استعارات الفروسية لأحمد المجاطي4

استعارات "الفروسية" لأحمد المجاطي (4)

الاستعارات المبتدعة المجاطية

د.محمد الولي

وكما نتحدث عن الاستعارات العرفية في ديوان الفروسية فإننا نلاحظ أن هذا الديوان يعرض بعض الاستعارات العرفية عند الشاعر وحده. وندعوها استعارات عرفية خاصة تلك التي يبتكرها الشاعر، إلا أنه لسبب من الأسباب يعمد إلى الإلحاح عليها ومعاودة استعمالها مرات عديدة في ديوانه. إنها استعارات تسلطية، إذا جاز القول، بل نستطيع نعتها بالرموز الشخصية. ولا تحظى بهذه التسمية في رأيي إلا حينما يتواتر استعمالها بنفس المحتوى. وإن كان هذا لا يمنع استعمال نفس الكلمة بمعنى حرفي. من هذه الاستعارات "الريح". يقول المجاطي في "كبوة الريح":

علَى المُحِيط يَسْترِيحُ الثَّلجُ

                    والسُّكوت

تَسَمَّر الْمَـوْج علَى الرِّمَال

           والرِّيحُ زَوْرَقٌ

                 بِلا رِجَال

وبَعْضُ مِجْذافٍ

               وَعَنْكَبوت[1].      

ويقول :

وكَانَ رِيشُ النَّسْرِ

        فِي جِراحِنا العَمِيقَة

       فَماً

       وَتوْقاً ظَامِئاً

       لِدَقةِ الطُّبُولْ

لِعَصْفةٍ مِنْ كَرَمِ الرِّيحِ

      تَبلُّ رِيقَهْ

                             

ويقول في عودة المرجفين:

ياقلباً رَمَى المِرسَاةَ

للرِّيحِ الجَرِيئَة[2].          

                      

ويقول في قصيدة "سبتة":

 

أنا النَّهرُ

أمتَهِن الوَصلَ بيْنَ الْحَنيِن

                    وبين الرَّبابة[3]

       وبَينَ لهاثِ الغصُون وَسمْع السَّحابَة

  أنا النهرُ أسْرجُ هْمسَ الثَّوانِي

       وأَركُب نَسغَ الَأغانِي

           وأَترُكُ للرِّيحِ والضَّيفِ صَيفِي

                                وَمجدُولِ سَيفِي[4].

                                                   

ويقول في قصيدة "القدس":

رَأَيْتُكِ تَدْفَنِينَ الرِّيحَ

تَحتَ عَرائِشِ العَتْمَهْ[5].

                       

ويقول في  قصيدة كتابة على شاطئ طنجة:

هَبَّتِ الرِّيحُ مِنَ الشَّرْقِ

زَهَتْ فِي الْأفْقِ الغَرْبِيِّ

                          غَابَاتُ الصَّنَوْبَر[6].

                                        

وفي قصيدة الدار البيضاء يقول:

هَا أَنَذَا أُمْسِكُ الرِّيحَ

أَنْسُجُ مِنْ صَدَإِ القَيْدِ رَايَهْ[7].

                      

ومن هذا أيضاً:

يَاأَحِبَّائِي مَضى أَبَدٌ وَلَمْ يَمتَدَّ جِسرٌ

                              بَيْنَنا

مَا عَادَتِ الْأَفرَاسُ تَجْمَحْ

                    أوْ تَصولُ الرِّيحُ[8].

                          

 

ومن استعارات المجاطي الشخصية المتواترة أي الرمزية الشخصية "الخمرة". إن هذه اللفظة يستعملها في الواقع استعمالين: حرفي موصوم، واستعاري موسوم ومحبوب. فمن هذا الاستعمال الثاني قوله:

وَالْخَمرُ اسْتبَاحَتْ خُلْوةَ الصَّفْصَافِ بِالشَّمْسِ

                 ارْتَمَتْ نَهْراً عَقِيقِياً

                وَبَاتَتْ دارُنَا تَكْبُر[9]ْ.

ويقول في كبوة الريح:

التَّائِهُونَ فِي مَدارِ الوَخْدِ

            يَحْلُمونَ

بِلَحْظَةٍ يَنْحَسِر الزَّمانُ

          فِيهَا وَرَاءَ كَانَ

وَبَعدَمَا يَكُون

رأَيْتُهمْ يُصاوِلونَ النَّجْمَ

                يَرقصُونَ

والخَمْرُ وَالْمرَايَا

               وَالكُحلُ فِي الْجِراب

ونَكهَةُ الخمْرِ علَى أَسِنَّةِ

               الْحِرَاب[10].

                         

ولعل أجمل ما نستشهد به هنا قولة المجاطي في قصيدة وراء أسوار دمشق:

وحِينَ تَجَلَّتْ

وحِينَ تَمازَجتِ الرِّيحُ والْخَمرُ فِيها

        وأمْسَت وِلادَة حرْفٍ

                  وفَرحَةَ بَدءٍ

                  وفَجرَ قَصيدَة[11].

ملاحظة أخيرة على الاستعارات العرفية العامية والعرفية الشخصية. إن الأولى يتناولها الشاعر جاهزة من مستعملين داخل نفس الثقافة أو التقاليد الأدبية العريقة. إن تأويلها معطى جاهز، ولا مجال للابتكار أمام الشاعر ولا أمام المتلقي، في حين أن الاستعارات العرفية الشخصية يبتكرها الشاعر، إلا أن تأويلها لا يتم ولا يتأكد إلا بتعاضد استعمالاتها المتكررة فهذه الاستعمالات المتكررة هي التي تؤكد تأويلها التأويل الاستعاري الثابت.

ومن تلوينات هذه الاستعارات العرفية ما يدعوه جابر عصفور "القناع" وهو استعمال أسماء الأعلام للدلالة على صفة جنسية. ومن الأقنعة الأعلامية الشخصية التي ألح عليها المجاطي بكثرة إلى حد أشرف بها على الابتذال, قناعا لقمان وحنين. يقول في أولهما:

يادَارَ لُقمَان

موَائِدُ الَأمْطارِ فِيكِ

            والرَّدى

والرِّيحُ والأَشعَارْ

فكَيفَ لَا يُورِقُ بَيْن هَذهِ

              الأَسوَارْ[12].

   ويقول:                     

تَفجَّرتْ أَطلَالُ لقْمانَ

         فَكُل حَصْوةٍ نَهرٌ

         وكلُّ رملَةٍ سَحابهْ[13].                            

 ويقول في ثانيهما:

فدَوَّمْنا

ومرَّ بِركْبنا المنبتّ

يَمْضَغ عَظْمَ نَاقَتهِ

          وفِي عَينيْهِ خفُّ حُنينْ.[14]

تمثل هذه الاستعارات القناعية إلى جانب الاستعارات العرفية العامة أو الشخصية وأسماء الأعلام والجنس أساساً دلالياً قاراً إلى حدد ما. ويمكن لهذا الأساس الثابت أن يتخذ أساس التمكن من المعنى والتأويل بمجرد مواجهة الاستعارات المبتكرة أو الفريدة التي يتنافس عليها الشعراء. ولننتقل الآن إلى الاستعارات الابتكارية والفريدة والجديدة أو العقم كما يدعوها النقاد القدماء.

                  

الهوامش:

[1] "كبوة الريح" ص. 21

[2] "عودة المرجفين"، ص.ص. 19ـ20

[3]  في اللسان، الربابة: الحنين الشديد من البكاء والطرب، وقيل هو صوت الطرب كان  ذلك عن حزن أو فرح. والحنين : الشوق وتوقان النفس […] وحنت الإبل: نزعن إلى أوطانهن أو أولادها. […] وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. السحاب يرب المطر أي يجمعه وينميه. والرباب بالفتح سحاب أبيض، وقيل: هو السحاب واحدته ربابة؛ وقيل هو السحاب المتعلق الذي تراه كأنه دون السحاب. […] قال أبو عبيد: الرباب بالفتح : السحابة قد ركب بعضها بعضاً وجمعها رباب . […] أربت السحابة دام مطرها. […] الرباب قرب العهد بالولادة. […] قال الأصمعي أنشدنا منتجع بن نبهان

حنين أم البو في ربابها

والربابة بالكسر: جماعة السهام. وقيل خيط تشد به السهام: الجلدة تجمع فيها السهام […] والربابة والرباب العهد والميثاق.

 [4] "سبتة"، ص. 73

[5] " القدس"،  ص. 55

[6] "كتابة على شاطئ طنجة"،  ص.67

[7] " الدار البيضاء"، ص. 81

[8]  "من كلام الأموات"،  ص. 107

[9] "عودة المرجفين"،  ص. 16

[10] "كبوة الريح"، ص.ص. 26 ـ 27

[11] وراء أسوار دمشق،  ص.ص. 87ـ88

[12]   "دار لقمان"،  ص. 31

[13]  "دار لقمان"،  ص. 35

[14]  "خفُّ حنَين"،  ص. 110 ومن هذه الاستعارات: طارق وعقبة، ص. 74 و129 وباقل، ص.125 وعرابي، ص. 91. وقيصر، ص.67.