البكاء على زمن الجرون
مجموعة قصصية
" البكاء على زمن الجرون "
أسامة محمد أمين الشيخ/مصر
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
مجموعة قصص متنوعة للقاص المبدع محمد عبد القادر الشنهوري , وضعت لها عنوان " البكاء على زمن الجرون " أسلوب الكاتب رائق , سلاسة ألفاظه وتنوع قصصه من الواقعية فارتباطه الشديد ببيئته جعلته لا يخرج من قريته يعيش بين دروبها وحقولها وجروتها ولحاجة كل من إلى الخضرة وصفرة المحاصيل والنورج والسنابل ويوم الحصاد عشت مع قصته زمن الجروح " وسرعان ما غيرت الحرف الأخير إلى النون . فسارت من الجرون والذي عاش باطناُ في حوار مع جده وهو ممسكاً بأرغفة الخبز إلى النون عادلة بين الخبز الحالي والعيش الشمسي والجرون والخير الذي يعم الجميع من طيور وأهل وجيران وفقراء والليالي القمرية و ظهور الذئب ليلاً وينهي قصته بمقولة جده المتداولة في قرانا " القصب زرعه الكسلان " وهي دعوة خبير إلى تنوع المحاصيل أما في قصته طوق المظلة فتحكي عن أزمة الخبز وتوزيعه من خلال مشهد درامتيكي مأساة خارج المخبز وسط جو ملتهب والشمس في كبد السماء خيوط اللهيب الموقد الجمرات كلها ألفاظ تنافي واقع القرية وإذا كان ذلك الحال خارج المخبز فما بالك بداخله والكل ينادي ربيع ويذكر أن أبن القرية أكثر قدرة وتحملاً على الصعاب فيما يزرع ويقلح ويقلع ويثمر ويجني ولكن الكاتب أتى بالهامة والشملة ليجعلنا نعيش في بيئته التي لا زالت تتمسك بقمة مبادئ واحترام وتقدير وتوقير للكبير إلا أنه هدم المعبد على الجميع بقول عم رضوان " التوقير خلص يا حج محمد " فرد عليه من زمان " وفي قصته المقلاع " دخل بنا في سوق القرية وفي مشهد واحد المرأة التي تحمل المقلاع على الرغم من الزحام الشديد والبيع والفصال والشراء وتنوع الكاتب بين ألفاظه فبعضها غريبة عنا وعن بيئتنا مثل السلحفاة والقلاة وبعضها مناسباً مثل الماعز – حوض المياه – الأغنام – الليف وأغفل كاتبنا التوقيت الزمني في قصصه وإن عالج ذلك في قصته " الكرباج " بطلها عم عوكل رمز فيوجد في كل بلد فلا ندري هو في قنا الأقصر – قوص – جرجا لكن عربته المزينة ذات الألوان اللامعة وإعجاب السياح بها وكورنيش النيل على الرغم من وجود النيل في كل البلاد إلا أننا بقنا باتنا في الأقصر ولكن اللافت للنظر استخدام اللون الكستنائي نارداً ما نستخدمه على غير المعتاد فهناك الأصفر والأحمر والأببجر والألوان المعتادة ولكن اللون الكستنائي نادراً أما نستخدمه والكاتب ذكر الربيع توقيت زمن للقصة ولكن أجمل ما في القصة موقف الحصان الرافض للمسير لقد وضع جوالين فحم على العربة فأبى على الرغم من الكرباج وفي نهاية القصة يلعن عوكل التوك توك والمتوسيكلات وقد بالغ كاتبنا مبالغة مناسبة في وصف عم عوكل ملابسه وعمامته وجلبابه وحركة أنامله ولكن ما سقط فيه هو التشبيه " أنامله كعكاز يتكئ عليه " فالأنامل على الشارب الذي يقف عليه الصقر في السمو والعلو والارتفاع والعكاز دائماً ما يقف على الأرض فليس هناك علامة بين المشبه والمشبه به حتى وجه غير موجود وذلك في إطار بلاغي في قصته رأس ثانية " لا يخرج الكاتب من دواره وبيئته فشجرة السنط - الميكنة – المجري الروايح والمواشي والروث وتطلعات الزوج إلى حياة أفضل مع أخرى بدل من التي تربى وتخض أطفالها وتحلب الأبقار وفي النهاية أكتفى بحياته لأنه لا يجيد الحركات البهلوانية .
ولكن في هذه القصة إشارة إلى الرغبة في التغيير أم تعدد الزوجات وكذلك في قصة أحلام وردية يناقش مشكلة الزواج من كبار السن فهي لم تكن أحلام وردية بل كانت أحلام سوداء ولكن الواقع المرير في بلادنا الريفية يجعلنا لا نتكلم على الرغم من أننا نرى ونسمع ولكن صوتنا وشلت ألسنتنا هذا هو عرفنا وتقاليدنا وفي قصة المرأة العاشقة " يضع الكاتب على طاولتنا مشكلة غيرة النساء " من رنات تليفون الزوج المحمول وتقليد شاب لصوت امرأة يدخل الشك في الزوجة فصار العداء سمة بين الزوجين حتى عرفت الحقيقة واحتضنت زوجها فالمرأة حرباء تتلوى حسب الوقف الذي تريده وفي قصة ثلاثة تجاعيد وتكشيرة . بل ثلاث يضعنا الكاتب في قلق وعقد نفسية وتوتر إحساس بعد الطمأنينة وصفعات وإحباط وكأن كاتبنا يخرج من إطار بيئته إلى مجتمعه إلى الوسواس والتجاعيد والصرعات وفي قصة وسواس يتجه إلى المقهى ويحاور ماسح الاحذية ويترقب ما في عينيه دعما يخبئه وهل هو ماسح أم لا والورقة البيضاء وذهب وعاد مرة أخرى وأشتد حبه له وسأل عنه مرات وشاهد يجلس القرفصاء وهي جلسة فرعونية شهيرة فتخيلت إنتاجي معبد الأقصر وأنا كانت شنهور بلده أثرية فلعله تأثر بذلك ولكن الوسواس تأكد لكاتبنا عندما أيقن بأن الرحل كل يكتب خطاب بيد أحد رواد المقهى فالوسواس والشك اتجه إلى قلب كاتبنا إم إلى ماسح الأحذية وفي قصة كوكتيل يواصل كاتبنا إلى أصحاب المهن فأتجه إلى الخلاف واصفا صاحبه بالدعابة وخفة الدم وكثرة الكلام لينشغل الكاتب بما يقول ويتركه يداعب رأسه ويضع فيها ما يشاء .
وخرج كاتبنا علينا بقصة قطرات أفزعتني كلماتها وأحداثها وأشعرني بعدم الأمان في مجتمعنا إن أمكن ففي قريتنا لا يوجد ذلك ولا في مدينتنا فالشوارع مكتظة ولم يحرك ساكناً تجاه ما رآه ولكن الرجل الطويل القامة لم يعجبه الموقف وأقضي ما حدث لأنه يتنافى مع ما جبلنا عليه فلم أتصف كاتبنا بالسلبية ؟ ويهمنا في نهاية ما كتبنا إن القاص الشنهوري المتميز محمد عبد القادر خليل وظف طبيعة عمله كمدرس للخدمة الاجتماعية في أدبه فظهر المشكلات الاجتماعية الزوجية الأسرية علاوة على اعتزازه بقريته شنهور " المدينة الأثرية جنوبي قوص والتي أخرجت الكثير من الأفذاذ والعلماء والشعراء والأدباء والأبطال , أأمل أن لا أكون قد أطلقت عناني في قصص كاتبنا بقسوة وعنف فله كل التوفيق في مجموعاته القصصية القادمة .