النص القرآني عند محمد شحرور 14
النص القرآني عند محمد شحرور
14
ياسين سليماني
3- الـذكر:
في هذا الباب يوضح شحرور فكرته حول القرآن بشكل أكثر دقّة في معرض وضعه لمفهوم الذكر وقد جاءت مفردة "الذكر" في التنزيل الحكيم في العديد من المواضيع، يقول تعالى:" إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون".
ويقول أيضا:" وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون"(1)، وكما قال:" ص والقرآن ذي الذكر"(2) وجاءت كلمة "الذكر" في الآيات الثلاث معرفة بالألف واللام، وجاءت في الآية من سورة "ص" مربوطة مع كلمة "القران" بأداة "ذي"، وهذه الأداة تدل على صفة الشيء لا على الشيء نفسه كقوله تعالى "وفرعون ذي الأوتاد"(3) ففرعون شيء والأوتاد شيء أخر، فالقرآن هنا هو الموصوف والذكر هو الصفة.
إن القرآن هو مجموعة القوانين الناظمة للوجود ولظواهر الطبيعة والأحداث الإنسانية وأساسه غير لغوي، ثم جعل لغويا لقوله:" إنا جعلناه قرآنا عربيا"(4) وانتقال القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية بلسان عربي ثم بصيغة منطوقة لذا فهو يتلى بصيغة صوتية منطوقة مسموعة أو غير مسموعة، وهذه هي الصيغة التي أشهر بها القرآن وبها يذكر بين الناس كما جاء في قوله:" اذكرني عند ربك"(5).
فالذكر هو تحول القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية منطوقة بلسان عربي وهذه هي الصيغة التي يذكر بها القرآن، وبما أنّ هذه الصيغة عربية فقد قال للعرب:" لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون"(6) أي صيغته اللغوية الصوتية في اللسان العربي المبين لذا قال:" فيه ذكركم" وهنا جاء أكبر عزّ للعرب.(7)
فهذه الصيغة للكتاب وهي صيغة عربية هي صيغة محدثة بلسان إنساني وغير قديمة وذلك ليذكر بها القرآن من طرف الناس ولهذا قال:" ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلاّ استمعوه وهم يلعبون"(8)
فنلاحظ دقة التعبير في الآية عندما قال عن الذكر أنه محدث ولم يقل القرآن، ولا ننسى أن الذكر القرآن نفسه ولكنه أحد صفات القرآن وهذا الفهم يحل المعضلة الكبرى التي نشأت بين المعتزلة وخصومهم حول خلق القرآن(9)، فإذا عرفنا أن الذكر ليس هو القرآن ذاته وإنما هو أحد خواصه وهو الصيغة اللسانية حصرا يزول الالتباس.
هذه الصيغة المحدثة هي التي أخذت الصيغة التعبدية، فعندما يتلو الإنسان الكتاب "بصيغته اللسانية الصوتية" بغض النظر عن فهم المضمون تكون تلاوته عبادة الناس فيها جميعا عربا أو غير عرب فإذا وقف في الصلاة مسلمان " عربي وغير عربي" وكلاهما تلا الذكر فصلاتهما مقبولة حتى وان لم يفهم المضمون(1)، لذلك قال تعالى:" وأقم الصلاة لذكري"(2) وفي ذات السياق يرى شحرور أنّ كلام الفقهاء القائل بأن الصلاة لا تجوز إلاّ باللسان العربي كلام صحيح لأنّ المطلوب في الصلاة التلاوة الصوتية للكتاب لا فهم الكتاب، لذلك قيل عن القرآن: إنّه المتعبد بتلاوته، فالقرآن يتلى، كما قال تعالى:" وأن اتلوا القرآن"(3) ومنه يظهر أنّ التحويل للقرآن "الجعل" إلى صيغة صوتية لغوية عربية قد أخذ الطابع التعبدي(4)، لذا قال عنه:" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر"(5)، إذن فالصيغة اللغوية للقرآن هي الصيغة التعبدية، وكذلك عن صيغة أم الكتاب "إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور"(6)، فيصبح الذكر بذلك هو الصيغة اللغوية الصوتية للكتاب كله وهي الصيغة التعبدية ويغدو من الصحيح أن نقول عندما تتلى آيات الكتاب "تتلى آيات الذكر الحكيم"(7)
1- سورة البقرة، الآيتان 1،2.
2-سورة البقرة، الآية 158.
3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص57.
4- المصدر نفسه، ص60.
5- سورة الحجر، الاية09.
1- سورة الحجر، الآية 06.
2- سورة ص، الآية01.
3- سورة الفجر، الآية10.
4- سورة الزخرف، الآية03.
5- سورة يوسف، الآية42.
6- سورة الأنبياء، الآية10.
7- شحرور، الكتاب والقرآن، ص62.
8- سورة الأنبياء، الآية02.
9- شحرور، الكتاب والقرآن، ص63.