العالم الشعري عند الأميري من خلال "ألوان الطيف" (3)

سعيد ساجد الكرواني

العالم الشعري عند الأميري من خلال

" ألوان طيف "

(3)

سعيد الكرواني

  عمر بهاء الأميري

الفن والموضوع بين الهم والاهتمام

  من خلال إحصائية عامة لديوان " ألوان طيف " للشاعر الأميري، أمير البيان العذب رحمه الله، يتبين أن الخمسين قصيدة التي يشتمل عليها، تضع بين يدي القارىء حصيلة مهمة من الأبيات، تبلغ في مجملها ثلاثة وخمسين وسبعمائة وألفاً، منها سبعون ومائتا بيت من الأشطار هي محتوى قصيدة واحدة فقط هي غاية ما يكون الوفاء، بتلك النمطية الخليلية المألوفة، كان حظ " الرمل " منها اثنتي عشرة قصيدة، ونصيب " الكامل " عشر قصائد،  يتبعه " الخفيف " ف " البسيط " و" السريع " ثم " الطويل " و " المتقارب " و " الوافر ".(1)

  وتتوزع هذه القصائد إيقاعات مختلفة لم نفرق فيها بين التام والمجزوء، يأتي إيقاع "الرمل "  كما سلف  وهو إيقاع يتبعه الانسياب والخفة الموسيقية غير أن الديوان لا يشتمل إلاّ على قصائد قصار، منها قصيدة " حرم الحب " التي يبلغ عدد أبياتها الخمسين بيتاً مطلعها:

" لي حبيب لم يغب عن خلدي     وهوى نفسي، ولا طرفة عيني"

  والقصيدة غاية في الرقة والسلاسة والانسياب، زادتها رنة نون " الروي " تناغماً وانسجاماً مع المحتوى الوجداني المفعم بروح الشعر، وأنداء الفن المذابة.

  وأما قصيدة " في غلق " المنظومة على إيقاع مجزوء الرمل التي مبتدأها:

أفتح  العين iiكالمو
نصف حي، نصف ميت

 
غل في تيه iiسباسبْ
بين  موجود iiوغائب

  فإنها تشتمل على تسعة وثلاثين بيتاً، تصور في انسجام واضح بين الحمولة الفكرية والبناء الفني، حالة من القلق النفسي والاغتراب الروحي الذي يشيع في كثير من نظراتها من الديوان، وما عدا القصيدتين المشار إليهما، فإن الباقي من " موقعات " الرمل يتراوح بين واحد وثلاثين وأحد عشر بيتاً هي على التوالي " بركات " 31 بيتاً و " أغوى وأتوب " 30 و" هو " 26 و "برق " 25 و " قدر " ثم " مارد " 22، " وغير مباح " 15 و " مدى " 14 ، " أنا والشعر " 12 و "لم ترتو" 11 بيتاً.

  ويلي " الرمل "، إيقاع " الكامل " الذي حظه من القصائد عشر، أطولها قصيدة "كرامة " المنظومة على مجزوئه، والبالغة مائة وواحد من الأبيات صدرها:

"جاوزت سن iiالأربعينْ
ضيعت  عهد iiصباي

 
يا نفس هلا iiترْعَوِينْ
هماً في الحنين وفي الأنين"

  وهي تصور مرحلة دقيقة من مراحل حياة الشاعر، فقد نظمها بعد عام من مغادرته السلك الدبلوماسي، كما نص على ذلك بنفسه في التوطئة للقصيدة، ولذلك فقد جاءت عبارة عن حوارية، يفصح الشاعر من خلالها عن همومه وأحزانه، وثقته في الله تعالى ثم في نفسه المصقولة بالإيمان2)

والـشـر  أقـدر فـي iiالـتألب
قـد  أرجـفـوا فـنـداً iiكـثيرا
وظـفـرت فـي الـتمحيص iiما
فـعـدا كـبـيـرهـم iiعـلـي
قــد نــالــه iiويــنـالـه
نـزعـوا  " الـسفارة " من iiيدي
لـم  يـرتـفـع شـأنـي iiبـها
وسـلـلـتـهـم  مـن iiخاطري
ولـزمـت خـدري فـي iiإبـاء








 
إنـــــه داء دفـــيـــن
ضـل  سـعـي iiالـمـرجـفين
ظـفـروا عـلـيَّ بـمـا iiيدين
وإنــه " كـبـش iiسـمـيـن"
ورفـاقـه  الـعـدل iiالـمـبين
فـمـضـيـت مـرفوع iiالجبين
ورفـعـتـهـا  فـي الـرافعين
سـل  الـقـذاة مـن iiالـعجين!
شيمة الطبع الرزين(124 125).

  نعم لقد ترجمت يا رحمك الله عملياً حكمة الحكم:

فـكـرامـة الإنسان iiأجدى
وتـرفـع  المضطر iiأسمى

 
مـن  كـنـوز iiالـكانزين
من طموح الطامحين(119)

  وبعد قصيدة "كرامة " تأتي قصائد أخرى في الطول مثل قصيدة " في وحدتي " التي يبلغ عدد أبياتها واحداً وثمانين بيتاً، وهي منظومة كذلك على مجزوء الكامل وافتتاحيتها:

" في وحدتي والليل iiدا
والذكريات تلوح كسلى

 
ج، والـكون له iiامتداد
بـيـن أجفان iiالسهاد"

  وروي القصيدة متنوع بين الدال، والميم، والباء، والقاف، والنون، وغيرها من الحروف، وقد جاءت على شكل هندسي ثلاثي التركيب، متجانس المقاطع، أما أقصر القصائد المنظومة على مجزوء الكامل في الديوان، فهي قصيدة " رون " التي لا يتجاوز عدد أبياتها سبعة، وقد استهلها الشاعر بقوله:

يـا  رب ما أنا في iiالحيا
أهـي الـخيال أم iiالسرا

 
ة ومـا الـحياة iiورونها؟
ب، أم الرؤى مجنونها؟ "

  والقصيدة عبارة عن نفثة حائرة، صاغها الشاعر في قالب تساؤلات لم؟! ليس لها جواب.

  وهناك قصائد تتراوح بين ستة وسبعين بيتاً وتسعة: " شبح الخريف " 76 بيتاً، و " يا ليل " 30 بيتاً و " في البكور" 24 و " جندي " 18 و " المرجفون " 10 و " ولدي " 9 أبيات.

  وأما إيقاع "الخفيف " فيحتل المرتبة الثالثة بسبع قصائد، أطولها قصيدة " في قرنايل" الواصفة التي يبلغ عدد أبياتها تسعة ومائة بيت رأسها:

بادر الفجر واشتمل بإزاره     وتمتع الحسن في أغواره

  والقصيدة على الرغم من طولها، فإنها سارت على نفس قوي واحد، مشحون بقوة الشاعرية، وتدفقها المتجانس، وأما أقصر القصائد المنظومة على هذا الإيقاع فهي قصيدة " بلاء شهي " التي لايتجاوز عدد أبياتها العشرين ابتدأها بقوله:

" جانب الروح والسماء من
مـشرق ناصع كريم iiرحيم

 
النفس، نقي يمدني بالصفاء
مطمئن بين السنى والسناء"

  وبينهما قصائد أخرى تتراوح بين طول وقصر نسبيين وهي: " غيث في آب " 53 بيتاً، و"أمي " 48 ، و " ضمير" 36 ، و " شعور" 32 ، و " أم أحمد" 22 بيتاً.

  إن هذه الإيقاعات الثلاثة هي الأكثر شيوعاً في قصائد الديوان، وهناك إيقاعات أخرى هي على التحديد، إيقاع " البسيط" وحظه خمس قصائد: " غربة روح " 20 بيتاً، و " فضاء " 21 و " هاتف " 18 و " حلم ويقظة " 17 و " بشائر كتشاوة " 35 بيتاً، ومثله السريع: " لن أتوب " 26 بيتاً، " الهم المقدس " 28 و " مع النجوم " 24 ، و " ماذا ؟" 16 ، و "يا رحمة الله " 12 بيتاً، ثم إيقاع " الطويل " بثلاث قصائد  " فقر الرجال " 24 بيتاً و "رق " 12 ، و " عندليب " 11 بيتاً، ومثله " المتقارب " : " شكاة " 13 بيتاً، " غفوة صاحية " 18 و " وفي محراب الرسول صلى الله عليه وسلم" 9 أبيات، ثم إيقاع "الوافر" بقصيدتي: " زفرة " 41 بيتاً، و " صواب " 20 ، ومثله " الرجز" : " ساعتي " 35 و " قلقة " 22 ، وهناك أخيراً قصيدة " طيف " المنظومة على منهوك "الرجز"، وهي أطولها على الإطلاق، إذ يبلغ عدد أشطارها سبعين ومائتين، وهاك مقطعها الاستهلالي:

" تلمع في الأحداق

في قلبي الخفاق

لواعج الأشواق "

  والقصيدة عبارة عن لحظة تأملية، تحكي معاناة الذات الشاعرة وتقلباتها الممضة الحائرة، اختار لها الشاعر هذا الإيقاع القصير، فجاءت متجانسة مع دلالتها تجانساً واضحاً، كما تمتاز بتناغم فني مع حروف الروي المنوعة تنويعاً واضحاً، ومعمارها الفني قائم على تركيب ثلاثي للأشطار، وهي أشبه بأنشودة من الخفة بمكان كبير والتلوين الصوتي المتجاوب مع الحمولة الفكرية والوجدانية المصوغة.

  تتمتع بالصور الفنية واللوحات المشرقة عند الشروق والإشراق وعند الغروب والأصيل، فلا تملك إلا أن تعيش تلك اللحظة المختارة بكل شحناتها وملابساتها في " شبح الخريف " مثلاً كما سترى، ثم إنه ليس بمقدورك إلا أن تبكي مع " أم أحمد" وتحس بما أحس به الأميري رحمه الله في مقام الأبوة والبنوة، وقد يرى من يرى أن المسألة عادية، ولكن، من ينقلها فتتأثر بها هذا التأثير إلى هذا الحد والمدى؟!

  إنها " فضاءات متعددة الألوان والطيوب " (4) ولست في حاجة  مرة أخرى  إلى أن أؤكد  ربما  على الانسجام والتناغم مع المنحنيات النفسية والفكرية والعاطفية المكونة لمحتوى المادة الشعرية " للأميري رحمه الله " .(5)

  في قصيدة " شبح الخريف " ينحو المنحنى التصويري، فيرسم بلغة شفيفة ناعمة مستوية، ومنها:

" شـبح الخريف أطل عن iiكثب
حـيـرى وقـد فترت iiحرارتها

 
والشمس لاحت في كوى السحب
تـرنـو  إلى بحر الدنى iiاللجب

  والقصيدة كلها لوحة من الجمال اللغوي الأخاذ، تفننت في تصوير مشاهد طبيعية شتى من الخريف، وعلى الرغم من طولها، فإن القارىء لا يحس أي ملالة في استعراضها من أولها إلى آخرها، وقد مزج فيها الشاعر بين الذاتي والموضوعي مزجاً محكماً يشد القارىء ويأسره لأنها  حقاً وتأكيداً  لوحات جميلة رسمت بلغة فسيفسائية ناعمة، تخلو في معظمها من الألوان العميقة، ومن التجاويف الفنية التي قد تكون مدعاة إلى تعمية الدلالة وتزييغها.(6)

  والأميري  فعلاً  يكره الإبهام شعراً ورسماً وفناً و... كما قال بالنسبة إلى الغلاف، ولنستمع إليه رحمه الله في مقدمة هذه القصيدة: " تلامح الخريف لغيومه في الآفاق، تشكلات رائعة الجمال، على الأشجار حمرة مصفرة، ودفء يثير في النفوس شعوراً مبهماً، كأنه حزن الوداع، كانت حقول القطن في السهل المنساب بعيداً من " جبل الأربعين" تتفتح عن ثمرها الناصع، كأنه نجوم تتلألأ، في ليلة ساجية.. لقد كان يلمع في اللون البنفسجي، تحت أشعة الشمس المسددة إليه في فجوات الغيوم".

  أليست دعوة سافرة إلى التأمل في ملكوت الله تعالى؟! [ أفلا ينظرون؟!].

  ونبقى مع الصور والتصوير الفني.. " ففي قرنايل" ترى إطلالة الفجر، وإشراقة النهار. وتتخيل صراع الشمس والوادي على ابتزاز الروعة والجمال، ساعة الغروب، والدهر يشهد هذا الحدث الرتيب.(8)

  إن أغلب قصائد الديوان إن لم أقل شعر الأميري جله رحمه الله تسبح في عالم من الذات الشاعرة المغلفة بمسحة من الغربة الروحية، والمتصلة بالكون الشعري الفسيح المحوط بهالة النور التي يقبس منها عمر مادة الشعر الندية، ليصوغها عقوداً متألقة، تتلألأ مغموسة في سلسال الفن المذاب، ثم إن قصائد الديوان برمتها، وإن اختلفت أمكنتها، وتباينت أزمنتها، نسيج واحد، وفيض مسترسل من الأحاسيس الرقيقة المنصهرة في ذات الشاعر، وفي عقله وقلبه، وإن شئت قلت:

 هي معزوفة واحدة تعزف ألحانها أوتار متناغمة متجاوبة، منسجمة.(9)

  وقد تستبد بذات الشاعر حالة من الحسرة شديدة، إذا تذكر مجداً آفلاً صنعه الأسلاف، ثم فرط فيه الأخلاف، كما في قصيدة " غربة روح " التي تذكر فيها الأندلس وأمجادها الغابرة:

يا  قلب هل خلت الأكوان من iiطرب
يـرنـو  طـموحي إلى مجد iiتناوله

 
أم هـل عـقدت مع الأشجان ميثاقا؟
صعب على غير أمر الله إطلاقا(10)

  وبهذا القدر من التفاعل في عملية الخفق الشعري لدى الأميري تنعقد الصلة بحميمية بين الذات والموضوع، ويلتحم أحدهما بالآخر التحاماً يجعل القارىء لا يرى إلاّ الذات الشاعرة بتجلياتها وبمعاناتها.(11)

  وبعد الأندلس المفرط فيها، هل أتى دور فلسطين وغيرها مما أغتصب على مرأى منا ومسمع في غير مرأى أو مسمع؟!.

  قصيدتان لعميد الشعر الإسلامي المعاصر عمر بهاء الدين الأميري:

1  نصر من الله وفتح قريب:

  " تحية العام الأول للانتفاضة الجهادية الوثابة في فلسطين وأشبالها المؤمنين الميامين..":

تطاولي        يا        شهور
ورددي        يا        iiدهور
لقد         بدأنا        iiالعبور
وقد        عقدنا        iiالنذور
بدأ    الزحف   واثقاً   وتجشم
والعدو    الألد    جن    iiأجهم
يتهاوى   في  قعر  قعر  iiجهنم
يا         فلسطين         iiإنه
صدق        العزم        ظنّه
أضحك      الزحف      iiسنه









 

وأمعني       في      iiالصعود
زأر       الرجال      iiالأسود
وقد       عزمنا      iiالصمود
لله     أن     لا    iiنعود(12)
و" حماس" الإيمان هيهات يقهر
قتل   الأبرياء   غدراً   iiوأدبر
طائر   الجأش   هارباً  iiيتعثر
قدر         الله         iiحيعلا
ب   "   حماس  "  iiفهللا(13)
وابتغى       الخلد       معقلا

     لغد النصر والعلا (14)

  ولولا الآيتان الضمنيتان من الوفاء بالنذر إلى عدم النكوص على الأعقاب، والتولي يوم الزحف، ولولا الحماس/ الحماس، وحركة المقاومة " حماس "، ولولا قعر قعر جهنم و" أسفل السافلين" التي يظفر بها العدو، ويفلت منها من يستجيب لداعي الجهاد، ولولا حديث " أضحك الله سنك "، لحصرنا اللغة الاعتيادية في مقام الغضب، حيث لم يسطع الأميري إلى دفعه سبيلاً في هذا المقطع كذلك:

و  " حماس " الإيمان يشتد iiيمتد
لا تبالي بالموت، فالموت iiيحمد
في فلسطين قدس عيسى iiوأحمد
إن     الجهاد     والله    يشهد



 
والبطولات   صانعات  العظائم
في سبيل الإله... والنصر iiقادم
كم  توالت  على  العداة  iiهزائم
للبرايا قاصم الشر عاصم (15)

  نعم، إنه اليهود المركوز في طبائع طبائعهم بنص القرآن الكريم [ لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ]  وهم أي اليهود أولى بجهنم بل بقعر قعرها صلياً وفي هذا التعبير تحسيس بأنهم جمعوا جميع الصفات المرذولة فهم يهود مستكبرون ومنافقون، والمنافقون محلهم [ في الدرك الأسفل من النار]، ومع هذا نجد من يبالغ في المسارعة فيهم خشية الدائرة، لكن أمر الله لجنده الصادقين بالفتح من عنده قدر مقدور، ولا ينقص إلا الشروط الذاتية والموضوعية طبقاً لقوله عز وجل:[إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] وقوله عز وجل أيضاً [ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين] وقوله كذلك: [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم].

  وهو ذا الحل والجو كما تصور وصبا إليه الأميري رحمه الله تعالى في هذا المقطع الجميل الجليل إذ يمزج بين الرقة والقوة حسب مقتضى السياق والوضع، وهو معزوف على إيقاع المتقارب الحي الحيوي، ذلكم البحر القريب وزنه من أغلب الأغراض والموضوعات إلا أنه أشد قرباً ولصوقاً بالحماس والقوة والجهاد كما اشتهر بين الشعراء والنقاد وأغاني الناس على لحن إرادة الحياة للمرحوم إن شاء الله، أبو القاسم الشابي أنموذجاً، وهنا بالذات عند الشاعر عمر حيث الأمل يقدُّ بحق.

  يقول عمر بهاء الدين الأميري رحمه الله في " أشواقه وإشراقه "* حيث حضارة الإنسان والسلام الحقيقي لدحر كيد الأعداء في جهاد حقيقي كذلك على شتى الصعد مما يستدر وعد الله وهي رؤية صادقة وليست أضغاث أحلام.

سجدت   أسبح   ربي  iiوقلبي
فسحت ورحت وغبت iiوأبت..
كأن  هيولى  الرسالات  iiألقت
فذقت     طمأنينة    iiالذاكرين
وشمت   لوامع   فيض  iiسني
وجلجل  في  غور نفسي iiأذان
ويعلنها      صيحة     iiللجهاد
وحلقت   فوق   كيان  iiالزمان
فأبصر بالروح عبر الأعاصير
وقد  هتك الزيف وانهارت iiال
وأمة  " أحمد " تحدو " iiالفتوح"
وقرآنه   في   يمين   iiالقضاء
حياة    حضارتها   من   iiتقى
يقولون     حلم     ألا    iiإنها
غداً  سوف  يظهر  دين  iiالإله














 
تسرب  بي  ما  وراء  السدود
وما من غواش.. ولا من iiقيود
علي   سلام   َ   تجلٍّ  iiوجود
وعشت  هيام  اتصال iiالسجود
وكان   الغناء   وكان  iiالشهود
يهز  رموس  النفوس  iiالرقود
تدك     معاقل    كفر    iiلدود
أجاوز  ذاتي..  وأعدو iiالحدود
والليل   والويل   دنيا   iiسعود
سجون وخاب " الظلوم iiالكنود"
وتزحف   بين   القنا  iiوالبنود
يمد    الوجود    بفجر   iiولود
وإنسانها     مستنير     iiودود
لرؤيا  ستصدق  فيها  iiالوعود
ويقهر  في  الكون  كيد iiاليهود

  والملحوظ أن " سوف " هذه جاءت لغير التسويف لأن وعد الله صدق.

2  حياة الفداء:

 

وتصوغ الهموم - غب iiاختمار
أرغفاً    للجياع   مني   iiفأحيا

 
وتلظَّى   بنار   فرن   iiالسنين
بفنائي، فبذل دنياي ديني(16).

  إن قضايا الأمة، دقيقها وجليلها.. وكما سبق الإيماء، كيف لا يرثي لحال أحمد وأمه وهو الشاعر الأب المرهف الحس للأسرة الكبيرة والصغيرة؟! وكيف لا ينافح عن قضية المسلمين قبل أن يجيف " العبد الخاسر" الذي سئل يومئذ عن تطبيق الشريعة فأجاب في صفاقة :

" أتريدون أن ترجعوا بنا إلى عصر الحمير؟!"

  (...) وبعد التدخلات الكثيرة جاء الأميري خبر وفاة المسلمين إعداماً، وفي صباح زاره عميد السلك الديبلوماسي السفير الأمريكي يومئذ "وودس وورس" وهو رجل متقدم في السن ومعروف عنه أنه متعاطف مع القضايا العربية وأنه منطلق اللسان وخلال الحديث قال لي:

 أرأيت ما فعله هذا الأحمق؟!

قلت:  من؟!

قال:  عبدالناصر.

قلت:  ماذا فعل؟

قال: أعدم الإخوان المسلمين ونحن لا يهمنا أمرالإخوان المسلمين كثيراً، ولكن بيننا وبينه معاهدة سرية بها بندان هامان: الأول : تجميد القضية الفلسطينية لمدة عشر سنوات، والثاني تعطيل وإيقاف نشاط الإخوان المسلمين وفعالياتهم. لم نقل اعمل مجزرة واذبح الناس، والآن كل من تأذى وتضرر من هذا الذي حصل سيكون عدواً لدوداً لأمريكا، وأمريكا لا يهمها هذا، ولكن ما العمل؟(17).

  وكما تم الوعد سابقاً، فإن اهتمامات الأميري كثيرة وكبيرة، واستمع معي إليه في:

أم أحمد:

  رحمها الله ، طباختنا توفيت في بيتها فجأة، فلم يحزن أولادها! ومضى أحدهم بما أعطيناه من مال لمواراتها، فقامر به، تاركاً جسدها في الأرض، هملاً مسجى! وكانت زوجته تريد المال لنفسها،تشتري به زينة وثياباً!!.

لم    تجيء    في   الصباح   iiكالمعتاد
فابنها     قال:     إن    أمي    iiماتت
وابنها    قد   أراد،   إذ   جاء،   iiغنما
أخذ     المال     كي     يواري    أما
ومضى     بالذي     أصاب    iiقريرا!
ويله     سار     تاركا    جسد    iiالأم
وأتت      زوجه     تسب     iiوتشكوه
هي   تخشى   أن   ينفق   المال  iiطرا
يا    لتعس    الدنيا   إذا   كانت   iiالد
حملت      عبأها      ثمانين     iiعاما
جاهدت     "أم    أحمد"    في    iiبنيها
رحم     الله    "أم    أحمد"    iiوجزاها











 
بل     أتى     نعيها    بغير    iiاعتداد
قالها    دون    دمعة    iiوافتقاد!(243)
وابتزازا،    أحقر    به    من    iiمراد
ما   جنت   منه   غير   شوك   iiالقتاد
يا    ضياع    الجهود    في    iiالأولاد
مسجى       من      بؤسه      iiبسواد
وتبكي       من      حدة      iiواشتداد
دونها       يا       لخسة      iiالأوغاد
نيا مجال الأطماع والأحقاد(244 245)
في    عناء    وشدة    iiواجتهاد(245)
ثم    عقت،    وذاك    أقسى   iiالجهاد
كل  خير،  عن  سعيها  iiوالجلاد(247)

  ألا ما أعظم الإسلام حين يسلك البر بالوالدين في صعيد واحد مع توحيد العبادة لله عز وجل كما جعل عقوق الوالدين كليهما أو أحدهما سبباً كافياً لتصلية الجحيم، خاصة إذا تعلق الأمر بالأم لأنها جبال من الحنان والعطف والأولاد، ولا يمكن أن يكون حبها لأولادها إلاّ متطرفاً..

  هل يمكن لإنسان عاقل أن يطيع زوجته في سخط ربه ثم أمه؟! ألا إن العبودية نوعان إما أن تصرف للرحمان في حضور الإيمان، وإما للشيطان والهوى حين يطير الإيمان، اللهم برحمتك نلوذ ونحتمي.

  وما كان للأميري أن يخالف إلى ما دعا إليه أبداً رحمه الله ، والدليل على ذلك أنه مخلص لروح القرآن على كل حال، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، إذا قال الله تعالى:[ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم، فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا...] فإن أمه يسرت أمر البرور بها وهكذا ينبغي أن يكون المجتمع المسلم الصالح أولاداً وآباءً كما سيأتي إن شاء الله.

          

هوامش:

(1)  بتصرف ( نظرات في الشعر الأميري) من خلال ديوان " ألوان طيف" للدكتور عبدالرحمن حوطش (ص:198). مجلة الإحياء تصدرها رابطة علماء المغرب، نصف سنويةع : 1 من السلسلة الجديدة، الرقم المتسلسل 13 تحت إدارة الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله بتصرف.

(2)    نفس المعطيات.

(3)    نفسه.

(4)    نفسه بتصرف.

(5)    نفسه بتصرف.(198).

(6)    نفسه بتصرف.(205).

(7)    ألوان طيف.(292).

(*) ندوة حول جوانب من الأدب في المغرب الأقصى1404 جامعة محمد الأول، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة  سلسلة ندوات ومناظرات رقم1. الإسلامية في الشعر المعاصر بالمغرب للدكتور حسن الأمراني ص: 154.

(8)    ألوان طيف (ص: 60) بتصرف.

(9)    أنظر الهامش 1 ص :201 بتصرف.

(10)نفسه ص: 202.

(11) نفسه ص: 203 بتصرف.

(12)  ص: 75 ع: 12 من المشكاة.

(13) نفسه.

(14)  نفسه.

(15) نفسه.

(*)  من ص: 46إلى ص: 54.

(16) نفسه.

(17)شهادة " من عمر بهاء الدين الأميري / حقائق في وثائق مجلة المجتمع ع : 859 نقلاً عن مجلد الإصلاح، س: 1ع:1 والأخيرص: 8 الجمعة 8 رمضان 1408.