النص القرآني عند محمد شحرور
النص القرآني عند محمد شحرور
(5)
ياسين سليماني
في الحلقة الماضية تحدثنا عن الاسلام والايمان وكيف ينظر محمد شحرور إلى أركانهما وفي هذا الجزء يتضح لنا منهجه أكثر
ب- الأوليـات:
في هذا الجزء يتحدث محمد شحرور عن الأطراف الموجودة في أي نص لغوي، مادام أن القرآن يقرأ كنص لغوي، وهؤلاء الأطراف هم: المؤلف، والنص والقارئ أو السامع، وفي حالة القرآن فإن المؤلف هو الله، والنص هو التنزيل الحكيم والقارئ أو السامع هم الناس محدودو المعرفة سابقا ولاحقا مقابل الله مطلق المعرفة.
وبسبب أن القرآن آخر أشكال الوحي فجاء التنزيل يحمل ظاهرة التشابه، أي - كما ورد آنفا- ثبات النص وحركة المحتوى، وجاءت الأحكام في هذا التنزيل تحمل مرونة التطابق مع المتغيرات الزمكانية تاركة للمجتمع وللأرضية المعرفية في المجتمع فهمهم وصنعهم للمعاني.(1)
ج- اللغويـات:
المنهج الذي يستخدمه صاحب "الدولة والمجتمع" يصل إلى ذروة الوضوح مع شرحه لكيفية تعامله مع القرآن في مجال اللغة، فهو في هذا المضمار يرى أن التنزيل الحكيم خال من الترادف، في الألفاظ وفي التركيب، ف "اللوح المحفوظ" غير "الإمام المبين" والكتاب غير القرآن، والقول أن للشيء الواحد عدة أسماء يمثل "بدائية اللغة" مثل ما يقال من أن الأسد مئة اسم، فيرفض الأخذ به الآن.
إن التنزيل الحكيم خال من الحشو واللغو و الزيادة، فما اعتبره النحاة زائدا في النحو ليس زائدا في الدلالة ولا يمكن حذف كلمة واحدة من التنزيل الحكيم دون أن يختل المعنى كما لا يمكن التقديم والتأخير دون أن يفسد النظام الحامل للمعنى، وهذا ليس مجرد خلل في جمالية الشكل أو الوقع الموسيقي(2).
كذلك فإن شحرور ينطلق من مبدأ سلطة النص على القاعدة، ويقصد بها هنا القاعدة أو القواعد النحوية والبلاغية، فالنص هو مصدر القاعدة، وعالم اللغة يستخرج قواعده من التنزيل الحكيم، وليس التنزيل الحكيم هو الذي يخضع بالضرورة للقاعدة ، مثال ذلك أن سيبويه فيما يخص الفعل، يقول بوجوب مماثلة الفعل للفاعل في حالات الإفراد والتثنية، غير أن هذا لا نجده في قوله تعالى:" هذان خصمان اختصموا". فلم يقل "اختصما"، وهذا لا يعني أن الله أخطأ في القاعدة، ولكن يعني أن سيبويه لم يحكم ما أسسه على ما ينبغي، وهذا ما يفسر اختلاف المدارس النحوية في مئات المسائل.
وينبه محمد شحرور إلى التطوير اللغوي الذي جاء به التنزيل، ففيه مفردات غير عربية، وأسلوب يخرج عن الشعر و الخطابة اللذين ألفهما الجاهليون، وهذا ما يعني استحالة اعتبار مفردات اللغة في العصر الجاهلي كافية بذاتها لفهم التنزيل الحكيم.(3)
وفي ختام حديثه عن الجانب اللغوي، ينتقد علماء الدين الذين لم ينتبهوا إلى كون علوم اللسانيات تطورت تطورا هائلا، فلا يمكن في القرن الواحد والعشرين دراسة الآيات بمثل الطريقة التي كانت تدرس بها في العصور السابقة.1)
* الـمنهج الـفكري:
يتمحور الحديث في المنهج الفكري، وهو جزء من المنهج الكلي الذي يستخدمه صاحب "الإسلام والإيمان" حول الفهم العقلي للتنزيل الحكيم، أي الأفكار التي جاء بها الله في الآيات الكريمة، ويكرر القول في هذا الجانب بأن هذه الآيات لا يمكن أن تحتوي العبث والأخبار غير المهمة والمعروفة عند الناس، فإذا ما تمت قراءة قوله تعالى:" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة"،وسلم بما جاء في التفاسير رأينا أن الله يعلم الناس عمليات الجمع، وبأن الثلاثة إذا زدنا عليها سبعة، أصبحت عشرة، وهذا خبر يعلمه جميع الناس بما فيهم الأميون، فإذا ما أنسقنا مع ما يقوله هؤلاء – أي المفسرون- فإننا نستطيع الاستغناء عن لفظة "كاملة"، لأنها بهذا المنظور ليست ذات فائدة لأننا نعلم مسبقا أن الله يعلم العمليات الحسابية، وهذا أمر غير معقول في ضوء خلو التنزيل من الحشو(2)
هذا يجعل من رفض هذه التفاسير أهمية قصوى، والتفسير الصحيح هو الذي ينتبه إلى وجود أكثر من نظام واحد للعد عند الناس فهناك النظام العشري، والنظام السباعي والنظام الاثني عشري و النظام الست عشري فالعشرة في النظام الاثني عشري مثلا ناقصة نعبر عنها بالشكل (10/12) أما العشرة في النظام العشري فهي عشرة كاملة (10/10) وقوله تعالى" كاملة" في الآية إشارة إلى نوع نظام العد الذي جاءت الآية على أساسه4
ينبه شحرور في هذا الجزء أن التنزيل الحكيم يحمل دائما صفة القراءة المعاصرة، بمعنى أن المعاصرة تكون مقارنة بالشخص الذي يتناولها، بكلام أخر فقراءة ابن حنبل للتنزيل الحكيم هي معاصرة بالنسبة لوقته، و قرأتنا للقرآن اليوم هي معاصرة بالنسبة لوقتنا، والذي سيأتي في العقود والقرون القادمة ستكون قرأته معاصرة بالنسبة إليه.
ويقول شحرور أن التنزيل الحكيم هو كلام الله غير المباشر، أما كلمات الله فهي الوجود بفرعيه الكوني و الإنساني وهي القوانين المنظمة لهذا الوجود، وفهمنا لكلمات الله يجعلنا نفهم كلامه، أي أن مصداقية كلام الله تظهر في كلماته (الوجود) وفهم هذه الكلمات أو السنن الكونية والإنسانية يخضع للتطور والتغير، وعليه فإن فهم كلام الله فهم متطور غير ثابت بينما كلام الله ثابت في كينونته كنص.(5
ولهذا يرى شحرور أن القرآن يؤكد النظرية المادية في المعرفة الإنسانية وهي أن العلم يتبع المعلوم وأن المعلومات تأتي من خارج الإنسان عن طريق الحواس والوحي (الإلهام) وغيرها، وأما المعلوم يتبع العلم فهو من صفات الله فقط6)
- الموقع الرسمي للدكتور محمد شحرور.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- الموقع الرسمي للدكتور محمد شحرور.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه.