تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " جَمْهَرَةُ مَقالاتِ الْأُسْتاذِ مَحْمودْ مُحَمَّدْ شاكِرْ " ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
يَقولُ رَسولُ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - : " مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِه جاءَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مُلْجَمًا بِلِجامٍ مِنْ نارٍ " |
اللهم ، عافنا ، واعف عنا ؛ فلا نريد إلا أن نكتم جهلنا ! |
فَعلى نَفْسِكَ نُحْ إِنْ كُنْتَ لا بُدَّ تَنْوح |
كنت أحفظه : نُحْ عَلى نَفْسِكَ يا مِسْكينُ إِنْ كُنْتَ تَنوح |
كانَتْ هذِهِ الْحادِثَةُ ( مذبحة دنشواي ) خَليقَةً أَنْ تُنْشِئَ رَجُلًا لَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ قَطُّ فَيَكونَ شاعِرًا يَمْلَأُ رِحابَ الدُّنْيا تَفَجُّعًا وَنِداءً وَتَحْريضًا عَلى تَقْويضِ دَعائِمِ الْبَغْيِ وَالطُّغْيانِ |
قد صدق البدوني إذن في قوله من " سندباد يمني في مقعد التحقق " : لَقَدْ كُنْتَ أُمّيًّا حِمارًا وَفَجْأَةً ظَهَرْتَ أَديبًا ! مُذْ طَبَخْتُمْ مَآدِبي ! |
أَمّا مُلاعَبَةُ الْجُدودِ الَّتي ذَكَرَها ( الأستاذ السيد صقر ) ، وَظَنَّ الشِّعْرَ ( ... ولاعب بالعشي بني بنيه ... ) يَسْتَقيمُ بِها - فَرُبَّما صَحَّتْ في جَدٍّ بَلَغَ الْخَمْسينَ وَالسِّتّينَ ، أَمّا جَدٌّ في أَرْذَلِ الْعُمُرِ أَعْشى أَصَمُّ مَيِّتُ الْأَعْضاءِ ، فَصَعْبٌ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَرْءُ مِثْلَه ماشِيًا عَلى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ ، يُحاوِرُ مِنْ هُنا وَيُداوِرُ مِنْ هُناكَ ! |
كتب أستاذنا هذا وهو في الرابعة والأربعين ، عَزَبٌ ، ثم لما تزوج وأنجب ثم كبر ابنه فهر وتزوج وأنجب سنة 1996م تقريبا ، كان في الموت - فقد رحل في العام التالي ، رحمه الله ! فسبحان الذي يجري على ألسنتنا وأقلامنا ، ما ظاهره في غيرنا ، وهو صريح فينا لم يئن أوانه ! اللهم حسن الخاتمة ! |
يَحْيى حَقّي صَديقُ الْحَياةِ الَّذِي افْتَقَدْتُه |
أليست هذه هي المقالة التي حررها بأسلوبه الأستاذ سامح كريم ، عن مهاتفة لأستاذنا - رحمه الله ! - لم تكن لتخرج مخرج كتاباته ! أوليست التي جعلها أخونا الدكتور مصطفى عراقي ، من ملاءمة أستاذنا - رحمه الله ! - لمقام الوفاة ، وتجنبه لإغراقه في طريقته العالية ! ثم أليس هذا ما ذكرتُه لأستاذنا - رحمه الله ! - فابتسم ! |
لَمْ يَقْطَعْهُ ( يحيى حقي ) إِلّا زَواجُهُ الْأَوَّلُ مِنْ والِدَةِ كَريمَتِه نُهى ، لِيَعودَ إِلَيْنا بَعْدَ وَفاتِها مُواصِلًا هذِهِ الْعَلاقَةَ مَعَ إِخْوَةٍ كِرامٍ في مُقَدِّمَتِهِمْ فَتْحي رِضْوانْ ، وَعَلي مَحْمودْ طه ، وَمَحْمودْ حَسَنْ إِسْماعيلْ ، وَمُحَمَّدْ لُطْفي جُمُعَهْ ، وَإِبْراهيمْ صَبْري ابْنُ شَيْخِ الْإِسْلامِ مُصْطَفى صَبْرِي الْمَنْفيِّ في تُرْكِيا ، وَعُثْمانْ عَسَلْ |
الله أكبر ! 1 يحيى حقي ، 2 فتحي رضوان ، 3 علي محمود طه ، 4 محمود حسن إسماعيل ، 5 محمد لطفي جمعة ، 6 إبراهيم صبري ، 7 عثمان عسل ، بين يدي محمود محمد شاكر ، في بيته مَعًا ! |
كانَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ ( أخو أستاذنا ) مُنْذُ عَقَلَ وَطلَبَ الْعِلْمَ ، مُحِبًّا لِلْأَدَبِ وَالشِّعْرِ ، كَدَأْبِ الشَّبابِ في صَدْرِ أَيّامِه ، فَاجْتَمَعَ فِي الْإِسْكَنْدَريَّةِ وَأَديبٌ مِنْ أُدَباءِ زَمانِه في هذَا الثَّغْرِ ، هُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلامِ الْفَقي ، مِنْ أُسْرَةِ الْفَقِي الْمَشْهورَةِ بِالْمُنوفيَّةِ ، فَحَرَّضَه عَلى طَلَبِ الْأَدَبِ |
سلام علي أخينا عصام الفقي ، الرجل الصالح ! |
لَقِيَ أَيْضًا ( الشيخ أحمد شاكر ) الشَّيْخَ أَحْمَدَ بْنَ الشَّمْسِ الشَّنْقيطيَّ ، عالِمَ الْقَبائِلِ الْمُلَثَّمَةِ |
هم الطوارق ، وما أَلْثِمَتُهُمْ إلا وقاية من لفح السموم ، عرب ، أهل كرم وفضل وشرف |
الْقَضيَّةُ الْأولى " قَضيَّةُ الشِّعْرِ الْجاهِليِّ " ، وَهِيَ قَضيَّةٌ أَكْثَرْتُ مِنْ تَرْديدِ ذِكْرِها في مَواضِعَ مُخْتَلِفاتٍ في أَكْثَرِ ما أَكْتُبُ |
لأستاذنا - رحمه الله ! - محاضرة مطولة في هذا الوقت ، بعنوان " قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام " ، طبعت كتابا بعد |
أَخَذَني ما أَخَذَني مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ وَالِارْتِياحِ ، ثُمَّ انْقَشَعَ عَنّي الظَّلامُ : " فَأَصْبَحْتُ وَالْغولُ لي جارَةٌ فَياجارَتا أَنْتِ ما أَهْوَلا " " وَالْغولُ لي جارَةٌ " ، لَيْسَتْ رَمْزًا وَلا مَجازًا ، بَلْ كانَتْ عِنْدي حَقيقَةً مُفْزِعَةً ، تَدْخُلُ مَعِي الْمُحاضَراتِ ( محاضرات الدكتور طه حسين بجامعة القاهرة ) يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ ، وَكُلَّ يَوْمٍ أَقولُ لِنَفْسي عَسى وَلَعَلَّ ! |
لي في " براء " ، قصيدة " أخو الغول " ، وفيها : " تألفني السعلاة لا تعرفني السعاة " ! |
أَتَلَفَّتُ الْيَوْمَ إِلى ما أَشْفَقْتُ مِنْهُ قَديمًا مِنْ فِعْلِ الْأَساتِذَةِ الْكِبارِ ؛ لَقَدْ ذَهَبوا بَعْدَ أَنْ تَرَكوا مِنْ حَيْثُ أَرادوا أَوْ لَمْ يُريدوا ، حَياةً أَدَبيَّةً وَثَقافيَّةً قَدْ فَسَدَتْ فَسادًا وَبيلًا عَلى مَدى نِصْفِ قَرْنٍ . وَتَجَدَّدَتِ الْأَساليبُ ، وَتَنَوَّعَتْ ، وَصارَ السَّطْوُ عَلى أَعْمالِ النّاسِ أَمْرًا مَأْلوفًا غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ ، يَمْشي في النّاسِ طَليقًا ، عَلَيْهِ طَيْلَسانُ الْبَحْثِ الْعِلْميِّ وَعالَميَّةِ الثَّقافَةِ وَالثَّقافَةِ الْإِنْسانيَّةِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْصولُه إِلّا تَرْديدًا لِقَضايا غَريبَةٍ صاغَها غُرباءُ صِياغَةً مُطابِقَةً لِمَناهِجِهِمْ وَمَنابِتِهِمْ وَنَظَراتِهِمْ في كُلِّ قَضيَّةٍ - وَاخْتَلَطَ الْحابِلُ بِالنّابِلِ . قُلْ ذلِكَ في الْأَدَبِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالتّاريخِ وَالْفَنِّ أَوْ ما شِئْتَ ؛ فَإِنَّه صادِقٌ صِدْقًا لا يَتَخَلَّفُ : فَالْأَديبُ مِنّا مُصَوِّرٌ بِقَلَمِ غَيْرِه ، وَالْفَيْلَسوفُ مِنّا مُفَكِّرٌ بِعَقْلِ سِواهُ ، وَالْمُؤَرِّخُ مِنّا ناقِدٌ لِلْأَحْداثِ بِنَظَرِ غَريبٍ عَنْ تاريخِه ، وَالْفَنّانُ مِنّا نابِضٌ قَلْبُه بِنَبْضٍ أَجْنَبيٍّ عَنْ تُراثِ فَنِّه |
اقتطعت سنة 2004م ، هذا الكلام وفقرة من كتابه المتبي بعده ، واختبرت فيه طلابي بالفرقة الأولى من دار العلوم ، ثم نظرت فيه معهم بعدئذ مراجعةً ؛ فعنونته لهم : " جِنايَةُ الصِّغارِ الْمُتَكابِرينَ " ، ثم ذكرت ذلك لأستاذين بكليتي نفسها ، فوصمني أحدهما بارتكاب ما لا يليق ، وطَرَدَني تلميحًا من سيارته التي أقلَّني فيها لتعطُّل سيارتي ! ولقد كان حكى لي أن أستاذًا أشرف عليه بكليته ، لما خالفه رأيا برأي ، فعل به قريبا مما فعل بي- وإن كنت أنا حين اختلفنا أنا وهو ، عضو هيئة تدريس أكثر حرية - فذَكَّرْتُه ذاك قائلا : كأني بالتاريخ يعيد نفسه ! فلم يُحِرْ جوابًا ! وبقينا ندور في أماكننا : " (...) هَيْهاتَ ما أَبْعَدَ ما تُكابِد " ! |
أَلْقَتْ بي بَغْتَةً فِي الْأَمْرِ الْمَخوفِ الْمَهوبِ الَّذي تَنْخَلِعُ لَهُ الْقلوبُ |
الشائع " المهيب " ، ولكن لـ" مهوب " ، وجها ما |
مَعْنى ذلِكَ أَنَّ " الْخَطَّ " الْخَفيَّ الْمَسْطورَ قابِلٌ لِحَمْلِ هذِهِ الدَّلائِلِ الْخَفيَّةِ الْمُغْرِقَةِ فِي الْخَفاءِ ، وَأَنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى اسْتِخْراجِ هذِهِ الدَّلائِلِ مُمْكِنٌ أَيْضًا لِمَنْ تَطَلَّبَه عَلى وَجْهِهِ الصَّحيحِ |
عرفت الآن أنك تستعمل " تَطَلَّبَ " ، للطَّلَبِ مرة بعد مرة ، كما شرحت فرق ما بين " تَذَوَّقَ " ، و" ذاقَ " ! |
لَوْ قَدْ يَسَّرَ اللّهُ لِكُلِّ شاعِرٍ أَوْ كاتِبٍ أَوْ عالِمٍ ، صَديقًا وَفيًّا يَنْقُلُه إِلَى النّاسِ أَحاديثَ وَأَخْبارًا وَأَعْمالًا كَما يَسَّرَ اللَهُ لِلرّافِعيِّ ، لَما أَضَلَّتِ الْعَرَبيَّةُ مَجْدَ أُدَبائِها وَعُلَمائِها ، وَلَما تَفَلَّتَ مِنْ أَدَبِها عِلْمُ أَسْرارِ الْأَساليبِ وَعِلْمُ وُجوهِ الْمَعانِي الَّتي تَعْتَلِجُ فِي النُّفوسِ وَتَرْتَكِضُ فِي الْقُلوبِ حَتّى يُؤْذَنَ لَها أَنْ تَكونَ أَدَبًا يُصْطَفى وَعِلْمًا يُتَوارَثُ وَفَنًّا يَتَبَلَّجُ عَلى سَوادِ الْحَياةِ فَتُسْفِرُ عَنْ مَكْنونِها مُتَكَشِّفَةً بارِزَةً تَتَأَنَّقُ لِلنَّفْسِ حَتّى تَسْتَوِيَ بِمَعانيها وَأَسْرارِها عَلى أَسْبابِ الْفَرَحِ وَدَواعِي السُّرورِ وَما قَبْلُ وَما بَعْدُ |
ثم مضى أستاذنا إلى حيث أستاذه - رحمهما الله ! - فيسر له الله - تعالى جده ! - تلميذه الدكتور عادل سليمان جمال - أحسن الله إليه ، وجزاه عنا خيرا ! - فكأنما قصر حياته على آثار أستاذنا - رحمه الله ! - فهو يعتني بها ، ويخرجها أحسن إخراج ؛ فسبحان الذي جعلها سنة من البر في هذه المدرسة ، ولا حرمنا أن نسيرها وتسار فينا ! |
إِذا أَخَذَ ( أحمد تيمور باشا ) الْكِتابَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، تَغَيَّرَتْ أَساريرُ وَجْهِه ، وَاسْتَضاءَتْ ، وَكَأَنَّ نورًا قَدْ سَطَعَ بِمُجَرَّدِ إِمْساكِهِ الْمَخْطوطَ ، إِذا جاءَه أَمينْ أَفَنْدي ( الخانجي ) بِمَخْطوطٍ جَديدٍ . شَيْءٌ هائِلٌ ! تُحِسُّ أَنَّ هذَا الرَّجُلَ لَيْسَ إِنْسانًا تَتَغَيَّرُ صورَتُه مِنْ إِنْسانٍ جالِسٍ يَتَكَلَّمُ ، إِلى إِنْسانٍ مَأْخوذٍ وَمُضيءٍ في وَقْتٍ واحِدٍ ، وَتَبْرُقُ عَيْناهُ وَكَأَنَّها لُؤْلُؤَةٌ مُضيئَةٌ ، أَوْ دُرَّةٌ يَتيمَةٌ |
قال مثل هذا في الشريف الكتاني ، العالم المغربي المار بمصر إلى الحجاز |
مِنَ الطَّرائِفِ أَنَّه ( أحمد زكي باشا ) في آخِرِ حَياتِه ، أَوْقَفَ مَكْتَبَتَه ، وَنُقِلَتْ إِلى مَدْرَسَةِ الْغوريِّ الْقَريبَةِ مِنَ الْأَزْهَرِ ، وَعُيِّنَ لَها صَديقٌ لَنا كانَ أَيْضًا مُحِبًّا لِلْكُتُبِ هُوَ الشَّيْخُ مَحْمودْ زَناتي ، فَأَخْبَرْتُه عَنْ خُلُقِ زَكي باشا ، أَنَّه يَسْرِقُ الْكُتُبَ ؛ فَحاذِرْ ، فَقالَ : " كَيْفَ يَعْني ؟ كَيْفَ يَسْرِقُ الْكُتُبَ " ؟ قلت : " طَيِّبٌ يا شَيْخُ مَحْمودْ ، جَرِّبْ بِنَفْسِكَ " ! فَحَدَّثَني أَنَّ أَحْمَدْ زَكي باشا غافَلَه في يَوْمٍ مِنَ الْأَيّامِ ، وَأَخَذَ كِتابًا ، وَوَضَعَه تَحْتَ إِبِطِه ، وَأَخْفاهُ ؛ فَقالَ لَهُ الشَّيْخُ مَحْمودْ عِنْدَ انْصِرافِه : " تَعالَ يا باشا ، طَلِّعِ الْكِتابَ " ! يَسْرِقُ نَفْسَه ! كانَتْ أَخْلاقًا ظَريفَةً ! |
علقت في 25/4/1992م ، على اسم محمود حسن زناتي ، بغلاف " الفصول والغايات " للمعري ، الذي ضبطه : " حدثني أبو فهر محمود محمد شاكر أمس ، قال : ضم أحمد زكي باشا - رحمه الله ! - مكتبته الضخمة إلى الأوقاف لتعم منافعها ، فكان القيم عليها الأستاذ محمود حسن زناتي ، ضابط هذا الكتاب ، فقال أبو فهر لمحمود زناتي مرة : احذر أحمد زكي باشا ؛ فإنه يسرق الكتب (!) فلما رأى عجبه من كلامه ، قال له : راقبه ... وقد حدث أن زار زكي باشا مكتبته هذه التي وقفها ( وقد كان أبو فهر يقول أوقفها ) ، ثم تحرك خارجا ، فقال له محمود زناتي : هات ما أخذت ، وكشف ما أخذه حقيقةً ! وضحك أبو فهر لهذا الذي يسرق مكتبته ! فقلتُ له : كانوا عشاق كتب ... قال نعم ، عشاق كتب ! رحم الله من قضى منهم ، ونسأ في عمر الباقين مباركا فيه " . فكأنه كان بعقب عودته من لندن ومحاضرته هذه ! وفي مسقط ببيت الدكتور أحمد كشك بجامعة السلطان قابوس ، حكيت وقعة أحمد زكي باشا على الجالسين وفيهم سعيد الصقلاوي المهندس الشاعر العماني ، وعالم عراقي ، فقدح العالم العراقي في صحتها ، وتساخر بي ، وأحرجني . ثم علمت بعد ذلك أنه كان يكره أستاذنا - رحمه الله ! - لشدة ما فتك بأستاذه الدكتور جواد في " برنامج طبقات فحول الشعراء " ؛ فلم أكن بعدئذ أرتاح له ! فمن لي به الآن أطلعه على الوقعة مكتوبة مستهدفة ! عافانا الله من سوء عاقبة الأحوال الفاسدة ! |
ذَكَرْتُ كَيْفَ كانَتِ الْعاقِبَةُ حينَ كَبُرَ هؤُلاءِ الصِّغارُ ، وَحاوَلوا أَنْ يُزاحِمُوا الْأَساتِذَةَ الْكِبارَ كَالدُّكْتورِ طه ( حسين ) في مَوْقِعِ الْأُسْتاذيَّةِ - فَقُلْتُ : " ولكِنَّهُمْ لَمْ يَسيروا سيرَةَ الْأَساتِذَةِ في مُعالَجَةِ الْقَديمِ ، بَلْ كانَ الْغالِبُ عَلى أَكْثَرِهِمْ هُوَ رَفْضَ الْقَديمِ ، وَالْإِعْراضَ عَنْهُ ، وَالِانْتِقاصَ لَه ، وَالِاسْتِخْفافَ بِه ؛ وَعِنْدَئِذٍ أَحَسَّ الدُّكْتورُ طه بِالْخَطَرِ ، وَهُوَ الَّذي أَضاءَ لَهُمُ الطَّريقَ بِالضَّجَّةِ الَّتي أَحْدَثَها كِتابُه ( فِي الشِّعْرِ الْجاهِليِّ ) |
كأنها عادة ؛ فقد أقدم على مثل ذلك ، ثم أوجس مما انتهى إليه عند تلامذته - أدونيس ، ولكن " شَبَّ عَمْرٌو عَنِ الطَّوْقِ " ! |