النص القرآني عند محمد شحرور 22

ياسين سليماني

[email protected]

الفرع الثاني: هـــود

   يرى شحرور أنّ الإنسانية حققت بنبوة نوح(ع) قفزة نوعية بركوب الماء وبعد هلاك قومه ونجاته في السفينة هو ومن معه حصلت قفزة نوعية كبرى وهي تذليل الأنعام، وهي قفزة حصلت في الفترة الواقعة بين نوح وهود، ونتج عن هذه الأخيرة أمران هامان:

أ- الاستقرار، إذ بدأ الإنسان باستغلال الأنعام واستعمالها للزراعة وللطعام وللركوب ممّا هيأ له الاستقرار وبالتالي البناء بأبسط صورة ووفرت له من جلودها وأوبارها مادة أولية للباس.(1)

ب- الانتشار الواعي في الأرض (الهجرة) حيث أن الأنعام كانت وسيلة النقل البرية إضافة إلى الفلك (وسيلة النقل المائية) وذلك في قوله تعالى:" وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشق الأنفس"(2) ويقول تعالى:" أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون"(3) فالريع هو المكان المرتفع، حيث عرف قوم هود طوفان نوح فاتخذوا- حسب شحرور- الاحتياطات ضد الطوفان وبنوا في الأماكن المرتفعة، وذكر البناء صراحة بقوله:" أتبنون"، وبما أنّ الأماكن المرتفعة تحتاج إلى مصادر المياه فقد حفروا حفرا لتجميع المياه في هذه الأماكن والتي أطلق عليها القرآن مصطلح "مصنع"، ثم قصد بـ" لعلكم تخلدون" الراحة من نقل المياه إلى هذه الأماكن.(4)

والدليل على أن الأنعام والأبنية حصلت معا قوله:" واتقوا الذي أمّدكم بما تعلمون، أمدّكم بأنعام وبنين"(5) ولكي يبين أن هذا الاستقرار ووجود نوع من البناء والأنعام المذّللة أدت إلى ظهور الزراعة أتبع الآية الأخيرة بقوله:" وجنات وعيون".(6)

كما أنّ شحرور ينبه إلى أنّ هناك أكثر من "عاد" واحدة، وذلك استنادا لقوله:" وأنّه أهلك عادا الأولى".(7)

فهذا يعني أن هناك على الأقل عادا ثانية، ولم يذكر لفظة "الأولى" بالنسبة لـ"ثمود" أو "مدين" لأنه لا يوجد إلا ثمود واحدة ومدين واحدة.(8)

وفي بحثه حول ماهية رسالة هود، يرى شحرور أنّها تمثلت في التوحيد مع حصول تطور بمظاهر الشرك عند قومه خلافا لما كان عند قوم نوح، وهذا الاختلاف هو تعدد الآلهة مع الاختصاصات بينها قال تعالى:" وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، إن أنتم إلاّ مفترون"(9)     فذكر دعوة التوحيد مع الافتراء، وافتراؤهم هو توزيع الاختصاص على الآلهة، مثل إله المطر، إله الحب، إله الحرب...الخ، دليل ذلك قوله:" أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزّل الله بها من سلطان"(10)

إضافة إلى التوحيد فقد اشتملت رسالته على الاستغفار والتوبة، "ويا قوم استغفروا الله ثم توبوا إليه"(11)، فرسالته هي التوحيد والاستغفار والتوبة ولا أكثر من ذلك".(12)

    أما نبوة هود فهي التأكيد على نبوة نوح والتي بشّر بها قومه وتحققت على سلم التطور وهي الاستقرار والبناء وتذليل الأنعام، وما يلاحظ في نبوة هود أنّه لم يذكر اليوم الآخر بتاتا، كما لم يذكر الساعة أو البعث أو الجنة أو النار، ولكن لمّح لليوم الآخر بشكل غير مباشر:" إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم"(13)، رغم أن هذا اليوم العظيم ليس بالتأكيد اليوم الآخر لأنه قال:" فأخذهم عذاب يوم الظلّة إنه كان عذاب يوم عظيم"(14)، حيث ذكر اليوم الآخر صراحة لأول مرة ولمرة واحدة في نبوة شعيب في قوله:" وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر"(15)

              

1-  شحرور، الكتاب والقرآن، ص699.

2- سورة النحل، الآية07.

3- سورة الشعراء، الآيتان128،129.

4- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص699.

5- سورة الشعراء، الآيتان132،133.

6- سورة الشعراء، الآية129.

7- سورة النجم، الآية50.

8- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص699.

9- سورة هود، الآية50.

10- سورة الأعراف، الآية71.

11- سورة هود، الآية52.

12- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص701.

13- سورة الأعراف، الآية59.

14- سورة الشعراء، الآية189.

15- سورة العنكبوت، الآية36.