الحقيقة الصوفية عند الإمام "حسن البنا"
الحقيقة الصوفية عند الإمام "حسن البنا"
إعداد محمد إبراهيم الشربيني صقر
(1427 هـ / 2006 م)
نظرات ونقد
الإمام الشهيد حسن البنا |
أ.د/ جابر قميحة |
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، فبه تستدفع المحنة ، وبه تستجلب المنة . وأصلي وأسلم على سيدنا محمد بن عبد الله الذي تركنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك . أما بعد :
فقد عشت ساعات وساعات مع هذه الرسالة القيمة ( الحقيقة الصوفية عند الإمام حسن البنا ) للأخ الأستاذ محمد إبراهيم الشربيني صقر .
وقد استهل الباحث موضوع بحثه في بيان النشأة الصوفية عند الإمام الشهيد ... فقد جمع الله في شخص حسن البنا مواهب تفرقت في أناس كثيرين ... وقصد الباحث أن يركز على الجانب الروحي أو الصوفي في حياة الشيخ حسن البنا ، لأن هذا الجانب يعد أهم الجوانب ــ أو من أهمها ــ في حياة أي زعيم أو قائد .
ولقد نشأ الشيخ البنا نشأة صوفية أهلته للقيام بأعباء الدعوة ، وكان لاندماجه في الصوفية ، والغوص في بحارها ، ومعاناته لأساليب التربية الروحية المكثفة فيها الأثر الكبير في تربية أتباعه تربية روحية قوية كان لها الأثر الكبير في نجاحها . وينقل الباحث عن الدكتور يوسف القرضاوي قوله : " كانت مزية حسن البنا : الجمع بين عقل السلفي المتبع ، وقلب الصوفي المتذوق ، وبذلك أراد لأصحابه ... " .
وفي إيجاز مكثف يطرح الباحث مفهوم الصوفية حتى كاد أن يكون مرادفا لــ " الروحية السلوكية والتربوية والعقدية ، بمفهومها الصادق الملتزم " .
**********
وقد قسم الباحث بحثه إلى أبواب ، وفصول ، ومباحث اتسعت للحديث عن التصوف تاريخا ، ولغة ، واصطلاحا ، وأثرا ، وتأثيرا ، راصدا مواطن الخلاف في كل هذا .
ولعل أهم الأبواب ــ أو من أهمها ــ الباب الثاني ، وعنوانه " قضايا التصوف في فكر الشيخ حسن البنا ، ونظرة الإسلام لها " . وقد ضم الفصول الخمسة الآتية :
1- نظرة الشيخ حسن البنا للتصوف .
2- قضية الأولياء وكراماتهم في فكر الشيخ حسن البنا ، ونظرة الإسلام لها .
3- قضية الإلهام والكشف والرؤى في فكر الشيخ البنا ، ونظرة الإسلام لها .
4- قضية زيارة القبور ، وما يتعلق بها في فكر الشيخ البنا ، ونظرة الإسلام لها .
5- قضية التوسل في فكر الشيخ البنا . ونظرة الإسلام لها .
**********
وسأل الكاتب الأمريكي روبير جاكسون ( الذي زار القاهرة في فبراير سنة 1946 وتقابل مع الشيخ البنا ) ... سأل الشيخ البنا يوما عن الصوفية والتصوف ، وهل هو من الإسلام ؟
وكان هذا السؤال على أثر ما نشرته بعض الصحف من أن الشيخ البنا من سلالة مغربية تعتنق الطريقة الشاذلية ، فكانت إجابته : " إن الصوفية النقية البعيدة عن التعقيد هي من لباب الإسلام ، وإنها هي الدرجة التي يصل إليها الرجل الحق ، وأن الصوفية ــ بالمفهوم الأصيل ــ تمد الطبع بحب الجهاد ، والكفاح ، وافتداء الفكرة ، وأنه يجب أن يرقى أتباعه إلى هذه الدرجة ، وأنه لا بأس على الإخوان من أن يأخذوا المعاني القوية الكامنة وراء مظاهر الصوفية ، فينقلوها إلى دعوتهم ، دون أن يتقيدوا بأثوابها القديمة ، أو مظاهرها التي لا تتفق وروح العصر " .
**********
وفي بسط واع أبرز الباحث أثر التصوف الإسلامي على شخصية حسن البنا :
إن التصوف الصحيح هو تزكية النفس ، وتخليصها من حب الدنيا ، والإقبال على الأخرة ، ودعوة الخلق إلى الله تعالى ، وتحمل الأذى في سبيل نشر دعوة الإسلام ، والجهاد في سبيل الله ، حتى ينال العبد أسمى ما يتمناه في الدنيا ، وهو الشهادة في سبيل الله ، وكذلك كان الشيخ حسن البنا ، فتربيته الأولى وهو صغير في الطريقة الحصافية أمدته بطاقة روحية هائلة جعلته يتحمل مشاق الدعوة إلى الله تعالى .
فالإمام الشهيد قائد دعوة ... يدعو إلى الإسلام بمفهومه الشمولي ... الإسلام الذي اتسع للقيم الإنسانية والتربوية والسلوكية العالية . وهذه الشمولية السمحاء نراها في دعوة الإخوان : فهي دعوة سلفية ، وطريقة سنية ، وحقيقة صوفية ، وهيئة سياسية ، وجماعة رياضية ، ورابطة علمية ثقافية ، وشركة اقتصادية ، وفكرة اجتماعية .
وهذا المنطق يرفض ما يسمى ، بالإسلام السياسي ، والإسلام الروحاني ، والإسلام العلمي ، وعلينا أن نستبدل بهذه المصطلحات العرجاء "الإسلام الإسلامي" ــ إن صح هذا التعبير ــ والمفهوم الصحيح الحقيقي للإسلام هو ما عرضناه فيما سبق .
**********
ومن حق المؤلف أن نسجل له في أطروحته :
1ــ سهولة الأسلوب ووضوحه ، وقد استطاع الباحث أن يبسط مادته بعيدا عن ثقل هذا الموضوع التخصصي ، حتى بدا أداؤه التعبيري قريبا من الأسلوب الأدبي .
2ــ الإيمان بقضيته التي عرضها بمصداقية ، ونقد ما رآه يستحق النقد ، وترجيح ما رآه جديرا بالترجيح .
3ــ عالج الباحث موضوعه بطريقة الموازنة و المقارنة . وهذا يذكرنا في علم النقد بالأدب المقارن والأدب الموازن . علما بأن الساحة الفكرية اتسعت لما نسميه بعلم " مقارنة الأديان " .
4ــ شغلت الدراسة في كثير من جوانبها بكثير من المعالجات التاريخية ، والسياسية ، والنفسية ، وعلم الجدل ، والاجتماع . مما يشهد للباحث بفكره الناضج ، ووعيه الدقيق، وعقليته الموسوعية . ومن فضول القول أن نقرر أن هذه الامتدادات التفصيلية لم تكن على حساب الشخصية المحورية ... " شخصية الإمام الشهيد حسن البنا " .
5ــ ألح الباحث إلحاحا شديدا على قضاياه ،ومن وسائل هذا الإلحاح : التفصيل ،والتكرار .
وكنا نتمنى أن يخفف من ذلك إلى حد ما ؛ فمن القضايا ما يحتاج إلى تكثيف وتركيز ،
حتى لا تتوه الحقيقة في غمرة هذا الإسهاب التكراري .
**********
ولكننا نقرر في صدق وأمانة : أن الباحث يمتلك قدرة التمكن الفكري ، والعَـقـَـدِي ، واللغوي ، ومن آليات البحث الكثير والكثير .
وفي النهاية ندعو الله له بالتوفيق ، والتقدم ، ومزيد من العطاء الذي ينتفع به الإسلام والمسلمون ، على نحو أقدر وأرقى . إنه نعم المولى ونعم النصير .