أحلام الياسمين في زمن الرخام

منصور تاوارا

[email protected]

وكأن هذا العالم قد استحال الى خراب ، وأرضة قد غدت صحراء لا تنبت الياسمين، لكأنه قد غدا مدى لاستهلاكنا وتحطيمنا وليس أفقا لاحلامنا وأفراحنا،هذا العالم الذي صدقناه لبرهة من الزمن ، فكابدنا النمو باتجاهة وملأنا فضاءاته بالاحلام والاجتهاد ، لنكتشف ، بعد طول لهاث..أن كم هو ! ، ليس هو... ،

عن هذا العالم ، تحكي لنا آية أسمر ، وعبر مشروعها الروائي الاول ، تحكي وبسردية أفقية ، وعبر واقعية مؤلمة ، قصة لفتاة اليوم ،تلك الحالمة والسائرة في تحقيق ذاتها ووجودها ،الا أنها تحارب في مفاصله الهامه ، الحب والسعادة ،الى أن تنتهي بها قافلة العمر وحادي السنين يعرج بها عن الفجر وملامحة ، ولتقفل البطلة باب منزلها عليها ،ولتنتهي محض عجوز ، جرحتها السنون وفتكت بقلبها المتاعب

....

المرأة ضحية ، وعلى عادة الأدب النسائي ، تستمرالحكايات في اظهار الرجل بصورة الظالم القاسي والمتسلط ، والخائن الشرس،فالأب

( والد البطلة ) مصدر الظلم والتعاسة في الطفولة ، فهو الذي يضرب الاجساد ويسرق الفرح ، ثم يظهر الحبيبب- القزم والكاذب في الحياة الجامعية ،ثم يكون الزوج ، المشبع بالرذيلة والذي يبحث عن فتاة محترمة وناجحة ليرتهنها في سجن زواجه منها ، كي يسقط عليها بالتالي قيمة المفقودة و المزورة ولتواري سوأته ، فالعمل مرفوض لأنه مدعاة للاختلاط وهو لا يريدها خائنة مثله ، والنجاح مرفوض لانها بنجاحها ستبصق على كل موروثه الرعوي ،عليها أن تكون فقط قطعة من ديكورات وجودة ومقصية كي لا يعبث بها أحد كما هو عابث بالاخريات... أما حبه ووقته ومشاعره فلعشقه وخياناته...

أحلام ، الشخصية المحورية في الرواية ، تتمرد ، بعد أن تكتشف أن الزواج كان بالنسبة لها شبكة صيد وليس قارب نجاة، تتمرد وتكسر القضبان وتكمل مسيرة نجاحها

والملاحظ ان الرجل الطيب والمقبول هو المحايد أو المهزوم والمجروح،وهنا تظهر ازمة ،ان كيف جعلنا المرأة لا تثق الا بضعفنا وهزيمتنا ،بينما قوتنا ،خطر عليها، ومجرد قوة ظالمة وأنانية

في لحظة الطلاق وهي النقطة المحورية في العمل ، نرى أن أحلام تستمر في السجن رغم اكتشاف الخيانة ، ثم تستمر رغم الترويض ولكن ستشتعل ثورتها حين يرسمها شاب على شواطئ اللاذقية ، فيعيد لها ذاتها ، وتقرر التمرد ، في صورة تظهر ان المرأة ،لا زالت تحتفظ بفتنتها الأولى وألقها الأول وأنها تحمل روحا أخاذة ، هي روح البدايات وأن قلبها ينبض بالحب ، وأن مشاعرها هي محركها الرئيسي وطوق نجاتها ودافعها الأكبر

...

الحديث للنفس على لسان البطلة ، يجمل القالب والشكل بينما تتكثف الاحداث لتغطي مسرحا واسعا من المعاش ، أما اللغة فبسيطة وسلسلة ويظهر جمالها بما تحمله من معان للحياة والتمرد ، وفي الرواية شيئ من السياسي اليومي الذي يظهر في سياقة الطبيعي لحياتنا ، دون مثالية أو تزوير ، فالفتاة الجامعية التي تخرج بالمظاهرات والمعبأة بهواجس الحرية والعظمة ، تسقط عنها احلامها حال انخراطها في الحياة الزوجية والعملية ، ليبدأ جيل جامعي جديد ، ما يلبث أن يستكين ، في متوالية واقعية تديم الهزيمة ، وفي الرواية ، تظهر الروح القومية لدى العرب كاحساس فطري وتؤكد أننا واقعيا ندوس خرائط سايكس بيكو يوميا في حياتنا وبشعور متوارث وجيني.