دور محمد إقبال في توجيه الأدب والشعر

الشيخ أبو الحسن الندوي

د.محمد إقبال

الشيخ علي أبو الحسن الندوي

سادتي وإخواني! إنني أستحيي أمام الله تبارك وتعالى، ومن حضر من الإخوان أن أذكر في جوار الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ظل جدار مسجده العظيم، شخصاً غير شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن أشيد به وقد قال الشاعر العربي القديم:

ولما نزلنا منزلاً طلّه الندى                  أنيقاً وبستاناً من النور حاليا

أجدَّ لنا طيب المكان وحسنه                 منىً فتمنينا فكنت الأمانيا

وهذا هو المكان الذي طلّه الندى، ندى الرسالة السماوية الأخيرة، والصحبة النبوية العطرة، فلا يجوز إلا ذكر من نالت به هذه المدينة الشرف، ونالت به الإنسانية الحياة الجديدة، والمعنوية الحقيقية، ولكني سأتحدث عن رجل كان قوي الصلة عميقها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المبرر الوحيد للحديث عنه في هذا الجوار الكريم، ونحن على غلوة سهم – كما يقول العرب - من المسجد الشريف.

إن شاعرنا العظيم محمد إقبال كان – وقد شهدت ذلك بعيني وأشهد بذلك بجوار المسجد - إذا ذكرت المدينة – فضلاً عن الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم - دمعت عينه ولم يتمالك، وقد قال بيتين من الشعر بالفارسية معناهما:

(لقد لامني إخواني واستغربوا توجهي إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم على كبر سنّي، وأنا في سرور وحنين، ونشيد ورنين، وقالوا هذا إرهاق وتكليف بما لا يطاق، فقلت لهم: يا إخواني ألا تعرفون أن الطائر يهيم على وجهه في الصحراء، ويحلّق في الفضاء، فإذا أدبر النهار وأقبل الليل، تذكّر وكره ورفرف بجناحيه إلى وكره، يطير إليه ليأوي فيه، والمدينة وكر الروح ووكر العقيدة ووكر الإيمان بالنسبة إلى المسلم، فكيف لا أطير إلى وكري حين دنا أصيل حياتي).

إخواني وسادتي! إنني أتصور الأدب كائناً حياً له قلب حنون، وله ضمير واع، وله نفس مرهفة الحس، وله عقيدة جازمة، وله هدف معين، يتألم بما يسبب الألم، ويفرح بما يثير السرور، فإذا لم يكن الأدب كذلك فإنه أدب خشيب جامد، أدب مميت خامد، أشبه بالحركات البهلوانية، والرياضات الجمبازية، فالأدب ليس أداة تسلية، وإلهاء نفس وإزجاء وقت (أو قتل وقت كما يقول بعض الأدباء) فحسب، وإن الأدب من أكبر الوسائل للوصول إلى الأهداف النبيلة، وللتأثير في النفس الإنسانية، واسمحوا لي أن أقرأ أمامكم سطوراً تدل على ما كان يعتقده شاعرنا العظيم محمد إقبال وهي تدل على نظرته إلى الأدب، وعليها بنى أدبه، وعلى ذلك قامت مدرسته الشعرية الفكرية الفلسفية الهادفة.

يعتقد محمد إقبال أن الأدب لا يصل إلى حد الإعجاز، حتى يستمد حياته وقوته من أعماق القلب الحي ويسقى بدمه.

نقلت هذا المعنى في كتابي: "روائع إقبال" إلى العربية، ومنه أقتبس هذه السطور:

(يا أهل الذوق والنظر العميق، أنعِم وأكرِم بنظركم، ولكن أي قيمة للنظر الذي لا يدرك الحقيقة؟ لا خير في نشيد شاعر، ولا في صوت مغن، إذا لم يفيضا على المجتمع الحياة والحماس).

أنتم تعرفون أيها السادة قيمة نسيم السحر عند الشعراء والأدباء، وأهل القلوب الواعية الحية، ولكنه يقول:

(لا بارك الله في نسيم السحر إذا لم تستفد منه الحديقة إلا الفتور والخمول، والذويّ والذبول، إن غاية الإحسان في فن من فنون العلم والأدب لوعة الحياة الدائمة، ما قيمة شرارة تلتهب سريعاً وتنطفئ سريعاً؟ وما قيمة لؤلؤة كريمة أو صدفة لامعة لا تحدث اضطراباً في الأمواج ولا اضطراباً في البحار؟ لا نهضة للأمم إلا بمعجزة، ولا خير في أدب ولا شعر إذا تجردا عن تأثير عصا موسى)(1).

هذه هي نظرة إقبال إلى الشعر والأدب، وقد كان ذلك في الحقيقة ثورة في تاريخ الأدب وفي تاريخ الشعر، وفي عالم الأدب والشعر، إن الله سبحانه وتعالى قد قيّض في هذا العصر الأخير رجلاً جمع بين دراسات عميقة دقيقة، للفلسفات القديمة والفلسفات الحديثة، وللفنون والآداب، فقد عاش محمد إقبال في أوربا فترة طويلة في كبرى جامعاتها وقدّم رسالات علمية ذات قيمة، وعاش بين كبار النوابغ وكبار المفكرين في أوربا، ولكن الله سبحانه وتعالى اختاره لرسالة إسلامية إنسانية عالمية، واختار هو لتبليغ رسالته لسان الأدب ولسان الشعر، ولسان الأدب هو لسان الضمير ولسان الذوق ولسان النفس المضطرمة المضطربة، وقام برسالته خير قيام، وأحدث تأثيراً من أعمق ما عرف من التأثير في الأدب والشعر، إنه أنشأ مدرسة جديدة في الشعر، وأثر في تفكير الشعراء والأدباء، وأحدث تراكيب جديدة وأخيلة جديدة، ومعاني جديدة.

ويرجع الفضل في ذلك إلى عدة عوامل: أولاً: قوة العقيدة، وقد كان قوي العقيدة، ولا أعني بذلك أنه كان قوي العقيدة في صحة الإسلام، هذا والحمد لله يسعد به كثير من الناس، وكلنا نرجو الله أن نكون عند هذا الحد، ولكنه كان قوي العقيدة في صلاحية الإسلام للخلود، وأنه هو الرسالة الأخيرة المختارة، الرسالة الوحيدة التي تستطيع أن تجدف سفينة الحياة، وهو الذي يستطيع أن ينقذ العالم من براثن الجاهلية والوثنية، وعبادة الإنسان، وعبادة الأوثان، وعبادة الشهوات، وعبادة البطون والمعدات، إنه كان قوي الإعجاب بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وبمكانته المنيرة للسبل، وخاتم الرسل، ومقتدى الجميع وإمام الكل، الذي رفع من قيمة غبار الأرض فجعله إثمداً للعيون، وصيقلاً للقلوب(2). لقد قام كشاعر وأديب بدور فريد، وأثّر في الجيل المثقف الجديد في شبه القارة الهندية تأثيراً لا يُعرف لأحد من أقطاب الفكر ومن نوابغ هذا العصر، وما من شاعر ولا أديب حتى ولا كاتب جاء بعده، إلا وقد تأثر به في قليل أو كثير، أقول ذلك وتاريخ الأدب هوايتي وموضوعي، ما من أديب وشاعر في شبه القارة الهندية إلا وقد تأثر بإقبال في الألفاظ وفي التعبير وفي التراكيب، وفي الأخيلة وفي الاستعارات والمجازات، وليس لأحد أن يدّعي أنه قد تحرر من هذا الأثر، وأنه لم يتأثر بإقبال، حتى الذين كان اتجاههم غير اتجاهه أو عكس اتجاهه، إنهم خضعوا له من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.

وهذا هو سر الشخصية القوية، فإن الأدب لا يقدر على التأثير حتى يكون وراءه شخصية قوية، تفرض أثرها، وتفرض فكرها ومدرستها ومنهج تفكيرها، على هذه اللغة وعلى الشعراء والكتّاب، وقد كان ذلك في العصر القديم من مولانا جلال الدين الرومي (م672هـ) الذي فرض شخصيته الفكرية الأدبية على مدارس العجم كلها الأدبية والشعرية، فبقي تأثيره يعمل في مجال الأدب والشعر، والتفكير والبحث طيلة قرون، وكذلك بعض المعدودين مثل الشيخ مصلح الدين سعدي الشيرازي (م691هـ) وغيره، وقد أحصيت الكتب والرسائل التي كتبت عن إقبال فبلغ عددها ألفين (2000) ويعتقد بعض الثقات الدقيقين الذين لا يلقون القول جزافاً، أنه ما نال شاعر أوروبي في اللغات الحية – مثل اللغة الإنجليزية والألمانية والفرنسية والفارسية والعربية - مثل هذا الاهتمام – سواء بسيرته أو شاعريته أو مدرسته الفكرية - كما نال إقبال، لا شكسبير (SHAKESPEARE) ولا ملتون (MILTON) ويرجع السبب في ذلك لقوة شخصيته أولاً، وقوة العقيدة ثانياً، وقوة العاطفة ثالثاً، إن الأدب إذا تجرد من العاطفة القوية كان محاكاة أو مضاهاة، كان أشبه بمسرحية تمثّل، ودور تقليدي يعمل، فقوة العاطفة هي التي تضفي على الأدب القوة والخلود، وصلاحية الانتشار، والحلول في قرارة النفوس، والأديب إذا لم تكن عنده العاطفة فإنه أشبه بممثل – ولا مؤاخذة - وكان محمد إقبال قد أكرمه الله بقوة العاطفة.

كذلك لابد أن يكون للأديب والشاعر – بل أتوسع في القول فأقول لابد أن يكون للأمة - هدف معين وأن يكون لها مثل كامل. يقول إقبال: (إنني رجعت إلى الله تبارك وتعالى وشكوت إليه ما تنال هذه الأمة الإسلامية في هذا العصر من الهوان والذل، فكان الجواب: ألا تعلم أن هذه الأمة تملك القلوب ولا تعرف المحبوب، تملك الحب ولا تعرف إلى أين توجّه هذا الحب) أجل لابد للأديب والشاعر، ولابد لصاحب الرسالة وللجيل وللمجتمع وللمدرسة، لابد أن يكون لهؤلاء مركز حب يوجهون إليه حبهم الدافق، ومن النعم التي أكرم الله بها شاعرنا محمد إقبال أن جعل الإسلام مركز حبه، فكانت لديه قوة العقيدة وقوة الاعتزاز بهذا الدين، إنه مع دراساته الفلسفية الواسعة العميقة، كان يرى أن الإسلام هو دين الإنسانية والرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل الكامل للإنسانية، فإذا ذكره ترنحت عواطفه وجاشت نفسه وفاضت عينه.

إنني أذكر شاهداً على ذلك، كان أحد كبار الأمراء وأصحاب الولايات في الهند، زمن الحكم الإنجليزي قد دعاه لدراسة بعض الصكوك والوثائق القديمة التي أعطاها الملوك المغول لآبائه، وليترجمها إلى الإنجليزية، فقد كان محمد إقبال محامياً كبيراً ودارساً للحقوق فهيأ له مكاناً من أحسن ما يمكن، وأثثه أحسن تأثيث يقدر عليه أمير وصاحب ولاية وحكم، وهيأ له كل ما تقع إليه الحاجة من أسباب الراحة، ثم تخوّف أن يكون هنالك نقص أو فراغ، فدخل غرفته فجأة، فرآه مستلقياً على الفراش في الأرض، ولم ينم على السرير الذي قد هيئ له، فقال:

- سامحني يا معالي الدكتور، لماذا تنام على هذا الفراش وتترك السرير؟

فتوقف قليلاً، فلما ألح قال:

- والله تذكرت أن سيدي الذي أنتمي إليه، والذي يؤول إليه كل الشرف وكل السعادة في حياتي كان ينام على بساط متواضع على الأرض، فكيف يطيب لي النوم على هذا السرير الأثير، والفراش الناعم؟

ودمعت عينه، وأثّر ذلك على الأمير وإن كان هندوسياً، ومحمد إقبال نفسه يقول في شعره:

(إن السيد الذي داست أمته تاج كسرى كان يرقد على الحصير،

إن السيد الذي نام عبيده على أسرّة الملوك كان يبيت الليالي لا يكتحل بنوم،

لقد لبث في غار حراء ليالي ذوات العدد فكان أن وجدت أمة، ووجد دستور، ووجدت دولة(3).

هذه قوة العاطفة التي فقدناها يا إخواني، إننا نقرأ لأديب وكاتب – ولا مؤاخذة- فيبدو لنا من وراء الستار ممثلاً قديراً.. إنه يعبر عن نفسه بكلمات بليغة، وبأسلوب رفيع، ولكن لا تؤثر هذه الكلمات في النفس، ولا يبقى أثرها طويلاً، فننفض الأيدي من هذه الكلمات بسرعة، أما الشعر الحي الذي يبقى أثره عميقاً طويلاً، ويسيطر على التفكير والمشاعر، فهو الشعر الذي يخرج من القلب فيصل إلى القلب، وكل ما خرج من القلب وصل إلى القلب، أما ما خرج من العقل فيصل إلى العقل، والذي خرج من المخ يصل إلى المخ، وهو كثير، ولكن الشيء الذي يخرج من أعماق القلب يصل إلى أعماق القلب ويبقى فيها، هذا هو الأدب الحقيقي، هذا هو الأدب الذي يحتاج إليه، لا أقول العالم الإسلامي فقط بل يحتاج إليه العالم الإنساني كله، اتّخمنا يا إخواني من هذا الأدب الطامي الذي يطلع علينا صباحاً مساء، والذي نرى فيه صوراً وتماثيل لا حياة فيها، إننا نحتاج الآن إلى الأدب الذي ينفخ في نفوسنا حياة جديدة وروحاً جديدة، هذا هو الأدب الحي، وقد أشاد القرآن بقيمة اللسان البليغ وقوته، فوصف نفسه بأنه قرآن عربي مبين، إن القرآن لم يكن يحتاج إلى شيء خارجي أبداً، إنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين، ولكنه يصف القرآن بأنه قرآن عربي مبين، ويقول: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)(4).

ليس معنى ذلك أنه أرسل الرسل بلسان قومهم الذي يفهمونه فحسب، بل معنى ذلك أنه أرسلهم بأبلغ بيان، هذا هو اللسان المعني في القرآن، أما اللسان الذي يعبر به الطفل والإنسان الذي لا يكاد يبين، فليس هو المقصود وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أعربكم، أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر"(5)، إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي للأدب قيمته ويقول: "إن من البيان لسحراً وإن من الشعر حكمة"(6)، وكان أفضل أفراد هذه الأمة أبلغهم، ترون في خطب أبي بكر الصديق المعاني الحية، وترون فيها قطعاً بيانية فيّضة مشرقة، وكذلك خطب الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وفي مقدمتهم سيدنا علي رضي الله عنه، على ما هنالك من كلام منحول في "نهج البلاغة" ولكن الذي صحّ منه لا يزال في قمة الأدب، وكذلك كان كبار الدعاة عندنا في تاريخ الإسلام الإصلاحي والعلمي، كانوا من كبار البلغاء، هذا سيدنا عبد القادر الجيلي (م561هـ) كان من العبّاد الزهّاد وكبار المخلصين المنقطعين إلى الله، ولكن تقرؤون خطبه المحفوظة التي يوثق بها، فتشعرون أن هنالك رعوداً تقصف وصواعق تنزل، وبحاراً تزبد وتقذف، وهذا ما نحتاج إليه.

إن محمد إقبال له فضل كبير في أنه استخدم شاعريته الموهوبة السليقة لصالح الإنسانية، واستخدمها لصالح الإسلام، إنه كان يستطيع أن يتصدّر دست الأدباء والشعراء فيسلمون له الزعامة والرئاسة، وقد نال ذلك كثير من إخوانه المعاصرين، ولكنه أبى إلا أن يستخدم كل شاعريته وكل مواهبه الشعرية والأدبية لخدمة الإسلام والإنسانية، فأعاد بذلك الإيمان والثقة بالإسلام، والحب للرسول عليه الصلاة والسلام، أعادهما إلى نفوس ملايين من الشباب في شبه القارة الهندية، والأقطار التي تتكلم الفارسية وتفهمها مثل أفغانستان وإيران، ويا ليته استخدم اللغة العربية لشعره ورسالته، إنه كان يعرف اللغة العربية وكان مدرّساً لها في جامعة لندن نيابة عن أستاذه البروفسور نكلسون (NICHOLSON) مدة من الزمان، ولكنه لم يكن بمكانة من يقول فيها الشعر، ولما عرضت عليه ترجمتي لبعض مقطوعاته الشعرية أعجب بها وفهمها وتذوقها، وأعرف أنه كان يفهم اللغة العربية، ولكنه لم يستطع أن يستخدمها في شعره.

إن العالم العربي والحمد لله غني بكبار العلماء، غني بالمفكرين، غني بالمؤلفين، غني بالجامعات، غني بالمكتبات، ولكنه لم يرزق شاعراً عبقرياً مثل إقبال، لقد كان شوقي أمير الشعراء في عصره ومصره، وله مواقف إسلامية ونغمة إيمانية في الشعر العربي الحديث، ويليه حافظ إبراهيم، ولكنه ما جاء على أفق العالم العربي من المغرب إلى الشرق من يقوم مقام محمد إقبال، فيقول الشعر الإسلامي القوي البليغ، المثير الذي يحرّك أوتار القلب ويكهرب الجو ويتغلغل في أحشاء المجتمع العربي الإسلامي وفي أحشاء الأدب العربي(7) وهذا هو الدور القيادي الثوري في الأدب والشعر الذي مثّله محمد إقبال في عصره وبيئته.

إنني أنتهز هذه الفرصة الكريمة في هذا البلد الكريم وفي هذه الأمسية المباركة، فألفت نظر المعنيين بالأدب والكتابة ودراسة الأدب وتاريخ الأدب أن يعنوا بهذا الجانب الحساس الحاسم في أدبنا العربي، الذي يستطيع أن يغيّر الاتجاه من السقيم إلى السليم، ومن هوى النفوس إلى الأهداف النبيلة، إن القرآن يصف الأدب السقيم كلمة لا أبلغ منها فيقول: (زخرف القول غروراً) نحن في عهد الزخرفة، نحن نعيش في أدب مزخرف، ولكن حاجتنا وحاجة هذا العهد وحاجة العالم العربي بصفة خاصة، هي الأدب الهادف السليم، الدافق بالحيوية المتدفق بالقوة الذي يحمل رسالة سامية سماوية، إنسانية إسلامية عالمية.

هذه كلمتي لهذه المناسبة، أكتفي بها لأن الوقت قصير ولابد أن ندرك صلاة العشاء في المسجد الشريف إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(*) كلمة ألقيت في المدينة المنورة في قاعة مكتبة الملك عبد العزيز قرب المسجد النبوي الشريف، في احتفال عقده النادي الثقافي، ليلة الثلاثاء في 24/ من ربيع الآخر سنة 1405هـ ما بين المغرب والعشاء.

وقد غصت القاعة على سعتها بالمستمعين، وفيهم كبار العلماء والأساتذة والشباب المثقف والمعنيون بالأدب والشعر، واضطر كثير إلى الوقوف خارج القاعة لعدم وجود مكان للجلوس، وقد انتهى الحفل قبل صلاة العشاء في المسجد النبوي الشريف، ونقلت الكلمة من الشريط المسجل، نقلها عبد الرشيد حسين الندوي وتناولها المحاضر بشيء من التحرير والتنقيح.

               

الهوامش:

(1) روائع إقبال ص74، طبع المجمع الإسلامي العلمي ندوة العلماء، لكهنؤ، الهند.

(2) إشارة إلى الأمة التي لم يكن يحسب لها حساب فأصبحت قائدة للأمم، وصاحبة وصاية وإشراف على العالم.

(3) "أسرار خودي" (الفارسية) "روائع إقبال" ص 45.

(4) سورة إبراهيم الآية 4.

(5) سيرة ابن هشام ج1، ص 167 رواية عن ابن إسحق.

(6) أخرجه الترمذي وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه.

(7) إن عدم تقدم الشعر في العالم العربي كما تقدم النثر والكتابة، وعدم نهوض شاعر إسلامي كبير في الشرق العربي والمغرب الإسلامي، مثل ألطاف حسين حالي صاحب المنظومة التي سارت في الهند مسير الأمثال "المد والجزر في حياة المسلمين" والسيد أكبر حسين الإله أبادي المعروف بأكبر، ومحمد إقبال وظفر علي خان صاحب الشعر الإسلامي القوي البليغ، وحفيظ جالندهري صاحب الملحمة الإسلامية المشهورة بـ شاهنامه إسلام، وكلهم نبغوا في شبه القارة الهندية، إن هذا الأمر موضوع يجب أن يركز عليه الباحثون في الأدب والنقد وتاريخ الأدب في البلاد العربية، ويبحثوا عن الأسباب الداعية إلى ذلك.