معارك نقدية
معارك نقدية
أحمد الخميسي . كاتب مصري
هناك كتاب أحرص على متابعة أعمالهم ، منهم د . مجدي يوسف أستاذ الأدب المقارن والحضارات المقارنة . وكنت قد قرأت له كتابه " من التداخل إلي التفاعل الحضاري " الصادر عن دار الهلال عام 2001 ، فلفت انتباهي بشدة إلي مفكر يبذل قصارى جهده لرؤية واقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي من منظور مصري. ولتوضيح المقصود ب " المنظور المصري " أستعين بفقرة واحدة من مقال " منهجية التفاعل مع ثقافة الآخر " يقول فيها د. مجدي : " فحين يهتم باحث من كفر الدوار مثلا بأعمال فيلسوف اجتماعي ألماني ك يورجن هابرماس ، فإن السؤال الذي يجب طرحه أولا هو : ماهي الأسئلة التي تطرحها العلاقات الاجتماعية الموضوعية القائمة في مجتمع الباحث ؟ وما الذي يمكن أن يقدمه خطاب هابرماس لتجاوز تناقضات ثقافة المجتمع الذي يمثله الباحث ؟ " .
ومؤخرا صدرت الطبعة الثانية من كتاب " معارك نقدية " للدكتور مجدي عن الهيئة العامة وقد أضاف إليها فصولا جديدة ومعارك أخرى لم تتضمنها الطبعة الأولى . وفي تقديمه للكتاب لاحظ د. عاصم دسوقي أن مجدي يوسف : " استخدم في هذا الكتاب أسلوبا غير مسبوق ، إذ عمد إلي إعادة نشر النص موضع نقده كاملا لكي يطلع عليه القارئ حتى تتاح الفرصة أمامه للموازنة والمقارنة " . وهكذا يصبح هذا الكتاب في واقع الأمر كتاب مجدي يوسف وكل الذين حاورهم ، وكلهم أساتذة كبار منهم جلال أمين ، وفؤاد زكريا ، ود. المسيري وغيرهم . وبطبيعة الحال فإنني لست بصدد عرض كل فصول الكتاب ، أو المعارك ، لكنني أود أن أتوقف عند قضية مفهوم الجيل والإبداع ، لأنه أحد المفاهيم الملتبسة لدينا ، منذ أن انتشرت العبارة الشهيرة " جيل الستينات " ، ثم أصبح من السهولة بمكان التوقف عند كل عقد ، ووصف مبدعيه بأنهم " جيل " السبعينات ، والثمانينات ، إلي آخره . وهكذا يطرح د. مجدي يوسف للنقاش قضية العلاقة بين مفهوم الجيل والإبداع . وبداية يرفض الكاتب المفهوم البيولوجي للجيل الذي أشاعه " فلهلم بيندر " ، وينحي بذلك جانبا قصة التأريخ الأدبي على أساس من تواريخ ميلاد الأدباء .
كيف يمكن إذن أن نحيط بمفهوم " الجيل " ؟ . ربما – كما يري كاتب آخر هو د . فتحي أبو العينين – أن مفهوم " الجيل " هو مجرد أداة تساهم في التعرف على طبيعة الصلة بين ما يجري في حقول الفن من جهة ، وبين التتابع الزمني التي ينتمي إليها المبدعون من جهة أخرى ؟ أداة يمكن بفضلها أن نفهم ظهور وتطور وزوال تيارات إبداعية في سياق تاريخي معين؟ وأن وحدة الجيل تنشأ نتيجة التماثل في محتوى الوعي، والاشتراك في المصير والطموح ، وأن هذا التماثل يعبر عن نفسه في الإبداع الأدبي ؟ . مرة أخرى يرفض د . مجدي يوسف مفهوم " التماثل في محتوى الوعي" كتعريف للجيل متسائلا : " كيف تكون تلك الوحدة الجيلية المزعومة بين وعي أبدع في طمس التناقضات وتبريرها ، وبين وعي آخر أبدع في كشف تلك التناقضات وتعريتها ؟ وأين هنا مفهوم الجيل بمعنى تماثل الوعي الذي يوحد كاتبين متقاربين عمريا مثل صنع الله إبراهيم وفتحي سلامة في " جيل " واحد ؟! وأين " تماثل الوعي " – على مستوى الموقف الأدبي - لدي كتاب الستينات مثلا من حرب 1967 ؟ . يتبقى تصور أخير لمفهوم الجيل ينطلق من أن الفئات العمرية التي تعيش مرحلة التشرب والتكون هي التي تكون أكثر تأثرا بالتجربة الاجتماعية مما يخلق تمايزا بين الأجيال المبدعة . إلا أن ذلك التصور الأخير الذي يوحد إنتاج الذوات المبدعة على أساس القدرة الأكبر على التأثر بالتجربة، إنما ينفي أو يطمس بدوره البعد الاجتماعي للعمل الأدبي . لا يقول د . مجدي يوسف صراحة إن تاريخ الأدب والإبداع ينبغي تقسيمه حسب المدارس الفكرية والأدبية وليس على أساس الجيل ، لكنه يشير إلي ذلك حين يقول : فمع من يقف العمل الإبداعي في نهاية المطاف ؟ هل يقوم بتنبيه المتلقي للقمع الواقع عليه ؟ أم يخمد فيه أي أمل في التغيير؟