم ! - كقوله : " الصَّلاةُ عِمادُ الدّينِ ، مَنْ أَقامَها فَقَدْ أَقامَ الدّينَ " . |
رَوى أَنَسُ بْنُ مالِكٍ ، قالَ : " بَيْنَما أَنا وَالنَّبيُّ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - خارِجانِ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَلَقِيَنا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَتَى السّاعَةُ ؟ فَقالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - : ما أَعْدَدْتَ لَها ؟ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ ، ثُمَّ قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أَعْدَدْتُ لَها كَثيرَ صِيامٍ وَلا صَلاةٍ وَلا صَدَقَةٍ ، وَلكِنّي أُحِبُّ اللّهَ وَرَسولَه ، قالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " . وَسُدَّةُ الْمَسْجِدِ بابُه ، وَالرَّسولُ - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - في هذَا الْحَديثِ يَصْرِفُ الرَّجُلَ إِلى ما هُوَ أَهَمُّ ، وَيَقولُ : " ما أَعْدَدْتَ لَها " ؟ وَهِيَ كَلِمَةٌ جَيِّدَةٌ ، وَيَقولُ أَنَسٌ : " فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ " ، وَهِيَ أَيْضًا كَلِمَةٌ جَيِّدَةٌ ، وَتَصِفُ بِدِقَّةٍ ما يَعْتَرِي الْإِنْسانَ حينَ يُسْأَلُ هذَا السُّؤالَ وَهُوَ يَرى تَقْصيرَه وَعَجْزَه وَتَفْريطَه . ثُمَّ يَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلى نَفْسِه ، فَيَجِدُ في هذِهِ النَّفْسِ مَعْنًى حُلْوًا ، فَيَقولُ : " يا رَسولَ اللّهِ ، ما أَعْدَدْتُ لَها كَثيرَ صَلاةٍ وَلا صِيامٍ ، وَلكِنّي أُحِبُّ اللّهَ وَرَسولَه " ، وَلْتَهْنَأْ هذِهِ النَّفْسُ الَّتي أَسْكَنَ اللّهُ فيها حُبَّه وَحُبَّ نَبيِّه - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - وَيُجيبُ الرَّسولُ الْكَريمُ ، إِجابَةً هِيَ أَسْنى وَأَسْرى وَأَوْقَعُ وَأَكْرَمُ وَأَذْهَبُ لِلْخَوْفِ وَأَدْعى لِلْقَرارِ وَالْمَسَرَّةِ ، فَيَقولُ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " ، وَهِيَ غايَةٌ في الِاخْتِصارِ ، وَغايَةٌ في إِدْخالِ الْأُنْسِ عَلى هذِهِ النَّفْسِ الَّتي ذَكَرَتْ تَقْصيرَها ؛ فَانْكَسَرَتْ ، وَاسْتَكانَتْ . وَأَنا أُحِبُّ هذَا الْكَلامَ الْموجَزَ وَهذَا الْحِوارَ الَّذي كُلُّه سَدادٌ |
كذلك أنا أحب خَلْطَكَ نفسك بما تنظر فيه وتتكلم عنه ، وأراه من التوفيق ، ولا أبالي بمن يتشدقون بالأسلوب العلمي واللهُ يعلم أَلّا إيمان عندهم بما يَدَّعون ولا تَضْديق ! |
هذَا الرَّجُلُ هُوَ جِبْريلُ ، سَأَلَ في جَوْهَرِ الدّينِ ، وَيُتابِعُ أَسْئِلَةً ذاتَ غَوْرٍ ، وَيُرَتِّبُها جَيِّدًا |
وكان يحكم على كلامه بـ" صَدَقْتَ " ؛ حتى عجب الصحابة ممن يسأل ويُصَدِّقُ ، أي يَحْكُمُ بالصِّدْق ! |
في حَديثِ أَبي هُرَيْرَةَ : " إِذا ضُيِّعَتِ الْأَمانَةُ فَانْتَظِرِ السّاعَةَ ! قالَ : كَيْفَ إِضاعَتُها ، يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : إِذا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلى غَيْرِ أَهْلِه فَانْتَظِرِ السّاعَةَ " ! قالَ الْعَيْنيُّ : وَالْمُرادُ مِنَ الْأَمْرِ جِنْسُ الْأُمورِ الَّتي تَتَعَلَّقُ بِالدّينِ ، كَالْخِلافَةِ وَالسُّلْطَةِ وَالْإِمارَةِ وَالْقَضاءِ وَالْإِفْتاءِ " . ثُمَّ قالَ الْعَيْنيُّ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ : " وَأَعْظَمُ الْمَصائِبِ أَنَّ الدِّيارَ الْمِصْريَّةَ الَّتي هِيَ كُرْسيُّ الْإِسْلامِ لا يَتَوَلّى فيهَا الْقُضاةُ وَالْحُكّامُ وَسائِرُ الْمَناصِبِ إِلّا بِالرِّشا وَالْبَراطيلِ ، وَلا يوجَدُ هذا في بِلادِ الرّومِ وَالْعَجَمِ " ! |
وأنت تنظر بعيني العيني ! " خُذوه ! خُذوني ؛ لَنْ تَزيدوا مَرارَتي " ! |
كَشْفُ الْوَشائِجِ الَّتي بَيْنَ الْجُزْئيّاتِ الْمُكَوِّنَةِ لِبِناءِ الْبَيانِ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ ، مِنَ الْبَحْثِ الَّذي يَدْخُلُ في جَوْهَرِ الْبَيانِ . وَقَدْ طَرَقَ الْقُدَماءُ بابَه لَمّا قالُوا : السّورَةُ وَحْدَةٌ واحِدَةٌ ، وَقالَ الْعَجّاجُ : إِنَّ رُؤْبَةَ يَقولُ الْبَيْتَ وَابْنَ عَمِّه ، وَهُوَ يَقولُ الْبَيْتَ وَأَخاهُ ، وَلَوْ سَلَكْناهُ لَاتَّسَعَ ؛ وَإِنَّما يَدَّخِرُ اللّهُ لِمِثْلِ هذا مَنْ رَضِيَ مِنْ عِبادِه |
فاللهم بهذا أسألك أن تَدَّخِرَني لكتابك وسنة رسولك ، صلى الله عليه ، وسلم ! |
كانوا يَسْأَلونَ عَنْ أَعْمالٍ يُباشِرونَها ، كَالَّذي يَقولُ : " يا رَسولَ اللّهِ ، أَيُّ الْأَعْمالِ أَفْضَلُ " ، أَوْ " دُلَّني عَلى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ " ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِمّا هُوَ داخِلٌ في بابِ السُّلوكِ ، وَلكِنَّ هذا ( أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ ) سُؤالٌ كَما قُلْتُ ، في جُذورِ الْأَفْكارِ ، وَفي ماهيّاتِ الْأَشْياءِ وَحَقائِقِها ، وَإِنَّما أَثارَه سَخاءُ الْجُمْلَةِ الشَّريفَةِ وَما جَمَعَتْ مِنْ ثَراءٍ ، وَما يَشوبُها مِنْ مُفارَقَةٍ غَيْرِ مَأْلوفَةٍ ، لِأَنَّها لَمْ تَجْعَلِ الْخَوْفَ مِمّا يَأْلَفُ النّاسُ الْخَوْفَ مِنْهُ ( إِنَّ مِمّا أَخافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدي ما يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيا وَزينَتِها ) |
مر الزمان الأول بتأصيل العقيدة ، وجاء الزمان الآخر بتفصيل العمل ! أقبل رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - يؤصل أولا ، وأقبل أصحابه - رضي الله عنهم ! - يسألونه التفصيل ! أية حكمة ! |
بَقِيَتْ كَلِمَةُ " فَإِنَّ اللّهَ يَتَقَبَّلُها بِيَمينِهِ " ؛ الْعَرَبُ يَذْكُرونَ الْيَمينَ ، وَيَقولونَ : أَخَذَه بِيَمينِه ، وَجَعَلَه في يَمينِه ، يُريدونَ : جَعَلَه في مَوْضِعِ الْعِنايَةِ وَالْحِفْظِ ؛ يَقولُ الشّاعِرُ : أَبيني أَفي يُمْنى يَدَيْكِ جَعَلْتِني فَأَفْرَحَ أَمْ صَيَّرْتِني في شِمالِك وَسِرُّ ذلِكَ أَنَّ الْيَمينَ أَمْكَنُ وَأَكْمَلُ (...) ، وَلِذلِكَ قالَ - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - : " وَكِلْتا يَدَيْهِ يَمينٌ " ؛ قالَ الْعَيْنيُّ : " لَمّا كانَتِ الشِّمالُ عادَةً تَنْقُصُ عَنِ الْيَمينِ بَطْشًا وَقوَّةً ، عَرَّفَنَا الشّارِعُ بِقَوْلِه : " وَكِلْتا يَدَيْهِ يَمينٌ " ؛ فَانْتَفَى النَّقْصُ - تَعالى عَنْهُ ! - وَالْجارِحَةُ عَلَى الرَّبِّ مُحالٌ |
لابن الدمينة عبد الله بن عبيد الله ، ذلك البيت ، وكذلك قال سيدنا الشَّمّاخُ - رضي الله عنه - : " إِذا ما رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقّاها عَرابَةُ بِالْيَمين " ؛ فقلت من " براء " : " وَتَلَقَّيْتُ عَنِ الْحَقِّ شِعاري بِيَميني " ! والعُمانيّون متمسكون باليمين في أَخْذِهم كل شيء وعَطائِهم ، يرونه من الأدب العالي وحسن الخلق ، ويرون ترك اليمين فيهما إلى الشمال ، من قلة الأدب وسوء الخلق ؛ حتى ربما تَعادَوْا به ! ولقد أحببت ذلك فيهم ، وتَدَرَّبْتُ به عليهم ، ودَرَّبْتُ بَنيّ ! |
لا يَهْلِكُ عَلَى اللّهِ إِلّا هالِكٌ ! |
كَرَّرْتَها مرارا ، تعني : مَنْ لم يفز بذلك ، فلا يَلومَنَّ إلا نفسه ! |
لا يَنْظُرُ الْمُسْلِمُ إِلَى الْعَلاقَةِ الَّتي بَيْنَه وَبَيْنَ مَنْ يَمُدُّ يَدَه لَه بِالْخَيْرِ ، لِأَنَّه لا يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْ أَجْلِ شَخْصِه ، تُعْطي الصَّدَقَةَ لِمَنْ تَكْرَهُ ، وَتُغيثُ مَنْ أَساءَ إِلَيْكَ ، وَتُهْدِي الْبِرَّ وَكَلِمَةَ الْخَيْرِ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ ، وَلَوْ كُنْتَ تَسْتَثْقِلُه ؛ أَنْتَ فِي الطّاعَةِ مُنْقادٌ لِما أُمِرْتَ بِه ، وَمُسْتَجيبٌ لِأَمْرِ اللّهِ وَرَسولِه ، وَمُتَعَبِّدٌ بِما أُمِرْتَ بِه ، وَلا شَيْءَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ |
لما قطع أبو بكر - رضي الله عنه ! - عن مِسْطَحٍ صَدَقَتَه ، عقابا على خوضه في الإفك ، لامه رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - فعاد إلى ما كان ، ولامه ربه - سبحانه ، وتعالى ! - : " لا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتوا أُولِي الْقُرْبى " . |
رَوَى ابْنُ إِسْحاقَ في غَزْوَةِ تَبوكَ ، أَنَّ رَسولَ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - لَمّا خَرَجَ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَه مِنْ أَصْحابِه ، جَعَلَ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ ، فَيَقولونَ : يا رَسولَ اللّهِ ، تَخَلَّفَ فُلانٌ ! فَيَقولُ : دَعوهُ ؛ فَإِنْ يَكُ فيهِ خَيْرٌ ، فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ - تَعالى ! - بِكُمْ ، وَإِنْ يَكُ غَيْرُ ذلِكَ ، فَقَدْ أَراحَكُمُ اللّهُ مِنْهُ ؛ حَتّى قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، قَدْ تَخَلَّفَ أَبو ذَرٍّ ، وَأَبْطَأَ بِه بَعيرُه ، فَقالَ : دَعوهُ ؛ فَإِنْ يَكُ فيهِ خَيْرٌ ، فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ بِكُمْ ، وَإِنْ يَكُ غَيْرُ ذلِكَ ، فَقَدْ أَراحَكُمُ اللّهُ مِنْهُ ! وَتَلَوَّمَ ( تَلَبَّثَ ) أَبو ذَرٍّ عَلى بَعيرِه ، فَلَمّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتاعَه ، فَحَمَلَه عَلى ظَهْرِه ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسولِ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - ماشِيًا ، وَنَزَلَ رَسولُ اللّهِ في بَعْضِ مَنازِلِه ، فَنَظَرَ ناظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمينَ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إِنَّ هذا لَرَجُلٌ يَمْشي عَلَى الطَّريقِ وَحْدَه ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - كُنْ أَبا ذَرٍّ ، فَلَمّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، هُوَ - وَاللّهِ - أَبو ذَرٍّ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - رَحِمَ اللّهُ أَبا ذَرٍّ ، يَمْشي وَحْدَه ، وَيَموتُ وَحْدَه ، وَيُبْعَثُ وَحْدَه ! |
قلت في " طَرَفٌ مِنْ خَبَرِ الَّذي هُنا هُناكَ " ، مِنْ " بَراء " : " أَنامُ ضَريرا وَيَصْحو هُناكَ قَريرا أَبو مِذْوَد يُقَلِّبُ أَفْئِدَةَ الْعَسَسِ الذّاهِلينَ وَيَسْبُرُ أَغْوارَها وَيَعْرِفُ أَسْرارَها فَيَرْضى وَيَسْخَطُ وَحْدَه وَيَبْكي وَيَضْحَكُ وَحْدَه أَبو مِذْوَد " ! ولا أرتاب في أنني نَظَرْتُ فيها إِلى مَقالَةِ رَسولِ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - هذه في أَبي ذَرٍّ ، الذي أحببته دائما ، وتَتَبَّعْتُ أخلاقه ، رضي الله عنه ! |