قراءة مرآوية لنصوص الشاعرة الفذة هدلا القصار
قراءة مرآوية لنصوص الشاعرة الفذة هدلا القصار
عبد الوهاب المطلبي
كيف يتصور مجنون مثلي ان يكتب عن شاعرة فذة وكاتبة تمتلك حبرا سحريا ولغتها الشاعرية الآتية من مجرة الإبداع ومن مطر الحنين الذي لا يوصف شاعرة وكاتبة أيضا تنهل من منابع مميزة لقارة في مجموعة شمسية لا يسكنها الا الشعر وحتى نصوصها النقدية تشير الى ذلك فقد كتبت عن شاعر فلسطيني ولكن حبرها المنثور لم يكن سوى قصائد مفروشة على سواحل الجمال تضاهي فرشاة بوتشيلي وهو يعزف بألوانه مولد فينوس او يصور الربيع بأبهى وأفخم توق..و هدلا فعلت ذلك واليكم قطوف من نصها حول الشاعر الفلسطيني منير مزيد:
((شاعر لم تصنعه القصيدة ولم تصنفه الكلمات، يهرب من اللغة المعسكرة يرفرف تحت جناح مخيلته يحلق كالنوارس في يقظات السماء يرسم اله العشق يحلم بمرضعاته الثلاث، الأم الأرض الأنثى، حيث يوطنهم على أوراقه يوزع جيناته على أجساد القصيدة يحملها تاريخ الأساطير التي تتشابه مع مفهومه الفلسفي من خلال وجوده يرسم تضاريس الانصهار في يقظته يحول الأرض والأشياء والطبيعة إلى كائنات تتحرك أمامه تعتمد صوره الشعرية على علاقته بروح الومضة التي تنبثق من حواسه وتفاعله مع الحدث الإنساني يحمل رؤيته بكل عفويتها وانبثاقها يغوص في محتواها يستنهض القصيدة من غفوتها ليرمم صور الوطن المهملة على الخرائط، يخاطب كل أنواع الوجود يحاكي الإنسانية السياسة الديانات الآلهة والمعابد ويجسدها كطفل فقد نهده فهو بالأصل يعني الأرض التي لا تشبع لهفته منها، فلا شك أن هذه الإنسانية السوسيوثقافية المرتبطة بمعايشته للعاطفة التي منحته مرآة ذاته تجمع بين الرجل والمرأة والكون في شخصية الشاعر منير وهم الاناء الموحد في مجموعاته التي استخدام فيها ساحته السردية المتعددة الجدال والحركة داخل مفهومه الكينوني . ))
أليس هذا النص أفضل كثيرا من نصوص قرأتها كقصائد وإذا كانت المعاني المجردة تنساب من بين أناملها كائنات مرآوية يفتح لها الإلهام أوسع أبوابه ويرفع أذيال حلل موسيقاها الروحية المنبعثة من تناغم الألحان الخفية عبر تراكيب يحيها الذهول وتجلس الدهشة مع كلماتها على أبسطة الإبداع ، وتشتكي الرقة من عذوبة بوح مكنونات مشاعر النبل والأصالة التي تقطرها روحها البهية، بصراحة أنا أتأمل هرما من الأدب النسوي الذي يطرح نفسه بجدارة ..
كنتُ في حوار مع شبح وضعته في إحدى تجاربي الشعرية وفوجئت بان الشبح يلقي علي أشعار نسبها الى الشاعرة الفذة ودون ان ادري دخلت في أحضان التجربة واشار الشبح النسوي انها أبيات من قصيدة لهدلا القصار ولا ادري مدى صحة المعلومة فقد حصرتها بين الأقواس:
)))لـن أبـوح
ولن أقص حكايتي
لم انس الماضي
ولن اذكر الحاضر
ولن أعود للبداية
ولن اصف رقصة اغتيالاتي
ولن أقول كيف غـفى بين أصابعي
ومتى همست في أذنيه رغباتي
وكيف سبل جسده بين ضلوعي
ولماذا صحا على كلماتي
لن أبوح بساعة الصفر
: ولن أقول كيف مارس حلمه معي
ولماذا اختفت تجاعيد وجه
واختزل شيخوخته
لن أقول لماذا عاد لماضي أيامي
وكيف تخطى مراهقته
ليملأ فراغات
ومتى همست في أذنيه رغباتي
وكيف سبل جسده بين ضلوعي
ولماذا صحا على كلماتي
ولماذا قيدني بتحولاته
ومشاكسة مداعباته
ولن أقول لماذا أغرتني تساؤلاته
وكيف سلمني جميع أوراقه
ودثر نفسه بخصلات شعري
ولماذا يشتهيني كسيجارته
: لن أقول لماذا مزق رزنامة يومياته
وكيف أصبح غير قابل الاختراق
ولن أقول كيف دفئني جسدي
ولماذا يسأل كل مساء عن اسم عطري
ولن أقول أنني ما زلت أنام على صدره
وأسجل مخطوطات أفكاره
واليوم أتغنى بصحبته )
أنها تنتمي فعلا الى سفوح جمالية تمتلكها هدلا ولكني غير متأكد من صحة تلك الأبيات ولهذا ستكون قراءتي المرآوية لنصوص شعرية أخرى مثلا شذرات اليقظة
( كف أيها الموت عن دورات فلكي
كف عن تحطيم زجاج رغباتي
ومداعبة خواطري
هي في حوار مع جدلية الموت والحياة كانت تصور الموت كحصان غير مروض صهيله يقتحم سهوب صحوتها ، وعن هذا فهي ليست بحاجة الى التفتيش عن مصباح شاعريتها ابدا ً.. فأمام تراقص صورها الشعرية واستعاراتها المرآوية يجري توق كلماتها كامواج عامرة بالمصابيح الطافيه يذكرني بكرنفالات الشموع الطافية على أمواج دجلة الأسير- والاسرون كثيرون- وهو يحتفل بمولد الرسول - ،هي تستلهم الرؤى وترتشف عصارة شاعرية تسجد لها حقول الحنين وتكتب لها عنادل تجربتها البهية اصدق الترجمات عن إيقاعات المعاناة فتضيف الى النهر الشعري الكبير قطرات مميزة يشار إليها بالبنان وأنا اعلم علم اليقين السعيد منا نحن الذي نمارس كتابة الشعر من يضع له قطرة واحدة مميزة..ان للشاعرة هدلة ميزة أخرى أحيانا تقشر الكلمات وتنزع من بعض التعابير سلفنتها عند الغير القسرية.. هي والمباشرة الفجة خطان متوازيان لا يلتقيان ابدا:
شذرات اليقظة للشاعرة هدلا القصار
كُفَ أيها الموت عن دورات فلكي
كُفَ عن تحطيم زجاج رغباتي
ومداعبة خواطري
أجل الموت الذي يتبعني
لما لا توقف صهيل شهقاتك في صحوتي
وحين أفتش عن مصابيحي
لأقطف النور من شعريِتي
أطلق هدوئي الذي يراودني
كأزيز النحل في خلاياه
فلا تغازلني ببريق جمرك
البحر هناك ....
يوقظ صفحات موجي
على وريد هديري لأرسو شطأنه
وأحنط الوقت بمرجانه
أتشاغل في مباغتاته
لأشعل الحواس في أصابعي
وأعزف رقصة الوميض
على أوراق بيادري
ما زلت أتمسك بممرات الحكايات
واعد نجوم السماء
في ابتهال مسيرتي
كُفَ أيها الموت عن إفساد أسواري
وملاحقة آثاري
اذهب واحتمل الموت بعيداً عني
بشر إلهاك واخبره .....
إن الموعد قد تأجل
خذ معك سخونة أحزاني
وقهراً يساهرك
اتبع كل ما يشبهك
وارحل من سفوحي
فانا ما زلت املك الأحلام في دخيلتي
احتاج دهرا لأشرب من جواهر أفراحي
للامس شقائق النعمان من تربتي
فيدي محصنة بالدم الأرجواني
فهذه حصتي وينبوع اخضراري
تصحبني لثدي النهرين*
حين أترك وجهي لصحراء وديانه
وازرع قراري من ذاتي
اغني مع حفيف أوراق الأشجار
لعالم يحتوي غفلة جفوني
لعالم يلملم تناثري
وانحداري من انحداري
هدلا القصار
شاعرة وكاتبة من لبنان
إنَّ المآخذ على قصيدة النثر الإيقاعية هي إيغالها في النزول الحر إلى أعماق الكلمات لتفادي المباشرة ،،و من ناحية أخرى ولإضفاء طابع الحداثة على هذا النوع من الأدب وهدلا القصار تعرف ان عليها ان تريق روح الإبداع في عالم لا يخلو من السلفنة الطافية في نظام ميتافيزيقي غير مدرك بصريا على الأقل ولذلك فأنها غير مستساغة لدى البعض الذين تعودوا على طرح مشاعرهم خلف شفافية ستائر الشعر المقفى ثمة متلقين لا يدركون الموسيقى الداخلية المنبعثة من تراكيب الصور والاستعارات.. ويعدونه نوعا من النثر الأدبي المركز.