علي أحمد باكثير في " ملحمة عمر "(1)

سامية وفاء عمر الأميري

علي أحمد باكثير في " ملحمة عمر "(1)

سامية وفاء عمر بهاء الدين الأميري

الملحمة بين الفنون الأدبية:

لا يكشف لنا تاريخ الأدب العالمي عن اسم الشاعر الذي وضع الملحمة في انطلاقتها الأولى، ولكن الباحثين أجمعوا على أن الصورة المثلى للملحمة كانت من عمل هوميروس الشاعر اليوناني المبدع، وتذكر المراجع التي بين أيدينا أن شعر الملاحم: " ارتبط في نشأته بالطقوس الدينية، التي كان منها التغني بالآلهة وتمجيدهم والتوسل إليهم بترانيم وابتهالات يغنيها الأفراد أو المجموعات إلى جانب تقديم الضحايا والقرابين لهم، وكان الشعراء الذين يقدمون هذه الأناشيد الدينية من سلالة الآلهة في زعمهم، أو من الكهنة... وكانوا ينشدون هذه الأناشيد بمصاحبة الناي والمزمار، وكانت هذه الترانيم نواة لشعر الملاحم، وساعد على نموها كثير من الأحداث والمغامرات التي قام بها أبطال اليونان في حرب طروادة وغيرها، وقد افتن الشعراء في تصويرها، وأضافوا إليها من خيالاتهم الشيء الكثير.

ويتفق رأي مؤرخي الأدب كما أسلفنا أن هوميروس هو رأس الشعراء الذين أنشأوا الملاحم، وتتخذ ملحمتاه " الإلياذة " و " الأوديسة " نموذجاً لما بلغته الملحمة من إتقان وافتنان، وكان ذلك في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، ولكن مما لا شك فيه أن كثيراً من الشعراء قد سبقوه إلى تأليف الملاحم، وأنه أفاد منهم فائدة كبيرة، وأن هذه الملاحم قد تطورت حتى بلغت على يديه أوج الكمال (1).

لقد تطرق لتعريف الملحمة العديد من الأدباء والكتاب، ولكن وإن اختلفت التعاريف بألفاظها، إلا أنها تدور بمعناها حول محور واحد، ولقد اخترت من بين تلك التعاريف ما أورده الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه: " النقد الأدبي الحديث " إذ يقول:

"الملحمة قصة شعرية موضوعها وقائع الأبطال الوطنيين العجيبة التي تبوئهم منزلة الخلود بين بني وطنهم، ويلعب الخيال فيها دوراً كبيراً، إذ تحكي على شكل معجزات ما قام به هؤلاء الأبطال وما به سموا عن الناس، وعنصر القصة واضح في الملحمة، فالحوادث تتوالى متمشية مع التطورات النفسية التي يستلزمها تسلسل الأحداث، ولكل ملحمة أصل تاريخي صدرت عنه بعد أن حرفت تحريفاً يتفق وجو الخيال في الملحمة، وهي محكية لشعب يخلط بين الحقيقة والتاريخ مما يسيغ أن تحدث خوارق العادات، وأن يتراءى الإنس والجن أو الآلهة، والأبطال فيها يمثلون جنسهم وعصرهم ومدينتهم "(2).

وتحدثنا كتب الأدب عن اهتمام عدد من كبار المفكرين والفلاسفة أمثال أرسطو بالملاحم ونقدها ومقارنتها بالمأساة.. مما لا يتسع مجال بحثنا للترسل فيه، ولكننا نورد رأي بدوي طبانة في مقارنة الملحمة بالرواية المسرحية إذ يقول:

"وتختلف الملحمة عن الرواية بأنها تحكي الحادث، والرواية تمثله، وتختلف عن التاريخ بأنها تخلق وتبالغ وتؤثر بالصور الكلامية الخلابة، والتاريخ يروي ولا يبتدع، ويحقق ولا ينسق " (3).

هذه هي الملحمة التي نشأت عند اليونان، وتبلورت حسب تقاليدهم وعقائدهم وطقوسهم، فترى لو أننا نقبنا في تراثنا العربي عن الملحمة في أدبنا، فهل نجد لها ذكراً؟

لقد طرح الأستاذ أدوارد حنين هذا السؤال، ولما لم يجد في تراثنا أدباً ملحمياً حاول إيجاد تعليل لذلك في طبيعة الشعر العربي القديم، وفي طبيعة العقلية العربية. لقد لاحظ الأستاذ حنين... أن الشعر العربي القديم يمتاز بخاصيتين كبيرتين هما: الخطابة، والوصف الحسي الدقيق، وطبيعة حياة الرجل العربي وسط المهامه، والقفار ألهبت في نفسه ملكة الملاحظة الدقيقة لما حوله، ولم تلهب خياله جبال شاهقة ولا غابات فسيحة، ومن المعلوم أن الأدب التمثيلي يتطلب خيالاً واسعاً...

والغريب أن العرب عرفوا تعدد الآلهة والأوثان، بل وعرفوا الجن وعوالمه، ومع ذلك لم تنم عندهم

الأساطير نموها عند اليونان، ورغم حروبهم وغزواتهم فإنه لم ينشأ عندهم شعر الملاحم، على نحو الإلياذة والأوديسة... مع أن في بطولة صلاح الدين ما يبذ بروعته بطولاتهم " (4)...

غير أننا لو عدنا إلى تاريخ أدبنا العربي، فإننا نستطيع أن نقسمه إلى قسمين كبيرين، الأدب الجاهلي أو الأدب قبل الإسلام، والأدب بعد الإسلام، فأما سبب عدم وجود الملاحم عند العرب قبل الإسلام، فإننا لا نستطيع أن نرده إلى قصور خيال العربي وإلى الطبيعة الصحراوية الممحلة التي تحفه ـ كما علل ذلك الأستاذ حنين ـ لأننا لو سلمنا بما قاله بالنسبة لعرب الجزيرة وما جاورها، فماذا نقول عن عرب اليمن والشام والعراق؟ لقد كان لتلك البلاد حضارتها ومدنيتها، وكانت لديها الطبيعة الخلابة التي تلهب الخيال وتمد آفاق الفكر بكل ما يريد من صور... ومع كل ذلك فإننا لا نجد لديهم ملاحم بشكل أو بآخر؟ .

ولعل الذي يخرجنا من حيرتنا، عودتنا إلى فطرة العربي الأصيلة، وتتبعنا إلى صفاته وشيمه، عندما نجد أنه كان مطبوعاً بالصدق، جنوحاً عن الكذب، ولما كان الأدب عامة مرآة للحياة، وتعبيراً عن المشاعر والأحاسيس، فكان الأدب الجاهلي ـ إن صح التعبير ـ منطلقاً من واقع العرب، وصورة حية لمشاعرهم وطبيعتهم وطباعهم.

وإذا ما سرنا مع التاريخ حتى أشرق الإسلام على الإنسانية، فأنار العقول، وأزاح الظلام عن النفوس، وشجع العلم حتى حض على طلبه ولو في الصين، من المهد إلى اللحد، وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وشرع للناس أصلح الشرائع، وسن لهم الدستور القويم، ودعاهم إلى نشر رسالته في العالمين... فانطلقوا بعزم وإيمان، مجاهدين في سبيل الله، ذائدين عن دينه بأنفسهم وأموالهم، لتكون كلمة الله هي العليا.. وعندما كانوا مخلصين صادقين صابرين، أيدهم الله بنصر من لدنه، وبجنود لم يروها، وثبت أقدامهم... وهكذا اتصلوا ببلاد وعباد، ليست من طبيعتهم ولا من عاداتهم، ولا لغتهم... وبطبيعة الإسلام السمحة، التي جعلت حضارته مفتوحة، اعتبر المسلمون إخوانهم الجدد، إخوة لهم في الله، فعاملوهم كما يعاملون أهليهم وذويهم وتزاوجوا معهم، واختلطوا بهم، وتعلموا لغاتهم، ففتح أمامهم المجال للاطلاع على علومهم وثقافاتهم وآدابهم...

ومع ازدياد الاستقرار في بلاد المسلمين هدأت الحروب والفتوح وزاد اهتمامهم بالنهل من شتى ينابيع الثقافة، فترجموا العديد من الكتب، واطلعوا على مختلف العلوم والآداب، وتعمقوا في ذلك، ولدوا فيه وجددوا، وظهر منهم بعض الفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان ومنطقهم، ولا سيما بعد ترجمتهم لكتب أرسطو... ويهمنا هنا أن نتوقف قليلاً لنقول: إن العرب لم يترجموا فقط كتب العلوم والفلسفة، بل ترجموا أيضاً كتب الأدب، ومن أهمها: كتابا " الشعر" و " الخطابة أو البلاغة " لأرسطو.. فهل تأثروا بمختلف الفنون الأدبية عند اليونان؟.

إنهم في الواقع لم يأخذوا الأدب الملحمي ولا المسرحي من اليونان، كما أخذوا مبادىء العلوم والفلسفة والمنطق... فلماذا يا ترى؟؟؟

نعم، إن الأدب الملحمي عند اليونان يعتمد ـ كما أسلفنا ـ على الحروب والبطولات، فهل ينقص المسلمين حروب أو بطولات؟ لا شك أن كل مطلع على التاريخ الإسلامي يؤكد معنا ما كان للمسلمين من فتوح عظيمة وبطولات فذة، يعجز القلم عن وصفها، ولا مجال لمقارنتها بحروب اليونان، لأنه شتان بين هذه وتلك، وهناك بون شاسع بين أن يحارب اليونان طمعاً في سلطة أو مال... وأن يجاهد المسلمون لتكون كلمة الله هي العليا.. ومعارك القادسية واليرموك والجسر، بالإضافة إلى غزوات النبي ( صلى الله عليه وسلم)، وغير ذلك كثير، من بلاء المسلمين وفتوحاتهم، خير دليل على الاختلاف الكبير بين الاثنين.

إن المسلمين كانوا يقاتلون لله فقط، فما كان يهمهم أن يدونوا بطولاتهم في ملاحم، بل كان مبتغاهم، نصر دين الله، وما ينتظرهم عنده جل جلاله من حسن جزاء، سواء استشهدوا أم انتصروا يجاهدون في سبيله:

"قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين" (5).

"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون.." (6).

وكانت الشهادة في نظرهم مرتبة أعلى في الحياة من الحياة الدنيا:

"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله"(7).

أما الدكتور محمد مندور في مقدمة كتابه " مسرحيات شوقي " فيتساءل عن السبب الذي منع العرب من أخذ الأدب التمثيلي عند اليونان، على نحو ما اخذوا مبادىء العلوم والفلسفة والمنطق في العصر العباسي؟ ويرد على هذا بقوله:

"...إن الأدب التمثيلي عند اليونان كان وثيق الصلة بديانتهم الوثنية، ففي أحضانها نشأ، ولتشخيصها وعرض مبادئها وفلسفتها وضع، وذلك على عكس العلوم والفلسفة التي هي ملك شائع بين البشر، تستطيع أن تتمثلها كافة العقول، ولا ترتبط بأوضاع دينية أو اجتماعية خاصة فلا تعارض بينها وبين الإسلام، بل العكس استخدمت في تأييده والمحاجة دونه بالتفكير المنطقي والحجج العقلية عند علماء الكلام وفقهاء الشرع...

إنه العائق الروحي الكبير الذي منع العرب، فالديانة اليونانية القديمة التي نبع عنها الأدب التمثيلي عند اليونان، لا تتعارض مع الإسلام فحسب، بل وتختلف عن الوثنية العربية أيضاً، ذلك أن اليوناني القديم لم يتصور آلهته كقوى منفصلة عن الإنسان، بل تصورها على شاكلته، وخلع عليها كافة صفات البشر بما فيهم من ضعف وقوة، فجعلوها خاضعة لقوة كونية أسمى من الآلهة نفسها، وهي التي سموها بـ "الجبر الكوني" أو " الضرورة "... وهكذا جردوا آلهتهم من القداسة المعروفة عند الشرقيين، ووضعوا فوق الجميع تلك القوة التي ترادف " القضاء والقدر" واتخذوا من صراع الإنسان ضد القضاء والقدر، المادة الأساسية لمآسيهم، وأدخلوا الآلهة وأنصاف الآلهة والملوك والأبطال كشخصيات في تلك المآسي، وكل هذه الأوضاع لا يمكن أن تتفق مع فلسفة الإسلام الذي نادى بالوحدانية...

ومن البديهي ألا تكون " ملحمة عمر" وثيقة الصلة بالطقوس الدينية، والتغني بالآلهة والتوسل إليهم، لأن هذا مرفوض أصلاً في ديننا، دين التوحيد والعبادة، لا دين تعدد الآلهة والطقوس.

أما بالنسبة للمادة الأولية التي استند عليها اليونان في ملاحمهم، فلعل هناك شيئاً من التشابه الموضوعي المجرد بينها وبين " ملحمة عمر"، أقصد أن كلتا الملحمتين، اعتمدت على الحروب والمغامرات والبطولات، كأساس لموضوعها،غير أنها اختلفت في النهج الذي اتبعه لتفصيل جزئيات هذا الموضوع، هذا النهج الذي يوجهه الدين والعقيدة، ولقد تعرضنا قبل قليل لما ينتج عن اختلاف الدينين، وأثر ذلك الاختلاف في الأدب..

وإذا انطلقنا من تعريف الدكتور هلال للملحمة، منقبين عن وجود الاختلاف بينها وبين " ملحمتنا " فإننا سنجد في "ملحمة عمر" الروح القصصية، ولكنها غير شعرية.

وموضوعها ".. وقائع الأبطال الوطنيين الذين تبوئهم منزلة الخلود بين بني وطنهم.." نعم، إن حقيقة حياة سيدنا عمر رضي الله عنه كلها جهاد يرفع صاحبه إلى أعلى درجات الخلود، ليس بين بني وطنه فحسب، بل في الإنسانية جمعاء..

أما دور الخيال فيها، فهي لا " تحكي على شكل معجزات ما قام به هؤلاء الأبطال، وما به سموا على الناس"، وإنما هي تحكي لنا حقائق تاريخية حية قام بها هؤلاء الأبطال، وعاشوا بها ولها كل سني حياتهم.. وإذا استخدم الأستاذ بكثير الخيال فهو لا يستخدمه في تلك الوقائع التاريخية، ليرتفع بها إلى درجة المعجزات، وليضخم من بلاء أبطالها، ليكونوا بهذا البلاء متسامين على سواد الناس، إنه في هذا الباب يسرد لنا حوادث معيشة، تناقلتها الأجيال، جيلاً بعد جيل.. أما أين كان دور الخيال عنده، فهذا ما سنعرض له بشيء من التفصيل في الفصل الثاني عندما سنتحدث عما أضافه المؤلف للملحمة من أحداث غير تاريخية..

وإذا ما وصلنا إلى عنصر القصة الذي يكون واضحاً في الملحمة، فإننا نراه جلياً في " ملحمة عمر" حيث تتوالى الأحداث سائرة مع التطورات النفسية اللازمة لتسلسلها.

ولما كان: " لكل ملحمة أصل تاريخي صدرت عنه بعد أن حرفت تحريفاً يتفق وجو الخيال فيها "، فإننا نجد أن جل " ملحمة عمر" يقوم على أساس تاريخي، وما أظن أن التاريخ حرف ليتفق وجو الخيال عنده، وإنما العكس فإن الخيال صيغ بشكل يربطه بخيوط مع حقائق التاريخ..

وطبقاً لديننا الحنيف، فإننا لا نلمس في "ملحمة عمر" ما يسمى بخوارق العادات، أو رؤية الإنس والجن والآلهة، كما هو عند اليونانيين، ولكن الأبطال فيها يمثلون أمتهم وعصرهم.. وهذا ما سنتطرق إليه في عرضنا لموجز الملحمة..

على أن هذه الملامح التي رأيناها متوفرة في " ملحمة عمر" من صفات الملحمة الأصيلة التي وصفها الأدباء لا تجعلها " ملحمة " بالمعنى الحقيقي، فلماذا دعاها المؤلف " ملحمة " إذن؟.

يبدو لنا أنه لما كانت الملحمة تدور دائماً حول بطولات وحروب ومغامرات عظيمة، فإن باكثير وجد في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحياته وخلافته وجهاده ما قد يبذ بروعته وجلاله تلك البطولات التي كان يخلدها أصحابها من خلال الملاحم..

أما إذا قيل: بأن المؤلف كتب لنا هذه الملحمة على شكل مسرحية، فلماذا لم يدعها " مسرحية عمر" عوضاً عن "ملحمة عمر" ؟ فإن الجواب على ذلك، أن للمسرحية خصائصها الزمانية والمكانية، ومسرحية بهذه الضخامة والطول لا يمكن بحال من الأحوال أن يستوعبها مسرح، لا من الناحية الزمانية ولا المكانية، ويؤكد كلامنا هذا ما سبق أن ذكرناه عن مقارنة الدكتور بدوي طبانة بين الملحمة والرواية المسرحية إذ يقول:

"... وتختلف الملحمة عن الرواية بأنها تحكي الحادث، والرواية تمثله.. ".

ومن ناحية أخرى فإن الملحمة تعتمد على أصل تاريخي ـ كما سبق وذكرنا ـ وملحمة عمر تعتمد على أصل تاريخي أيضاً... وإن كان الدكتور طبانة ـ كما أسلفنا ـ قد فرق بينها وبين التاريخ بقوله:

" وتختلف عن التاريخ بأنها تخلق وتبالغ وتؤثر بالصور الكلامية الخلابة، والتاريخ يروي ولا يبتدع، ويحقق ولا ينسق."

فإننا نذكر بأنه إذا لم نجد عند باكثير من الإبداع والتنسيق ما تتصف به الملحمة، فلعله تعمد ذلك لما يهدف إليه من وراء ملحمته تلك من أغراض إصلاحية اجتماعية سنذكرها في حينها.

ولقد وجد باكثير بعض أوجه الشبه بين عمله الذي أسماه " ملحمة عمر" وبين " أدب الملحمة "، ولهذا أجاز لنفسه أن يطلق على عمله وصف الملحمة، وما ذاك ـ في نظري ـ إلا لأن كليهما يجعلان البطولة والحروب أحد المحاور الكبرى التي تدور حولها الأحداث، ولم يبال بعد ذلك أن تأتي " ملحمته " نثراً لا شعراً، وأن ينقصها الخيال المجنح الذي يضعها في مصاف الأساطير، وأن تخلو من الآلهة الذين يشاركون في صناعة الأحداث.

كما أن عنصر القصة واضح في " ملحمة عمر" حيث تتوالى الحوادث متمشية مع التطورات النفسية التي يستلزمها تسلسل الأحداث..

ومن أجل تلك الأسباب مجتمعة، أطلق باكثير، فيما يبدو لنا ـ اسم " الملحمة " على أثره الضخم هذا.

وهنا قد يرد سؤال على المطلع على هذا البحث: ترى هل سبقت دراسة هذه الملحمة من قبل؟ وإلى أي حد وصل الدارسون فيها؟.

فإني أقول بأن المؤلف أنهى عمله هذا، كما يذكر لنا في مقدمته للملحمة عام 1965م، وطبعت الطبعة الأولى منه سنة 1969م، أي قبل ست سنوات، والمدة قريبة، ولكن هذا لا يمنع أن يكون بعض الدارسين قد تعرضوا لها بالبحث والنقد، غير أنني شخصياً بحثت واستقصيت عن ذلك في عدة كتب ومجلات في مصر وسوريا ولبنان، ولم أحصل على أية معلومات حول هذا الموضوع.

يتبع إن شاء الله

الهوامش:

1 ـ د. بدوي طبانة: النقد الأدبي عند اليونان، الطبعة الأولى، طبع ونشر مكتبة الإنجلو المصرية ص:117.

2 ـ الطبعة الرابعة : هامش ص89.

3 ـ المصدر نفسه: ص118 ـ 119.

4 ـ المجلد 32 ـ ص 563 من مجلة الشرق عن كتاب: "مسرحيات شوقي " لـ . د. محمد مندور (بتصرف).

5 ـ سورة التوبة: الآية 52.

6 ـ سورة التوبة: الآية 111.

7 ـ سورة آل عمران: الآية 169، 170.