المناهج النقدية الحديثة في ضوء التصور الإسلامي 3

المنهج الاجتماعي


د. رمضان عمر

[email protected]

رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين

 علينا أن نعترف-بداية- أن كافة المناهج السياقية، وعلى رأسها  المنهج الاجتماعي،تنطلق من رؤية فلسفية مضمونية، يصبح التشكيل-فيها- بعدا ثانويا،ولعل  خلافنا مع الشكل سيكون أقل بكثير من خلافنا  مع الرؤية  والمنطلقات الفكرية ،ولذا فان تبني  هذه  المناهج  أو  محاولة تطبيقها على واقعنا الفكري والثقافي يقع  ضمن هذا المحذور.ويؤكد ضرورة التعامل الواعي معها.

من نحو آخر لا بد أن نعترف  أن عالمية المناهج الأدبية لا تنفي  عنها صفتها الإقليمية؛ حيث  أنها نشأت في بيئة ما وعالمية الأدب  – في  رأى غوتة مثلا – ليست بعيدة عن التفكير الكولنيالي، والتاريخانية الفرنسية تجعل  من فرنسا مركز التنوير الحضاري للعالم،وقد ظل الأدبين: الإغريقي واللاتي هما المقياسين الوحيدين لطبيعة تطور الأدب، وكذا الواقعية الاشتراكية في روسيا، تنطلق  من الجدلية التاريخية، أو الطبقية الاجتماعية،وتتخذ ذلك معيارا نقديا لها.

المنهج الاجتماعي ولد في أحضان المنهج التاريخي،لذا قال بعضهم:"إن  هذا المنهج جزء من المنهج التاريخي"،أما الذين فرقوا بين المنهجين قالوا:"إذا  كان الدرس الأدبي يتناول النصوص  القديمة،كان تاريخيا،أما إذا تناول النصوص الحديثة كما بين "جورج لوكاتش " في كتابه المشهور دراسات في الواقعية.

وإذا كان ارتباط المنهج الاجتماعي بالمنهج التاريخي من خلال البعد ألزماني؛ فثمة   ارتباط آخر لهذا المنهج بالعلوم الطبيعية.

ولعل أولى منطلقات هذا المنهج اعتبار الأدب لسان المجتمع؛والمعبر عن الحياة؛ذلك أن  العلاقة  جدلية بين الأدب  والمجتمع،تصنعه الظروف  والأحوال  الاجتماعية،والاقتصادية،والفكرية،والسياسية.وفلسفة الأديب عن الحياة تتبلور بتأثير المجتمع.والأديب يؤثر في مجتمعه تطويرا وإصلاحا.

هذا المنطلق الأولي لهذا المنهج السياقي يؤكد حقيقة الظاهرة  الاجتماعية باعتبارها  ظاهرة وظيفية.

وحينما ننتقل إلى الرؤية الفلسقية المرتبطة بوظيفة الأداء الأدبي،  وفق  هذا المنهج، نجد أن الماركسية من أوائل  من سارع إلى تبني  هذا المنهج الثوري؛حيث  قدمت من خلال "ماركس وانجلز "عاملا اجتماعيا آجر من العوامل  المؤثرة في الأدب وهو العامل  الاقتصادي.ذلك أن الأساس  الاقتصادي للمجتمع هو الذي يحدد طبيعة الايديلوجيا للمؤسسات،والممارسات المتعددة.

من ناحية ثانية  حاولت الماركسية ربط الأدب  من خلال  هذا المنهج  الذي اتسم بالواقعية بالجمهور،وجعله هدف  خطابه،ولذا أعلى من شان  الجماعة ورأى أن القيمة الجمالية للأدب تنبع من قدرته على التأثير في الجمهور.

وهنا نصل إلى ما كنت قد أشرت إليه من طبيعة المناهج السياقية،التي  تعتمد المضمون أساسا لرؤيتها النقدية؛حيث يتحول الأدب على وسيلة ناقلة للأفكار السياسية والفلسفية  والجمالية.

وتأتي هنا فكرة الالتزام لتفرض  على الأديب أن يكون لسان الحزب، وصدى المجتمع،واعتناق  رؤية جمعية حول  الحياة  والكون.وإذا كان الأدب الملتزم مقدمة للأدب الواقعي فإن الأدب  الواقعي ينفر من  الأدب الرمزي والسريالي.

وهنا يصبح الشكل  تابعا للمضمون بل  قد  لا نغالي  إذا قلنا  أن الشكل  عند الماركسيين  حالة مضمونية مثقلة بالفكر. حيث تتجلى- من خلال  متابعة الأدب  الماركسي-الحتمية الفلسفية في  نظرة الأديب  المرتبطة بلزوم التغيير الاجتماعي والسياسي  من خلال  العالم الاقتصادي.وهنا يتجلى بوضوح ربط لزومي بين المادي والفكري.

لكن هذه النظرة الضيقة التي قصرت المنهج الاجتماعي  على القيم المضمونية سرّعت في ميلاد البنيوية التكوينية ،حيث رأى جولدمان :" أن المادية التاريخية تشكل  الإبداع الأساسي  للعمل الأدبي"فالأدب  والفلسفة هما تعبيران عن رؤية للعالم،والرؤى حول العالم ليست وقائع فردية،بل اجتماعية.

والبنيوية التكوينية لا تنظر للنص على أنه مغلق،بل تحاول أن تقيم  حوارا بين داخل  النص وخارجه،أي بين الخطاب  الأدبي،والخطاب  الايديلوجي