تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 17
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " جَمْهَرَةُ مَقالاتِ الْأُسْتاذِ مَحْمودْ مُحَمَّدْ شاكِرْ "]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
خَرَجْتُ أَنا وَصَديقانِ لي ، هُمَا الْأُسْتاذُ عَلّالٌ الْفاسيُّ الزَّعيمُ الْمَراكِشيُّ الصّابِرُ عَلى لَأْواءِ الْجِهادِ في سَبيلِ بِلادِه ، وَالْأُسْتاذُ يَحْيى حَقّي الْقَصّاصُ الْمُبْدِعُ في زَمَنٍ لَيْسَ لِلْإِبْداعِ فيهِ قيمَةٌ وَلا قَدْرٌ . وَكانَ الَّذي دَعانا إِلى هذَا الْخُروجِ فَنّانٌ كَهْلٌ قَدْ وَدَّعَ الصِّبا وَلكِنَّه تَشَبَّثَ بِعِطْرِه وَنَفَحاتِه وَتَوَهُّجِه ؛ فَلا تَزالُ تَشَمُّ مِنْ فَنِّه حينَ يَتَحَدَّثُ عَنْهُ شَذًا لَطيفًا مِنْ عُنْفُوانِ الصِّبا وَالشَّبابِ - وَذلِكَ الْفَنّانُ هُوَ الصَّديقُ الْأُسْتاذُ حَسَنْ فَتْحي الْمُهَنْدِسُ الَّذي أَبى أَنْ يَتَعَبَّدَ لِلْهَنْدَسَةِ ، بَلْ أَرادَها أَنْ تَكونَ عَبْدًا لَه يَخْدُمُ فَنَّهُ الَّذي يَعيشُ فيهِ وَيَعيشُ بِه |
إنهم الكبار ، طبقة واحدة ! |
اطَّلَعْتُ عَلَى الْكَلِمَةِ الَّتي نُشِرَتْ في هذَا الْعَدَدِ تَعْليقًا عَلى مَقالٍ لي عَنِ الْكاتِبِ الدُّكْتورِ طه حُسَيْنْ عَنِ الْفِتْنَةِ " الْكُبْرى " ، فَلَمّا قَرَأْتُه آثَرْتُ أَلّا أُضَيِّعَ عَلى قُرّاءِ الرِّسالَةِ صَفَحاتٍ في نَقْدِ كَلامِ الدُّكْتورِ شَوْقي ضَيْفْ ، فَعَجِلْتُ بِكِتابَةِ هذِهِ الْكَلِمَةِ . وَلْيَأْذَنْ ليَ الدُّكْتورْ طه حُسَيْنْ أَنْ أُوَجِّهَ الْكَلامَ إِلَى الدُّكْتورِ شَوْقي ضَيْفْ ، في بَعْضِ ما جاءَ في رَدِّه عَلَيَّ : فَأَوَّلُ ذلِكَ أَنَّ الدُّكْتورَ شَوْقي قَدْ أَطالَ في كَلامٍ أَكْثَرُه مَوْجودٌ في كِتابِ الدُّكْتورِ طه ؛ كَأَنَّه أَرادَ أَنْ يَشْرَحَه ، وَكانَ وَكنّا في غِنًى عَنْ مِثْلِ هذَا الشَّرْحِ |
قص عليَّ الدكتور عادل سليمان جمال - أحسن الله إليه ! - مُخْرِجُ هذا الكتاب ، أن شوقي ضيف كان مشرفه أو مناقشه - نسيتُ - وأن علي النجدي ناصف كان أحد مناقشيه ، فسأله عما بينه وبين الدكتور شوقي ، لما كان يعوق تقديره المناسب ، ولا شيء إلا تلمذته لأستاذنا هذا الحبر الجليل محمود محمد شاكر ، رحمه الله ! |
ثُمَّ هذِه ثالِثَةُ الثَّلاثَةِ أَميرْكَا الَّتي لا يَنْطَفِئُ أُوارُ ظَمَئِها إِلَى الْبِتْرولِ ، تُريدُ أَنْ تَسْتَنْفِدَ كُلَّ شَيْءٍ ما اسْتَطاعَتْ ، لِتَنْعَمَ هِيَ بِه ! |
أَيُّ مُلْهَمٍ مُؤَيَّدٍ أنت " رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُه عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ " ! |
قالَ الْبَعيثُ في ذلِكَ ( فخره ومحاماته ) : (...) دَعاني يَزيدُ بَعْدَ ما ساءَ ظَنُّه وَعَبْسٌ وَقَدْ كانا عَلى حَدِّ مَنْكَب |
هلا صبرت - يا دكتور عادل القائم على إخراج الكتاب - فقد روى فيها التبريزي وجهين ( مَنْكَِب ) ! |
أَخْطَرُ هذِهِ الْأَلْسِنَةِ الَّتي تَسْتَفِزُّ هذَا الْعالَمَ ، هِيَ الْأَلْسِنَةُ الَّتِي اتَّخَذَتْ كَلِمَةَ الْإِسْلامِ لَغْوًا عَلى عَذَباتِها ، لا لِأَنَّها أَعْظَمُ شَأْنًا وَأَعَزُّ سُلْطانًا مِنَ الْأَلْسِنَةِ الْأُخْرى ( أَلْسِنَةِ الْمُمَوِّهينَ بِاسْمِ الْحُرّيَّةِ ، وَاسْمِ الْعِلْمِ ، وَاسْمِ الْفَنِّ ، وَاسْمِ الْأَخْلاقِ ) ، بَلْ لِأَنَّها تَعْمِدُ إِلى كِتابٍ أَنْزَلَهُ اللّهُ بَلاغًا لِلنّاسِ ، وَحِكْمَةٍ أوحِيَتْ إِلى رَسولِه لِتَكونَ نِبْراسًا لِلْمُهْتَدينَ ، فَتُحيلُهُما إِلى مَعانٍ مِنْ أَهْواءِ النُّفوسِ الَّتي لا تَعْرِفُ الْحَقِّ إِلّا في إِطارٍ مِنْ ضَلالاتِها وَأَوْهامِها . ثُمَّ يَتَّبِعُهُمُ التّابِعونَ الْجاهِلونَ اتِّباعًا هُوَ سَمْعٌ وَطاعَةٌ ، لكِنْ لِغَيْرِ اللّهِ وَرَسولِه ، بَلْ لِلزّورِ الْمُدَلِّسِ عَلى كِتابِ اللّهِ وَسُنَّةِ رَسولِه . وَإِذا هَؤلاءِ الْمُتِّبعونَ يَعُدّونَ هذِهِ الضَّلالَةَ دينًا ، وَيَظُنّونَ هذَا الدّينَ الْجَديدَ إِحْياءً لِلْإِسْلامِ . وَإِذا هُمْ يَأْخُذونَ دينَهُمْ مِنْ حَيْثُ نُهوا أَنْ يَأْخُذوا ، يَأْخُذونَه عَنْ مُبْتَدِعٍ فِي الدّينِ بِرَأْيِه ، مُحيلٍ لِنُصوصِه بِفَسادِ نَشْأَتِه ، مُبَدِّلٍ لِكَلِماتِه بِهَوًى في نَفْسِه ، مُحَرِّفٍ لِلْكَلِمِ عَنْ مَواضِعِه بِما يَشْتَهي وَما يُحِبُّ ، مُخْتَلِسٍ لِعَواطِفِ النّاسِ بِما فيهِ مِنْ حُبِّ اتِّباعِهِمْ لَه ، خادِعٍ لِعُقولِهِمْ بِرِفْعَةِ الْإِسْلامِ وَمَجْدِ الْإِسْلامِ ، وَهُوَ لا يَبْغِي الرِّفْعَةَ وَالْمَجْدَ إِلّا لِنَفْسِه . وَلَقَدْ أَنْبَأَنا مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ! - بِصِفَةِ ما نَحْنُ فيهِ إِذْ قالَ يَوْمًا لِأَصْحابِه : " إِنَّ مِنْ وَرائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فيهَا الْمالُ ، وَيُفْتَحُ فيهَا الْقُرْآنُ ؛ حَتّى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنافِقُ ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ، وَالصَّغيرُ وَالْكَبيرُ ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ ، فَيوشِكُ قائِلٌ أَنْ يَقولَ : ما لِلنّاسِ لا يَتَّبعوني وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ ؟ ما هُمْ بِمُتَّبِعيَّ ، حَتّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَه ؛ فَإيّاكُمْ وَمَا ابْتَدَعَ ؛ فَإِنَّ مَا ابْتَدَعَ ضَلالَةٌ . وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكيمِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطانَ قَدْ يَقولُ كَلِمَةَ الضَّلالِ عَلى لِسانِ الْحَكيمِ ، وَقَدْ يَقولُ الْمُنافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ . قالَ لَه يَزيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ ( أَحَدُ أَصْحابِه ) : ما يُدْريني - رَحِمَكَ اللّهُ ! - أَنَّ الْحَكيمَ قَدْ يَقولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ ، وَأَنَّ الْمُنافِقَ قَدْ يَقولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ؟ قالَ مُعاذٌ : بَلَى ! اجْتَنِبْ مِنْ كَلامِ الْحَكيمِ الْمُشْتَهِراتِ الَّتي يُقالُ لَها : ما هذِه ، وَلا يَثْنِيَنَّكَ ذلِكَ عَنْه ؛ فَإِنَّه لَعَلَّه يُراجِعُ . وَتَلَقَّ الْحَقَّ إِذا سَمِعْتَه ؛ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نورًا " . وَقَدْ فُتِحَ الْقُرْآنُ ، فَأَخَذَتْهُ الْأَلْسِنَةُ كُلُّها مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُنافِقٍ ، وَمِنْ صَغيرٍ وَكَبيرٍ ، وَكُلٌّ يَقولُ بِرَأْيِه لا يَخْتَشي وَلا يَرْهَبُ وَلا يَتَّقي . وَظَهَرَ في كُلِّ أَرْضٍ مَنْ يَقولُ لِنَفْسِه : ما لِلنّاسِ لا يَتَّبِعوني وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ ؟ ثُمَّ يَعودُ مِنْ نَحْسِه وَشُؤْمِه ، يَجْمَعُ كُلَّ خَسيسَةٍ مِنَ الْبِدَعِ الَّتي تَميلُ إِلَيْها نُفوسُ الْجاهِلينَ الْغافِلينَ ، وَتَهْوي إِلَيْها أَفْئِدَةُ الذّاهِلينَ الْمَفْتونينَ بِالْحُبِّ لِكُلِّ جَديدٍ مُبْتَدِعٍ . وَهُوَ في كُلِّ ذلِكَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ في كُلِّ شَيْءٍ لَه لَذَّةُ الْجِدَّةِ ، وَيَعْلَمُ أَنَّ النّاسَ يَشْتاقونَ إِلى أَمْرٍ مُبْهَمٍ في نُفوسِهِمْ ، هُوَ اسْتِعادَةُ مَجْدِ دينِهِمْ ، وَنَشْرُ كَلِمَتِه فِي الْأَرْضِ ، فَلا يُبالي أَنْ يَشْرَعَ لَهُمْ مِنَ الدّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ ، فَيُؤْتيهُمْ ما يُطابِقُ ما يَراهُ مِنْ أَشْواقِهِمْ ، وَيُزَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ بَلاغَ ما يَشْتاقونَ إِلَيْهِ قَريبٌ إِذا هُمُ اتَّبَعوهُ إِلَى الْغايَةِ ، وَأَنَّ شَرْطَ بَلاغِه أَنْ يُعْطوهُ السَّمْعَ وَالطّاعَةَ لَه وَلِمَنْ يَصْطَفيهِ مِنْ شيعَتِه وَدُعاتِه . فَإِذا تَمَّ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَيْهِ طائِفَةٌ مِنَ النّاسِ ، وَظَهَرَ بِهِمْ أَمْرُه ، وَظَنّوا أَنَّهُمْ بَلَغوا بَعْضَ ما مَنّاهُمْ لِسانُه وَلِسانُ شيعَتِه وَدُعاتِه - قالوا إِنَّ الْإِسْلامَ هُوَ هذَا الَّذي نَدْعو إِلَيْهِ ، وَإِنَّ طَريقَ الْحَقِّ طَريقُنا وَحْدَه ، وَإِنَّ الْإِسْلامَ في غَيْرِ الْإِطارِ الْجَديدِ الَّذي وَضَعْناهُ فيهِ لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ في شَيْءٍ ، وَإِنَّ هذَا الْفَهْمَ الْجَديدَ لِلْإِسْلامِ هُوَ خَلاصُ الْمُسْلِمينَ مِنْ هذِهِ الذِّلَّةِ الَّتي ضَرَبَها عَلَيْهِمُ الْغازِي الصَّليبيُّ . ثُمَّ تَنْشَقُّ رَدَغَةُ هذَا الْخَبالِ عَنْ صُنوفٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْفَسادِ الْمُهْلِكِ ، تَجْعَلُ تاريخَ الْماضي كُلَّه ضَرْبًا مِنَ الْحَياةِ الْفاسِدَةِ ، لا يَنْبَغي لِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ أَنْ يَتَلَفَّتَ إِلَيْهِ إِلّا تَلَفُّتَ الْمُزْدَرِي الْمُسْتَنْكِفِ . عِنْدَئِذٍ يُصْبِحُ الدّينُ في أَذْهانِ الْجَماهيرِ الْمُتَّبِعَةِ ، رِسالَةً جَديدَةً لَها رَسولُها وَحَواريّوها وَدُعاتُها وَشُهَداؤُها . وَإِلى بَيانِ هذِهِ الرِّسالَةِ تَعودُ الْجَماهيرُ ، لا إِلى كِتابِ اللّهِ وَلا إِلى سُنَّةِ رَسولِه ! نَعَمْ ، بَلْ إِلى تَفْسيرِ هذَا الْكِتابِ وَهذِهِ السُّنَّةِ كَما يَراها لَهُمْ طَواغيتُهُمْ مِنْ كُهوفِ التَّبْديلِ وَالتَّحْريفِ وَالتَّأْويلِ بِالْهَوى وَالضَّلالَةِ . وَعِنْدَئِذٍ يَتِمُّ تَبْديلُ مَعْنَى الْإِسْلامِ فِي النّاسِ ، وَيَتِمُّ لِلدَّجّالِ أَنْ يَبْتَدِعَ بِهَواهُ إِلى طَبٍّ في أَهْوائِهِمْ ، كِتابًا غَيْرَ كِتابِ اللّهِ . وَلَوْلا أَنَّ اللّهَ قَدْ ضَمِنَ لَنا حِفْظَ نَصِّ كِتابِه ، وَحِفْظَ نَصِّ الْبَيانِ عَنْهُ في سُنَّةِ رَسولِه - لَفَعَلَ هذا وَأَشْياعُه ما فَعَلَ أَسْلافُهُمْ مِمَّنْ بَدَّلوا كُتُبَ اللّهِ وَحَرَّفوها ، وَمَحَوْا مِنْها وَأَثْبَتوا ، وَنَقَصوا فيها وَزادوا ! لَوْلا هذَا الَّذي نَخافُه ، بَلْ هذَا الَّذي كانَ مِمّا نَخافُه - لَمّا عَدَدْتُ هؤُلاءِ أَشَدَّ خَطَرًا مِنَ الْأَلْسِنَةِ الَّتي تُمَوِّهُ عَلَى الْجَماهيرِ الْجاهِلَةِ الْغافِلَةِ بِاسْمِ الْحُرّيَّةِ ، وَاسْمِ الْعِلْمِ ، وَاسْمِ الْفَنِّ ، وَاسْمِ الْأَخْلاقِ ؛ فَطَريقُهُما فِي الْحَقيقَةِ واحِدٌ ، وَمَنْشَؤُهُما واحِدٌ ، وَنَتائِجُهُما واحِدَةٌ ، فِي التَّغْريرِ بِالنّاسِ ، وَالْعَبَثِ بِعُقولِهِمْ ، وَالْإِفْسادِ لِفِطْرَتِهِمْ ، وَاللَّعِبِ بِعَواطِفِهِمْ ، وَإيهامِهِمْ أَنْ نَجاتَهُمْ مِنْ عُبوديَّةِ الْغُزاةِ أَمْرٌ قَريبٌ لا يُكَلِّفُهُمْ إِلّا أَنْ يَسْمَعوا لِمَنْ يَقولُ لَهُمْ : كونوا أَحْرارًا ؛ فَإِذا هُمْ سادَةٌ أَحْرارٌ كَما وَلَدَتْهُمْ أُمَّهاتُهُمْ ! اللّهُمَّ ، إِنّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمّا نَحْنُ فيهِ ! اللّهُمَّ ، إِنّي أُخَوِّفُ النّاسَ مِمّا خَوَّفَهُمْ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسولُكَ إِذْ يَقولُ : " أَخْوَفُ ما أَخافُ عَلى أُمَّتي كُلَّ مُنافِقٍ عَليمِ اللِّسانِ " ! اللّهُمَّ ، إِنّي أَقولُ كَما قالَ صاحِبُ رَسولِكَ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ : " اللّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ ، هَلَكَ الْمُرْتابونَ " ! |
بمثل هذه الكلمة كان أستاذنا - رحمه الله ! - يُعَلِّق ثورتنا إلى التغيير ، بأصول ثقافتنا العربية الإسلامية ؛ فلا نَتَعَجَّل ، ولا نَنْخَدِع ! ولقد ينبغي أن تكتب كلمته هذه ، وتعلق في كل عقل ، وعلى كل منبر ، لتُذْكر أو تُقْرأ ، كما تذكر البيانات الدستورية ، أو تقرأ ! |
ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ في مَعْرِضِ الْكَلامِ عَنْ خَطَأِ الْأَعْرابِ وَكَذِبِهِمْ فِي اللُّغَةِ ص300 " أَكاذيبَ الْأَعْرابِ " ، وَعَنى بِها ما يَخْتَلِقونَه فِي اللُّغَةِ ، وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا الْعَبّاسِ الْمُبَرِّدَ ، عَقَدَ في كِتابِهِ الْكامِلِ بابًا سَمّاهُ " أَكاذيبُ الْأَعْرابِ " ، وَالصَّوابُ أَنَّ الْبابَ الَّذي عَقَدَّه أَبُو الْعَبّاسِ فِي الْكامِلِ ، هُوَ " تَكاذيبُ الْأَعْرابِ " ج1ص3356 ، وَعَنى بِه ما يَتَزَيَّدونَ فيهِ مِنَ الْكَلامِ ، وَما يَخْتَلِقونَه مِنَ الْأَوْهامِ ، كَالَّذي قالَ أَبو عُبَيْدَةَ في قَوْلِ الرّاجِزِ : " أَهَدَّموا بَيْتَكَ لا أَبا لَكا وَأَنَا أَمْشي الدَّأَلى حَوالَكا " ! هذَا يَقولُه الضَّبُّ لِلْحِسْلِ ( وَهُوَ وَلَدُ الضَّبِّ حينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْضَتِه ) ، أَيّامَ كانَتِ الْأَشْياءُ تَتَكَلَّمُ ! وَكَالَّذي نَقَلَه صاحِبُ " ضُحَى الْإِسْلامِ " في ص37 عَنْ كِتابِ الْكامِلْ نَفْسِه مِنْ قَوْلِه : " تَكاذَبَ أَعْرابيّانِ ... " |
لي قصيدة في " لبُنْى " ، هي " من تكاذيب الأعراب " ، كنت قد أنشدتها في مقام احتجت فيه إلى أن أُقَدِّمَ كلمة " أُكْذوبة " ، لما صعبت عليَّ كلمة " تَكْذيب " ، قبل " من تكاذيب الأعراب " ؛ فقلت : " أُكْذوبَةٌ مِنْ أَكاذيبِ الْأَعرابِ " ! وكنت قد قرأت الكامل فيما قرأت ، وعرفت هذه الظاهرة . ولكنني أنشدتها أستاذنا - رحمه الله ! - بعنوان " أُكْذوبَةٌ مِنْ أَكاذيبِ الْأَعرابِ " ؛ فقال " هي تكاذيب " ! فعلَّقني مرة أخرى بما كنت عليه ، فعنونتُها في مجموعتها بما علقني به " مِنْ تَكاذيبِ الْأَعْرابِ " ، ولم أكن أعرف أن لها معه هذا الشأن الذي هنا ! مِنْ تَكاذيبِ الْأَعْرابِ حَدَّثَنا مَوْلانا أَبو مِذْوَدٍ ، قالَ : زَعَمَتِ الْأَعْرابُ أَنَّ الْأَحْرُفَ اعْتَرَكَتْ ! قُلْنا : وَكَيْفَ كانَ اعْتِراكُها ؟ قالَ : حَدَّثونا ، قالوا : أَلْحَرْفُ الْأَوَّلُ قالْ . وَالْحَرْفُ الثّاني صالْ . وَالْحَرْفُ الثّالِثُ لا قالَ وَلا صالَ ، وَلكِنْ نالْ . هذا الْحَرْفُ حَكيمْ ! يَعْرِفُ كَيْفَ يُداري الْقائِلَ وَالصّائِلْ . حَتّى يَظْفَرَ بِالنّائِلْ ! عَرَفَ الْحَرْفانِ الْمَخْتولانِ سُموَّ الثّالِثِ في فَنِّ الْحِكْمَهْ . كانَ الْحَرْفُ الثّالِثْ يُلْقي دَرْسًا بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ بِزاوِيَةٍ لِلْأَصْواتِ الْمَجْهورهْ . دَخَلَ الْحَرْفانِ الزّاوِيَةَ عَلى غَفْلَهْ . خُفْيَهْ . عَرَفَهُما شَيْخُ الْحَلْقَهْ . شَيْخُ الْحَلْقَةِ يَعْرِفُ بِالْكَشْفْ . ما لا يُعْرَفُ بِالْوَصْفْ . وَقفَ الشَّيْخُ عَلى غَيْرِ الْعادَةِ ، قالْ : مَنْ مِنْكُمْ يَعْرِفُ وَقْعَةَ حَرْفَيْنْ ؟ قالوا : حَدِّثْنا - يا مَوْلانا - ما وَقْعَةُ حَرْفَيْنْ ؟ قالْ : قافٌ وَكافٌ يُكْثِرانِ الشَّغَبْ كِلاهُما قَدْ جازَ حَدَّ الْأَدَبْ كُلًّا تَراهُ نافِشًا ريشَـهُ كَأَنَّهُ إِنْسـانُ عَيْنِ الْحَسَـبْ يَقولُ هذا الْكُتْبُ مِنْ صُحْبَتي مَنْ يَصْحَبِ الْكُتْبَ فَما يَغْتَرِبْ يَقولُ ذاكَ الْقَلَمُ الْمُرْتَجى وَهْوَ خَديني في صِفاتي رَغِبْ فَكَهْكَهَ الْكافُ لِأَنَّ الَّذي قَدِ ادَّعاهُ الْقافُ زَيْفُ الْحِقَبْ فَقَهْقَهَ الْقافُ لِأَنَّ الَّذي قَدِ ادَّعاهُ الْكـافُ عَيْنُ الْكَذِبْ فَكَفَرَ الْكافُ أَما تَسْتَحي يا وَصْمَةَ الْبَدْوِ بِلَفْظِ الْعَرَبْ فَفَسَـقَ الْقافُ أَأَنْ ضامَني أَهْـلُ زَمـاني أَسْتَحِقُّ السُّـبَبْ غَفْرًا لَهُمْ قَدْ هَـدَّموا مَنْزِلي وَما رَعَوْا عَزيزَ قَوْمٍ نُكِـبْ أَزْمانَ أَحْيا مُنْيَـةً لِلْأُلى يُفَخِّمـونَ اللَّفْـظَ زَيْـنَ الْخُطَبْ يا أَيُّهـا الْقَزْمُ الَّذي سَبَّني يَكْفيكَ طولًا أَنْ تَعيبَ الْهِضَبْ فَكَـرَّرَ الْكـافُ الَّذي قالَهُ وَزادَ بَطْشًـا بِبَقايا الْأَدَبْ فَقَـرَّرَ الْقافُ الَّذي قالَـهُ وَزادَ فَتْحًـا لِطَريقِ الْغَلَبْ فَكَرَّ حَرْفُ الْكافِ لا يَرْعَوي عَنْ كَسْرِ أَنْفِ الْقافِ هذا الْخَرِبْ فَقَعْقَـعَ الْقافُ لِقَطْـعِ الَّذي أَهانَهُ وَهْوَ الْمَكينُ النَّسَـبْ حَرْفانِ صارا ضُحْكَةً لِلْأُلى قَدْ أَشْعَلوها وَمَضَوْا مِنْ كَثَبْ فَمَـنْ رَأى أَيَّهُما فَلْيَقُلْ تَبَّـتْ يَدا مَنْ خانَ حَرْفًا وَتَبْ أَسْرَعَ هذانِ الْحَرْفانِ إِلى الشَّيْخِ بِصَدْرِ الْحَلْقَةِ قَبَّلَ كُلٌّ يَدَهُ يَبْكي غَفْلَتَهُ يُعْلِنُ تَوْبَتَهُ يَطْلُبُ دَعْوَتَهُ ؛ فَتَوَجَّهَ شَيْخُ الْحَلْقَةِ تِلْقاءَ الْقِبْلَةِ ، صاحْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُما ! أَلِّفْ بَيْنَهما ! أَحْسِنْ نُطْقَ النّاطِقِ لَهُما ! اللَّهُمَّ قِنا هَمْسَ الْمَجْهورِ وَجَهْرَ الْمَهْموسِ وَلا تَفْتِنّا بَعْدَ ذَهابِ الْفُصحاءْ ! اللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنْ عَبْدِكَ حَرْفِ الرّاءْ ! ثُمَّ قالَ أَبو مِذْوَدٍ : قاتَلَ اللّهُ الْأَعْرابَ ! ما أَصْدَقَ تَكاذيبَهُمْ ! |