يوسف العظم
شاعر الإيمان على خطا حسان
الأستاذ يوسف العظم رحمه الله |
محمد درويش |
يوسف العظم الأديب الشاعر ، المؤمن الداعية ، صاحب الكلمة الصادقة ، النابعة من القلب المليئة بالمشاعر الخيرة ، أحببت أن اسميه شاعر الإيمان لما وجدت من معاني إيمانية عظيمة في كتاباته الرائعة مقتديا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده ، وهو في الشعر والأدب على خطا ذلك الجيل من خلال شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم وشاعر الصحابة حسان ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين ، ولقد استقيت هذا المعنى من خلال أبيات الشاعر الرائعة في مقدمة ديوانه ( في رحاب الاقصى ) حيث يقول :
وراية الشعر للإسلام أرفعها كالشمس يشرقُ مجلواً بأوزانِ
يعيش حسانُ في قلبي وفي قلمي فهل بلغتُ بشعري روحَ حسانِ ؟
نحسبك بلغت روح حسان في شعرك يا شيخنا ولا نزكي على الله أحدا .
معنى الشعر عند العظم :
لم يكتب شاعرنا الشعر ترفا ، ولم يكتبه من أجل دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، بل كتبه ليكون سهما من سهام الحق ، كتبه ليخدم قضايا أمته التي كانت بأشد الحاجة الى أقلام رجال صادقين يعبرون عن ضمير الأمة الحي ، وكتبه من صميم قلبه معبرا عن مشاعره الحقيقية تجاه الآخرين وتجاه الأمة ، يقول شاعرنا رحمه الله يصف الشعر : ( والشعر الحق هو الذي يصور انفعالات الانسان ليغني لنفسه ولكن في سطور ويردد ألحانه أحرفا مكتوبة أو كلمات : هادرة حينا ، منسابة حينا آخر ... وأجمل الشعر ما كان نابعا من صدق الشعور عميق العاطفة شفيف الوجدان ، والشعر الملتزم هو الذي يحيا في ظل الاستثناء القرآني الخالد " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ) انتهى
وكان شاعرنا رحمه الله مدركا أن مثل هذا القلم في منطلقه قد يؤدي به الى دفع الأثمان الباهظة من أجل الدفاع عن الحق ، ومع أنه دفع الثمن من حريته ، لكنه لم يأبه واستمر شامخا مقتديا بمن سبقه حتى في العصر الحديث فهو عندما يصف شهيد القلم الشهيد سيد قطب رحمه الله نستطيع أن نجزم أنه فهم الرسالة كما فهما سيد ومستعد للتضحية كما ضحى سيد رحمهما الله ، يقول يوسف العظم في سيد قطب :
أكتب حياتك بالألم واصرع عدوك بالقلم
فمداده أقسى على صدر الغشوم من السقم
وسطوره فيها البراكين التي تلقي الحمم
في وجه فرعون الذي داس الكرامة مذ حكم
واليوم كان التلاميذ أوفياء لأستاذهم كما كان هو وفيا لمن سبقوه من العلماء والشعراء ، فها هو الشاعر الدكتور أيمن العتوم يكتب مرثية رائعة * عن الشاعر يوسف العظم يقول في مطلعها :
وشمختَ بالرأي المسدد صادحا والشعر رأيٌ في الحياة وموقفُ
وبقيت مثل ندى الغمام طهارة يحدو مسيرك في الحياة تَعَففُ
أما أنا فسأسمح لنفسي أن أقول في حق معلمي رحمه الله :
الله أكبر يا قلمْ إني رأيتك كالحممْ
في وجه أعداء العقيدة ما كُسرت ولم تنمْ
ورأيت شعرك شامخا زانته أنواع الحكمْ
ورأيت أحرفك المضاءة عانقت كل القممْ
من قدسنا الغالي من الأقصى الى أرض الحرم
من سورة الإسراء بالقرآن حاربتَ الصنمْ
هو إن سألتم عنه يا أحباب يُنبئنا القلمْ
هو ( يوسفٌ ) هذا العظيم ، هو الشريف ابن ( العظمْ )
يوسف العظم شاعر الأقصى :
استحق شاعرنا على مدى عمره هذا اللقب فلقد أولى القضية الفلسطينية أكبر الاهتمام وجعل الأقصى نصب عينيه ، فكانت كلماته المعبرة عن جرحنا في القدس ، وكانت أناشيده تنتشر بين أشبال الأقصى كالطيف تُغنى ويهتز لها القلب من قوتها وصدقها وفي ديوانه ( في رحاب الأقصى ) أكبر دليل على أنه كان شاعر الأقصى بحق ، يقول في إحدى قصائده :
يا قدس يا محراب يا سفوحك الخُضرُ ربوع المُنى يـا أفرع الزيتون في قدسنا إن مـزق الغاصب أرحامنا فـمـا لنا غير هتاف العُلى | مسجدُيـا درة الأكـوان يـا وتـربـك الياقوت والعسجدُ كـم طاب في أفيائها الموعدُ وقومنا في الأرض قد شُردوا إنـا لـغـيـر الله لا نسجدُ | فرقدُ
وظل شاعرنا يستنهض الأمة لتحرير الأقصى على قاعدة توحيد الله الذي أنزل للمسلمين قرآنا فيه لكل داء دواء ، مستجليا للناس أوهام الواقع المرير ، كاشفا لهم عن وجه الأعداء الحقيقي ومن يساندهم :
يا حماة الأقصى الجريح قـد ملأتم رحب الفضاء كلاما ومـضيتم لمجلس الأمن ضعفا أن يـدين العدو يا لهف نفسي أيـهـا المسجد الجريح سلام إن علت راية الرسول ودوت أن تـسيل الدماء حتى تروي | أفيقواأيـن أقـصاكم الذي وأثـرتـم من الحديث شجونه وهـوانـا وذلـة تـرجـونه كـيف نرجو عصابة أن تدينه لك عهد على المدى لن نخونه دعـوة الله وهـي فينا سجينه صخرة القدس والقباب الحزينه | تحمونه
ونعود مرة أخرى للتلميذ المخلص وهو يصف شاعر الأقصى :
يا شاعر الأقصى وأنت تصوغهُ لحنا على وجع العروبة يُعزفُ
ظلت حروفك في هواه نقية وحروف غيرك في هواه تُحرَّفُ
وعشقته حتى عُرفت به هوىً والعشق في حق الحبيب تصوفُ
وصدق الشعر العتوم فشاعرنا يوسف العظم من القلة الذين ثبتوا على موقفهم وظلوا حتى آخر نفس وهو يدافع عن الأقصى من غير تنازل أو تحول .
يوسف العظم الشاعر الرباني :
كم سررت عندما سمعت من أحد المقربين من الشيخ عن حسن خاتمته ، حيث طلب الوضوء وبعد الوضوء وفي نيته الصلاة توفاه الله ، وكانت الوفاة بعد صراع طويل مع المرض ولكنه صبر واحتسب وكان مؤمنا حقا ، يقول عنه التلميذ البر :
وكمِ ابُتليت فما جزعت ولم تهنْ والله يرأف بالعباد ويلطفُ
قضَّيت أيام البلاء مصابرا وعلى العبادة رغم وهنك تعكفُ
ترجو الإله بفضله وبعفوه وسمير روحك في الليالي المصحفُ
وهذا والله ليس بغريب على صاحب المشاعر الايمانية وصاحب التسابيح الرائعة ، فمن يقرأ له وهو يحلق في سماء الذكر ، ويطير مع نسمات الفجر ، ويطوف حول معاني السمو ، يعلم علم اليقين كم هو شاعر رباني ، إيماني ، صاحب قلب عابد ، وعقل ساجد ، وجوارح متجردة لله رب العالمين ، واليكم بعض نسماته :
فتحت عنوان ( سبحان الله ) يقول :
لا تـمـتروا في إن ضـجّ في حركاته والـصبح في إشراقه سـبـحـانه قد حقق لا تـمـتروا في ذاتهِ مـن نبعه الثرِّ الغزير ناءت به السحب الثقال لا تـمـتروا في ذاتهِ والـحـق مـن إلهامه والـعـقل في إبداعه لا تـمـتروا في ذاتهِ | ذاتهِفـالـكـون من آياتهِ أو نـام فـي سـكناته والـلـيل في ظلماته الإعـجـاز في كلماتهِ فـالـرزق مـن آياتهِ يـجـود مـن بركاته فـسـال فـي ربواته فـالـوحـي من آياتهِ والـنـور من مشكاتهِ والـفـكر في سبحاته فـالـكـل مـن آياتهِ |
وتحت عنوان ( الباب الذي لا يغلق ) يقول واليقين في قلبه :
ضاقت بيَ النفس حتى كدتُ ومـزق الـشـك نفسي واستبدّ بها وأظـلـمَ الكون من حولي فواحزني لـكـنـنـي مـؤمـنٌ بالله إنَّ لـه إن أغلق الناس باب الود وانصرفوا | أختنقُواجتاح زورقَ عمري الموجُ والغرقُ فـلست أدري بمن أرضى ومن أثقُ قـد لـف كل حياتي الليلُ والغسقُ بـابـاً إلـيـه قلوبُ الخلق تنطلقُ فـعـنـد ربـك بـابٌ ليس ينغلقُ |
لله درك يا شاعر الإيمان طبت وطابت كلماتك وجعلها الله نبراسا لك في الجنة .
يوسف العظم والأناشيد :
كانت كلماته وما زالت تردد في كل مكان ، جابت انحاء العالم لصدقها وجمالها ، قوية الألحان ، جميلة الأوزان ، أنشدها المجاهد في الميدان ، والمربي للفرسان ، والداعية عبر الخطب للأوطان .
أغاظت أناشيده الأعداء ، وأغضبت أعوانهم في الصبح والمساء .
يقول في إحداها :
خندقي قبري وقبري فمتى ينفث رشاشي متى ؟ ومـتـى أخـلع قيدا هدني أشـرقَ النور على كل الدنا | خندقيوزنـادي صامتٌ لا لـهبا يصبغ وجه الشفقِ ؟ وثـيـابا نُسجت من قلقِ ؟ فمتى يغمر أرض المشرقِ ؟ | ينطقِ
وأنا أقول له بكل فخر واعتزاز :
رحـمـة الله عـليك يا مـن عـقـيـدة ديننا علمتنا قـد أزلـت الشك في أحوالنا قـد أنرت الدرب في كل الدنا | أبييـا حـبيبي في ظلال بـالـتروي والهدى والمنطق فـابـتعدنا عن دروب القلقِ من سماء الغرب حتى المشرق | الخالقِ
نسأل الله له ولنا الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء .
المراجع ( * ) :
ديوان في رحاب الأقصى – الطبعة الثانية 1980م
جريدة السبيل - العدد ( 705 ) 2007م