سلسلة أطفال الحجارة
قراءة نقدية في المجموعة القصصية
"سلسلة أطفال الحجارة"
تأليف: خليل الصمادي
|
|
نقد: محمد شلال الحناحنة عضو رابطة الأدب الإسلامي |
خليل محمود الصمادي قاص فلسطيني أصدر أكثر من مجموعة قصصية، وقد اكتوى بلوعة
التشرد، وأُثخن بالجراح منذ أكثر من خمسين عاماً.
مجموعته الجديدة: "سلسلة أطفال الحجارة" الصادرة عن دار الحضارة للنشر والتوزيع
بالرياض العام 1425هـ، صممها وأخرجها الأديب عبد الناصر مغنم، وجاءت رسومها
بريشة الفنان المبدع الشاب سنان الدين مغنم، وهي عشر قصص، لم تتجاوز القصة ست
عشرة صفحة من الحجم المتوسط.
وتحكي القصص بأسلوب شائق بسيط بطولات أطفال فلسطين في مقارعة الاحتلال اليهودي.
الفكر النيّر والحسّ الإسلامي
تنطلق مضامين المجموعة القصصية "سلسلة أطفال الحجارة" من فكر إسلامي نيِّر،
فالجهاد الذي تحكي بطولاته على أرض الإسراء هو ذروة سنام الإسلام، وهو المحرك
الأول في المجموعة، كما أن شذى الشهادة يعبق في جميع قصص هذه السلسلة، مما
يجعلنا نقف فخورين بأطفال المسلمين، متيقنين بمستقبل عظيم، ونصر قادم للإسلام
والمسلمين، ولذلك نقرأ بإعجاب هذه الإرادة الشامخة لأطفالنا: "خالد يحمل
مقلاعاً ويقذف به مصفحات العدو، وسهيل يقذف الحجارة التي أخرجها من كنانته بعد
أن نفدت التي في يديه، وسمير يحرق العلم الإسرائيلي على مرأى ومسمع من الجنود،
وياسر يرقى إحدى العمارات لينصب العلم الفلسطيني ليرفرف في سماء غزَّة" .
(المحرض الصغير ص3).
هذا الإقدام البطولي لأطفال فلسطين، يدل على أن هذا الشعب لن يستسلم بإذن الله،
فنجد الطفل شادياً يلقّن الأعداء درساً في البطولة والشجاعة بمقلاعه وحجارته
التي لا تخطئ هدفها بعون الله، فيصبح هدفاً كبيراً لأعداء الله، ويأمر القائد
جنوده صارخاً: "أحضروه حياً مقطوع اليد أو ميتاً! صوبوا بنادقكم على يمينه..."،
وعندما يصيب الأعداء يده، ويقرر الأطباء قطعها، ووضع يد صناعية له، نراه يسأل
طبيبه بلهفه وشوق: "وهل أستطيع أن أحمل بها الحجارة وأرمي جنود الاحتلال؟!"
فيرد الأطباء جميعاً: "نعم يا شادي تستطيع ذلك".
عندها صاح بأعلى صوته: "الله أكبر.. الله أكبر... الحمد لله.. الحمد لله".
لا شلت يمينك (ص 15).
هكذا تتآزر خيوط القص لدى الكاتب خليل الصمادي من خلال حس إسلامي ناضج، ومضامين
مشرقة، وصور معبِّرة موحية.
اللغة الحية والتعبير البسيط
اللغة في هذه المجموعة سهلة تناسب براعم الطفولة، وهي تنهل من معجم جهادي زاخر
بمعاني المقاومة ومشتقاتها ومرادفاتها، أما التعابير فهي بسيطة بعيدة عن
التعقيد قادرة على التأثير الوجداني في النفوس بكل يسر: "إنه سبق صحفي نادر،
سيرى العالم كله هذه الليلة بطولة أطفال بلادي الرائعين. هكذا كان يخاطب الصحفي
زملاءه المصورين قبل أن يبث الشريط المصور إلى وكالات الأنباء".
(فارس يهزم دبابة. ص7).
كذلك لابد أن يشدنا مثل هذا المشهد الحواري المعبر عن معجم الشهادة وحبها:
" اكتب على هذه القطعة.
ماذا أكتب؟!
اكتب: "الشهيد البطل فارس عودة"!!.
امتثل رامي لأمر صديقه، وبعد أن انتهى ساعده في لصقها وسط الإكليل، إلا أنه ذهل
من تصرف فارس، وسأله عن سبب ذلك. "فارس يهزم دبابة ص7، 9".
فقال له: "أتمنى أن أستشهد في سبيل الله وأن أنتقم لشادي رحمه الله".
هذا الحوار المفعم بالرؤى الاستشهادية السامية يمضي بكل بساطة بين طفلين
فلسطينيين، وقد استطاع القاص أن ينقلنا إلى نبض الحدث بكل جوانبه الواقعية
والوجدانية والنفسية.
قبسات ومفارقات
إن ما يميِّز هذه المجموعة للقاص خليل الصمادي هو احتفالها بإضاءات من القرآن
الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ضمن مفارقات جلية بين الطفولة
الإسلامية في إقدامها وبطولاتها، وبين جنود الاحتلال اليهودي في جبنهم وتخاذلهم
وخوفهم، فاليهود يحشدون قواتهم وأسلحتهم لاعتقال بطل يحرّض الطفل أحمد لرجمهم
بالحجارة، وعندما يصلون إلى بيت محمد الذي حرض أخاه أحمد، يتبين أن محمداً طفل
صغير لم يتجاوز ثلاثة أعوام. قصة المحرض الصغير
ولا شك أن هذه المفارقة تأوي في معناها إلى قبسات من هدي القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة التي تلقي الأضواء على صفات الخسّة لدى اليهود مقابل فضائل
المسلمين.
وفي قصته: "رفرف يا علم" لجوء إلى الله من خلال آياته البينات، فنرى الطفل
خالداً يسير نحو أحد جنود العدو الذي كان غارقاً في نومه، فيربط العلم
الفلسطيني على لاقط جهاز الإرسال المرتفع في الهواء ثم يقوم بوضع حصاة في نبلته
بعد أن ابتعد عنه ثم سمّى الله تعالى وشد المطاط حتى وصلت يده اليمنى حذاء عينه
اليمنى ثم أغمض اليسرى، وفجأة ترك يده وهو يتلو قوله تعالى:
وما
رميت إذ رميت ولكن الله رمى"
(الأنفال:17)،
صرخ الجندي من هول الصدمة، فقد أصيب إصابة مباشرة، فقام وتلفت حوله فرأى
الأطفال يتصايحون ويضحكون، فهرع نحوهم دون أن ينتبه للعلم الفلسطيني الذي كان
يرفرف خلفه، وفي الحال اقتربت الدورية من المكان، فصاح أحدهم: انظروا، إنه
مخرّب فلسطيني يحمل علماً فلسطينياً ويركض، ربما يتجه نحونا ليفجر نفسه، هيا
أطلقوا النار عليه، صوب جنود الاحتلال بنادقهم نحو زميلهم ورموه بالنار، فسقط
على الأرض مضرجاً بدمائه. (رفرف يا علم ص 14، 15).
هذه القوة، قوة الرمي المستمدة من الله، هذا القبس القرآني في ألفاظه ومعانيه
لم يكن ليتحقق لولا التربية الإيمانية الصادقة التي يعيشها أطفال فلسطين، كذلك
انظر إلى هذه المفارقة الرائعة التي زفّها لنا القاص المبدع خليل الصمادي بين
الفطنة والفراسة الإيمانية للطفل الفلسطيني المسلم، وبين جنود الاحتلال
الأغبياء الذي أضحوا ألعوبة في ساحات معارك غير متكافئة.
دور الأم الفلسطينية
إن الأم الفلسطينية في دورها الجهادي أشبه بالخنساء التي تقدم الشهداء تلو
الشهداء، فما كانت هذه البطولات وهذا الجهاد ليتم بصورته المشرقة لولا الحماس
الذي تبثه الأم الفلسطينية المؤمنة بين أبنائها، بل كثيراً ما نرى الأمهات
الفلسطينيات يفرحن ويزغردن ويفتخرن بأبنائهن الشهداء، مهما كان من لوعة وحرقة
لا بد أن تبرز في النفس الإنسانية لفقد الأهل والأحبة، فهذا حسام أحد أبطال
القصص يسأل أمه عن أبيه من خلال حوار مشرق وهو مازال طفلاً:
"أمي.. أمي.. أين أبي؟!
أبوك أسير يا بني.
ما معنى أسير يا أمي؟!
محبوس في السجن يا بني.
من الذي حبسه؟!
حبسه المحتلون الغادرون
ولم حبسوه؟
لأنه بطل يا حسام، وأتمنى أن تصبح بطلاً مثله.
ومتى سيخرج يا أمي؟!
انتظر يا بني واصبر، وما لنا إلا الصبر" (قصة ابن الأسير ص5).
ويتكرر هذا الدور العظيم للأم الفلسطينية في جهاد العدو في عدة قصص من
المجموعة.
وهج الأسماء
لم تأت الأسماء في هذه السلسلة عبثاً، فهي تنهل من مرجعية إسلامية توحي لنا
بأمجاد المسلمين على مر التاريخ، لا سيما عصورهم الذهبية، وهي من الدلالات التي
تحفز أطفالنا لمزيد من البطولة والمقاومة.
إن للأسماء لدى القاص خليل الصمادي وهجاً خاصاً، فهو يكررها في قصصه ومنها:
"محمد، أحمد، عبدالله، عبدالرحمن، عمر، إبراهيم، علي، عمرو، خالد، ياسر، سعد،
سعيد، حسام، وليد، عبادة، فارس، سهيل، هشام، وغيرها"، ولأن للأسماء دوراً
عظيماً في العلاقات الاجتماعية بين الناس، وأثراً في النفس الإنسانية، فقد كان
الرسول صلى الله عليه وسلم يختار الأسماء بعناية لأبناء الصحابة رضوان الله
عليهم، وأمر بأن يُحسن الأب تسمية أبنائه، كما غيّر بعض الأسماء غير المناسبة،
وقد أجاد الكاتب في اختيار الأسماء التي تعبِّر عن الصمود والجهاد والتفاؤل
بنصر الله للمؤمنين القابضين على دينهم.
إيقاع الأناشيد
للأطفال عموماً شغف عظيم بحب الأناشيد وشدوها وترديدها، أما أطفال فلسطين في
مقاومتهم للاحتلال اليهودي، فإن هذه الأناشيد تغذي حماسهم وصمودهم في وجه قوة
عسكرية ضخمة، ولا تكاد تغادر أناشيد أطفالنا المرجعية الإسلامية، وتشعّ خيوطها
من التاريخ الإسلامي، وقدسية فلسطين، كما تمزج اللغة الفصحى بالعامية، والشعر
بالنثر، فنشدو مع أطفال فلسطين، للأقصى ولفلسطين الجريحة:
قسماً بالله وحده
سنعيد للأقصى مجده
(قصة: حبات البطاطا المدمرة):
هذا الفداء، وهذه الشجاعة والتضحيات تتكرر في أكثر من قصة فنقرأ:
"ما في خوف ما في خوف
الحجر صار كلاشنكوف"
(قصة: عند معبر المنطار)
"لا تهادن لا تساوم
اربط الجرح وقاوم"
ثم يخاطب هؤلاء الفتية الأبطال بلادهم:
فانظريني يا بلادي
إن جيش الفجر قادم
أنا صامد صامد
أنا صامد
إن هدموا بيتي
أنا صامد
إن قتلوا أولادي
أنا صامد
أنا صامد صامد
أنا صامد" قصة: عند معبر المنطار
ونقرأ هذا الثبات، وهذا الصمود، وهذه البسالة، والقوة في الحق بأسلوب آخر، وبكل
بساطة وبلهجة فلسطينية مؤثرة:
"لو هدموا بيتي مش خايف
لو كسروا عظمي مش خايف"
(قصة: فارس يهذم دبابة)
كما تتفتح الذاكرة الشعرية، تبثّ شموخ الشهادة والفداء في هذه القصص من خلال
إيقاع حماسي يخاطبنا جميعاً:
"سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا"
(قصة: مواجهة في غزة)
ولابد أن يستوقفنا نبض التاريخ الإسلامي بكل أمجاده، وشذاه، فنردد مع أطفال
الأقصى، أناشيد خزي يهود واندحارهم، مهما نرى من علوهم وجبروتهم:
اليوم يوم قينقاع
حط الحجر بالمقلاع
(قصة: لسعات النحل القوية).
ما نردد بعز وشموخ مع فلسطين من البحر إلى النهر:
"خيبر خيبر يا يهود
جيش محمد سوف يعود"
(قصة: ابن الأسير).