محطات تربوية لعبد الرحمن خوجا
موسى أبو دويح
كتب عبد الرحمن خوجا مقالات وخواطر جمعها في كتاب سماه (محطات تربوية) صدرت طبعته الاولى عن المطبعة العربية الحديثة / فلسطين سنة 2009م. وبدأه بشكر لله سبحانه ثم شكر شهاب القواسمي وخليل سموم والدكتور أحمد فهيم جبر وصباح الفتياني وماتكوم.
وأهدى كتابه إهداء خاصا بعد إهدائه العام، وأكثر من ذكر المهدى إليهم، وبعدها عرف بشخصه الكريم وأفرط في التعريف إفراطا كبيرا. وبعد ذلك جاءت مقدمة الأستاذ الدكتور أحمد فهيم جبر، وبعدها كلمة المؤلف والفهرس الذي اشتمل على 35 موضوعا.
حاول الكاتب في كتابه جاهدا ان يصلح الأطفال والشباب والطلاب والأولاد ذكورا وإناثا، وأن يصلح الرجال والنساء والآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والمديرين والمديرات والمراهقين والمراهقات. وخص القدس وأهلها ومدارسها ومؤسساتها وظاهرة تسرب الطلاب والطالبات من مدارسها بقسط وافر من الكتاب.
وفكرة الإصلاح هذه تراود أذهان كل العاملين للإصلاح والتغيير. وهما فريقان اثنان: فريق يقوم على فكرة إصلاح الفرد، وعند هذا الفريق، إذا صلح الفرد صلح المجتمع، فيطلبون من الأب أن يصلح أبناءه ومن الزوج أن يصلح زوجه ومن المعلم أن يصلح تلاميذه، ومن الجار أن يصلح جاره، ومن القريب أن يصلح قريبه، وبهذا يصلح المجتمع عندهم. ونسي هذا الفريق أن من يطلبون منه الإصلاح قد يكون فاسدا ولا يرضى بالإصلاح، وأنه إن وافق على أن يكون مصلحا فقد لا يقبل منه الآخر ويصر على فساده وعناده ويرفض الاستجابة للمصلح. وهذا هو الواقع المحسوس الملموس الواضح للعيان، فما أكثر من يريدون الإصلاح ويعملون له في هذه الأيام! كالشيوخ الذين يسمونهم (رجال الدين) والأئمة والآباء والمعلمين وغيرهم، ومع كل هذا نرى المجتمع يزداد فسادا يوما بعد يوم. والمدارس خير مثال على ذلك، وهذا ما يظهر من كتاب المؤلف، فالجهل مستشر، والطلاب لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ولا الفهم ولا الادراك ولا الأدب ولا العلم.
وأما الفريق الآخر فتقوم فكرته على العمل لإصلاح المجتمع، وعندهم إذا صلح المجتمع صلح الفرد. فالمجتمع هو الذي يؤثر في الفرد التأثير المنتج والأقوى، وتأثير الفرد في المجتمع هو الأضعف، وواقعنا الحالي خير دليل على ذلك.
فالرسول صلى الله عليه وسلم عمل على إصلاح المجتمع من أول أيام الدعوة الإسلامية، وفهمت قريش والعرب ذلك منه، فعرضت عليه الملك والمال والنساء على ان يترك دعوته. فقالوا له أمام عمه أبي طالب: إن كان ابن أخيك (يا أبا طالب) يريد ملكا ملكناه وإن كان يريد مالا أعطيناه وإن كان يريد زواجا زوجناه. فقال له عمه: لقد انصفك قومك. فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة.
جاء في البداية والنهاية لابن كثير جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا. فقال يا عقيل انطلق فأتني بمحمد، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم. فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره الى السماء فقال: ترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم! قال: فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة. فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط فارجعوا. (رواه البخاري في التاريخ).
فالرسول صلى الله عليه وسلم استهدف الحكم والسلطان بدعوته، وعمل جهده على ان يكون له الحكم والسلطان، وهذا ما كان، عندما تمكن من إقامة الدولة الاسلامية في المدينة وتطبيق الاسلام فيها على الناس جميعا. وكان فيها الآمر الناهي، وكان هو الحاكم بين الناس، وكان له الأمر ووضع الوثيقة التي تنظم علاقة المسلمين واليهود التي سميت بالصحيفة، أي كتب كتابا بين أهل المدينة جميعا بين فيه لكل فريق من المؤمنين ويهود ما له وما عليه. وكان في المدينة من يهود: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة. فلما نقضوا عهدهم وخالفوا الاتفاق الذي أبرموه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاهم من ديارهم، وصادر آلة حربهم وقتل فريقا منهم لأنه كان صاحب الأمر والسلطان في المدينة.
فبالسلطان يصلح الأمر ويصلح المجتمع ويصلح الأفراد وتستقيم الأمور، وبدونه يبقى الناس هملا والأمر فوضى، وقديما قال الشاعر:
والـبـيت لا يـبتنى إلا لـه عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتـاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سـادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت وإن تولت فبالأشرار تنـقاد
فالذي غفل عنه الناس في هذه الأيام أن من يسوس الناس وتولى أمرهم طغمة فاسدة كلها شر ومكر وخداع وفساد، أمسكت بزمام الأمر وتولت الحكم وعاثت في الناس فسادا. فقام كثير ممن يعتبرون أنفسهم من المصلحين يعملون على إصلاح الفرد، وبقيت الطغمة الحاكمة مهيمنة على الأمور. والمصلحون يدورون في حلقة مفرغة لأنهم اشتغلوا بأنفسهم وذويهم وتركوا الحكام يعيثون في الأرض فسادا. وواقع البلاد الاسلامية والعربية خير شاهد على ذلك. وصدق من قال:
لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا