مم يريد الحداثيون التحرر
البيّاسي
مم يريد الحداثيون التحرر ؟؟
هل يريدون حقا التفلت من قيود البحر الشعري فقط ؟
ارجعوا الى التاريخ و انظروا كيف و اين بدأت الحداثة و على يد من ؟
الماسونية تضرب في كل مكان و تضرب الصالح و الجميل و الاصيل , وهذا شيء يعرفه الجميع.
تريد تمييع الثقافات و الاديان و العروق والانتماءات , تريد فقط كل ما هو عبثي ومنحل , لكي يتسنى لها السيطرة على كل العالم , ولقد سيطرت بالفعل على كل العالم بالمال و النساء و الاقتصاد و السياسة و الإعلام.
و هذا شيء يعرفه الجميع ايضا
نشأة مشبوهة و تاريخ اسود
نسفت آخر خلافة اسلامية و نسفت البابوية وفصلت الدين عن الدولة و جعلت الرب المعبود هو المال و الجنس و الشهرة و السلطة.
و بما انها تحوز على كل ذلك فقد سيطرت على العالم اجمع , و صار العالم كله لا حول له و لاقوة
يقبع كالكلب عند قدمي سيده
و من المعلوم أن اللغة العربية هي أرقى و أسمى لغات الارض باعتراف الغربيين انفسهم
ومعلوم ان ارتباط العربي و التصاقه بلغته العربية يعني تماما التصاقه بالقرآن الكريم و بالتالي بالاسلام , و هذا تماما هو مربط الفرس.
ضرب العربية يعني بطريقة ما ضرب الاسلام و فك الارتباط بين المسلم و اسلامه
والشعر ديوان العرب, كما هو معلوم , و قد قام علم النحو في معظمه على الشعر الجاهلي
وقد لجأ العرب الى النحو لفهم القرآن الكريم ,, و لجؤوا الى القرآن الكريم لفهم النحو !!!!!
فاذا ابتعدنا عن القرآن ابتعدنا عن العربية , و اذا ابتعدنا عن العربية ابتعدنا عن القرآن .
و بعد ...
هل يريد الحداثيون التحرر من قيود الشعر التقليدي ؟
بحور الشعر التقليدي ليست قيودا , و انما هي نغمات معينة تُخرج القصيدة و كأنها " سمفونية " * خالدة
لماذا يسمون انفسهم شعراء ؟
أقرّت العرب أن ما يكتب على بحور الشعر العربي يسمى شعرا , اما ما عداه فليس بالشعر
إذن لا تسموا من يكتب شعر التفعيلة شاعرا , و لكن اذا شئتم سموه شاعر تفعيلة او شاعرا حداثيا , ليتميز عنه الشاعر العربي الاصيل
تجدون على الشبكة العنكبوتية " الانترنت " * مواقع ادبية تهتم بالشعر و الشعراء
و تفصّل :
شعر فصيح – شعر عامي – شعر نبطي .. الى آخره
و يجب ان يكون التفصيل :
شعر أصيل !! – شعر نبطي – شعر عامي – شعر تفعيلة – شعر حر .. وهكذا
فمن الظلم الكبير ان ندرج شعر التفعيلة او الشعر الحر مدارج الشعر الاصيل
واذا اراد احد ان يكتب شعر تفعيلة او شعرا حرا فليكتب و لكن لا يلصقه بالشعر الاصيل و لا يسمِّ نفسه شاعرا بالاطلاق و لكن عليه ان يحدد.
هم يكتبون احيانا كلامهم الذي يسمونه شعرا , بتفعيلات عربية و لكنهم يصبونه في قوالب غربية اوروبية, و الشعر العربي يكون بتفعيلات عربية و قوالب عربية,,
هو صناعة وطنية فقط و اكتفاء ذاتي !!!! .
هم قوميون ووطنيون و احيانا اسلاميون , و مع ذلك يلبسون الشعر العربي بدل العمامة قبعة
و بدل العباءة " بنطال جينز " *
منظر قميء للعربي لا يليق به , ينافي ذوقه و فطرته
بحور الشعر لا تكون قيودا الا بالنسبة للعاجز
و قد قال الشعراء العرب و الغربيون : " الشاعر يولد و لا يصنع"
معنى ذلك ان الشاعر المطبوع لا يعتبر بحور الشعر العربي قيودا , بل هي بالنسبة اليه آلات و ادوات موسيقية * يعزف عليها الحانه و اغانيه بدون تكلف و تصنع.
واذا وجدتم من يتكلف او يتصنع في الشعر , فيكثر حشوه و يكرر و يحشر القافية حشرا في مكان لا يليق بها فاعلموا انه ليس بشاعر و انما هو رجل يحب ان يصبح شاعرا و يحب ان يطلق عليه لقب الشاعر.
و لكي اكون اكثر انصافاً , ربما كان شاعرا و لكنه لم يعطِ موهبته حقها
فلكل فن من الفنون أصوله
ربما كان المرء ذا موهبة شعرية و لكنه بحاجة الى صقلها
اذا وجدتم رجلا يحب الموسيقى و لا يعرف من الموسيقى الا شكل العود
لا يعرف النغمات و لا يعرف السلم الموسيقي
و أراد أن يعزف لأنه يحب ان يكون موسيقيا *, فهل ما سيخرج من تحت اصابعه سيكون موسيقى ؟
اذن , إذا أحسّ الرجل أنّ لديه موهبة شعرية فعليه أن يصقلها بأدواتها
و أدوات الشعر العربي كثيرة
اللغة الصرف النحو الاوزان البعد الثقافي وما الى هنالك من جداول تصب في النهر الكبير.
و اعطيكم مثالا آخر
هل حاجة المرء للحصول على الشهادة في الهندسة المدنية مثلا من أية جامعة معترف بها يعتبر قيدا ؟
وهل على هذا الطالب ان يكفر بهذا القيد و يمارس هوايته في تشييد الأبنية لمجرد اعتقاده بأنه صاحب موهبة في هذا المجال ؟
أمْ أنّ عليه أن يتجاوز كل المراحل الابتدائية و الاعدادية و الثانوية ثم من بعد ذلك المرحلة الجامعية ودراسة القواعد و النظريات التي هي حصيلة تعب الفكر البشري و ثمرة التجارب الهائلة التي مر عليها العلماء في هذا المجال على مدى عشرات الالاف من السنين ؟
هل عليه أن يطرح كلّ ذلك ارضاً و يشمّر عن ساعديه و يقول إنّ كل ذلك لا يعنيني و إن الموهبةَ هي أعظمُ من كل ما ذُكِر ؟
هكذا هو الشعر العربي الاصيل له قواعده و ضوابطه و علومه , و على المعنيِّ أن يلمّ بكل هذه العلوم حتى يَخرجَ الشعرُ من قلبه لا من فمه و من وجدانه لا من قلمه .
و الذين يهربون من قواعد هذا الفن و أصوله هم إما أناسٌ ليس عندهم الموهبة الشعرية الفذة او أناس ليست لديهم القدرةُ أو ليس لديهم الوقتُ لدراسة تلك القواعد و الضوابط , و لذلك راحوا يشتمونها و يكيلون لها التهم و المسبات و يصفونها بالعجز و القصور , تماما مثل الذين يتهجمون على الدين الاسلامي و يتهمونه بأنّه دين متحجر و لا يتوافق مع روح العصر و يطالبون بتغيير مفاهيمه لكي تتماشى مع الانحلال السائد في هذا الزمان و تنسجم مع اهواء الغوغاء و العبثيين . مع الفرق الشاسع بين المشبَّه و المشبَّه به طبعاً.
قال امير الشعراء شوقي في شيخ المجاهدين عمر المختار :
رَكَزُوا رفاتكَ في الرمال لواءا
يستنهضُ الوادي صباحَ مساءا
يا ويحهمْ نَصَبوا مناراً مِنْ دَمٍ
يوحي إلى جيلِ الغدِ البغضاءا
ما ضرّهم لو جعلوا العلاقة في غدٍ
بين الشعوب مودةً و إخاءا
اين الحشو والتكلف في هذا الكلام ؟
وراء كل كلمة من هذه الابيات الثلاثة قاموس محيط من الفهم و العاطفة و التاريخ
اين الاحساس بالقيد في هذا الكلام؟
هو أميرُ الشعراء ,,, و لم يسمَّ أميرَ الشعراء من فراغ
لأنه مهندسٌ شعريٌّ من الطراز الاول
لا يوجد في كل ما قيل حرف واحد قد يكون حشوا
كل كلمة في مكانها تماما فلا نشوز في المعنى ولا نشوز في الموسيقى
هندسة كاملة و بناء شعري عظيم لا يقوله الا شاعر مطبوع من المتقدمين الاوائل
وموسيقى شعرية كاملة تنم عن احساس و ذوق رفيعين
و الابيات من البحر الكامل , و هذا البحر اذا اُحسن استخدامه كان له من الموسيقى ما لم تكن "لسمفونية" * كاملة .
هكذا الشعر العربي الاصيل ايها السادة و لكن مع اهله و ليس مع المتطفلين و المتسلقين.
اذا لم أفهم الشعرَ التقليدي فذلك لأن لغتي هي الضعيفة و ليس لأن الشعرَ هو الضعيف
و الشعراء درجات سواء في العصر الجاهلي او الاسلامي او الاموي او العباسي او عصور الانحطاط او العصر الحديث
فمنهم من هو في المرحلة الابتدائية و منهم من هو في الاعدادية و منهم في الثانوية و منهم من هو في المرحلة الجامعية و منهم من تجاوز هذه المراحل بكثير و اصبح مدرسة و جامعة بنفسه فأنت و من تريد و ما تريد , و لك ما تشاء ممن تشاء
انظر مثلا الى الاسطورة نزار قباني ( في شعره التقليدي فقط)
هذي دمشقُ و هذي الكأسُ و الرّاحُ
إني أحبُّ و بعضُ العشقِ ذباحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي
لسالَ منه عناقيدٌ و تفاحُ
إن النبيذ هنا نارٌ معتقةٌ
فهلْ عيونُ نساءِ الشامِ أقداحُ
مآذنُ الشام تبكي إذْ تعانقني
و للمآذنِ كالأشجار أرواحُ
للياسمين حقوقٌ في منازلنا
و قطةُ البيت تغفو حيث ترتاحُ
طاحونة البُنِّ جزءٌ مِنْ طفولتنا
فكيف أنسى و عطرُ الهيلِ فوّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي
فكيف أوضحُ ؟ هل في العشق إيضاح؟
خمسون عاماً وأجزائي مبعثرةٌ
فوق المحيط و ما في الأفْقِ مصباحُ
تقاذفتني بحارٌ لا ضفافَ لها
و طاردتني شياطينٌ و أشباحُ
ما للعروبة تبدو مثل أرملةٍ
أليس في كتب التاريخ أفراحُ
و الشعر ماذا سيبقى من أصالته
إذا تولّاه نصّابٌ و مدّاحُ
و كيف نكتب و الاقفال في فمنا
و كلّ ثانيةٍ يأتيكَ سفاحُ
حملتُ شعري على ظهري فأتعبني
ماذا من الشعر يبقى حين يرتاحُ
اين التكلف في هذه القصيدة الرائعة ؟
هكذا يكون الشعرالعربي الحديث و ليس الحداثي
الا تفيض هذه القصيدة شاعرية و احساسا ؟
الم يستوفِ نزار هذا الاسطورة فكرته في هذه القصيدة ؟ ألم يمر بأدق التفاصيل ببراعة و احتراف قلَّ نظيرهما ؟
اين التكلف و الحشو؟
اين العجز في التصوير ؟
اين القصور في المعنى ؟
اذن من العاجز ؟
هل الشعر ام الشاعر ؟
الشعر ليس عاجزا
و لكنه الشاعر
فإذا لم يستطع الشاعر ان يستوفي الفكرة بتفاصيلها و بموسيقاها بدون تكلف او حشو فلا يكون شاعرا
اذن .. فلوموا الشاعر و لا تلوموا الشعر
و بالمناسبة فإن نزار اشعر في الشعر العمودي منه في شعر التفعيلة و اعظم .
و ربماهو نفسه لا يعلم ذلك
و قد قالت العرب
الناس أربعة
رجل يدري و يدري انه يدري فذلك عالم فاسألوه
و رجل يدري و لا يدري انه يدري فذلك غافل فذكروه
و رجل لا يدري و يدري انه لا يدري فذلك طالب فعلموه
و رجل لا يدري و لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فاجتنبوه
و ربما كان نزار من النوع الثاني , غفل عن انه في الشعر العمودي شاعر اسطورة
و ركب موجة التفعيلة كما ركبها غيره لانها كانت موجة العصر السائدة .
و مع أن نزار بدأ بالشعر العمودي و ابدع فلا نعلم ما الظروف التي ساقته الى شعر التفعيلة
و من اجمل ما كتب في صباه و كان لا يزال في السنوات الاولى من دراسته الجامعية
قصيدته :
مكابرة
تُراني أحبكِ ؟ لا أعلمُ
سؤالٌ يحيط به المبهمُ
وإنْ كان حبي افتراضاً. لماذا؟
إذا لُحتِ طاش برأسي الدمُ
وحار الجوابُ بحنجري
وجفَّ النداءُ. . ومات الفمُ
وفرَّ وراء ردائك قلبي
ليلثمَ منكِ الذي يلثمُ
تراني أحبك؟ لا. لا محالٌ
انا لا احب ولا اُغرم
وفي الليل. تبكي الوسادة تحتي
وتطفوعلى مضجعي الأنجمُ
وأسال قلبي. اتعرفها؟
فيضحك مني ولا أفهم
تراني أحبك؟ لا. لا محالٌ
انا لا احب ولا اُغرم
وإن كنتُ لستُ أحبُّ، تُراهُ
لِمنْ كلُّ هذا الذي أنظُمُ ؟
وتلك القصائد أشدو بها
أمَا خلفها امرأةٌ تلهم ؟
تراني أحبك؟ لا. لا. محالٌ
أنا لا أحب ولا أغرم
إلى أن يضيق فؤادي بسرّي
ألحّ. وأرجو. وأستفهم
فيهمس لي: انت تعبدها
لماذا تكابر.. أو تكتم؟
قصيدة رائعة من كل الوجوه و بكل المقاييس
سهلة سلسة عذبة
موسيقاها كأنها الناي
وبَحرُها كأنما لا موج فيه ولا رياح
وكلماتها قريبة و الفاظها واضحة و تراكيبها قوية وفكرتها رائعة و حساسة
و قد صوّرَ إحساسَه و نَقَلَه إلينا فعشْناه لحظة بلحظة و صورة بصورة
و قد حاكى باسلوبه هذا سيدَ شعراء هذا المضمار عُمَرَ بن أبي ربيعة
و نأخذ نصاً تفعيلياً لنازك الملائكة :
غرباء
أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا
نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا?
يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ
يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ
سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا:
مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ
غُربَاءْ
اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ
كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري
دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا
وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى
أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري
إن نكن نقضي الأماسي, أنتَ أَدْرى,
غرباءْ
مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ
كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ
مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ
خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي
خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ
أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ
غرباءْ
أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ
يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف
أو لا تُبْصرُ? عينانا ذبولٌ وبرودٌ
أوَلا تسمعُ? قلبانا انطفاءٌ وخمودُ
صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ
ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ
غرباءْ
نحن من جاء بنا اليومَ? ومن أين بدأنا?
لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين.. فدَعنا
نطفرُ الذكرى كأن لم تكُ يومًا من صِبانا
بعضُ حبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا
آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا
قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا
غُرباءْ
!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟
أيّهما أقربُ الى النفس البشرية العربية
ايهما أبلغ ؟
ايهما أوضح؟
ايهما أقدر على العزف على المشاعر
ايهما أعذبُ موسيقى ؟
أيهما أوجز ؟
أيهما أسهل حفظاً ؟
ايهما أدقُّ تفاصيلاً ؟
قال توماس كارليل و هو من اعمدة الكتاب و المؤرخين الاسكتلنديين:
فقيرٌ هو الخيال الذي عليه أن يفارقَ الفهم ؟؟؟؟!!!!!!
و قد أتيتُ برأيِ مستشرق أوروبيّ , لأن البعضَ لا يؤمن إلا بآراء الغربيين !!!!!!!!!